جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-07@03:05:21 GMT

"بريكس" وتغيير قواعد اللعبة

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

'بريكس' وتغيير قواعد اللعبة

◄ "قمة بريكس 2023" تمثل دفعة قوية لجهود بناء نظام عالمي جديد

◄ رغبة 23 دولة في الانضمام إلى "بريكس" تترجم قوة هذا التكتل الاقتصادي

◄ ضرورة إيجاد نظام اقتصادي مُغاير يرتكز على التنمية والبناء لا استنزاف الموارد

 

حاتم الطائي

ما تزال حالة التغيرات العالمية تجري من حولنا، فيما يؤكد طرحنا بأنَّ ثمَّة عالم جديد آخذ في التشكل، إيذانًا بانقضاء مرحلة الأحادية القطبية، التي أعقبت مرحلة الحربين العالميتين ما تبعهما من حرب باردة، ليبدأ العالم الجديد القائم على التعددية القطبية، مساره، بينما يتضاءل النفوذ الغربي عالميًا، وخاصة في مناطق الاستعمار القديمة، في حين تزداد المكانة العالمية لقوى العالم الجديد وعلى رأسها الصين وروسيا.

ومن هذا المُنطلق، يُمكننا النظر إلى الاجتماع المُرتقب بعد غدٍ الثلاثاء، لمجموعة بريكس، في جنوب إفريقيا، وهي القمة التي تنعقد في توقيت بالغ الحساسية؛ سواء فيما يتعلق بالأوضاع الجيوسياسية حول العالم، أو التطورات الاقتصادية التي تلت أزمتي كورونا وتعطل سلاسل الإمداد، ما نجم عنه حالة من الركود الاقتصادي في العديد من البلدان، وتسجيل مستويات مرتفعة من التضخم وأسعار الفائدة.

المجموعة التي تضم حتى الآن: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تمثل واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية، وتضاهي في قوتها مجموعة العشرين، ومجموعة السبع، وتستحوذ الدول الخمسة الأعضاء فيها على 31% من حجم الاقتصاد العالمي، و18% من التبادل التجاري العالمي، و26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، كما إن الإنفاق الدفاعي لدول "بريكس" يتخطى 400 مليار دولار، أما اقتصاديًا فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي لدول هذا التكتل يبلغ 32.66 تريليون دولار.

وعند تحليل قوة وإمكانيات دول "بريكس" لا يكفي أن نتوقف عند الأرقام والحقائق وحسب؛ بل ننظر إلى الآفاق والخطط والاستراتيجيات التي تعتزم دول التكتل تنفيذها، وفي المُقدمة منها توسيع نطاق التكتل؛ حيث تسعى 23 دولة من مختلف أنحاء العالم، إلى الانضمام إلى تحالف "بريكس"، كما إن التحالف يسعى لتبني سياسات اقتصادية وتجارية من شأنها أن تُعيد تشكيل خارطة التجارة العالمية، وعلى رأسها الرغبة الكبيرة في استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين دول التكتل، وهذا مسعى تقوده الصين وروسيا، اللتان تتأثران بنظام الدولرة (أي اعتماد الدولار الأمريكي عملة دولية) القائم حاليًا، خاصة إذا ما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أي دولة. ولا شك أنَّ توسيع نطاق العملات التي يمكن تنفيذ التبادلات التجارية بها، يُسهم بصورة أساسية في تعزيز الميزان التجاري بين الدول، لا سيما وأن هيمنة الدولار على الأسواق العالمية، تتسبب في أزمات متتالية؛ بل إنَّ مُعظم الأزمات الاقتصادية ناتجة عن ارتباط النظام المالي العالمي بالعملة الأمريكية. وقد بدأ بالفعل عدد من الدول حول العالم في استخدام العملات الوطنية للتبادل التجاري؛ ما ساهم في تعاظم القيمة التجارية للسلع والمنتجات وتخفيف الضغط عن كاهل المالية العامة للدول، وكذلك تحسين أداء ميزان المدفوعات.

