عدن- في صباحه الأخير، خرج علي جديب من منزله كعادته، يحمل عصا الرعي وأمل العودة بغنمه إلى أسرته، غير مدرك أن الأرض التي ألفها ترابا أمينا منذ طفولته كانت تخبئ تحت أديمها موتا صامتا يتربص به، لغم خفي أنهى حياته في لحظة خاطفة، ليُضاف اسمه إلى قائمة ضحايا الألغام في اليمن.

جديب، شاب في العشرينات من عمره، من أبناء إحدى القرى الريفية في محافظة لحج جنوبي البلاد، كان يمضي أيامه في رعي الأغنام ومساعدة عائلته بعيدا عن صخب الصراع، قبل أن تقوده قدماه قبل أسبوعين إلى حقل موت زرعته الحرب في قلب الطريق الريفي.

يقول أحد سكان قريته -لم يكشف عن هويته- للجزيرة نت إن اللغم الذي انفجر تحت قدميه جرفته السيول من الجبال المجاورة إلى الوادي الذي اعتاد ارتياده، ويضيف "لم تمهل شظايا الانفجار جسده النحيل فرصة للنجاة، ففارق الحياة على الفور، تاركا أسرته وأهالي قريته في صدمة مروعة".

#البيضاء
تعددت الانتهاكات ضد النساء في #اليمن وبيئاتهن وتعريض حياتهن للخطر والموت، وزراعة الالغام اهم أشكال تلك الانتهاكات.
– بالامس الثلاثاء الموافق 30سبتمبر 2025، وبينما كانت نظرة صالح عبدالاله الحبجي (70سنة) وهي التي لم تؤذي أحد، كانت بعد الظهر تؤدي اعمالها المعتادة بوادي…

— إشراق المقطري (@EshraqAlmaqtari) October 1, 2025

أرقام مفزعة

قصة جديب ليست سوى حلقة في سلسلة مآسٍ لا تنتهي، فبعد أيام فقط من مقتله، شهدت محافظة البيضاء حادثة مأساوية أخرى، إذ انفجر لغم من مخلفات الحرب بإمرأة سبعينية تُدعى نظرة الحبجي أثناء عملها في حقلها، لتتعرض لبتر أحد أطرافها بعد رحلة علاج مرهقة.

وتعد الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة من أبرز الإشكاليات التي خلفتها الحرب في اليمن، إذ لا تزال هذه القنابل الصامتة تفتك بالمدنيين رغم توقف المعارك بين القوات الحكومية والحوثيين منذ 3 سنوات، عقب هدنة رعتها الأمم المتحدة، ويُصنف اليمن اليوم بين أكثر دول العالم تلوثا بالألغام.

إعلان

وتشير إحصاءات وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى أن الألغام والذخائر غير المنفجرة تسببت بين عامي 2014 و2024 في مقتل 4501 مدني وإصابة 5083 آخرين.

يوسف مقبل فقد ساقيه إثر انفجار لغم أرضي (الجزيرة)

كما أكدت منظمة "إنقاذ الطفولة" الدولية في تقرير حديث أن النصف الأول من عام 2025 وحده شهد مقتل وإصابة 107 مدنيين، معظمهم من الأطفال، بينهم خمسة لقوا حتفهم أثناء لعب كرة القدم في أحد الملاعب الترابية بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد.

في مركز الأطراف الصناعية بعدن، أحد أربعة مراكز رئيسية بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة في عدن ومأرب وسيئون وتعز، تتجسد هذه الأرقام في ملامح بشرية تنطق بالألم. وجوه أنهكتها المعاناة، وخطوات متعثرة تتعلم المشي من جديد على أطراف صناعية، وأصوات تروي فصولا من الوجع.

من بين تلك الوجوه، يوسف مقبل، خمسيني من محافظة أبين، فقد ساقيه إثر انفجار لغم أرضي، يقول للجزيرة نت وهو يحاول التوازن على ساقين صناعيتين "من يوم الإصابة وأنا على كرسي متحرك، فقدت عملي في الحياكة، وما عدت قادرا على إعالة أطفالي.. صرت عبئا على أسرتي".

