خبير أميركي: هل تنجح الهند في الوقوف بوجه الصين في جنوب آسيا؟
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
قال مسؤول أميركي سابق إن التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة جنوب آسيا -من جبال الهيمالايا حتى الجزر الواقعة قبالة شبه القارة الهندية- يكتسب أهمية بالغة وربما يحدد مصير إستراتيجية واشنطن الهادفة لإبقاء المنطقة "مفتوحة وخالية" من النفوذ الصيني.
ونقلت مجلة فورين بوليسي عن ديريك غروسمان -المسؤول السابق عن تقديم الإحاطات الاستخباراتية لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادي- قوله إن الخبر السار على الأقل في الوقت الراهن، هو أن نيودلهي "الشريك المقرب لواشنطن" نجحت عموما في درء نفوذ بكين المتصاعد في أرجاء المنطقة.
ولطالما ظلت جنوب آسيا -التي تضم أفغانستان وبنغلاديش وبوتان والهند وجزر المالديف ونيبال وباكستان وسريلانكا- مرتعا لتنافس إستراتيجي بين الصين والهند لسنوات، حسب وصف غروسمان.
مبادرة الحزام
ويذكر الكاتب -الذي يعمل حاليا محللا لشؤون الدفاع في مؤسسة راند، وأستاذا مساعدا في جامعة جنوب كاليفورنيا- أن القلق الذي يساور نيودلهي هو أن بكين التي اشتبكت معها عسكريا مرات عديدة على الحدود البرية المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، تخطط لنسج شبكة تحالفات لتطويق الهند برا وبحرا، لتحل محلها كقوة مهيمنة على منطقة جنوب آسيا.
ويلفت المقال إلى أن كل الدول في المنطقة -باستثناء بوتان- مشاركة في مبادرة الحزام والطريق، وهي برنامج اقتصادي واسع للاستثمار وتطوير البنى التحتية.
وقد استطاعت بكين كذلك تأمين الوصول إلى موانئ رئيسية على طول المحيط الهندي -مثل غوادر في باكستان، وهمبانتوتا في سريلانكا، وتشيتاغونغ في بنغلاديش- مما أثار قلق نيودلهي بشأن ما يسمى "إستراتيجية عقد اللؤلؤ" التي تهدف إلى التضييق على الهند، حسب قول غروسمان.
واكتشفت الهند قبل 4 سنوات أن جيرانها هم مكمن القلق بعد أن اعتلت حكومات صديقة للصين سدة السلطة في جزر المالديف، ونيبال، وسريلانكا، وباكستان. كما أن الهند ارتكبت -برأي المسؤول الأميركي السابق- جملة من الأخطاء الإستراتيجية في علاقاتها مع بعض جيرانها، مما أضر بــ"سياسة الجيران أولا" التي ظلت تتبناها منذ زمن طويل.
تغيرات إستراتيجية
غير أن الزمان تغير، كما يؤكد الكاتب مشيرا إلى أن الهند تتمتع حاليا بعلاقات قوية مع كل من جزر المالديف ونيبال وسريلانكا، وعززت صلاتها ببنغلاديش، "ثم إنها تمكنت على الأقل من مجاراة الصين في قدرتها على التأثير في حكومة طالبان في أفغانستان، إن لم تتجاوزها في ذلك".
على أن باكستان تظل المشكلة التي استعصت على الهند جراء نزاعهما الطويل على إقليم كشمير، وبسبب الشراكة الراسخة بين إسلام آباد وبكين القائمة على التعاون المشترك في مجال العلاقات الخارجية "تحت كل الظروف".
ويتابع غروسمان بأن الصين بدت كقوة عظمى لملء الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة عسكريا من أفغانستان في أغسطس/آب 2021. وضرب مثالا على السطوة الصينية بمسعاها للوصول إلى الثروات المعدنية الهائلة التي تحتويها الجبال الأفغانية.
ورغم أن الهند تشعر بقلق مماثل من أن تصبح أفغانستان، تحت حكم طالبان مرة أخرى، بؤرة لإيواء مسلحين، لا سيما أولئك الذين يناصبون نيودلهي العداء وتدعمهم باكستان، إلا أنها أقدمت -مع ذلك- على خطوة تنطوي على "مقامرة" بإقامتها علاقات "عملية" مع طالبان.
وربما تستفيد الهند أيضا من العلاقة المتوترة بين طالبان وباكستان، ذلك أن "الجدل المثار حول خط دوراند المتنازع عليه والفاصل بين باكستان وأفغانستان، أتاح مزيدا من الفرص للهند لكي تكون بمثابة راع بديل" لطالبان.
تنافس شرس
ويعتقد الباحث والأكاديمي الأميركي في مقاله أن هذا الأمر قد يضر أيضا بوضعية الصين "المنحازة تماما" إلى جانب باكستان، وهي التي تشاطرها العديد من الأهداف في أفغانستان.
"كل ذلك ينبئ عن نقطة تحول مهمة في جنوب آسيا، فالهند لم تعد هي الخاسرة -بل ربما تكون الرابحة- في تنافسها الإستراتيجي مع الصين"، بحسب مقال فورين بوليسي.
ويمضي الكاتب في تحليل العلاقات بين دول الجوار في المنطقة، فيرى أن للهند غلبة واضحة في بنغلاديش حيث التنافس الهندي الصيني على أشده هناك، لافتا إلى أن دكا تدين بجزء كبير لنيودلهي في انفصالها عام 1971 عن باكستان.