وبالنظر إلى الفوائد التي تحققت بفضل قيام هذا التكتل قبل نحو 23 عامًا، فإنَّ تعزيز التوازن الاقتصادي العالمي يتصدر القائمة، خاصة وأن الدول الأعضاء الحاليين، ينتهجون مسار التنمية الدولية، ما أسس لنموذج اقتصادي عالمي مقابل النموذج الاقتصادي الذي يقوده الغرب وأمريكا؛ فنموذج "بريكس" يستهدف مسارات التنمية عبر تعزيز علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية بين الدول، وتقود الصين هذا التوجه، خاصة بعد إطلاق مبادرتها العالمية "الحزام والطريق"، إلى جانب الدور المؤثر لروسيا والهند في النظام الاقتصادي العالمي، من خلال إسهاماتهما في سوق الحبوب العالمي، لا سيما وأن دول "بريكس" تستحوذ على ثلث هذا السوق، أي أنها قادرة على الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي، بعيدًا عن أي قرار غربي أو أمريكي قد يستهدف بعض الدول.

هذا النوع من التوازن الذي استطاعت دول "بريكس" أن تضع له القواعد الثابتة في بنية الاقتصاد العالمي، يُمهِّد الطريق في الوقت ذاته، لبناء منظومة اقتصادية تنطلق من جنوب العالم؛ فالصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل تسعى لتوحيد الجهود من أجل قيادة النمو العالمي من جنوب الكرة الأرضية، بعدما اقتصر هذا النمو لعقود مضت على نمو اقتصادات نصف الكرة الشمالي. وهذا يقودنا إلى دلالة صريحة على الدور المحوري الذي يمكن أن تقوم به دول "بريكس" من خلال تعزيز مسارات التنمية العالمية، وقيادة نمو اقتصادي قائم على التعاون والشراكة لا استنزاف الموارد الطبيعية للدول، ومنظومة دولية قادرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية على أساس تحقيق المنفعة العامة لا الهيمنة وإلحاق الضرر الاقتصادي بالدول الأقل نموًا. والمُلاحظ أن دول هذا التكتل تسعى فيما بينها من أجل تعزيز التكامل الاقتصادي، فبينما تركز الهند على تطوير القدرات التكنولوجية، تسعى الصين إلى القيام بدور أكبر في التجارة الدولية تعزيزًا لمكانتها، أما جنوب أفريقيا والبرازيل فتأملان التوسع في الأنشطة الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي، في حين تستهدف روسيا ترسيخ الروابط الاقتصادية مع القارة الآسيوية لا سيما في ضوء المشاريع الصناعية التي تعتزم تطويرها في شرق البلاد.

القمة المرتقب انعقادها في جوهانسبيرج بعد أقل من 48 ساعة، ستطرح على طاولة النقاش عددًا من الملفات والقضايا، وتشمل التجارة العالمية في ظل التحديات القائمة، وقضايا التمويل مع ارتفاع معدلات الفائدة، إضافة إلى تغير المناخ في ضوء مؤتمرات "كوب" التي تعقدها الأمم المتحدة. وتضم قائمة الموضوعات المطروحة للنقاش: مسألة أمن الطاقة؛ إذ تأمل روسيا إثارة هذا الملف خاصة بعدما تعرض له خطا "نورد ستريم 1 و2" من أعمال تخريب أثرت على تدفق الغاز إلى أوروبا، والعقوبات المفروضة على روسيا نتيجة للعملية العسكرية في أوكرانيا، وفوق كل ذلك قضية الدولار، وسط ترجيحات عن رغبة دول التكتل في تبني عملة خاصة به.

