جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-12@01:03:12 GMT

"بريكس" وتغيير قواعد اللعبة

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

'بريكس' وتغيير قواعد اللعبة

◄ "قمة بريكس 2023" تمثل دفعة قوية لجهود بناء نظام عالمي جديد

◄ رغبة 23 دولة في الانضمام إلى "بريكس" تترجم قوة هذا التكتل الاقتصادي

◄ ضرورة إيجاد نظام اقتصادي مُغاير يرتكز على التنمية والبناء لا استنزاف الموارد

 

حاتم الطائي

ما تزال حالة التغيرات العالمية تجري من حولنا، فيما يؤكد طرحنا بأنَّ ثمَّة عالم جديد آخذ في التشكل، إيذانًا بانقضاء مرحلة الأحادية القطبية، التي أعقبت مرحلة الحربين العالميتين ما تبعهما من حرب باردة، ليبدأ العالم الجديد القائم على التعددية القطبية، مساره، بينما يتضاءل النفوذ الغربي عالميًا، وخاصة في مناطق الاستعمار القديمة، في حين تزداد المكانة العالمية لقوى العالم الجديد وعلى رأسها الصين وروسيا.

ومن هذا المُنطلق، يُمكننا النظر إلى الاجتماع المُرتقب بعد غدٍ الثلاثاء، لمجموعة بريكس، في جنوب إفريقيا، وهي القمة التي تنعقد في توقيت بالغ الحساسية؛ سواء فيما يتعلق بالأوضاع الجيوسياسية حول العالم، أو التطورات الاقتصادية التي تلت أزمتي كورونا وتعطل سلاسل الإمداد، ما نجم عنه حالة من الركود الاقتصادي في العديد من البلدان، وتسجيل مستويات مرتفعة من التضخم وأسعار الفائدة.

المجموعة التي تضم حتى الآن: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تمثل واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية، وتضاهي في قوتها مجموعة العشرين، ومجموعة السبع، وتستحوذ الدول الخمسة الأعضاء فيها على 31% من حجم الاقتصاد العالمي، و18% من التبادل التجاري العالمي، و26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، كما إن الإنفاق الدفاعي لدول "بريكس" يتخطى 400 مليار دولار، أما اقتصاديًا فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي لدول هذا التكتل يبلغ 32.66 تريليون دولار.

وعند تحليل قوة وإمكانيات دول "بريكس" لا يكفي أن نتوقف عند الأرقام والحقائق وحسب؛ بل ننظر إلى الآفاق والخطط والاستراتيجيات التي تعتزم دول التكتل تنفيذها، وفي المُقدمة منها توسيع نطاق التكتل؛ حيث تسعى 23 دولة من مختلف أنحاء العالم، إلى الانضمام إلى تحالف "بريكس"، كما إن التحالف يسعى لتبني سياسات اقتصادية وتجارية من شأنها أن تُعيد تشكيل خارطة التجارة العالمية، وعلى رأسها الرغبة الكبيرة في استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين دول التكتل، وهذا مسعى تقوده الصين وروسيا، اللتان تتأثران بنظام الدولرة (أي اعتماد الدولار الأمريكي عملة دولية) القائم حاليًا، خاصة إذا ما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أي دولة. ولا شك أنَّ توسيع نطاق العملات التي يمكن تنفيذ التبادلات التجارية بها، يُسهم بصورة أساسية في تعزيز الميزان التجاري بين الدول، لا سيما وأن هيمنة الدولار على الأسواق العالمية، تتسبب في أزمات متتالية؛ بل إنَّ مُعظم الأزمات الاقتصادية ناتجة عن ارتباط النظام المالي العالمي بالعملة الأمريكية. وقد بدأ بالفعل عدد من الدول حول العالم في استخدام العملات الوطنية للتبادل التجاري؛ ما ساهم في تعاظم القيمة التجارية للسلع والمنتجات وتخفيف الضغط عن كاهل المالية العامة للدول، وكذلك تحسين أداء ميزان المدفوعات.

وبالنظر إلى الفوائد التي تحققت بفضل قيام هذا التكتل قبل نحو 23 عامًا، فإنَّ تعزيز التوازن الاقتصادي العالمي يتصدر القائمة، خاصة وأن الدول الأعضاء الحاليين، ينتهجون مسار التنمية الدولية، ما أسس لنموذج اقتصادي عالمي مقابل النموذج الاقتصادي الذي يقوده الغرب وأمريكا؛ فنموذج "بريكس" يستهدف مسارات التنمية عبر تعزيز علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية بين الدول، وتقود الصين هذا التوجه، خاصة بعد إطلاق مبادرتها العالمية "الحزام والطريق"، إلى جانب الدور المؤثر لروسيا والهند في النظام الاقتصادي العالمي، من خلال إسهاماتهما في سوق الحبوب العالمي، لا سيما وأن دول "بريكس" تستحوذ على ثلث هذا السوق، أي أنها قادرة على الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي، بعيدًا عن أي قرار غربي أو أمريكي قد يستهدف بعض الدول.