وقد عمدت الصين إلى تشجيع مواطنيها -منذ عام 2015 على الأقل- على الاستيطان سرا في مملكة بوتان وإنشاء قرى بخطة منهجية هناك لتستخدمها بعد ذلك ذريعة لضم أراضيها إليها وإقامة منطقة عازلة بهدف منع مواطني بوتان التبتيين من تقويض سيطرة الصين على إقليم التبت، وجعل بكين كذلك في موقف يمكنها من تهديد ممر "سيليغوري" الهندي الإستراتيجي، وهو شريط ضيق يربط البر الهندي الرئيسي بمناطقها في شمال شرقي البلاد.
من الفائز؟
ويعود الكاتب للحديث مرة أخرى عن العلاقات الهندية الباكستانية، التي يصفها بأنها طالما مثلت تحديا لنيودلهي، إلا أن التوترات بينهما على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير خفت حدتها في الغالب. وأضاف "على أن الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن إسلام آباد لا تزال راغبة في التعامل مع نيودلهي، والحفاظ على الهدوء بشكل كبير في منطقة كشمير الحدودية، يعد انتصارا في حد ذاته".
وخلص غروسمان إلى أن الهند تبدو هي الفائزة في التنافس الإستراتيجي في جنوب آسيا، إلا أنه لا توجد ضمانات بأن الحال سيظل على هذا النحو ذلك أن أي انتخابات في المنطقة قد تغير الاصطفاف الجيو-سياسي لدولة ما "في غمضة عين".
وإذا فشلت الهند في الحد من النفوذ الصيني في جنوب آسيا، فإنها قد تعرض إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي للخطر الشديد، كما يظن كاتب المقال، الذي يؤكد أن نيودلهي ستركز في هذه الحالة على جيرانها، وستقلل على الأرجح من نطاق دعمها للأهداف الأميركية في مناطق أبعد سواء في جنوب شرق آسيا أو المحيط الهادي.
وأكد غروسمان أنه إذا استنتجت الهند أن الصين نجحت في تطويقها، فإن ذلك سيثير احتمال اندلاع حرب بين القوتين النوويتين، مشيرا إلى أن أيا من هذه النتائج غير محبذة، ولتجنب ذلك فإن على واشنطن العمل على تعزيز جهود الهند ليس فقط للبقاء متقدمة على الصين في جنوب آسيا، بل ولتوسيع الفجوة بينهما أيضا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی جنوب آسیا أن الهند إلى أن
إقرأ أيضاً:
الصين تعزز حضورها في العراق بمشروع نفطي عملاق جنوب البصرة
مشروع اقتصادي ضخم يربط بغداد ببكين على طريق طويل من الشراكة المتنامية، بعد توقيع تحالف شركتي “جيوجيد” و”هلال البصرة” الصينيتين عقدًا مع شركة نفط البصرة لتنفيذ أول مشروع متكامل من نوعه في جنوب العراق، يجمع بين الطاقة والصناعة والابتكار.
ويشمل العقد بناء مصفاة لتكرير النفط، ومصنع للبتروكيماويات، ومصنع للأسمدة، إلى جانب محطات لتوليد الطاقة الحرارية والطاقة الشمسية، ما يجعله واحدًا من أضخم المشاريع التنموية في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ووصف وزير النفط العراقي حيان عبد الغني السواد المشروع بـ”النقلة النوعية في تنمية الثروة النفطية وتعزيز الاقتصاد الوطني”، مؤكدًا أن الخطوة تأتي ضمن خطة حكومية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام.
وتزامن الإعلان عن المشروع مع زيادة إنتاج النفط في حقل الطوبة المحلي بمعدل خمسة أضعاف، إلى جانب تطورات جديدة في حقل غرب القرنة 1، حيث تولت شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) إدارته خلفًا لشركة إكسون موبيل الأميركية، ما يعكس تزايد الاعتماد العراقي على الخبرة الصينية في تطوير الحقول النفطية.
هذا وأقيم حفل رسمي مطلع العام الحالي لوضع حجر الأساس لمقر تشغيلي جديد في غرب القرنة، بحضور وفود صينية وعراقية، وسط توقعات بأن تسهم التجربة هناك في تسريع إنجاز المشروع المتكامل جنوب البصرة.
واعتبر المحلل الروسي بوريس دولغوف، من مركز الدراسات العربية والإسلامية في موسكو، أن العراق “يتجه بوضوح نحو تعميق علاقاته الاقتصادية مع الصين”، مضيفًا أن بكين “تستثمر بدهاء في الفجوة التي خلّفها التراجع الغربي، وتقدم نموذجًا مختلفًا للشراكة، يركز على المصالح الاقتصادية دون تدخلات سياسية مباشرة”.
ورغم استمرار العلاقات العراقية مع الغرب، يشير مراقبون إلى أن بغداد باتت توازن نفوذ القوى الكبرى من خلال تعزيز الشراكات مع الصين، في ظل التقلبات الإقليمية، وتراجع الاستقرار في بعض المحاور التقليدية، خصوصًا بعد التغيرات في سوريا.
ويعد مشروع جنوب البصرة المتكامل أحد أبرز أصول الصين في العراق خلال السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يسهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتوفير آلاف فرص العمل، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز البنية التحتية للصناعات النفطية والكيميائية.
هذا وترسم رؤية الصين الطويلة المدى، والتحولات الاستراتيجية في سياسات العراق الاقتصادية، ملامح مرحلة جديدة من التعاون تتجاوز النفط إلى شراكة أوسع تشمل الطاقة، الصناعة، والحوكمة الاقتصادية.