الثورة /

 

تشهد إسرائيل في الآونة الأخيرة ظاهرة لافتة تتمثل في تصاعد موجات الهجرة العكسية، حيث يختار عدد متزايد من المواطنين الإسرائيليين مغادرة البلاد والاستقرار في دول أخرى. تأتي هذه الظاهرة في سياق متشابك من التوترات الأمنية، والضغوط الاقتصادية، والتداعيات الاجتماعية التي أفرزتها عملية “طوفان الأقصى”.

العملية، التي ينظر إليها محللون كمتغير إستراتيجي في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ أحدثت هزة عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي الإسرائيلي، مما دفع العديد من الأفراد والعائلات إلى إعادة التفكير في خياراتهم المستقبلية.

ومنذ نشأة دولة الاحتلال، سعى قادتها إلى جذب يهود العالم للعودة إلى ما يصفونه بـ”أرض الميعاد”، مستخدمين سياسات منظمة لتعزيز الهجرة، كان أبرزها “قانون العودة” الذي أقرته حكومة الاحتلال عام 1950، وبموجبه منح اليهود حق الهجرة إلى فلسطين والاستقرار فيها والحصول على الجنسية الإسرائيلية، في محاولة لتعزيز الوجود اليهودي على الأراضي الفلسطينية.

إلا أن عملية طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر 2023، كشفت عن تصاعد ملحوظ في الهجرة العكسية الإسرائيلية، في واحدة من أكبر التحديات التي تواجهها إسرائيل منذ تأسيسها في عام النكبة 1948، الذي طرد فيه العصابات الصهيونية الفلسطينيين من أراضيهم بقوة السلاح.

وتشير تقارير إسرائيلية تشير إلى تزايد نشاط شركات الهجرة لطالبيها الإسرائيليين، بما يشمل تسهيل نقل الأصول المالية وإنشاء حسابات مصرفية وشراء عقارات في دول أوروبية مثل قبرص، واليونان، وإسبانيا، والبرتغال.

ووفق معطيات إسرائيلية إعلامية فإن حوالي 550 ألف إسرائيلي غادروا إسرائيل منذ أكتوبر 2023، وهو ما تنفيه الحكومة الإسرائيلية، مدعية أن هذه الأرقام تعكس النزوح الداخلي بين المناطق وليس الهجرة إلى الخارج.

أرقام وحقائق

ويظهر تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أرقاماً وحقائق حول الهجرة العكسية الإسرائيلية قبل الحرب وبعدها، مبيناً أن الهجرة العكسية ظلت مشكلة مستمرة منذ السنوات الأولى لتأسيس إسرائيل بين عامي 1948 و1950، حيث غادر نحو 10% من المهاجرين اليهود الدولة الناشئة حديثًا، فيما شهدت الفترة حتى عام 1967 مغادرة أكثر من 180 ألف إسرائيلي، رغم السياسات الصارمة التي تهدف إلى الحد منها.

ويوضح التقرير أن أعداد المغادرين في سنوات تأسيس إسرائيل الأولى وحتى ثمانينيات القرن الماضي تراوحت بين 4 آلاف و20 ألف شخص، في حين ارتبطت موجات الهجرة العكسية الكبيرة بأحداث كبيرة مثل حرب أكتوبر 1973، وفي أعقاب العدوان على لبنان مطلع الثمانينيات 1982.

ومنذ التسعينيات، تجاوز عدد المغادرين لإسرائيل 500 ألف شخص، بينما يُقدر العدد الإجمالي للذين غادروا دولة الاحتلال منذ تأسيسها ولم يعودوا بأكثر من 690 ألفًا، وفق دائرة الإحصاء الإسرائيلية الرسمية.

وفي عام 2015، غادر إسرائيل نحو 16,700 شخص، عاد منهم 8,500. وبحلول عام 2020 خرج من إسرائيل أكثر من 756 ألف مستوطن، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتصاعد انعدام المساواة، والإحباط من تعثر عملية التسوية، فضلًا عن تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية.

إحصائيات حديثة

وتشير بيانات سلطة السكان الإسرائيلية إلى مغادرة أكثر من 550 ألف إسرائيلي في موسم الصيف وأثناء حرب الإبادة المتواصلة على غزة، ولم يعودوا حتى أبريل 2024. ووفق المكتب المركزي للإحصاء، غادر نحو 60 ألف شخص تل أبيب خلال عام 2023 ولم يعودوا إلا في زيارات قصيرة، وخلال عام 2023، بلغ عدد المهاجرين 60 ألفًا، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 40 ألفًا في السنوات السابقة.

