لجريدة عمان:
2025-06-21@22:00:00 GMT

لحظة التكامل الخليجي

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

عبر العقدين الماضيين اشتغلت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على بناء منظومة متكاملة لهويتها الوطنية National brand مستندة إلى مجموعة من العناصر الثقافية والمادية، والتي حاولت من خلالها تبديد الصورة الشائعة عن المنطقة Cultural Stereotypes والتي كانت إلى سنوات قريبة تدور في فلك عناصر رمزية محددة، وموارد محددة في الآن ذاته.

لم يكن الطريق سهلًا أمام هذه الدول؛ فاحتدام المنافسة العالمية في الإنتاج، واشتباك الأجندة السياسية، والأحداث والتحولات العالمية والإقليمية، وتبدل التحالفات الدولية كلها كانت تحديات تقف بين الحين والآخر أمام إنتاج العلامة الخليجية الصاعدة Gulf brand. وبالرغم من ذلك ركزت بعض دول الخليج على أن تحمل علامتها وصوتها في صيغة مؤسسات إعلامية تتخطى الحدود، وركزت أخرى على صنع مؤسسات ثقافية تحمل رسالتها عبر العالم، وركزت بعضها على نشاط العمل الإنساني العالمي، واستفرد بعضها بسياسة التوازنات والوساطات الإقليمية والعالمية. وإن تعددت الوسائل يبقى القول إن دول هذه المنطقة استطاعت عبر فترة تاريخية وجيزة الدفع بهوياتها لتتخلق في الفضاء العالمي، وتتدافع مع أشكال من الهويات التقليدية، وأشكال أخرى مستجدة من الهويات الصاعدة.

وعزز اتجاه هذه الدول لاستضافة الأحداث الكبرى من نمط تسويق هوياتها الوطنية، فاستضافة كأس العالم لكرة القدم كأكبر حدث رياضي في دولتين خليجيتين خلال أمد زمني يُحسب بالقصير ليعكس قوة الحضور الخليجي في المشهد العالمي، وكذلك فعاليات إكسبو كحدث ثقافي جامع، عوضًا عن أعمال مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ كحدث عالمي تخصصي يجمع أهل السياسة بأهل العلم والاختصاص، وكذلك سباقات الفورمولا 1 والتي أصبحت حاضرة في أكثر من عاصمة خليجية، بالإضافة لقائمة غير منتهية من الأحداث الكبرى في الفن والثقافة والعلم والرياضة والسياسة. إلى جانب ذلك أصبح الحضور السياسي الخليجي مؤثرًا ليس فقط في القضايا الإقليمية، أو القضايا المرتبطة بمنطقة الخليج العربي، بل حتى في الأحداث والأزمات والمواقف الكبرى عالميًّا. كل هذه العناصر تتشكل ضمن هوية خليجية لتشكل علامة فارقة للمنطقة، وتتحرك في فضائها العالمي مستمدة قوتها من التأثير الاقتصادي ومن ديناميكية القيادات في هذه المنطقة، التي بدورها تتفاعل بشكل إيجابي مع واقعها ومستقبلها. يبقى القول إن هذه اللحظة في تاريخ الخليج العربي تهيئ الفرصة لمستويات أكبر من التكامل الخليجي - الخليجي، ويبقى الرهان هو التفكير الجاد في آليات ذلك التكامل من خلال استفادة هذه الدول من الفرص التي يتيحها صعود الهوية الخليجية العالمية.

