عبر العقدين الماضيين اشتغلت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على بناء منظومة متكاملة لهويتها الوطنية National brand مستندة إلى مجموعة من العناصر الثقافية والمادية، والتي حاولت من خلالها تبديد الصورة الشائعة عن المنطقة Cultural Stereotypes والتي كانت إلى سنوات قريبة تدور في فلك عناصر رمزية محددة، وموارد محددة في الآن ذاته.
وعزز اتجاه هذه الدول لاستضافة الأحداث الكبرى من نمط تسويق هوياتها الوطنية، فاستضافة كأس العالم لكرة القدم كأكبر حدث رياضي في دولتين خليجيتين خلال أمد زمني يُحسب بالقصير ليعكس قوة الحضور الخليجي في المشهد العالمي، وكذلك فعاليات إكسبو كحدث ثقافي جامع، عوضًا عن أعمال مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ كحدث عالمي تخصصي يجمع أهل السياسة بأهل العلم والاختصاص، وكذلك سباقات الفورمولا 1 والتي أصبحت حاضرة في أكثر من عاصمة خليجية، بالإضافة لقائمة غير منتهية من الأحداث الكبرى في الفن والثقافة والعلم والرياضة والسياسة. إلى جانب ذلك أصبح الحضور السياسي الخليجي مؤثرًا ليس فقط في القضايا الإقليمية، أو القضايا المرتبطة بمنطقة الخليج العربي، بل حتى في الأحداث والأزمات والمواقف الكبرى عالميًّا. كل هذه العناصر تتشكل ضمن هوية خليجية لتشكل علامة فارقة للمنطقة، وتتحرك في فضائها العالمي مستمدة قوتها من التأثير الاقتصادي ومن ديناميكية القيادات في هذه المنطقة، التي بدورها تتفاعل بشكل إيجابي مع واقعها ومستقبلها. يبقى القول إن هذه اللحظة في تاريخ الخليج العربي تهيئ الفرصة لمستويات أكبر من التكامل الخليجي - الخليجي، ويبقى الرهان هو التفكير الجاد في آليات ذلك التكامل من خلال استفادة هذه الدول من الفرص التي يتيحها صعود الهوية الخليجية العالمية.
فاستضافة الأحداث الكبرى بما تولده من فرص لسلسة القيمة الاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية، تشكل مرتكزًا مهمًّا يمكن البناء عليه والتكامل فيه، فحين تستضيف دولة خليجية حدثا عالميًّا كبيرًا، يمكن أن تبرمج بقية دول الخليج مواسمها السياحية، وتهيئ فرص جذب الزوار، وتمكن قطاعاتها الإنتاجية الداعمة لمتطلبات الحدث وتهيئها لتلبية الاحتياجات المطلوبة، وبذلك يتوسع نطاق الاستفادة. غير أن هذا الأمر يتطلب المزيد من العمل المؤسساتي لتأطيره ضمن سياق التعاون الخليجي، فحتى اليوم لا توجد مؤسسة ثقافية خليجية بصيغة عالمية، قادرة على تطوير منتجات ثقافية عالمية واستقطاب أنظار العالم من خلال تلك المنتجات المنبثقة من هذه الهوية الخليجية الصاعدة، وكذلك ليس هناك حدث خليجي عالمي جامع يمكن القول إن دول المنطقة تستطيع مجتمعة أن تجسد من خلاله هويتها وترسخ صوتها وتظهر ثقافتها للعالم، وهناك أدوار أيضًا على المؤسسة الأكاديمية في الخليج، في زيادة تأثيرها العالمي سواء من ناحية البحث العلمي، واستقطاب العلماء والطلبة الدوليين والتوسع في التأثير في شبكات العلوم العالمية، وهو ما تحاول بعض الجامعات القيام به في الخليج بشكل منفرد وبجهود متفاوتة.