أما عن أبرز الدول الأكثر استقطابا للإسرائيليين، فتعد قبرص اليونانية الوجهة المفضلة للفارّين، إذ استقبلت نحو 2500 منهم فقط في يوم واحد فقط، بعد أيام قليلة من معركة “طوفان الأقصى”. بينما ارتفع الإقبال على نيل الجنسية الفرنسية بنسبة 13%، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة 68% في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين، كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة 10% في نفس الطلبات.

أما أكثر الفئات المهاجرة من إسرائيل، بلغ متوسط أعمار المهاجرين في عام 2023 (31.6 عاما) للرجال، بينما بلغ متوسط أعمار النساء (32.5 عاما). وشكّل من هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر 40% من المهاجرين، على الرغم من أنهم يمثلون حوالي 27% فقط من السكان.

وتقرأ صحيفة “جيروزاليم بوست” باعتبارها خسارة اقتصادية كبيرة، ففي هذه السن تبدأ فئة الشباب بدخول سوق العمل أو يتابعون دراستهم أو يتلقون تدريبا في الخارج.

ومن بين المهاجرين، شكّل العُزّاب 48% من الرجال، و45% من النساء. وهاجر حوالي 41% منهم مع شريك حياته/حياتها، مما يعزز الانطباع بأن كثيرين من هؤلاء هاجروا بصورة نهائية.

تغُيرات الأعوام الأخيرة

وفق بيانات وزارة الهجرة واستيعاب القادمين الجدد والوكالة اليهودية، شهد النصف الأول من عام 2022 انخفاضًا حادًا بنسبة 20% في معدلات استقدام اليهود من أمريكا وأوروبا.

وعلى الرغم من زيادة قدوم اليهود الأوكرانيين والروس خلال العام ذاته، فإن ذلك كان مدفوعًا بأوضاع الحرب في تلك الدول، ومن بين 5,600 يهودي روسي استفادوا من “قانون العودة”، عاد حوالي 1,800 منهم إلى روسيا خلال فترة قصيرة.

وفي أعقاب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، ارتفع عدد الإسرائيليين الساعين للحصول على الجنسيات الأوروبية، وهو توجه مدفوع بسياسات متشددة يقودها شخصيات بارزة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وفق تقارير إسرائيلية.

عوامل ديموغرافية وآيديولوجية

ويعزو المحاضر في كلية التاريخ بالجامعة العبرية، البروفيسور يوفال هراري، تصاعد ظاهرة الهجرة اليهودية العكسية، إلى تنامي نفوذ التيار الديني اليميني المتطرف والأحزاب الحريدية في المجتمع الإسرائيلي، وتغلغلها في الوزارات الحكومية وسيطرتها على مقاليد الحكم بالكيان.

ويوضح أن التغييرات المجتمعية والاقتصادية والقضائية التي يدفع بها نتنياهو في الأعوام الأخيرة، أعادت للواجهة التفكير بالهجرة لأسباب ديموغرافية وأيديولوجية.

في حين يقول المحلل السياسي الفلسطيني نزار جبر، إن مغادرة هذه الأعداد الكبيرة لإسرائيل يعتبر الأكبر منذ نشأتها، مؤكداً أن عملية طوفان الأقصى ضرب مبدأ الأمن وهو أحد أهم الأركان التي قامت عليها إسرائيل.

وأضاف: “طوال تاريخ الكيان كانت تنقل الحروب خارج حدوده، لكن الهجوم هذه المرة كان في قلب الكيان”، مشيرا إلى أنه كلما طالت الحرب سيهاجر عدد أكبر. وتوقع جبر عدم عودة نسبة كبيرة من المهاجرين الإسرائيليين خاصة حملة الجنسية المزدوجة، بل وقد يتنازل بعضهم عن الجنسية الإسرائيلية نتيجة تعرضهم لانتقادات كبيرة في الخارج، بسبب انتهاكات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين خلال الحرب.

