صحيفة البلاد:
2025-08-12@05:52:15 GMT

بلسان الجمل

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

بلسان الجمل

لعلك تذكر أنك ركبتني وأنت في السابعة من عمرك في سفر مع المرحوم والدك، ومع أني قد رزقني الله خفافا تتأقلم مع الحصى والرمل على حد سواء، إلا أنك سقطت عن ظهري عندما تزحلقت قليلا في سيري بين الساقية والوادي. ولولا أن الجمّال انتبه لك، لمضى دون أن يشعر بك أحد لتكون فريسة ذئب من الذئاب.

نحن الجمال لا نأكل اللحوم رغم ضخامة خلقتنا، بل نعيش على شجر السمر وشوكه ونوى التمر.

وورد في السيرة النبوية أن أبا سفيان زعيم قريش كان عائدا من رحلة الصيف، فخاف على قافلته من المسلمين، فسارع لاستطلاع أقرب موقع كي يعرف هل وصل المسلمون إلى هناك. فلما لم يجد أحداً، أخذ روثة يابسة من روث أحد أجدادي، وفتها بين أصابعه، فوجد فيها نوى التمر. فقال هذه علائف يثرب، أي أن وحدة استطلاعية من المسلمين، وصلت إلى تلك الناحية. وهذا الروث الذي يخرج من بطوننا، كان يستخدمه العربي وقودا يستدفئ به في الليالي الباردة.

الشاهد أن الجمّال أناخني لك لتركب على سنامي، وقال لك تمسّك يا ولدي لا تسقط مرة ثانية. نحن ذلولون بقدرة الله وأمره، لا للبشر فحسب، بل لكل من يأخذ بالزمام. وقد جاء في القصص التاريخية أن فأرا أخذ بزمام أحد أجدادي، ومشى به، وجدي يتبعه، حتى وصل الفأر إلى جحره، وألقى الزمام، فبرك جدي، ثم وضع عنقه بجوار الجحر. هل رأيت كمثل هذا التواضع في أي من مخلوقات الله؟ وقد نوه القرآن بنا فقال تعالى:”أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت”. لكن الويل لمن يعاملنا بقسوة. فأنتم معشر البشر تقولون في أمثالكم “أحقد من جمل”. إذا غضبنا فلا تلوموا إلا أنفسكم. لكننا وقعنا في مصيبة قبل بضع سنوات في استراليا حين قررت إعدام نحو نصف مليون من الإبل. غير أن رجل أعمال من ليبيا تصدى لبني أوزي فاشترى كمية ضخمة من الإبل الأسترالية فللّه دره. لا شك عندي أن حفيد عمر المختار يتغذى بلبن الناقة، ويأكل من لحم القعدان. فنعم الرجل ونعم ما استثمر فيه.

ونحن سفينة الصحراء. النبي موسى حج على جمل أحمر. كنا نحن نقوم مقام السيارات والقطارات عشرة آلاف سنة قبل هذي المخترعات الحديثة. هل تعلم أنني أستطيع أن أشرب في السقيا الواحدة 140 لترا. ذكر ذلك حسين مؤنس في كتاب “قريش”. لذلك قالوا الجمل يصبر بعد سقيا واحدة، أكثر من خمسين يوما.
وختام القصة أنك شعرت برضّة توجعك في فخذك اليمين، فأرسلتك المرحومة والدتك إلى إحدى عجائز القرية كي تدلّك فخذك بزيت السمسم بضعة أيام حتى شفاك الله. ومن يطالع كتاب “قصص الحيوان في القرآن” لأحمد بهجت، سيحزن أنه تكلم بألسنة الحيوانات، حتى ذئب يوسف، ولكنه غفل عني.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: حكومة الأمل.. كتاب لم يقرأه السودانيون

في مشهد سياسي ما زال عالقًا في ذاكرة السودانيين، قدّم الدكتور كامل إدريس نفسه، عقب أدائه القسم رئيسًا للوزراء، بثلاث لغات، حاملًا بين يديه كتابًا ضخمًا وصفه بأنه “خطة شاملة لإدارة المرحلة الانتقالية”، وخلفه كتاب ثانٍ يتناول آليات التنفيذ. بدت اللحظة وكأنها إيذان بمرحلة جديدة، تستند إلى التخطيط والرؤية والعقلانية والحوكمة والمرجعية المؤسسية.

غير أن أكثر من شهرين مرّا على ذلك المشهد، وما زال الكتاب مغلقًا؛ لم يُنشر للعامة، ولم يُطرح للنقاش، ولم يُعتمد كمرجعية سياسية أو إدارية لخطط الحكومة. لم يُقرأ ببساطة، حتى من قِبل السودانيين الذين وُعدوا بأنه سيكون خارطة طريق نحو الاستقرار.

وهنا يتجلى أحد أبرز مظاهر الارتباك في “حكومة الأمل”: غياب الاستراتيجية المعلنة في الفضاء العام، وانحصارها في دائرة النخبة التنفيذية، في وقت تدخل فيه البلاد مرحلة خطة العام 2026 وميزانيتها الجديدة، التي يُفترض أن تشكّل أساسًا لعقد اجتماعي جديد يعالج تحديات الانتقال.

إدارة مرحلة انتقالية بهذا التعقيد دون مشاركة حقيقية من الرأي العام تعكس خللًا مفاهيميًا يصعب أن يغيب عن رئيس الوزراء؛ فلا يمكن لحكومة جاءت بتفويض شعبي ضمني أن تستند إلى خطة غير معلنة، وتُدار بأدوات لا يراها الناس ولا يشاركون في تقييمها.