ويبقى القول.. إنَّ التحديات الاقتصادية التي نشهدها من حولنا تتطلب قيام مثل هذه التكتلات التي تعمل على تعزيز التوازن الاقتصادي، وتستهدف عدم بقاء مركز ثقل النظام الاقتصادي العالمي في يد دولة واحدة أو معسكر واحد، لكن في المُقابل تعزيز التضامن العالمي لمواجهة الأزمات وإيجاد الحلول القائمة على التشارك في النتائج، مع كسر أي شكل من أشكال الهيمنة والاستحواذ غير العادل، ولا شك أنَّ تحالف "بريكس" سواء في تشكيله الحالي، أو المُستقبلي المرتقب، سيعمل على تغيير قواعد اللعبة العالمية، ومن ثم تحقيق الأهداف العادلة والمُنصفة لشعوب العالم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: اقتصادی ا تعزیز ا

إقرأ أيضاً:

مصر تقود العالم من قلب روما.. مينا رزق على رأس دبلوماسية الغذاء العالمية | بروفايل

في مشهد دبلوماسي مهيب، يسطع اسم مينا رزق، الدبلوماسي المصري البارز، في أروقة الأمم المتحدة بعد انتخابه بالإجماع رئيسًا للمجلس التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، لمدة أربع سنوات.

 وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) فوز المستشار مينا رزق، نائب المندوب الدائم لمصر لدى المنظمة، برئاسة مجلسها التنفيذي، ليكون بذلك أول مصري يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1945، ولتدخل مصر بقوة إلى قلب صناعة القرار الدولي في مجال الأمن الغذائي والزراعة.

وجاء ترشيح مينا رزق عبر السفارة المصرية في روما، التي دفعت باسمه رسميًا لخوض الانتخابات، في خطوة جريئة تعكس رؤية الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتمكين الشباب وتأهيلهم لتولي المناصب الدولية الرفيعة، بما يتماشى مع سياسة الدولة في إعداد كوادر دبلوماسية ذات كفاءة عالية ووعي استراتيجي. 

مصر تتوّج بمنصب رئيس مجلس منظمة "الفاو" لأول مرة في تاريخها

وكان لافتًا أن رزق، البالغ من العمر 38 عامًا، هو أصغر من تولّى هذا المنصب في تاريخ المنظمة، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في الكفاءات الشابة المصرية وقدرتها على تحمل المسؤوليات الكبرى.

المعركة الانتخابية لم تكن سهلة؛ فقد خاض رزق منافسة شرسة ضمت خمسة مرشحين يمثلون كبرى التكتلات الجغرافية داخل المنظمة، من قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، بينهم وزراء ومسؤولون رفيعو المستوى، إلا أن المرشح المصري استطاع أن يحسم النتيجة لصالحه بالإجماع، في دلالة بالغة على الحضور المتزايد للدبلوماسية المصرية وثقلها المتنامي في المحافل الدولية.

وأكد السفير بسام راضي، سفير مصر في إيطاليا ومندوبها الدائم لدى منظمات الأمم المتحدة بروما، أن هذا الفوز جاء تتويجًا لجهود مكثفة قادتها السفارة خلال الأشهر الماضية لترسيخ مكانة مصر كمرشح قوي، خاصة في ظل التحديات العالمية المتصاعدة المرتبطة بقضايا الغذاء والمياه والزراعة.

كما أشار إلى أن مصر، إلى جانب رئاستها للمجلس التنفيذي، تتولى أيضًا رئاسة اللجنة المالية للمنظمة، في حين فاز الجهاز المركزي للمحاسبات المصري بمهمة المراجعة القانونية والمالية للفاو، وفاز بنك الطعام المصري بجائزتها التقديرية، فضلًا عن اعتزام المنظمة عقد مؤتمرها السنوي هذا العام في العاصمة الإدارية الجديدة.

وبهذا الزخم من الإنجازات، تُثبّت مصر أقدامها داخل المؤسسات الأممية ليس فقط كعضو، بل كقائد فاعل ومؤثر، يحمل رؤية واضحة نحو تحقيق الأمن الغذائي المستدام إقليميًا ودوليًا.