كاتبة محمد فقدت ساقها في انفجار سيارة بلغم (الجزيرة)كارثة ممتدة

وفي زاوية أخرى تجلس كاتبة محمد، ستينية من محافظة الضالع، تتعلم السير بساقها الصناعية بعد أن فقدت الأخرى في انفجار سيارة كانت تقلها وعددا من أقاربها، تقول بنبرة يغلب عليها الحزن للجزيرة نت "كنت رايحة أزور بنتي، انفجر اللغم في لحظة.. 3 ماتوا وأنا نجيت بساق مقطوعة".

قصة يوسف وكاتبة مجرد عينة من مأساة أكبر، حيث يؤكد أحمد محمد المدير الفني للمركز أنهم يستقبلون يوميا ما بين مئة إلى 120 مستفيدا، مشيرا إلى أن نسبة الشباب المصابين بالألغام تصل إلى 60%، بينما يشكل الأطفال والنساء نحو 40% من الضحايا.

جمال السالمي: الألغام تحولت من أداة عسكرية إلى سلاح ضد المدنيين (الجزيرة)

وتُتهم أطراف النزاع، وعلى رأسها جماعة الحوثي، بزراعة كميات هائلة من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة في مختلف المناطق اليمنية، دون استخدام خرائط توثيق، ما يصعّب جهود نزعها لاحقا، وتشير تقارير أممية إلى أن مئات الآلاف منها زُرعت في الطرقات والمزارع ومحيط القرى، مسببة كارثة إنسانية ممتدة.

ويرى الخبير في نزع الألغام جمال السالمي أن الألغام في اليمن تحولت من أداة عسكرية إلى "سلاح ضد المدنيين"، ويقول للجزيرة نت "المشكلة الأكبر أن كثيرا منها زُرع دون خرائط، ما يجعل عمليات الإزالة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش".

ويعد السالمي نفسه أحد ضحايا الألغام، إذ كان يشغل منصب قائد الفريق العاشر في مشروع "مسام" لنزع الألغام في مناطق الساحل الغربي في اليمن، قبل أن ينفجر به لغم مضاد للأفراد أثناء مهمة تطهير، ما أدى إلى بتر ساقه اليمنى واقتلاع إحدى عينيه.

عملية نزع الألغام تواجه تحديات كثيرة أبرزها شح الإمكانيات (الجزيرة)تحديات مستمرة

ورغم الجهود المستمرة لنزع الألغام، بما في ذلك مشروع "مسام" التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فإن حجم التحدي لا يزال يفوق الإمكانيات المتاحة، خصوصا أن بعض المناطق التي جرى تطهيرها أُعيدت زراعتها بها مجددا مع توقف المعارك.

إعلان

وقال مدير المشروع أسامة القصيبي إن "توسّع مليشيا الحوثي في زراعة الألغام، لا سيما خلال فترات الهدنة، فاقم حجم الكارثة الإنسانية في البلاد"، لافتا إلى أن هناك تقارير تشير إلى "وجود أكثر من مليوني لغم زُرعت في الأراضي اليمنية، تسببت حتى الآن في مقتل وإصابة أكثر من 9500 مدني، معظمهم من النساء والأطفال".

وأكد في حديث مع الجزيرة نت أن الفرق الميدانية تمكنت، منذ انطلاق المشروع في منتصف عام 2018 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025، من نزع أكثر من نصف مليون لغم ومخلفات حرب غير منفجرة وعبوة ناسفة، فيما بلغ إجمالي المساحات المطهرة 71,164,694 مترا مربعا.

لكن خطر الألغام لا يقتصر على القتل أو التشويه، بل يمتد، وفقا للقصيبي، ليضرب الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي، خاصة أن اليمن بلد يعتمد اقتصاده في معظم المحافظات على الزراعة والرعي، فقد حوّلت الألغام مساحات واسعة من الأراضي إلى حقول موت، وأجبرت مئات الأسر على النزوح من قراهم بحثا عن مناطق أكثر أمانا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات للجزیرة نت فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

بدء دخول 400 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة

أعلن التلفزيون الفلسطيني، الأحد، عن بدء دخول نحو 400 شاحنة محمّلة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

 

ويأتي تدفق المساعدات إلى القطاع، الذي يعاني دمارًا واسعًا جراء الحرب المستمرة منذ عامين، ضمن أبرز بنود خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة.

