سودانايل:
2025-08-17@00:04:28 GMT

تعيسة: رواية الإنسان والمكان في رحلة البحث عن الذات

تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT

بقلم إبراهيم برسي

10 يناير 2024

في رواية “تعيسة” للدكتور بشرى الفاضل، يُفتح العالم كصفحة من الرمال المتغيرة، بلا معالم واضحة، إلا تلك التي ترسمها أقدام التائهين وأحلامهم.
الهروب هنا ليس مجرد فعل جسدي؛ بل هو محاولة يائسة لإعادة صياغة الحياة خارج حدود القهر والتاريخ.
سعيد وبخيت، بحملهما المتناقض لعلاقة السيد والعبد، يشكلان محوراً إنسانياً يتقاطع فيه الماضي مع الحاضر، القهر مع المصالحة، والإنسان مع ذاته المنكسرة.



تعيسة ليست شخصية عابرة؛ إنها أيقونة للإنسان في عزلته المطلقة، كائن تتجلى فيه هشاشة الحواس وقوة الروح.
ولدت عمياء، صماء، وبكماء، ومع ذلك يشع منها جمال يعجز العقل عن تفسيره.
يقول الراوي عنها:
“كان وجهها على الدوام باسماً، مشرقاً، يشعُّ منه النور بحيث يصعب التمعن فيه”.

هذا الجمال الغريب لا يوحي فقط بالمفارقة، بل يعيد صياغة مفهوم الجمال ذاته.
تعيسة ليست كائناً إنسانياً بالمعنى التقليدي، بل هي انعكاس للوجود في شكله الخام، حيث تتحول إلى مرآة تعكس رعب الآخرين من الاختلاف.
فهؤلاء الذين يظنونها “ابنة الجن” ليسوا سوى ضحايا لرغبتهم في تصنيف ما لا يمكن تصنيفه.
بهذا، تتحول الرواية إلى نقد صامت للخوف الجماعي من الآخر، وتذكير دائم بأن ما نخشاه قد يكون تجسيداً لما نفتقده.

الصحراء، التي تمتد كأفق بلا نهاية، ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي كيان حي، نابض، يبتلع كل شيء ويعيد تشكيله.
يقول الراوي عن الرمال:
“رمال في رمال في رمال. كأن الرمال ابتلعت كل شيء، حتى القبور التي حفروها سرعان ما غمرتها الرياح، وكأن شيئاً لم يكن.”

الرمال هنا ليست سوى الزمن، ذلك العدو الأبدي الذي يمحو آثارنا ويعيد ترتيبها بعبثية مطلقة.
في هذا العالم المتغير، يصبح كل شيء هشاً، بدءاً من الهوية وصولاً إلى القيم.
سعيد، الذي يبدأ رحلته كسيد هارب من قهر الخارج، يجد نفسه محكوماً بمواجهة الداخل. وبخيت، الذي عاش حياة العبيد، يدخل الواحة ليصبح شريكاً في إعادة بناء ما تحطم، لكنه يبقى مسكوناً بشعور دائم بالدونية.

العلاقة بين سعيد وبخيت تتجاوز حدود الفرد لتصبح استعارة عن التاريخ نفسه. يقول سعيد لبخيت:
“نحن هنا بقينا أهل. بعد نعدل حالنا في بلدنا الجديدة دي، نزوج أولادك لي بناتي.”

هذه العبارة تبدو كإعلان للمصالحة، لكنها تحمل في طياتها عبء الماضي الذي لا يموت بسهولة. فرح بخيت بالعرض، لكنه في داخله ظل أسيراً لذكريات القهر.
هنا، تظهر الرواية كفحص عميق للمصالحة الحقيقية، تلك التي لا تُبنى على الأفعال وحسب، بل على تحولات داخلية شاقة.

تعيسة، الحاضرة الغائبة، تظل القلب الصامت للرواية. هي ليست مجرد شخصية، بل استعارة للوجود الإنساني في أشكاله المتعددة.
يقول الراوي عنها:
“ثمة كُحْلٌ دون كُحل في أهداب عينيها. ثمة حاجبان كأنهما خرجا للتو من أيدي خبيرة تجميل ماهرة.”

هذا الجمال المدهش الذي لا ينتمي لأي معيار تقليدي يرمز إلى الغموض الذي يكتنف الوجود الإنساني ذاته. هي ليست فقط رمزاً للجمال؛ بل هي دليل على أن الحياة في صمتها قد تحمل معاني تفوق ما نراه أو نسمعه.

موت سعيد في نهاية الرواية هو لحظة محورية. في تلك اللحظة، يغلق بخيت عيني سيده القديم للمرة الأخيرة. هذا الفعل البسيط يحمل رمزية ثقيلة؛ إنه موت السيد القديم، لكنه أيضاً ولادة عهد جديد.
الصمت الذي يخيم بعد موت سعيد ليس مجرد حداد، بل هو فراغ وجودي يدعو القارئ للتأمل: هل يمكننا حقاً دفن الماضي؟ أم أننا نحمله معنا، حتى ونحن نبني عوالم جديدة؟

“تعيسة” ليست مجرد رواية عن الحزن، بل هي قصيدة عن الجمال الذي ينبعث من قلب العزلة. إنها لوحة أدبية تتجاوز الكلمات لتخلق فضاءً مليئاً بالتساؤلات التي تظل دون إجابة.
بشرى الفاضل، بلغته الشعرية العذبة ورؤيته الفلسفية العميقة، يحول الصحراء إلى رمز للإنسان في سعيه الدائم نحو الفهم.
الواحة، التي تبدأ كملاذ، تتحول إلى استعارة عن الروح البشرية التي تبحث عن السلام، حتى وهي محاصرة بالخوف والذكريات.