ويلخص مركز الدراسات السياسية والتنموية في ورقة حقائق، دوافع وأسباب الهجرة العكسية في فقدان الثقة بالنظام السياسي، وتفاقم النزاع، وفقدان الشعور بالأمان. وتشير الورقة المنشورة تحت عنوان

“الهجرة العكسية من الكيان الإسرائيلي”، إلى انعدام العدالة الاجتماعية، والشعور بتقاعس الحكومة عن معالجة قضايا جوهرية.

ومن بين الأسباب الهجرة أيضاً، انعدام الشعور بالأمان مع تعدد جبهات القتال في إسرائيل، وانخفاض مستوى المعيشة وتفاقم حدة الانقسام الداخليّ، وعوامل نفسية واجتماعية الارهاق النفسي او البحث عن الاستقرار.

تداعيات الهجرة العكسية

أما عن تداعيات الهجرة العكسية، فتوضح الورقة أن الحرب أثرت بشكل كبير على عدة جوانب، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، فضلاً عن السياسية والعسكرية، فمع بدء الهجرة العكسية، تكبد الاحتلال خسائر مالية ضخمة بسبب هجرة الأيدي العاملة، وتوقف كثير من المصانع والمعامل، فضلاً عن بقية القطاعات الصناعية والزراعية.

وتبين أن حرب الإبادة على غزة تسببت في حرمان الاحتلال الإسرائيلي من اليد العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ اضطرت إلى استقدام عمالة من دول أخرى بتكاليف أعلى وشروط أفضل، “مما سيؤدي إلى زيادة تكاليف الأجور وأسعار السلع الإسرائيلية، ويجعلها أقل تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية. كما تؤثر الهجرة العكسية على القطاع العسكري، وذلك بعد رفض عديد من الإسرائيليين الالتحاق بالجيش”.

إبراز دور الطوفان

وترى الورقة أن “طوفان الأقصى” قد يكون قد أغرق حلم “أرض الميعاد”، فالهجرة الجماعية للإسرائيليين التي فاقت أي حدث سابق، “تشكل تحولاً تاريخياً في المشروع الصهيوني بعد عقود من الترويج لأمن إسرائيل وازدهارها”.

وتعتقد أن الهجرة العكسية ليست مجرد رد فعل على حرب الإبادة، بل هي نتيجة تراكم أزمات سياسية وأمنية داخلية، فضلاً عن تآكل الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها، مشيرة إن هذا التحول يشير إلى أن النموذج الصهيوني، القائم على فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية، يواجه تحديات وجودية لم يسبق لها مثيل.

وتوصي الورقة بإبراز دور معركة طوفان الأقصى في زعزعة الأمن النفسي والعاطفي للإسرائيليين مما أدى إلى الهجرة العكسية لدى الكيان الإسرائيلي، وتكثيف النشر في وسائل الاعلام ونشر محتوى يسلط الضوء على أسباب الهجرة، وتأثيرها على المجتمع الإسرائيلي، وربطها بالسياسات الإسرائيلية العدوانية، وتأثير عمليات المقاومة الفلسطينية على ذلك.

كما أوصت بالتواصل مع وسائل الإعلام العالمية وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة للصحفيين والمحللين حول هذه الظاهرة، وشرح أبعادها السياسية والاجتماعية، وتوجيه رسائل واضحة ومباشرة إلى المجتمع الدولي، تشرح أن هذه الهجرة هي نتيجة طبيعية لسياسات الاحتلال وجرائمه.

ولفت إلى ضرورة تشجيع المؤسسات الأكاديمية ومراكز الدراسات على دراسة الظاهرة بشكل معمق لناحية تأثيرها على المجتمع الإسرائيلي، والتعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية لتوثيق أسباب الهجرة وربطها بالانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. إلى جانب تعزيز الحملات الإعلامية الدولية التي تربط بين تدهور الوضع الأمني في الكيان وسياسات الاحتلال.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الهجرة العکسیة طوفان الأقصى أکثر من

إقرأ أيضاً:

الإعلام الغربي يتغيّر.. بين ضغط الجمهور وعودة الأخلاقيات.. غزة نموذجًا

منذ أن اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، بدأنا نلحظ تصدّعًا في جدار الرواية الإعلامية الغربية التقليدية، الذي طالما انحاز، بصورة شبه مطلقة، إلى جانب الرواية الإسرائيلية. صحيح أن التحول لا يزال جزئيًا ومتفاوتًا، لكن المؤكد أنه تحوّل غير مسبوق من حيث المؤشرات والاتجاهات. فما الذي تغيّر؟ ولماذا الآن؟ وهل نحن أمام يقظة ضمير صحفي، أم استجابة اضطرارية لضغط الجماهير وواقع الميديا الجديدة؟