 

وتتواصل عمليات إدخال المساعدات إلى القطاع، فيما تعمل الجهات المعنية على استكمال الترتيبات الخاصة بإعادة فتح معبر رفح لتسهيل مرور مواد الإغاثة وعودة المدنيين.

 

من جهة أخرى، قال سام روز، القائم بأعمال شؤون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن الوكالة، لا تمتلك سوى ما يكفي من المساعدات الغذائية لتوفير الطعام لأهالي غزة لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، بينما الناس هناك يتضورون جوعًا. 

وأضاف في تصريحات صحفية: لدينا مواد إيواء لمئات الآلاف من الأشخاص، وأغطية لأكثر من مليون شخص، الأونروا على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدات المنقذة للحياة مع عودة الناس إلى منازلهم في جميع أنحاء غزة عقب وقف إطلاق النار.

وأردف مطالبًا بضرورة السماح للأونروا بتوزيع الإمدادات أمر أساسي لتلبية الاحتياجات العاجلة.

ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ 67,806 شهيدًا


أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 67,806 شهيدا و170,066 مصابا، منذ السابع من أكتوبر عام 2023.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن 124 شهيدا (منهم 117 انتشال) و33 مصابا، وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية.

رئيسة وزراء إيطاليا تطرح مبادرة لإزالة الألغام بغزة وتدريب قوات الأمن الفلسطينية

أفادت صحيفة "ريبوبليكا" الإيطالية بأن رئيسة الوزراء جورجا ميلوني تعتزم طرح مبادرة لإرسال وحدات هندسية إيطالية للمشاركة في إزالة الألغام في غزة.

وذكرت الصحيفة أن ميلوني، التي ستعرض خططها بشأن غزة أمام البيت الأبيض ووسائل الإعلام، تسعى لتقديم دعم إيطالي في إدارة القطاع، والمشاركة في عمليات الاستقرار وإعادة الإعمار.

وأشارت إلى أن فكرة مشاركة القوات الهندسية الإيطالية في إزالة الألغام من غزة تعد عملية معقدة وتنطوي على مخاطر، وستسند إلى وحدات الجيش المتخصصة في الهندسة العسكرية.

بسبب زيارة ترامب.. تعديل في موعد تسليم حماس للرهائن الإسرائيليين

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنه تقرر تعديل موعد تسليم "حماس" الرهائن الإسرائيليين لديها إلى هذا المساء أو الليل، قبل وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "حماس" تحتجز 20 رهينة إسرائيلية سوف تقوم بتسليمهم في إطار الاتفاق.

وكان قيادي في "حماس" قد أفاد في وقت سابق بأنه سيجري الإفراج عن 48 أسيرا من الأحياء والأموات في غزة مع صباح غد الاثنين.

حماس تُعزي قطر في وفاة 3 من دبلوماسييها بحادث شرم الشيخ

أبدت حركة "حماس" تعازيها لأمير وحكومة وشعب قطر في وفاة ثلاثة من دبلوماسييها جراء حادث مروري في شرم الشيخ.

وجاء في بيان حركة "حماس": "نتقدّم بخالص التعازي والمواساة إلى دولة قطر الشقيقة، أميرا وحكومة وشعبا، في وفاة ثلاثة من الدبلوماسيين ضمن الوفد القطري في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إثر حادث أليم في مدينة شرم الشيخ، بجمهورية مصر العربية".


 

 

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة في غزة في أعقاب انتشال أكثر من 60 شهيدا
  • مجدي الجلاد: أكثر من 70% من الوجوه التي شاهدناها في مجلس النواب السابق لن تكون موجودة في المجلس المقبل
  • تقرير حقوقي: أكثر من 1,660 شخصاً ينتحرون سنوياً باليمن 78 % منهم بمناطق الحوثيين
  • شبكة حقوقية: الحوثيون يرتكبون أكثر من 5 آلاف انتهاك ضد القطاع الصحي في اليمن
  • بدء دخول 400 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ 67,806 شهيدًا
  • أغلبها بمناطق الحوثيين.. تسجيل أكثر من 13 ألف حالة انتحار في اليمن خلال سنوات الحرب
  • محامي ضحايا أطفال دلجا: العدالة قالت كلمتها.. والمتهمة دمرت أسرة كاملة.. فيديو
  • بينهم أطفال ونساء.. ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم الفاشر إلى 60 قتيلًا