صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-23@05:46:26 GMT

تكسير مزيد من الأوهام «2»

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

تكسير مزيد من الأوهام «2»

 

تكسير مزيد من الأوهام

فيصل محمد صالح

قلنا في الجزء الأول من هذا المقال إنه رغم قساوة الحرب وبشاعتها فإن أهم دروسها هو تكسير بعض الأوهام المتصورة عن الذات وعن الآخرين، وأنها تتيح الفرصة للأمم والشعوب لينظروا لأنفسهم في مرآة الواقع، ويتعرفوا على أنفسهم في ظروف مختلفة، من ثم تتكون صورة واقعية عن المجتمع بكل إيجابياته وسلبياته، وقد تتم الاستفادة منها، وقد تمضي مثل كثير من الفرص الضائعة في تاريخ الشعوب، وما أكثرها.

 

واحدة من الصور المتوهَّمة هي قدرات الجيش الوطني. صحيح أن الكثيرين لديهم ملاحظات حول عملية إضعاف الجيش الوطني خلال فترة حكومة البشير لصالح ميليشيات الحركة الإسلامية بمسمياتها المختلفة، ومنها قوات «الدعم السريع»، ثم شغل كبار الضباط وإفسادهم عبر المؤسسات الاقتصادية للجيش التي يتلقون منها أضعاف مرتباتهم، إلى جانب تسييس القوات النظامية كلها، بما فيها القوات المسلحة. رغم كل هذا كان أكثر المتشائمين يظنون أن أي معركة بين الجيش و«الدعم السريع» لن تحتاج إلا لأسبوع واحد يدحر خلالها الجيش قوات «الدعم السريع» في الخرطوم، مع تكلفة عالية قد تدمر الكثير من البنيات الأساسية، ثم هناك مخاوف ارتداد هذه القوات لبوادي دارفور وكردفان مما يشكّل إزعاجاً مستمراً للسلطات قد يصل لمرحلة فصل بعض المناطق من سلطة الحكومة المركزية.

بعد أربعة أشهر من المعارك اتضح أن الأوضاع في القوات المسلحة أسوأ مما تصور الناس، وأنها لم تستطع دحر وهزيمة قوات «الدعم السريع» في حرب المدن، رغم بسالة وإخلاص صغار الضباط والجنود، نتيجة لإهمال وضعف قوات المشاة وضعف الاستيعاب والتجنيد خلال السنوات الماضية، فيما كان كبار القادة، البرهان وكباشي وياسر العطا، يشاركون كل عدة أشهر احتفالات «الدعم السريع» بتخريج آلاف المجندين الجدد. والآن تدخل الحرب شهرها الخامس ووحدات القوات المسلحة موجودة داخل أسوار مبانيها، بينما تحتل قوات «الدعم السريع» شوارع مدن العاصمة الثلاث والمباني الحكومية ومنازل المواطنين.

 

كذلك تحطمت، وربما للأبد، صورة الحركات المسلحة في دارفور والموقِّعة على اتفاق السلام، فقد كانت كثيرة التهديد بالعودة للحرب كلما انتقد الناس الاتفاقية وعدّوها غير منصفة لبقية مناطق السودان. وكانت هناك صورة متضخمة لحجم وقدرات هذه القوات. وقد كشفت الحرب عن ضآلة قدراتها وضعفها، فهي لم تكن ذات تأثير حتى في مناطق دارفور المختلفة. اتخذت القوات موقف الحياد من أطراف الحرب، حسبما أعلنته، إلا أنها قالت إنها ستشكل قوة مشتركة لحماية المواطنين، لكنها لم تستطع أن تفي بهذه المهمة.

