منذ وقت مبكر كانت المرأة المطمع الأول والمَنفذ الذي حاول أعداء الأمة الإسلامية الدخول منه لتنفيذ أغراضهم الدنيئة، مستغلين حالة الجهالة التي فُرضت على المرأة المسلمة من جهة وحالة الانبهار بالغرب والتي أصيبت بها بعض النساء من جهة أخرى.
فقد أصبحت المرأة المسلمة تتعرض للاستهداف الممنهج لأن تكون متأثرة بالمرأة الغربية إلى حد كبير، فهذا الاستهداف هدفه الأسمى أن تكون المرأة الغربية النموذج المنسجم للمرأة المسلمة المعروفة بتعاليم دينها وعفتها وطهارتها وزكاء نفسها، من خلال دور الدول الغربية والمنظمات الإفسادية التي تسعى جاهدةً لتدميرها وإغراقها في وحل الضلال والغي.
بيد أن هناك نساء وقفن أمام هذا العدوان الذي يستهدفهن بكل ثبات وقوة، وكان لهن الدور العظيم في مسيرة الفطرة الراشدة، وبناء المجتمعات القوية والملتزمة، التي تنطلق من مفاهيم القرآن الكريم الذي عرض نماذج للكمال البشري الأنثوي من خلال العديد من النساء، ومن ضمنهن سيدة نساء العالمين، والتي حرص المعتدون والغربيون وأدواتهم على تغييب هذه السيدة العظيمة، وحرموا الشعوب الإسلامية من التطلع إلى الكمالات البشرية من خلال هذه القدوات القرآنية الرائدة.
كانت وماتزال فاطمة الزهراء عليها السلام، هي النموذج الأرقى، والقدوة الكاملة في إيمانها ووعيها، من تُجسِد الأخلاق والقيم والمبادئ الإسلامية، وتُشكل حصانة للمرأة المسلمة التي تتعرض اليوم لكافة أنواع الاستحداث والغزو من قبل المفسدين في الأرض، ومن قبل أعداء الله وأعداء الإسلام، من يحاولون أن يُحرِفوا المرأة المسلمة عن هويتها الإيمانية، من يحاولون أن يُنزِلوا قدرها العظيم، حيث جعل الله سبحانه وتعالى تمثيل خطواته الأولى لمشروعه الإلهيّ تتمثل في أدوار تقوم بها المرأة، فكان ثباتها في وقت الأهوال والحروب والشدائد يدل على واقع إيماني، على محبة لله والخوف منه ورجاء فيما وعد الله، واقعاً إيمانيا عظيماً جعلهن على درجة عالية من الثبات والصبر.
هو ذلك الإيمان الذي بُعث في فاطمة الزهراء وهي لا تزال صغيرة لتقف مدافعة عن أبيها، هو ذلك الإيمان الذي جعلها تقف في خطبتها العظيمة لتدافع عن مبادئ ومقومات الإسلام، هو ذلك الإيمان الذي جعلها تقف مع زوجها في حادثة السقيفة، وهو ذلك الإيمان الذي يدفعنا اليوم لمواجهة أكبر عدوان على مر الأزمان والعصور والتاريخ، لتطبيق تلك المواقف المشرفة كقدوة لنا نحن المسلمات، هو ذلك الإيمان الذي سيحمينا ويحمي مجتمعنا من عدو يتربص بنا ويستهدفنا ويدمر عفتنا ويشوه هويتنا الإيمانية.
كل هذا الدور المهم للمرأة لا يكون إلا من موقع مصون من موقع محفوظ، وليس من واقع الفوضى والابتذال،
ودور المرأة المسلمة يجب أن يكون أساسه بداية بالاقتداء بالنموذج الكمال البشري الأنثوي المتمثل في فاطمة الزهراء عليها السلام، وتتبع مسيرتها والأخذ بأقوالها وأفعالها، والنهج بنهجها، التي بلغت بين كل المسلمات والمؤمنات أسمى وأرفع مرتبة للكمال الديني، وذلك من خلال المقام الحقيقي الذي بلغته ووصلت إليه من إيمانها وروحيتها وأخلاقها وعملها، واستكانتها، ووعيها وبصيرتها ، مقام يمتد إلى الجنة، وصولاً إلى الصديقات الطاهرات عليهن السلام و من أولياء الله سبحانه ومن إمائه الصالحات ، فلا يتأثرن بالدعايات ولا يتأثرن بالإرجاف ولا بالتضليل الذي يستهدفهن، وكذلك لا يتأثرن بكل ما يسعى به الأعداء من إفساد وكيد.