نتفهم أن هناك حالة من التفكير القُطري -على مستوى كل دولة- تطرح فرضية أن هذه الدول في حالة تنافس أكثر من كونها في مُكنة من التكامل في كل المجالات، ونتفهم كذلك أن بعض جوانب التكامل تحكمها الأجندة وأنماط التفكير والاتجاهات السياسية لكل دولة -دون المنظمة الخليجية-، وهذه أحوال طبيعية لكنها لا تلغي في الوقت ذات فرضيات وفرص التكامل، خاصة في السياقات خارج الاقتصاد والسياسة. إن التكامل الذي نراه في الأفق إنما يتكئ على عدة مقومات أساسية: منها الاستفادة من تنوع خبرات وقدرات الموارد البشرية في المنطقة، والعقود من الاستثمار في الرأسمال البشري الخليجي، وثانيها أن السردية حول المنطقة من خارجها هي في أساسها سردية حول (الخليج العربي) مجتمعًا كإقليم وهو ما يمكن البناء عليه والاستفادة منه في تطوير هوية خليجية متكاملة صاعدة، أما ثالثها فهي حالة الديناميكيا في القيادة، فقد حبا الله هذه الدول بقيادات متفاعلة قادرة على التعاطي مع المستقبل وحكومات أكثر أهبة في تقصي الفرص العالمية. وكل تلك المقومات من شأنها أن تعزز فرضية التكامل التي نتحدث عنها. يبقى القول إن منافع التكامل ستكون أبعد من كونها مجرد منافع اقتصادية ومالية، حيث ستمتد إلى تعزيز القدرات ومراكمة الخبرات، وستحول المنطقة إلى منطقة إشعاع علمي وثقافي وفني، وستجسد الصورة المتكاملة للقوى الناعمة التي تحاول كل دولة من دول الخليج بناء منظومتها وتشخيص مزاياها النسبية والتنافسية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دول الخلیج هذه الدول القول إن
إقرأ أيضاً:
برلماني: قمة شرم الشيخ لحظة تاريخية تعيد الأمل لشعوب المنطقة.. وتؤكد أن السلام خيار الشعوب
قال الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، إن قمة شرم الشيخ للسلام التي انطلقت اليوم بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من القادة والزعماء من مختلف أنحاء العالم، تُعد واحدة من أهم المحطات السياسية في تاريخ المنطقة، إذ تفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها السلام والاستقرار لكل دول المنطقة، وتُعيد الأمل لشعوب الشرق الأوسط التي أنهكتها الحروب والصراعات الممتدة، مشيرا إلى أن المشهد الذي جمع أكثر من 20 زعيما ورئيسا دوليا على أرض مصر يعكس الثقة الدولية في القيادة السياسية المصرية، وقدرتها على إدارة الملفات المعقدة بحكمة ووعي.
وأكد "محسب" ، أن اجتماع هذا العدد الكبير من القادة في مدينة السلام شرم الشيخ جاء تقديرا لدور القاهرة التاريخي في الدفاع عن الحقوق العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تتصدر أولويات مصر، موضحا أن اتفاق شرم الشيخ الذي تم التوصل إليه بجهود مصرية – أمريكية – قطرية – تركية مشتركة، لم يأتِ بين عشية وضحاها، وإنما هو ثمرة مفاوضات طويلة وشاقة خاضتها الدبلوماسية المصرية بتوجيه من الرئيس السيسي، من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني، وإنقاذ الأرواح، وتهيئة الظروف لحل دائم قائم على العدالة والكرامة الإنسانية.
وأضاف عضو مجلس النواب، أن القمة تمثل نقطة تحول تاريخية، ليس فقط لأنها تنهي أكثر من 733 يوما من الحرب المدمرة في غزة، ولكن لأنها تؤسس لمسار مستدام يضمن عدم تكرار المأساة، ويعيد وضع القضية الفلسطينية على جدول الاهتمام الدولي بعد سنوات من التجاهل والتهميش، قائلا: «لقد أثبتت مصر أن الحوار هو أقوى سلاح في مواجهة الحرب، وأن إرادة السلام قادرة على كسر دائرة العنف»، مؤكدا أن كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس دونالد ترامب خلال الجلسة الافتتاحية جسدت روح التعاون الدولي الجديد، الذي يضع الإنسان أولا قبل الحسابات السياسية.
وأشار "محسب" ، أن القمة حملت رسالة إنسانية للعالم مفادها أن السلام لا يمكن أن يكون حكرا على الساسة، بل هو مطلب الشعوب كلها التي عانت ودفعت ثمن الصراعات، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق المتعلقة بإعادة الإعمار، وتدفق المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع، مشيرا إلى أهمية عقد مؤتمر القاهرة للتعافي المبكر كبداية فعلية لمسار البناء والتنمية.
وشدد النائب أيمن محسب، على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية وتمكينها من أداء دورها في إدارة القطاع، وإطلاق مسار سياسي حقيقي نحو حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لضمان الأمن والسلام، مؤكدا أن الدولة المصرية اليوم تُعيد تعريف مفهوم القيادة الإقليمية، ليس عبر القوة العسكرية، وإنما عبر قوة الدبلوماسية والوساطة والتفاوض والقدرة على جمع الخصوم حول طاولة واحدة.