يمانيون../
أرضُ الميعاد أَو “إسرائيلُ الكبرى” الممتدة بين النيل والفرات، وإن كانت خارطة مُتخيَّلة لا صلةَ لها بالتوراة المُنزَّلة على نبي الله موسى “عليه السلام” ولا حتى التاريخ، لكنها مع ذلك مشروع يشق طريقه بلا هوادة منذ وُضِعَ على جدول العمل اليهودي في ظل رعاية ودعم غربي – أمريكي، وبجميع الوسائل والأساليب الممكنة والمتاحة، سواءٌ أكان عبر الحروب المدمّـرة أَو بالمقايضات والمفاوضات، مع حرص على توظيف التعقيدات والتشابكات الإقليمية والدولية.

وما شهدناه نهاية العام 2024 من استهداف للجغرافيا السورية وتوسيعِ العدوّ الإسرائيلي احتلاله يأتي ضمن ما يصفه الصهاينة بوضوح بتحقيق النبوءة التوراتية؛ فما موقع سوريا ضمن معتقد وثقافة العدوّ الإسرائيلي؟، هذا ما نركز عليه؛ باعتبَاره الرؤية الحاكمة لسياسة العدوّ تجاه هذا البلد العربي، وسيظلُّ مستقبلُ سورية في قبضتها دونَ أن يُغيِّرَ في ذلك سقوطُ نظام وقدوم آخر، ولا علاقات الداعمين للحُكام الجدد ولا التنازلات ولا أي شيء آخر.

ممر داوود:

لليهود حُلمٌ أَو وعدٌ مزعومٌ بأرض تمتد بين نهرَي النيل والفرات، ولربما تردّد في أذهان الكثير كيف يمكنُ أن يتمدد الاحتلال الصهيوني بين النهرَين فيما الحواجز كثيرة؟ وَقد يكون أغنى عن السؤال احتلالُ الجولان بعد وقت يسيرٍ من إنشاء كيان العدوّ وإعلان قيامه على أرضنا الفلسطينية العربية، وإن كنا نستبعد ذلك فمعرفةُ العدوّ التاريخي لأمتنا ظل على هامش اهتمام الجهات المختصة وذات الصلة بالثقافة والتعليم في كُـلّ بلدان ودول أمتنا، تحت وصاية أمريكية غربية جهلت الأجيال العربية الإسلامية، مع ذلك هي ذي الأحداث والوقائع على الأرض، تخبر الجميع أن للعدو ما تُسميه التوراة المُحرفة “ممر داوود” للوصول إلى شط الفرات، وأن خطى العدوّ تسارعت ضمن هذا الممر وقطعت مسافة عجزت عنها طيلة خمسة عقود.

جاء في الأساطير اليهودية: “فخرج داوود إلى نهر الفرات؛ ليبني صرحًا هناك، وفي طريقه هزم ملكَ صوبة السورية بالقرب من أرض حماة” وتذكر الكتاباتُ العبرية أن نهر الفرات مذكورٌ أكثرَ من 50 مرة في الكتاب المقدَّس، وهو مرجعٌ جغرافي يشكّل جُزءًا من بداية ونهاية العالم في الكتاب المقدَّس! وفي سفر التثنية: “وعد اللهُ بمنح بني إسرائيل الأرضَ الممتدةَ من الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط” مع إشارات إلى أن النبيَّ إشعياء استخدم نهر الفرات كرمز لإمبراطورية آشورية، هدّدت بغزو “إسرائيل” وضمن ما يوردُه اليهودُ منسوبًا للتوراة: “في ذلك اليوم قطع الربُّ مع أبرام ميثاقًا قائلًا: لنَسْلِكَ أُعطِي هذه الأرضَ من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”.