ولهذا لقد أكرمنا الله بقدوة عظيمة، بامرأة عظيمة أكرمها الله بالطهر والنقاء، كيف لا وقد نشأت في بيت النبوة، على يد رسول الله أطهر خلقه، فكانت هي الأكمل لتكون قدوة نساء الأرض، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، فسلام الله عليها ثالثة أهل الكساء وصلوات الله وسلامه على أبيها، وسلام ورضوان الله على زوجها عليه السلام، وعلى ابنيهما سيدا شباب أهل الجنة، وعلى الآل الكرام الأطهار، وسلام الله على من تبعهم ومن نهج نهجهم إلى يوم الدين.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: المرأة المسلمة من خلال
إقرأ أيضاً:
ما الذي يُمكن تعلّمه من أحداث السويداء؟
الأحداث التي وقعت مؤخرًا في السويداء بسوريا لم تكن استثناء من العالم العربي، بل مرآة له. وعلى الرغم من أن جذور هذه الأزمة الطائفية لم تبدأ في الأحداث الأخيرة؛ إلا أن صدامات يمكن وصفها بالطائفية وقعت في شهر أبريل في جرمانا، وأشرفية صحنايا، ثم امتدت للسويداء، وتصاعدت الأحداث بعد ذلك إلى ما شاهده الجميع على الشاشات، ولا يعنينا هنا تسلسل الأحداث ذاتها بقدر ما يعنينا أن الحالة والخطاب الطائفي الذي وقع في السويداء ليس نشازًا في المنطقة العربية -كما هو معلوم-، بل نمط مأزوم من التسلسل التاريخي ليس حتميًّا بالطبع، لكنه متكرر بشكل كبير جدًّا، لا سيما مع سقوط دولة أو استبدالها بأخرى، ومثال عليه ما حدث عقب الإطاحة بنظام صدام حسين من حروب وقتالات طائفية، ما يصفه ستيفن سيدمان أنه «إرث استعماري بريطاني».
يتضح لنا أن المجتمعات العربية -أو كثير منها على الأقل- لا تزال حتى اليوم عاجزة عن تجاوز الطائفية، وكثير منها يعيش في الماضي على الرغم من تفاقم المشكلات التي نعانيها في هذه المنطقة، وتزايدها يوما بعد يوم، إلا أن كثيرًا من مجتمعاتنا لا تزال تستدعي الطائفة بل وتعيش في تاريخها محاولة أن تدافع عنها في كثير من الأحيان على أنها الحق الأوحد، «وكلٌّ يدّعي وصلًا بليلى/ وليلى لا تقرّ لهم بذاكا»؛ إذ الجميع يحاول باسم الحق والعدل والتوحيد والغيرة والتدين وغيرها أن يدافع عن الطائفة التي ينتمي إليها ناسيًا بذلك أن يعيش في عصره، ويطرح تساؤلات حول الوضع الذي يعيش فيه، أو عملية الإبادة الجماعية والتجويع التي يتعرض لها إخوته.