في نهاية المطاف، “تعيسة” ليست عن التعاسة، بل عن الأمل الذي يزهر في أصعب الأماكن.
إنها تذكير بأن الجمال قد لا يكون في الضوء، بل في الظلال، في الصمت، وفي تلك المساحات الصغيرة بين ما نعرفه وما لا نستطيع إدراكه.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مدرب برشلونة «غير سعيد»!

 
مدريد (د ب أ)

أخبار ذات صلة لماذا يرتدي ماستانتونو «الرقم 30» في ريال مدريد؟ رئيس خيتافي ينتقد مقترح إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي


قال هانزي فليك، المدير الفني لفريق برشلونة الإسباني لكرة القدم إنه «غير سعيد»، لأن النادي لم يتمكن من تسجيل حارس المرمى الجديد خوان جارسيا والمهاجم ماركوس راشفورد قبل تقريباً 24 ساعة من بداية الفريق لحملة الدفاع عن لقب الدوري الإسباني.
ومازال برشلونة، الذي يعاني من أزمة مالية، يأمل في سماع أنباء إيجابية قبل مباراة السبت أمام مايوركا، ولكن في العام الماضي، غاب الوافد الجديد داني أولمو بسبب القواعد المالية الصارمة لرابطة الدوري الإسباني.
وقال فليك في مؤتمر صحفي:«يمكنك أن تتخيل أنني لست سعيداً بشأن هذا، ولكني أعرف الوضع وأثق في النادي».
وأضاف: «يجب أن ننتظر حتى الغد، أعتقد أنه نفس الوضع الذي حدث في الموسم الماضي أيضاً، نركز فقط فيما يمكننا أن نغيره، وما هو المتاح لنا، وفيما يتعلق بالأمور الأخرى، فأنا أثق بالنادي».
وينبغي أن يقوم برشلونة بتسجيل جارسيا خاصة وأن الحارس الأساسي مارك أندريه تير شتيجن تأكد غيابه لفترة طويلة بسبب الإصابة.
وهذا سيسمح للنادي بإنفاق 80 في المئة من راتبه على بديل له.
ووصف فليك الحارس جارسيا بأنه «حارس مرمى رائع» سيكون الحارس الأساسي الجديد للفريق.
ولكن أكد فليك، أن تير شتيجن سيظل مهماً، وأشار إلى أن الجميع في النادي يساندونه.
وكان برشلونة فتح إجراءات تأديبية وسحب شارة القيادة من تير شتيجن بعدما رفض في البداية التوقيع على التقرير الطبي، بعد إصابته الأخيرة في ظهره، الذي يؤكد غيابه لفترة طويلة.
ولكن انتهى التحقيق، وعادت الشارة للحارس الدولي الألماني بعد أن تصالح الطرفان.
وأعرب فليك عن آماله بأن يستعيد تير شتيجن مستواه وأن يستمر مع النادي، وقال:«الشيء المهم هو أننا نتحدث عن هذا سوياً، وأن يكون بإمكانه أن يلعب في أفضل مستوياته مرة أخرى».
وفاز فليك، مدرب بايرن ميونيخ ومنتخب ألمانيا السابق، بلقب الدوري والكأس في إسبانيا، بالإضافة لكأس السوبر الإسباني في أول موسم له مع برشلونة.
ويبدأ موسمه الثاني بثقة، حتى بدون نجم الفريق روبرت ليفاندوفسكي، الذي تحوم الشكوك حول مشاركته في مباراة الغد، بسبب معاناته من إصابة عضلية.
وقال:«الفوز بثلاثة ألقاب في الموسم الماضي ليس النهاية، إنه استمرار للمسيرة. سنبذل كل ما بوسعنا مرة أخرى هذا الموسم».
وأضاف:«الرسالة كانت واضحة، لا يوجد مجال للراحة، في الدوري الإسباني، كل منافس صعب وعلينا أن نقدم أفضل ما لدينا، سنبذل كل ما في وسعنا في كل مباراة».
وأكد فليك أن برشلونة لا يقتصر فقط على النجم الشاب والمنافس على الكرة الذهبية لامين يامال، الذي «يتدرب بشكل جيد جداً، سواء بالكرة أو بدونها، ويدافع ويضغط». وأضاف: «الشيء المهم هو الفوز، لا أهتم بعدد الأهداف التي يسجلها، ما يهم هو الفوز سوياً».

مقالات مشابهة

  • خريف ظفار .. الوجهة السياحية الأولى للأسرة ومحبي الجمال
  • تزوجت من أحمد فهمي | من هي شهد رمزي بعد اطلاق برومو أصل الجمال؟
  • الأوقاف: إجازة الصيف فرصة ذهبية لبناء الذات روحًا وعقلاً وجسدًا
  • ماذا نقول حين نسمع المؤذن يقول: الصلاة خير من النوم؟"
  • أحداث الساحل السوري بين رواية دمشق وتقرير لجنة الأمم المتحدة
  • أنور قرقاش: ما أشد حاجتنا إلى خطاب عقل وحكمة يطفئ نيران الفتن
  • مدرب برشلونة «غير سعيد»!
  • رائحة الفم الكريهة ليست مجرد إحراج .. تنذر بأمراض خطيرة
  • «دورينا» يبدأ رحلة البحث عن بطل جديد
  • مافي زول يقول لي: والحالة ديك أيام المساخر!