بشكل عام يُشكل ممر داوود عنصرًا جغرافيًّا ورمزيًّا مهمًّا بالنسبة لليهود، ويلعب دورًا في “خطة الله” المُرتبطة بأرض الميعاد بحسب التعبير اليهودي، وهذا الممر يبدأ من الجولان إلى القنيطرة ثم السويداء فالتنف، وهذه نقطة وصل تربط الممر بجزء آخر من مناطق البادية السورية ــ دير الزور والرقة وهما الحواضنُ الرئيسية لنهر الفرات في سوريا، ومن الواضح أن إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا أقيمت على طول هذا الممر، وكيان العدوّ الإسرائيلي يتمدد أكثر ضمن هذه الجغرافيا، في عملية عسكرية عدوانية وَسَمَها بـ “سهم باشان” في إشارة إلى خرافة يهودية تتكاملُ مع مشروع ممر داوود.

مملكةُ باشان:

تقدِّم السرديةُ اليهودية جُزءًا من أراضي سورية بوصفه مملكةً يهوديةً قديمةً تُسمى باشان، كما نجد في هذه المقتطفات: “ثم قاد موسى الشعبَ نحو باشان، وخرج ملك باشان، عوج، لمواجهتهم بجيشه في إذرعي، وقبل المعركة أخبر اللهُ موسى ألا يخاف عوج؛ لأَنَّ اللهَ سيعطي “إسرائيل” النصرَ ويسمح لـ “إسرائيل” بالاستيلاء على باشان، وكانت المعركة انتصارًا عظيمًا لـ “إسرائيل”، واستولى الإسرائيليون على باشان” ونصوص السردية اليهودية تُضخِّمُ ملكَ باشان في سياقِ إظهار الغلبة ضد أعداء هائلين مع النجاح في توسُّع الأراضي تحت سيطرة اليهود، وضمن ما تقدّمه الكتاباتُ اليهودية عن أهميّة هذه المملكة الخَصبة للغاية المعروفة بالزراعة والمياه العذبة نقرأ عن الماشية البرية في مراعيها الغنية وأشجار البلوط في غاباتها وجمال سهولها الواسعة، ونجد أَيْـضًا استغرابًا ضمن هذه الكتابات أن الكتاب المقدس لا يذكر محاصيل القمح فيما تشتهرُ بها البلاد اليوم.

بحسب هذه السردية كانت مملكة باشان تتألف من ستين مدينة رئيسية كلها ذات أسوار عالية وبوابات، وكان جبل حرمون يقع في باشان، وتحد مملكة سيحون الأمورية من الجنوب، ومملكتَي جشور ومعكة السوريتَينِ من الغرب”، وباشان في الإشارات الصهيونية الحديثة تضم مرتفعات الجولان وتمتد من جبل الشيخ غربًا إلى جبل العرب في السويداء شرقًا، ومن جنوب دمشق حتى حوض اليرموك وسهل حوران.

ويلاحَظُ أن العدوّ الإسرائيلي قبل أن يسمِّي عملية إسقاط الأراضي السورية بـ “سهم باشان” سبق وأطلق على الفِرقة العسكرية المكلَّفة بمنطقة مرتفعات الجولان “باشان 210” قُبَيلَ أن تجد الفرصة أمامها سانحة لإعادة رسم الخريطة السورية وفقًا لتصميمها الخاص على طريق تثبيت خريطة “إسرائيل الكبرى” المتخيَّلة، من خلال احتلال كامل المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان وقمم جبال الشيخ، وُصُـولًا للقنيطرة، وبحسب باحثين سوريين فَإنَّ العدوَّ الإسرائيلي يحتل في الوقت الراهن أكثر من 400 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، في إطار تنفيذ ما وصفها مجرمُ الحرب بنيامين نتنياهو بالوصية “التلمودية” في كلمةٍ له: “سنحقّق نبوءةَ إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخَراب في أرضكم” بما تحملُه من إشارات من إسقاط ما يُعرَفُ إسرائيليًّا بممر داوود من الأراضي السورية وُصُـولًا إلى العراق، قبيل أن يتوج نشر خريطة “إسرائيل” المُتخيَّلة التعبير عن رغبة منهجية طويلة الأمد في تحقيق “إسرائيل الكبرى” بالإضافة إلى تصريحات جديدة، تداولها إعلامُ العدوّ مطلع هذا الأسبوع عن عناصرَ صهيونية تشغل مناصبَ عليا تؤكّـد أن العدوّ سيُثبِّتُ احتلالَه في محيط عملياتي يبلغ 15 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، مع “منطقة نفوذ” تمتدُّ 60 كيلومترًا تحتَ سيطرة الاستخبارات.