تبدأ الطائفية من الذات؛ لأن الحالة الجماعية للعيش داخل «الحظيرة» لا تتم إلا بإقناع الذات أولا بالتماهي مع الجماعة وإلا فلا قيمة لها؛ ولذلك تكثر عند الطائفيين الخطابات والشعارات التي تستدعي الماضي ورموزه دون باقي السياقات وتعقيداتها. لذلك فالذات هي المركز الأول للطائفية، وكلما كان الأمر منطلقا من الداخل أصبح أكثر استدامة؛ فالإرهابي الذي ينطلق إرهابه من الداخل لاعتقاده أنه بذلك يخدم فكرته أو دينه أو وطنه وغيره يكون أكثر تحمُّسًا وإقداما من الآخر الانتهازي؛ ولذلك يستغل هذا الصنف الأول لينفذ العمليات الانغماسية والانتحارية مقتنعين بذلك سيرهم إلى الجنة، أو خطوة في تحقيق الجنة على الأرض من خلال قتل المدنيين والأبرياء. والطائفيون كذلك؛ فكلما كان هذا الذي ينطلق في طائفيته مقتنعا من الداخل بالصحة المطلقة لفكرته والخطأ المطلق لأفكار الآخرين -وليتها بقيت عند الاعتقاد الداخلي فقط!-؛ فإن خطابه يتسم بالتشدد أكثر.
وهكذا يصنع منطق الانغلاق المذهبي دون محاولة النظر إلى الصورة الأكبر التي يُمكن للجميع العيش فيها في وطن واحد يكفيهم جميعًا. هذه الخطابات تصنع هويات طائفية لا هويات وطنية أو إنسانية -بعد أكثر من ربع قرن على كتاب أمين معلوف-، وهي المسيطرة على العقل، وليس أدل على ذلك من الأحداث المتكررة والمستمرة التي نراها؛ فالمشكلة أعمق من الخطاب الطائفي وحده، أو من عدم القدرة على الـ «عيش مع الآخر، لكنها تتعدى ذلك لتكون مشكلة عدم القدرة على بناء دولة، وعدم القدرة على بناء مجتمع من الأساس، ثم تصدير هذه الخطابات للأجيال التالية، وهكذا في دوامة مستمرة منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية حتى ما بعد أحداث السويداء.
تعاني كثير من الدول العربية من غياب واضح للعقد الاجتماعي بين السلطة السياسية والمجتمع، وبالتالي؛ فإن الأمر يتطور من عدم الاستقرار السياسي والقانوني حتى يصبح الوطن وما يتعلق به من مفاهيم أو ألفاظ لا يشكّل ملاذًا آمنًا للأفراد، فيضطرون حينها للبحث عن ملاجئ مختلفة، وهنا تظهر الطائفة باعتبارها الملجأ والملاذ لأفرادها؛ لأنها تشكلهم في مجتمعات مغلقة -غيتوهات- الكلمة العليا فيها للقيادات الدينية أو العرقية، حتى يتماهى الفرد مع الجماعة في حماية المفهوم الوهمي أو الذهني المسمى بالطائفة. ولذلك؛ فغياب هذا العقد الاجتماعي الواضح الذي يُمكّن الدولة والمجتمع من معرفة حقوق كل طرف وواجباته يقود لمثل هذا، وفي كثير من الأحيان يقود إلى الطغيان الذي يحاول أن يفرض عقدًا بالإجبار لا بالتشارك والرضى.
إن عدم تجاوز الطائفية حتى اليوم في المجتمعات العربية يشكّل فشلًا ذريعًا للنخب، سواء النخب السياسية أو الثقافية أو غيرها؛ لأنها لم تستطع حتى اليوم إيجاد مشروع حقيقي ينهي هذه الماضوية والسكن في التاريخ، بل ربما زاد بعضهم من حدتها والقطبية التي تحدث من خلالها. ويجب أن تتحمل هذه النخب مسؤوليتها في الوصول بالوعي الذاتي إلى الواقع -إذ سؤال المستقبل حتى اليوم مبكر للأسف-؛ لأن الوعي يجب أن يكون حاضرًا في الواقع اليومي، لا في مشكلات من مضى، فـ«تلك أمة قد خلت» وما على أهل هذا العصر من مشكلات أولئك أو صراعاتهم أو غيرها، وفي أحسن الأحوال يمكن فقط أخذ العبرة منهم، ودراستهم لإصلاح الواقع المعاصر، لا العيش معهم حتى يصبح الفرد أو المجتمع في زمنين لا يصلح لأي منهما، فلا هو القادر على العودة بالزمن للماضي، ولا هو قادر على العيش مع أهل هذا العصر.