جاء الاختيار تتويجًا لمسيرة حافلة بالاجتهاد والعمل المتواصل في ساحات السياسة الدولية، لا سيما في الملفات المعقدة المرتبطة بالأمن الغذائي والتنمية الزراعية.

ولد مينا رزق على أرض مصر، وحمل معها طموحها التاريخي للريادة في المحافل الدولية. تنقل بين أروقة وزارة الخارجية المصرية، واكتسب خلالها خبرة واسعة في مجالات التعاون الدولي، قبل أن يرسو به المقام في العاصمة الإيطالية روما، ممثلًا دائمًا لمصر لدى منظمات الأمم المتحدة الثلاث المعنية بالغذاء والزراعة، وفي مقدمتها "الفاو".

مصر تتوّج بمنصب رئيس مجلس منظمة "الفاو" لأول مرة في تاريخها

لم يكن وصوله إلى هذه القمة وليد اللحظة، بل سبقه عمل دؤوب ومشاركات فاعلة في لجان المنظمة، أبرزها ترؤسه للجنة المالية التي تُعد إحدى أهم اللجان المحورية داخل الفاو، والتي تولى قيادتها منذ يوليو 2023 وحتى يونيو 2025. 

تميز رزق خلال تلك الفترة بقدرته على تحقيق التوازن بين الجوانب التقنية والسياسية، مما منحه احترام وتقدير ممثلي الدول الأعضاء كافة.

وفي يونيو 2025، اجتمعت الدول الأعضاء لتنتخب رزق بالإجماع رئيسًا للمجلس التنفيذي، الهيئة المسؤولة عن رسم السياسات العامة للمنظمة ومراقبة تنفيذ برامجها حول العالم. 

ولم يكن التصويت مجرد إجراء روتيني، بل كان بمثابة شهادة دولية على كفاءة هذا الدبلوماسي الشاب، وعلى حضور مصر المتزايد في القضايا التي تمسّ صميم معيشة الشعوب.

مع بداية ولايته، تتجه الأنظار إلى مينا رزق وهو يقود المنظمة خلال مرحلة حساسة تتقاطع فيها التحديات المناخية مع أزمات الغذاء العالمية. سيكون على عاتقه التنسيق بين الدول، وحشد التمويل، ووضع السياسات العادلة والمستدامة، فضلًا عن تمثيل الفاو في المحافل الاقتصادية والسياسية الكبرى.

ولا يُعدّ فوز مينا رزق مجرد إنجاز شخصي، بل هو مكسب دبلوماسي لمصر، يعزز من حضورها الدولي في واحدة من أهم القضايا المصيرية للبشرية، وهو الأمن الغذائي العالمي.

طباعة شارك مينا رزق الأمم المتحدة الفاو الأمن الغذائي العالمي نائب المندوب الدائم لمصر لدى المنظمة السفارة المصرية في روما السفير بسام راضي سفير مصر في إيطاليا

مقالات مشابهة

  • ختام قمة بريكس 2025.. إصلاح الحوكمة العالمية وتعزيز التنمية المستدامة
  • وسط تصاعد التوترات العالمية وتهديدات ترامب.. بريكس تبحث مستقبل الجنوب العالمي
  • نساء تحدين الهيمنة الذكورية في علوم المناخ| 6 رائدات غيرن قواعد اللعبة
  • البرازيل تفتتح قمة بريكس في ريو دي جانيرو
  • الصحة العالمية: الوحدة تودي بحياة 100 شخص كل ساعة حول العالم
  • عُمان تشارك في "منتدى قادة المدن العالمية" بالنمسا
  • قيادي بـ مستقبل وطن: مشاركة مصر بقمة بريكس يعزز استقلالية القرار الاقتصادي
  • برلماني: مشاركة مصر في قمة بريكس توسع آفاق التعاون الاقتصادي
  • مصر تقود العالم من قلب روما.. مينا رزق على رأس دبلوماسية الغذاء العالمية | بروفايل
  • ثروة المليارديرات تهزّ الاقتصاد العالمي .. من يملك مفاتيح القوة؟