غيرَ أن الكثيرَ من المراقبين لا يفصلون توسُّعَ سيطرة واحتلال العدوّ الإسرائيلي عن مشروع تقسيم سوريا إلى كانتونات، بينها كيانٌ كردي شمالي سوريا، وبتكامل كُـلِّ هذه الخطط يُمكِنُ في رؤية الصهاينة أن “تصبح سوريا خاليةً من المناورات الجيوسياسية، وسوف يصبح الأكراد أحرارًا في تشكيل دولتهم الخَاصَّة، وسوف يصبح الفلسطينيون أحرارًا في إقامة “وطن” جديد في الأردن” ونحن نخصِّصُ البحثَ القادمَ عن الأردن في الأساطير اليهودية والخِطاب الثقافي والسياسي للعدو الإسرائيلي.

عبد الحميد الغرباني| المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأراضی السوریة نهر الفرات ممر داوود

إقرأ أيضاً:

“الإعلامي الحكومي”:دخول مساعدات إلى غزة وتعرضها للنهب برعاية العدو الصهيوني

الثورة نت/وكالات أفاد المكتب الإعلامي الحكومي، الليلة الماضية، بدخول 104 شاحنات مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، تعرضت غالبيتها لعمليات نهب وسرقة نتيجة حالة الفوضى الأمنية التي يُكرّسها العدو الإسرائيلي بشكل منهجي ومتعمد. وقال المكتب الإعلامي، في بيان ، إن ذلك يحصل ضمن ما بات يُعرف بسياسة “هندسة الفوضى والتجويع”، بهدف إفشال جهود توزيع المساعدات الإنسانية وحرمان المدنيين منها. وأكد أن الاحتياجات الفعلية اليومية لقطاع غزة لا تقل عن 600 شاحنة من المواد الإغاثية والوقود لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة للقطاعات الصحية والخدماتية والغذائية في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية بسبب جريمة الإبادة الجماعية. وأدان المكتب بأشد العبارات استمرار الجريمة المزدوجة، الفوضى والتجويع، التي تُمارس بحق 2.4 مليون إنسان في غزة، بينهم أكثر من 1.1 مليون طفل يُحرمون من أبسط حقوقهم، وعلى رأسها الغذاء وحليب الأطفال. وحمل العدو والدول المنخرطة معه في جريمة الإبادة الجماعية المسؤولية الكاملة عن استمرار الكارثة الإنسانية، داعيا إلى فتح المعابر بشكل فوري وكامل، وإدخال المساعدات وحليب الأطفال بكميات كافية، وضمان وصولها بشكل آمن ومنظّم تحت إشراف أممي مستقل. وأكد المكتب الإعلامي أن استمرار هذا الواقع الإجرامي يُشكّل وصمة عار على جبين الإنسانية، ويستدعي تحركاً دولياً عاجلاً لوقف واحدة من أفظع الجرائم الجماعية في القرن ال21.

مقالات مشابهة

  • “الإعلامي الحكومي”:دخول مساعدات إلى غزة وتعرضها للنهب برعاية العدو الصهيوني
  • حملة “شفاء 2” تستمر بتقديم خدماتها الطبية والجراحية المجانية في سوريا
  • “القسام” تدك تجمعاً لجنود وآليات العدو الصهيوني وتقنص جندياً في مدينة غزة
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • “أمير غزة الصغير”.. قصّة طفل قبّل يد من قدم له الطعام وقتله الجيش الإسرائيلي بدم بارد (صورة + فيديو)
  • الغرب يُسلّح “إسرائيل” ويُرسل الطحين ببطاقات عبور
  • “حماس”: سلاح التجويع الصهيوني في غزة إبادة جماعية ممنهجة
  • “الصحفيين” الفلسطينيين: 232 صحفيا وصحفية استشهدوا منذ بدء العدوان الصهيوني
  • “القسام”:تفجير ثلاث عبوات برميلية في محاضن آليات العدو الصهيوني بخانيونس
  • وزير الخارجية النرويجي يدين الغرب بازدواجية المعايير في تعامله مع “إسرائيل”