فاستضافة الأحداث الكبرى بما تولده من فرص لسلسة القيمة الاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية، تشكل مرتكزًا مهمًّا يمكن البناء عليه والتكامل فيه، فحين تستضيف دولة خليجية حدثا عالميًّا كبيرًا، يمكن أن تبرمج بقية دول الخليج مواسمها السياحية، وتهيئ فرص جذب الزوار، وتمكن قطاعاتها الإنتاجية الداعمة لمتطلبات الحدث وتهيئها لتلبية الاحتياجات المطلوبة، وبذلك يتوسع نطاق الاستفادة. غير أن هذا الأمر يتطلب المزيد من العمل المؤسساتي لتأطيره ضمن سياق التعاون الخليجي، فحتى اليوم لا توجد مؤسسة ثقافية خليجية بصيغة عالمية، قادرة على تطوير منتجات ثقافية عالمية واستقطاب أنظار العالم من خلال تلك المنتجات المنبثقة من هذه الهوية الخليجية الصاعدة، وكذلك ليس هناك حدث خليجي عالمي جامع يمكن القول إن دول المنطقة تستطيع مجتمعة أن تجسد من خلاله هويتها وترسخ صوتها وتظهر ثقافتها للعالم، وهناك أدوار أيضًا على المؤسسة الأكاديمية في الخليج، في زيادة تأثيرها العالمي سواء من ناحية البحث العلمي، واستقطاب العلماء والطلبة الدوليين والتوسع في التأثير في شبكات العلوم العالمية، وهو ما تحاول بعض الجامعات القيام به في الخليج بشكل منفرد وبجهود متفاوتة.

نتفهم أن هناك حالة من التفكير القُطري -على مستوى كل دولة- تطرح فرضية أن هذه الدول في حالة تنافس أكثر من كونها في مُكنة من التكامل في كل المجالات، ونتفهم كذلك أن بعض جوانب التكامل تحكمها الأجندة وأنماط التفكير والاتجاهات السياسية لكل دولة -دون المنظمة الخليجية-، وهذه أحوال طبيعية لكنها لا تلغي في الوقت ذات فرضيات وفرص التكامل، خاصة في السياقات خارج الاقتصاد والسياسة. إن التكامل الذي نراه في الأفق إنما يتكئ على عدة مقومات أساسية: منها الاستفادة من تنوع خبرات وقدرات الموارد البشرية في المنطقة، والعقود من الاستثمار في الرأسمال البشري الخليجي، وثانيها أن السردية حول المنطقة من خارجها هي في أساسها سردية حول (الخليج العربي) مجتمعًا كإقليم وهو ما يمكن البناء عليه والاستفادة منه في تطوير هوية خليجية متكاملة صاعدة، أما ثالثها فهي حالة الديناميكيا في القيادة، فقد حبا الله هذه الدول بقيادات متفاعلة قادرة على التعاطي مع المستقبل وحكومات أكثر أهبة في تقصي الفرص العالمية. وكل تلك المقومات من شأنها أن تعزز فرضية التكامل التي نتحدث عنها. يبقى القول إن منافع التكامل ستكون أبعد من كونها مجرد منافع اقتصادية ومالية، حيث ستمتد إلى تعزيز القدرات ومراكمة الخبرات، وستحول المنطقة إلى منطقة إشعاع علمي وثقافي وفني، وستجسد الصورة المتكاملة للقوى الناعمة التي تحاول كل دولة من دول الخليج بناء منظومتها وتشخيص مزاياها النسبية والتنافسية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دول الخلیج هذه الدول القول إن

إقرأ أيضاً:

إطلاق تقرير الاستثمار العالمي لمنظمة «أونكتاد».. مصر التاسعة عالميًا بين الدول الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2024

عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، بمقر الهيئة العامة للاستثمار، لإطلاق تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة «أونكتاد»، والذي يرصُد أبرز اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم في عام 2024 وموقع مصر بين أكثر الدول جذبًا للاستثمارات في ضوء الإصلاحات التي نفذتها الحكومة المصرية.

وكشف التقرير أن جمهورية مصر العربية جاءت في المرتبة التاسعة عالميًا بين أكثر الدول جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2024 بحجم استثمارات 47 مليار دولار، مُتقدمة من المركز 32 عالميًا في عام 2023 والذي سجل 10 مليارات دولار، وذلك بدعم مشروع رأس الحكمة والصفقات التي أبرمتها الدولة في العام الماضي، وجاءت مصر في المرتبة التاسعة، بعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المركز الأول، وسنغافورة، وهونج كونج، والصين ولوكسمبورج، وكندا، والبرازيل، وأستراليا.

ويُشير التقرير إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا بنسبة 75% خلال العام الماضي، ليرتفع من 55 مليار دولار في 2023 إلى 97 مليار دولار في عام 2024، وقد تصدرت مصر الدول الأكثر نموًا والأكثر جذبًا للاستثمارات في القارة بنسبة نمو بلغت 373%، تليها أثيوبيا، وكوت ديفوار، وموزامبيق، وأوغندا.