ضغط الجماهير يعيد تشكيل الخطاب الإعلامي

ما كان يومًا حراكًا نخبويًا أو صدى محدودًا في الهامش، بات اليوم طوفانًا شعبيًا يُحرج كبريات المؤسسات الإعلامية. الجماهير لم تعد مستهلكًا سلبيًا للأخبار، بل فاعلًا ضاغطًا يراقب ويواجه ويحاسب.

حملة "أنتم شركاء في الجريمة" ضد" بي بي سي" و"سي أن أن" حصدت ملايين التفاعلات، بينما كشف استطلاع حديث لـ"يوغوف" في يونيو 2025 أن 55% من البريطانيين يعارضون الحرب، وأن 82% منهم يعتبرونها إبادة جماعية. هذه الأرقام وحدها كفيلة بهزّ أي غرفة تحرير.

منصات مثل تيك توك ويوتيوب لم تكتفِ بالبث، بل تحوّلت إلى ساحات رواية بديلة، تجاوز فيها المحتوى الفلسطيني 2.5 مليار مشاهدة منذ اندلاع الحرب، ما أربك السرديات الكلاسيكية وأخرج الجمهور من عباءة التلقّي إلى ميدان الفعل.

حملة "أنتم شركاء في الجريمة" ضد" بي بي سي" و"سي أن أن" حصدت ملايين التفاعلات، بينما كشف استطلاع حديث لـ"يوغوف" في يونيو 2025 أن 55% من البريطانيين يعارضون الحرب، وأن 82% منهم يعتبرونها إبادة جماعية. هذه الأرقام وحدها كفيلة بهزّ أي غرفة تحرير.في قلب التحول، تقف مؤسسات مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست". بعد عقود من الحذر، بدأت هذه المنصات تستخدم مصطلحات مثل "حصار"، و"مجاعة"، و"قتل جماعي"، بل وفتحت المجال لمقالات تطرح الرواية الفلسطينية من الداخل.

دراسة تحليلية حديثة لأكثر من 1300 مقال في "نيويورك تايمز" أظهرت أن 46% من المقالات كانت متعاطفة مع الفلسطينيين، مقابل 10.5% فقط مع الإسرائيليين، وهي أرقام غير مسبوقة في تاريخ التغطية الغربية لهذا الصراع.

أما شبكات مثل "سي أن أن" و"أن بي سي نيوز"، فقد واجهت تمردًا داخليًا من بعض الصحفيين الذين طالبوا بتغطية أكثر توازنًا، بعد أن بدا واضحًا تكرار مصطلحات تبريرية مثل "الضربات الدقيقة"، وتجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين. لاحقًا، رُصد تراجع نسبي في تلك المفردات، وإشارات أوضح إلى "قصف مناطق مأهولة"، ولو بخجل.

الإعلام الأوروبي.. من الحذر إلى مراجعة اضطرارية

في أوروبا، وجدت "بي بي سي" نفسها في قلب العاصفة. التحيز اللفظي كان فاضحًا، ورفض وصف الضحايا بـ”الشهداء المدنيين” أثار انتقادات واسعة. لكن مع الضغط الجماهيري، بدأنا نلحظ تعديلات تحريرية تدريجية وعودة لتقارير ميدانية من داخل غزة.

وفي فرنسا، بدأت منصات مثل France 24 وLe Monde  تفتح المجال لتقارير مستقلة من الضفة وغزة، يتصدرها صحفيون محليون وأصوات فلسطينية، ما انعكس في تغيّر نبرة العناوين ومفردات التغطية.

يبقى السؤال الكبير: هل هذا التغير نابع من مراجعة مبدئية للمواقف؟ أم أنه مجرد محاولة لاستعادة جمهور بدأ يفقد الثقة ويلجأ إلى الإعلام المستقل؟ الواقع يشير إلى مزيج معقّد من الاثنين، لكنه يميل غالبًا إلى الثاني.