فالخطة التي لا تُعرض للنقاش لا يمكن أن تكون محل اتفاق، والخطاب الذي لا يقوم على الشفافية يتحول سريعًا إلى عبء سياسي قد يعرقل النهوض بدل أن يدفعه.

هذا الغموض تجاوز حدود الخطة الغائبة، ليشمل قرارات تنفيذية مثيرة للجدل، أبرزها دمج وزارة الري مع وزارة الزراعة، مع إغفال واضح لجانب الموارد المائية. قرارٌ قوبل بانتقادات واسعة من المختصين باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن المائي القومي، في بلد يرتبط مصيره الاقتصادي والبيئي والسياسي بمنظومة مائية إقليمية معقدة، على رأسها ملف سد النهضة ومفوضية حوض النيل.

أما على صعيد العلاقات الخارجية، فالمشهد لا يقل ارتباكًا؛ إذ لا تزال وزارة الخارجية بلا وزير، رغم أنها الجهة المعنية بقيادة جهود السودان لاستعادة وضعه الإقليمي والدولي، وفي مقدمتها عضويته المجمّدة في الاتحاد الإفريقي.

رئيس الوزراء نفى مؤخرًا توليه المنصب بنفسه، مؤكدًا أن “الخارجية تتطلب تفرغًا كاملًا”، لكنه لم يفسر سبب غياب التعيين، رغم أن وزير الدولة المعيّن في هذا المنصب سبق الإعلان عنه وزيراً قبل تكليف إدريس بتشكيل الحكومة.

ويتكرر النمط ذاته في قضية تعيين الدكتور أحمد التجاني وزيرًا للثروة الحيوانية، إذ أثار التعيين جدلًا واسعًا بسبب حمل الوزير المعيّن للجنسية الإماراتية. وفي القاهرة أعلن إدريس سحب التكليف دون أن يوضح سبب الترشيح من الأساس، أو كيف فاتت هذه المعلومة فريق الاختيار الحكومي.

الأدهى أن التراجع بُرّر بوجود “الطابور الخامس” داخل مؤسسات الدولة، وهو توصيف يضع ادريس نفسه امام مسؤلياته، كما يفتح الباب أمام نظرية المؤامرة أكثر مما يقدّم إجابات موضوعية.

في هذا السياق، تبدو حكومة الأمل عاجزة عن إكمال تشكيلها الوزاري أو عقد اجتماع رسمي لمجلس الوزراء بكامل أعضائه. قرابة ثلاثة أشهر مرّت على تشكيل الحكومة، ولا تزال الملفات الكبرى معلقة: لا خطة منشورة، لا وزير خارجية، لا رؤية معلنة لإعادة الإعمار – رغم الوعود بتخصيص مئات المليارات – ولا خطوات ملموسة لتفعيل ما وصفه إدريس بمشروع “مارشال السوداني”.

حتى المبادرات المعلنة، مثل “الوحدة الخاصة للشباب” و”مجلس السلم الاجتماعي “،لم تتحول إلى هياكل قائمة أو سياسات واضحة.. كما أن الوزارات الجديدة لم يصدر لها منشور بالمهام والاختصاصات ، ويُذكر أن رئيس الوزراء أعلن أن أي وزير لا ينجز خلال ثلاثة أشهر سيتم إعفاؤه، ما يطرح سؤالًا مباشرًا: هل ستُطبّق هذه القاعدة على الجميع؟

في المقابل، تُسجَّل للحكومة بعض الإشارات الإيجابية، مثل تأكيد إدريس عودة الحكومة إلى الخرطوم في أكتوبر، والتقدم في ملف عودة الخدمات الأساسية، والتنسيق مع مصر في قضايا التعليم والصحة والأمن المائي، إضافة إلى تحسن الوضع الأمني في بعض الولايات. غير أن هذه المكاسب ستظل محدودة ما لم تُبنَ على أساس مؤسسي وخطة واضحة.

بحسب #وجه_الحقيقة، يبقى التحدي الأكبر أمام حكومة الأمل هو تحويل الخطط إلى واقع ملموس، وترجمة الوعود إلى أفعال قابلة للقياس والمساءلة. فالثقة في إمكانيات رئيس الوزراء – مهما بلغت مكانته العلمية وخبرته الدولية – لا تغني عن الشفافية والرؤية المشتركة. السودانيون لا يتفاعلون مع من يرفع مشروعًا نظريًا، بل مع من يشاركهم تطبيقه، ويقودهم بإرادة تنفيذية يقظة من أجل التغيير. وإن لم يُخرج الدكتور كامل إدريس مشروعه من حيز التصورات إلى ميدان الفعل التنفيذي والسياسي، فستظل حكومته حبلى بالأمل، لكنها عاجزة عن الولادة.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
السبت 9 أغسطس 2025م [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تكريم الفائزين بمسابقة "محالبة الإبل" في ولاية طاقة
  • دير البلح.. ذاكرة المدينة الصغيرة بين إرث الحضارة وتهديد الإبادة.. قراءة في كتاب
  • تكريم الفائزين في مسابقة المحالبة بولاية طاقة
  • النائب عبد الباسط الكباريتي يوجه كتابًا إلى رئيس الوزراء لمعالجة ارتفاع فواتير الكهرباء في العقبة
  • ضبط مواطن ارتكب مخالفة رعي 19 متنًا من الإبل.. وهذه أرقام الإبلاغ
  • ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية
  • واذكر في كتاب المقاومة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حكومة الأمل.. كتاب لم يقرأه السودانيون
  • د. النجراني ينضم لقائمة كتاب صحيفة Atalayar الإسبانية
  • أوقاف المغاربة في القدس كتاب يعرض تاريخ المغاربة ودورهم في المدينة المقدسة