والمتتبع لجميع حالات الانقسام الطائفي في المنطقة يجد أنها استغلت من قِبل طرف خارجي لتنفيذ أجندته السياسية أو العسكرية. فالطائفية فرصة المتربص الخارجي الذي يستغلها ليطبق المقولة القديمة «فرّق تسد»، وكثيرًا ما استغلت الصراعات الطائفية وضخمت الخلافات التفصيلية العلمية التي كان ينبغي أن تناقش في أروقة العلم، ثم يغلق عليها الباب ولا تخرج للشارع، فجُعلت قضايا ذات أهمية كبرى ينهدم بها الدين أو المذهب أو الطائفة.
وقد استعملت هذه الطريقة القوى الاستعمارية لقرون، بل حاولت صنع خلافات جديدة لم تكن موجودة سواء طبقية أو فكرية أو غيرها، وبقيت جميع هذه الخلافات حتى اليوم، فانظر إلى مقولة سيدمان التي جاءت في بداية المقال «إرث استعماري بريطاني» تشَكّل وظهر واضحًا في ما بعد 2003، فقد كان يتراكم تحت التجربة التاريخية والسياسية، ولما تسنّت له الفرصة ظهر على شكل صراعات أهلية. وهكذا اليوم تستغل إسرائيل هذه الصراعات الطائفية لتتغلغل في الداخل العربي، ليس سرّا كما كان في السابق، بل أمام شاشات الإعلام والهواتف التي تُصوّر. فقد استغلت الصراع في السويداء لتضرب القصر الرئاسي في دمشق؛ إذ أعطت الصراعات الطائفية الدافع لإسرائيل من أجل الدخول، ولا أود أن أقول «الشرعية» بالطبع؛ فوجود إسرائيل بأكمله ليس شرعيًّا، لكن ما الشرعية في عالم الغابات الذي نعيش فيه اليوم؟
لا بد أن يبدأ الإصلاح المجتمعي في الوطن العربي من الذات الفردية أولًا أن ينشأ الفرد متصالحًا مع ذاته ومتقبّلا للآخر، فلا يشعر منه بالخوف، بل بالألفة، وأن ينظر إلى ما هو أبعد من طائفته أو مذهبه، وأن تكون هويته الأولى هي الهوية الوطنية أو المدنية التي يتشاركها مع غيره في إطار الدولة، لا هوية الطائفة والمذهب؛ لأن الهوية كلما ضاقت وأصبحت أكثر حدية أبرزت السمات المتطرفة والسلوكيات العنيفة في الإنسان على عكس إذا ما اتسعت؛ فإنها تتقبل الآخر المختلف ليس بالضرورة أن تؤمن بما يؤمن به، لكنها تؤمن بأن له الحق في الحياة بحرية أيضًا دون اعتداء عليه أو الإضرار به لمجرد مذهبه أو طائفته. ولذا فالتغيير يبدأ من مراجعة الذات والخطاب الموجّه إليها سواء من الداخل أو من الخارج، خطاب الأسرة والمدرسة والمجتمع، وأن تحاول الذات طرح أسئلة متعلقة بمدى تعددية الخطاب الموجه إليها في المقام الأول.
إذا بقينا على هذا الحال دون تجاوز الطائفية وخطاباتها المقيتة فإن كل حديث حول النهضة أو الديمقراطية أو الحرية هو ترف؛ فالمجتمع يقتل بعضه بعضا، لكن -ولأن الكتابة وسيلة مقاومة وإصلاح- أقول: إن علينا أن نعي أن عدونا واحد، وسبله في قتلنا واحدة، وأننا في مقتلة واحدة، ومصير واحد، فإن بقينا نقتل بعضنا بعضا لم نخدم إلا هذا العدو بأن أرحناه من عمله، فإن لم نستطع الآن في هذه اللحظة التي ربما لم ولن نمر بحالة أكثر انحطاطا منها أن نفكر في مصيرنا المشترك بدل التفكير في الانقسامات الصغيرة فمتى نقدر على ذلك؟