استطلاع مشترك بين "يوغوف" و"الإيكونوميست" كشف أن 35% من الأمريكيين يعتبرون ما يجري في غزة إبادة جماعية، وهي نسبة ترتفع إلى 54% بين الأمريكيين من أصول لاتينية، و40% بين الشباب تحت سن الثلاثين. جمهور كهذا لم تعد ترضيه تغطية نمطية أو سردية أحادية، وهو ما تدركه المؤسسات الإعلامية الكبرى، ولو على مضض.

ويمكن تلخيص أبرز العوامل التي دفعت لهذا التحول المفاجئ نسبياً في ثلاثة محاور:

ـ الضغط الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي: فقد أصبح الجمهور أكثر وعيًا وانخراطًا. وفقًا لتقرير Pew (2024)، قال 62% من الأمريكيين إنهم اكتشفوا تحيّزًا إعلاميًا بفضل مقاطع الفيديو وشهادات المستخدمين العاديين على "تيك توك" و"إكس".

ـ صعود الإعلام البديل: منصات مثل الجزيرة الإنجليزية وDemocracy Now! وIntercepted لم تعد فقط بدائل، بل منافسين شرسين. تضاعف جمهور الأولى، وحقق بودكاست الأخيرة نموًا بأكثر من 180% في سنة واحدة داخل الولايات المتحدة.

ـ خسارة الثقة في الإعلام التقليدي: استطلاع لـ "رويترز”"(2023) أظهر أن الثقة في الإعلام الأمريكي هبطت إلى 26% فقط، وفي فرنسا إلى 33%. أكثر من نصف الأوروبيين أصبحوا يفضلون "مصادر مستقلة" بدلاً من الصحف والقنوات الكبرى.

يبقى السؤال الكبير: هل هذا التغير نابع من مراجعة مبدئية للمواقف؟ أم أنه مجرد محاولة لاستعادة جمهور بدأ يفقد الثقة ويلجأ إلى الإعلام المستقل؟ الواقع يشير إلى مزيج معقّد من الاثنين، لكنه يميل غالبًا إلى الثاني.التحوّل لم يكن فقط استجابة من مؤسسات كبرى، بل أيضًا نتيجة شجاعة أفراد تحدّوا التيار:

ـ الصحفية الكندية Nora Loreto كانت من أول من وصف الحرب بالإبادة الجماعية، وتعرضت لحظر رسمي، لكنها اكتسبت ملايين المتابعين.

ـ الصحفي البريطاني Owen Jones خصص سلسلة “من غزة إلى لندن” لكشف ازدواجية الحكومات الغربية.

ـ موقع Democracy Now كان من الأوائل في استضافة أطباء من غزة مباشرة، بينما ترددت شبكات كبرى عن ذلك.

ولهذا فما أراه أن ما يجري في الإعلام الغربي ليس ثورة، بل شرخ أول في جدار الرواية الأحادية. هو مخاض بطيء لكنه واعد، تدفعه الجماهير، وتُحرجه الأخلاقيات، وتراقبه أعين الصحفيين المستقلين.

ربما لا يزال الطريق طويلًا نحو تغطية عادلة ومتوازنة للقضية الفلسطينية، لكن المؤكد أن غزة كانت نقطة الانعطاف. ولأول مرة منذ عقود، بدأ الإعلام الغربي يُحسّ بـ"ثقل الضمير"، أو على الأقل، بضرورة الإنصات لصوت الحقيقة، لا لصدى السلطة.

مقالات مشابهة

  • الإعلام الغربي يتغيّر.. بين ضغط الجمهور وعودة الأخلاقيات.. غزة نموذجًا
  • قدرة القطط على التمييز بين أصحابها والغرباء من حاسة الشم
  • عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي في أعقاب إطلاق الصاروخ من اليمن
  • “تشات جي بي تي” يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار “أنا لست روبوتا” بنجاح !
  • جيل الطوفان‎
  • مفارقة الشفافية.. هل تزيد ثقة الناس في العلم عبر الكذب؟
  • مختصة نفسية: الذكاء الاجتماعي يصنع قدرة على إدارة الضغوط بشكل جيد
  • المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية.. مختبر إسرائيل الغامض
  • المستشار “صالح” يبحث مع المحامي العام بالبيضاء الملفات المتعلقة بالسجون والهجرة غير الشرعية
  • وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لسيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية