حكم صبر الإنسان عند الإبتلاء بالفقر أو الغنى
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
الغنى والفقر.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المكلف إذا التمس أسباب الرزق، فإمَّا أن يحصل له الغنى أو يُقدَّر له الفقر، فإن أصابه الغنى استوجب ذلك الشكر؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
حكم الغنى والفقريقول الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (19/ 67، ط.
وقال تعالى مثنيًا على نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 121].
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فقال: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه أبو داود في "سننه".
الغنى والفقر
وقالت الإفتاء إنْ طلب المكلَّف أسباب الرزق والغنى فقدَّر الله له الفقر؛ صار الصبر له مطلوبًا، والرضا بقضاء الله فيه عين العبادة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 185، ط. دار ابن كثير): [عن ابن عباس في قوله: ﴿ولنبلونكم﴾ الآية، قال: أخبر الله المؤمنين أنَّ الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرَّهم، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وأخبر أنَّ المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة؛ كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى] اهـ.
وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه مسلم.
فالفقر والغنى ابتلاءان، أحدهما: ابتلاء بقلة النعمة، والآخر: ابتلاء بكثرتها؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]. والفقر يستوجب الصبر، والغنى يستوجب الشكر.
يقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 439، ط. مؤسسة الرسالة): [ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة والعافية؛ فنفتنكم به] اهـ.
كما أن الله تعالى قد أوضح هذه الحقيقة جلية في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 15-20].
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
هل صلاة الرجل مع زوجته في البيت تعتبر جماعة؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول: رجلٌ اعتاد أن يصلي الصلوات المفروضة في المسجد مع الجماعة، لكنه في بعض الأوقات يكون مرهقًا فيصلي في البيت هو وزوجته جماعةً، فهل يعد بذلك محققًا صلاةَ الجماعة هو وزوجته، مُحصِّلَين فضلَها؟
وقالت من المقرر شرعًا أن صلاة الجماعة من خصائص الشرع الحنيف، وركيزة من ركائزه التي انفرد بها عن غيره من الشرائع والأديان، وحث على أدائها بمضاعفة المثوبة والأجر عليها عن صلاة المنفردِ وَحدَه.
وذكرت دار الإفتاء أن الأصل في ذلك: ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.
وفي روايةٍ: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» أخرجها الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه.
وتابعت: ومع اتِّفاق الفقهاء على فضل صلاة الجماعة، إلا أنهم اختلفوا في حكمها التكليفي إلى أقوال، بيانها ما يأتي:
القول الأول: أنَّ صلاة الجماعة سُنة مؤكَّدة في حق الرجال، وإليه ذهب الحنفية في قول، والمالكية في المعتمد، والشافعية في وجهٍ.
القول الثاني: أنَّ صلاة الجماعة فرض كفاية، وإليه ذهب الشافعية في الأصح، ووافقهم الإمامان الكَرْخِي والطَّحَاوِي من الحنفية، ونقله الإمام المَازَرِي عن بعض فقهاء المالكية.
القول الثالث: أنَّ صلاة الجماعة واجبةٌ وجوبًا عينيًّا، وإليه ذهب الحنابلة، والحنفية في الراجح، والشافعية في وجهٍ آخَر.
وأوضحت أنه من المقرر أيضًا أن الجماعة تنعقد في غير صلاة الجمعة والعيدين باثنين من المُكلَّفِين فأكثر، أي باجتماعِ واحدٍ مع الإمام، سواء كان ذلك الواحدُ -المأموم- رجلًا، أو امرأة، وسواء كان ذلك بالمسجد أو في غيره كالبيت والسوق ونحوه.
والأصل في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» أخرجه الإمامان: البخاري -واللفظ له- ومسلم من حديث مالك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه.
ولَمَّا كان الأمر كذلك، فإذا أمَّ الرجلُ زوجتَه وصلى بها في البيت تحقق بصلاتهما الجماعةُ، ونالَا بذلك أجرَ ثوابها.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فصلاة الجماعة من أعظم شعائر الإسلام، أمر بها ورغَّب في أدائها بمضاعفة المثوبة عليها وتعظيم أجرها عن صلاة المنفردِ، وهي تنعقد في غير الجمعة والعيدين باجتماعِ واحدٍ مع الإمام، رجلًا كان أو امرأة، في المسجدِ وغيره، ومن ثمَّ فإن أداء الرجل بعض الصلوات المفروضة في بيتهِ مع زوجتهِ أمرٌ تتحقق به صلاة الجماعةُ، وينالَان بذلك أجرَها، ويحصل لهما عظيمُ ثوابها.