 

ولعل أكثر ما خدش صورة المواطن السوداني العادي هي عمليات نهب المصارف والمصانع والمؤسسات التجارية والمنازل وحتى البقالات الصغيرة، بواسطة مواطنين عاديين، هذه الصورة مخالفة للصورة العامة للسودانيين عن أنفسهم ومجتمعهم وحتى الصورة التي كونتها مجتمعات الجوار عن المجتمع السوداني. والحقيقة أن قوات «الدعم السريع» هي من بدأت اقتحام معظمها بحثاً عن المال والذهب والسيارات، إلا أن المواطنين العاديين هم من أكملوا عمليات النهب والسلب بشكل لم يحدث في تاريخ السودان. وفي محاولة أخرى للإنكار حاول البعض نسبة هذه العمليات إلى الأجانب واللاجئين، لكنّ الصور المتداولة لم تتح لهم فرصة للمضيّ في الإنكار. صحيح أن من مارس ذلك هم سكان الأحياء الهامشية والأطراف الفقيرة، لكنهم في النهاية مواطنون سودانيون ضحايا لسياسات الإفقار والإهمال والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

 

كثير من المجتمعات لديها تصورات ذاتية ومتوهمة عن نفسها، عبارة عن صورة مصمتة لا تتغير ولا تؤثر فيها الظروف المختلفة، وهي بالتأكيد مسألة غير واقعية تناقضها كل الدراسات والبحوث التي تدرس حركة المجتمعات وتطورها والتغيرات التي تتعرض لها، من لدن ابن خلدون إلى ماكس فايبر ومَن جاء بعدهم. المجتمعات المستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً لديها سمات معينة، وإذا تغيرت ظروفها وتعرضت لحروب ونزوح وضغوط اقتصادية وأمنية تضطر لتغيير نمط حياتها وسلوكياتها لتستطيع البقاء في الحياة. لكن بالتأكيد لا يعني هذا أن المجتمعات ذات الظروف المماثلة لا بد أن تكون هي أيضاً صورة كربونية بعضها من بعض، فالمسألة أعقد من هذا، وتتداخل فيها ظروف ومؤثرات جغرافية وتاريخية واجتماعية وثقافية ودينية.

 

خلاصة القول إن السودان كبلد والمجتمع السوداني كله لن يظل كما كان قبل الحرب، هذه الحرب غيَّرت أوضاع وأشياء كثيرة، وخلخلت الكثير من المسلمات وطرحت تحديات جديدة، تحتاج لدراسات وبحوث جادة من علماء ومفكرين وأكاديميين يضعون خبراتهم ومعارفهم في خدمة البلاد والعباد لتساعد المجتمع السوداني أن يعبر هذه المحنة بأقل خسائر ممكنة، وأن يكون قادراً على التعامل مع المتغيرات.

الوسومالجيش الدعم السريع حرب حرب تكسير الأوهام فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع حرب

إقرأ أيضاً:

شركة عالمية رائدة تعلن تعليق رسو سفنها في ميناء حيفا


يأتي هذا القرار نتيجة تحليل دقيق للمخاطر الأمنية الناتجة عن تصاعد العمليات اليمنية  والرد الايراني  في عمليات الوعد الصادق ردا على العدوان الصهيوني الذي يستهدف أهدافا حساسة في عمق الكيان
وكانت القوات المسلحة اليمنية أعلنت فرض حصار بحري على ميناء حيفا الإسرائيلي واخطرت القوات المسلحة اليمنية جميع الشركات التي لديها سفن موجودة في هذا الميناء أو متجهة إليه بأنه اعتبارًا من وقت الإعلان تم إدراج الميناء المذكور أعلاه في قائمة الأهداف".

مقالات مشابهة

  • تحركات مثيرة لعناصر الدعم السريع في دولة مجاورة للسودان
  • نائب إطاري :على حكومة السوداني طرد القوات الأمريكية من العراق
  • انقلاب ميداني في إقليم كردفان: الجيش السوداني يعلن التقدم والسيطرة على مناطق جديدة وهروب قوات الدعم السريع
  • معارك حاسمة بين الجيش السوداني و «الدعم»
  • “إن الشدائد للورى غربال”.. الجيش السوداني يتغزل في الإنصرافي
  • قوات صنعاء: سنستهدف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر إذا شاركت واشنطن في العدوان على إيران
  • تركوا جثثهم وهربوا.. درموت يسرد تفاصيل معركة الجيش السوداني ضد الدعم السريع
  • إعتقال صحفي سوداني في معبر أرقين بتهمة التعاون مع الدعم السريع
  • غراندي يدعو إلى مزيد من الدعم الدولي لسوريا لتسريع عودة اللاجئين
  • شركة عالمية رائدة تعلن تعليق رسو سفنها في ميناء حيفا