وفي تعليقها أوضحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أنه في عام 2024 شهدنا تحولات في أنماط الاستثمار العالمي، بينما كان الحضور المصري قوي على صعيد جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة كما جاء في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، مشيرة إلى الجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية من خلال تنفيذ أجندة إصلاحات طموحة تضع الصناعة والصادرات والاستثمارات المباشرة على رأس أولوياتها من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية. وأوضحت أن تلك الجهود تقوم بشكل رئيسي تمكين القطاع الخاص من خلال الإصلاحات الهيكلية التي تُعزز النمو المستدامة والمرونة في مواجهة المتغيرات، وتعمل على تحفيز خلق فرص العمل، وتعزيز الإنتاجية، وزيادة القيمة المضافة.

وقال المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية- في كلمته - إن إطلاق تقرير الاستثمار العالمي 2025 في مصر يؤكد التقدم الكبير الذي أحرزته الدولة في مجالات استثمارات القطاع الخاص والبنية التحتية والرقمنة، مشيرا إلى أن رؤية الدولة المصرية تتضمن بناء اقتصاد تنافسي ومنفتح ومتكامل عالميا، يكون فيه القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو المستدام.

ونوه الوزير إلى أن عام 2024 شهد تحولات جذرية فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر تضمنت زيادة ثقة المستثمر وشراكات استراتيجية، لافتا إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر علم 2024 سجل أعلى معدل للزيادة الاستثمارية للدولة خلال عام واحد، حيث ساهم اتفاق تطوير رأس الحكمة في هذه الزيادة الكبيرة.

من جانبه أكد السيد ريتشارد بولوين، مدير فرع أبحاث الاستثمار في «الأونكتاد»، على ضرورة التعاون الدولي لمساعدة الدول النامية على تجاوز تقلبات بيئة الاستثمار، قائلاً: "تدعو نتائج هذا العام إلى تجديد الجهود لحشد الاستثمارات الخاصة لتحقيق التنمية المستدامة، لا سيما في الاقتصادات التي تواجه قيودًا هيكلية.

وأشار تقرير الاستثمار العالمي 2024، أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية انخفضت بنسبة 11% في عام 2024 لتصل إلى 1.5 تريليون دولار، مقابل 1.67 تريليون دولار في عام 2023، بينما شهدت المشروعات الجديدة التي تم تأسيسها زيادة طفيفة بنسبة 3% لتصل إلى 19356 مشروعًا، وقد شهدت الاقتصادات المتقدمة انخفاضًا بنسبة 22%، بينما استقر مستوى الاستثمار في البلدان النامية، وارتفعت التدفقات في البلدان الأقل نموًا بنسبة 9%.

وتعتزم الحكومة المصرية الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية من أجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين بيئة الاستثمار، ودفع التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتحقيق نمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص، رغم التوترات الجيوسياسية المحيطة والتحديات الاقتصادية العالمية.

مقالات مشابهة

  • هيئة بحرية تحذر من تصاعد التهديدات الأمنية في الخليج ومضيق هرمز وتأثيرها على الشحن العالمي
  • مجلة أمريكية: ما المخاطر المترتبة على اليمن ودول الخليج جراء توسع الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟ (ترجمة خاصة)
  • العميد بن عامر يعلق على طلب الكيان من الخليج بدفع فاتورة الحرب
  • إيران تهدّد بالانسحاب من حظر الأسلحة النووية.. كيف سيؤثر القرار على الأمن العالمي؟
  • من الخليج إلى وول ستريت.. التصعيد يشعل فتيل الاقتصاد العالمي
  • سموتريتش يدعو عددا من الدول بينها الخليج للمشاركة بتكاليف الحرب
  • إطلاق تقرير الاستثمار العالمي لمنظمة «أونكتاد».. مصر التاسعة عالميًا بين الدول الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2024
  • سيناريوهات الرد الإيراني على ضربة أمريكية: استهداف القواعد وإغلاق الخليج
  • حرب لا تريدها دول الخليج ولا تؤيدها
  • هل يمكن لسياسة الخليج تجاه إيران أن تصمد في وجه الحرب؟