هذا النوع من التوازن الذي استطاعت دول "بريكس" أن تضع له القواعد الثابتة في بنية الاقتصاد العالمي، يُمهِّد الطريق في الوقت ذاته، لبناء منظومة اقتصادية تنطلق من جنوب العالم؛ فالصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل تسعى لتوحيد الجهود من أجل قيادة النمو العالمي من جنوب الكرة الأرضية، بعدما اقتصر هذا النمو لعقود مضت على نمو اقتصادات نصف الكرة الشمالي. وهذا يقودنا إلى دلالة صريحة على الدور المحوري الذي يمكن أن تقوم به دول "بريكس" من خلال تعزيز مسارات التنمية العالمية، وقيادة نمو اقتصادي قائم على التعاون والشراكة لا استنزاف الموارد الطبيعية للدول، ومنظومة دولية قادرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية على أساس تحقيق المنفعة العامة لا الهيمنة وإلحاق الضرر الاقتصادي بالدول الأقل نموًا. والمُلاحظ أن دول هذا التكتل تسعى فيما بينها من أجل تعزيز التكامل الاقتصادي، فبينما تركز الهند على تطوير القدرات التكنولوجية، تسعى الصين إلى القيام بدور أكبر في التجارة الدولية تعزيزًا لمكانتها، أما جنوب أفريقيا والبرازيل فتأملان التوسع في الأنشطة الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي، في حين تستهدف روسيا ترسيخ الروابط الاقتصادية مع القارة الآسيوية لا سيما في ضوء المشاريع الصناعية التي تعتزم تطويرها في شرق البلاد.

القمة المرتقب انعقادها في جوهانسبيرج بعد أقل من 48 ساعة، ستطرح على طاولة النقاش عددًا من الملفات والقضايا، وتشمل التجارة العالمية في ظل التحديات القائمة، وقضايا التمويل مع ارتفاع معدلات الفائدة، إضافة إلى تغير المناخ في ضوء مؤتمرات "كوب" التي تعقدها الأمم المتحدة. وتضم قائمة الموضوعات المطروحة للنقاش: مسألة أمن الطاقة؛ إذ تأمل روسيا إثارة هذا الملف خاصة بعدما تعرض له خطا "نورد ستريم 1 و2" من أعمال تخريب أثرت على تدفق الغاز إلى أوروبا، والعقوبات المفروضة على روسيا نتيجة للعملية العسكرية في أوكرانيا، وفوق كل ذلك قضية الدولار، وسط ترجيحات عن رغبة دول التكتل في تبني عملة خاصة به.

ويبقى القول.. إنَّ التحديات الاقتصادية التي نشهدها من حولنا تتطلب قيام مثل هذه التكتلات التي تعمل على تعزيز التوازن الاقتصادي، وتستهدف عدم بقاء مركز ثقل النظام الاقتصادي العالمي في يد دولة واحدة أو معسكر واحد، لكن في المُقابل تعزيز التضامن العالمي لمواجهة الأزمات وإيجاد الحلول القائمة على التشارك في النتائج، مع كسر أي شكل من أشكال الهيمنة والاستحواذ غير العادل، ولا شك أنَّ تحالف "بريكس" سواء في تشكيله الحالي، أو المُستقبلي المرتقب، سيعمل على تغيير قواعد اللعبة العالمية، ومن ثم تحقيق الأهداف العادلة والمُنصفة لشعوب العالم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: اقتصادی ا تعزیز ا

إقرأ أيضاً:

عبدالله بن زايد: مشاركة الإمارات في «بريكس» تعكس رؤيتها في بناء جسور التعاون الاقتصادي

نيجنينوفغورود / وام
شارك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة «بريكس» الذي انطلقت أعماله الاثنين في مدينة نيجنينوفغورود الروسية.

وعقد الاجتماع برئاسة روسيا الاتحادية رئيسة مجموعة «بريكس» خلال عام 2024.

وتأتي المشاركة في هذا الاجتماع انطلاقاً من إيمان دولة الإمارات بأن العمل العالمي المنسق، والتعاون المتعدد الأطراف، أصبح أكثر ضرورة من أي وقت مضى للتغلب على التحديات الحالية، بغية تحقيق مستقبل أكثر ازدهارا للجميع.

وتوجه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بالشكر والتقدير إلى روسيا الاتحادية على حسن الاستضافة والتنظيم، مثمناً للرئاسة الروسية جهودها الكبيرة منذ بداية العام للارتقاء بمجموعة بريكس وتحقيق أهدافها وتطلعاتها الاستراتيجية.

وقال سموه في كلمته خلال الاجتماع: «كما أعرب عن سعادتي الشخصية بتمثيل بلادي للمرة الأولى في مجموعة بريكس، وأتمنى أن يشكل انضمام دولة الإمارات محطة مهمة في مسيرة المجموعة، وحافزاً إضافياً لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء».

وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن مشاركة دولة الإمارات في مجموعة بريكس تعكس استراتيجيتها المرتكزة على بناء جسور التعاون الاقتصادي والارتقاء فوق الاختلافات والتحديات بمختلف أشكالها.

وأضاف سموه: «تمكنت دولة الإمارات دائماً من تحويل الأزمات والتحديات إلى فرص، من خلال نهج منفتح على الشراكات الاقتصادية والتجارة الخارجية والاستثمار، وها نحن اليوم نعمل جنباً إلى جنب مع شركائنا في مجموعة بريكس لتحقيق الرخاء والازدهار وتعزيز مساهمتنا المشتركة في مواجهة التحديات العالمية غير المسبوقة في مختلف المجالات».

وأكد سموه: «أرست دولة الإمارات دعائم سياستها الخارجية على أساس الالتزام بالقانون الدولي، والمبادئ الدولية ذات الصلة، مثل احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتعزيز الحوار، وحل الأزمات بالطرق السياسية والدبلوماسية، وانطلاقاً من المبادئ ذاتها، تجدد دولة الإمارات من هنا دعوتها إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب إيصال المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون عوائق إلى المحتاجين، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين».

وأضاف سموه: «نتطلع بكل إيجابية إلى الجهود العالمية المبذولة لتحقيق الإصلاحات المنشودة في منظومة العمل الدولي وتعزيز مشاركة الدول النامية والفقيرة في مختلف المؤسسات الدولية والاقتصادية».

وقال سموه: «نحن على يقين بأن التعجيل في إنجاز هذه الملفات متطلب أساسي لحشد الدعم والتعاون المطلوب لمواجهة أبرز التحديات العالمية، وفي مقدمتها التحديات المعنية بتغير المناخ، والتأخر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وارتفاع معدلات المديونية والفقر لدى الدول الأقل تقدماً».

وأضاف سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: «نحن اليوم أمام فرصة مهمة ضمن مجموعة بريكس لتعزيز تكاملنا الاقتصادي، والخروج بمبادرات استراتيجية في مختلف المجالات، وأبرزها السياحة، والطاقة، والصناعة، والنقل، والتعليم، والاقتصاد الأزرق».

وأوضح سموه: «كما أننا أيضاً أمام فرصة رئيسية للقيام بدور أكبر في مواجهة مخاطر تغير المناخ، وتقديم نموذج ناجح للعمل المناخي العالمي متعدد الأطراف، ليس فقط في تحقيق انتقال عادل ومنطقي في مجال الطاقة، وإنما أيضاً في المبادرات والتحالفات البيئية، والابتكارات العلمية لحماية كوكب الأرض، وقد عكست استضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف للمناخ COP28 ومخرجاته بما في ذلك»اتفاق الإمارات«نموذجاً ناجحاً للتعاون وتضافر الجهود».

واختتم سموه كلمته قائلاً: «أود التأكيد على دعم دولة الإمارات واستعدادنا الدائم للتعاون مع شركائنا في المجموعة، والعمل معكم جميعاً على تطوير مجموعة بريكس والنهوض بدورها ومساهماتها على المستويات كافة وفي مختلف المجالات».

وحضر الاجتماع أحمد بن علي محمد الصايغ وزير دولة ولانا زكي نسيبة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية و سعيد مبارك الهاجري مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية والتجارية وشيربا الإمارات لدى مجموعة «بريكس»، والدكتور محمد أحمد بن سلطان الجابر سفير الدولة لدى روسيا الاتحادية و خميس الشميلي مساعد الشيربا الإماراتي.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف مضاد حيوي “يغيّر” قواعد اللعبة في علاج العدوى المزمنة
  • خطر جديد يهدد العالم.. 4 نصائح للتعامل مع وباء «x» بعد تحذيرات «الصحة العالمية» منه
  • بنك "بريكس" الجديد: "سندعم مصر بكل ما أوتينا"
  • لافروف: الحرب الإسرائيلية على غزة يجب أن تتوقف فوراً
  • اكتشاف مضاد حيوي "يغيّر" قواعد اللعبة في علاج العدوى المزمنة
  • روسيف: دول البريكس ستسهم في تقليل الصدامات الاقتصادية العالمية بـ 31.5% من الإنتاج العالمي
  • سيطرة وتغيير اضطراري للفراعنة أمام غينيا بيساو بعد مرور 20 دقيقة
  • عبدالله بن زايد: مشاركة الإمارات في «بريكس» تعكس رؤيتها في بناء جسور التعاون الاقتصادي
  • العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير
  • الرئيس التنفيذي لشركة “VMS” السعودية: منفتحون على التعاون مع روسيا ونسعى لتعزيزه في مختلف المجالات