عربي21:
2025-06-24@01:13:27 GMT

السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

«العين بالعين... تجعل العالم كله أعمى». تذكرت هذه العبارة المنسوبة للمهاتما غاندي خلال متابعتي لبعض الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة وسط السودان، وكادت تغطي تماماً على أجواء الفرح العارم بين السودانيين، أو فلنقل بين أكثريتهم الساحقة، بعد الانتصار الذي حققته القوات المسلحة ومَن يقاتل في صفوفها من القوات المشتركة والمستنفرين، باستعادة مدينة مدني، «صرة السودان» ومعها الكثير من مناطق الولاية التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» لنحو عام ذاقت خلاله شتى صنوف المعاناة والانتهاكات الجسيمة.



في خضم أجواء الفرح، انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تصور مناظر بشعة وصادمة لعمليات تصفية لأشخاص بالزي المدني على أيدي مسلحين بعضهم بزي القوات المسلحة، والبعض الآخر من المستنفرين. صحيح أن هذه الجرائم والموثق منها توثيقاً لا يقبل الشك، كانت محدودة، لكن أثرها كان كبيراً، وضررها بليغاً. فالسودانيون بطبعهم ينفرون من القسوة التي ظهرت في المقاطع التي سجلت تصفية أشخاص عزل بشكل فوري وانتقامي بالإعدام بالرصاص، أو بالذبح، أو بالتعذيب والإهانة ثم الرمي في النهر واتباع ذلك بإطلاق زخات من الرصاص.

إضافة إلى طبيعة الجرائم المروعة، كان مزعجاً أيضاً ما جرى تداوله، وتضخيمه في بعض الأحيان، عن استهداف سكان «الكنابي» في ولاية الجزيرة، وربط ذلك بدوافع عرقية. فقد أوردت بعض التقارير أن نحو 13 شخصاً قُتلوا على يد مسلحين في «كمبو طيبة»، وفسر الأمر على أنه بدوافع عرقية وجهوية، وهو أمر يطرق على وتر حساس يستغله الساعون لتأجيج خطاب العنصرية والجهوية والكراهية.

والكنابي (مفردها كمبو بمعنى المعسكر) هي مناطق فقيرة يسكنها بالأساس متحدرون من غرب السودان وتحديداً من إقليم دارفور، استقروا في ولاية الجزيرة وعملوا بالزراعة وصاروا جزءاً من مكوناتها. وقد استغل وضعهم أحياناً لإثارة المشاكل الجهوية وتأجيج خطاب الكراهية، لا سيما إبان هذه الحرب. فبينما سعت بعض الأطراف للاصطياد في الماء العكر بتضخيم ما ورد عن الجريمة التي ارتكبت في «كمبو طيبة»، صدرت بيانات وتصريحات أخرى تنفي وقوع استهداف واسع أو ممنهج لسكان الكنابي، وتحذر من محاولات زرع الفتن وإثارة الكراهية.

الواضح لكثير من المتابعين أن الأحداث التي وقعت بعد تحرير مدني طغى عليها دافع الانتقام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي حدثت على أيدي «قوات الدعم السريع» منذ اجتياحها ولاية الجزيرة ولا تزال مستمرة في مناطق وجودها. فهناك عدد من سكان الكنابي وغيرهم من الأهالي انضموا إلى «قوات الدعم السريع» وشاركوا في انتهاكاتها، أو عملوا مرشدين لها، أو قاموا بجرائم الاعتداء على البيوت والمحلات التجارية ونهبوها. لكن في مقابل هؤلاء هناك أيضاً أعداد من سكان الكنابي الذين شاركوا ضمن مستنفري أبناء الجزيرة الذين انضموا إلى صفوف القوات المسلحة وقاتلوا لاستعادة مناطقهم ودفاعاً عن مناطق أخرى.

يُحمد لقيادة الجيش أنها تحركت سريعاً لإدانة هذه الأحداث ومرتكبيها وتعهدت بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. كما أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، حرص على التشديد على رفض سياسة الانتقام وأخذ الحقوق باليد، قائلاً إن كل متهم أو مشتبه يثبت تورطه «في دعم الميليشيا المتمردة» سيقدم لمحاكمة عادلة.

المهم الآن أن يتحرّك الجيش فعلاً لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات لأنه قوة نظامية وليس ميليشيا، كما قال البرهان، وبالتالي لديه مسؤولية في تطبيق قوانينه والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية. وما يضيف من أعبائه أن هناك قوات وكتائب غير نظامية، وأعداداً من المستنفرين، يقاتلون في صفوفه، وهؤلاء قد يتصرفون بنهج مختلف خارج عن أسس الانضباط، وسبق أن صدرت من بعضهم تجاوزات شكا منها مواطنون، ما يعني أن هناك ضرورة لمبدأ المحاسبة حتى لا تنتشر أي مظاهر فوضى، أو يعتقد آخرون أنه يمكنهم أخذ حقوقهم بأيديهم والانتقام جراء ما أصابهم ولحق بأهلهم من انتهاكات «قوات الدعم السريع».

في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان، والاستقطاب الشديد الذي أحدثته الحرب، هناك أهمية أيضاً لمحاربة خطاب الكراهية ومحاولة إثارة الفتن، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع. فالذين يعتقدون أنهم يسجلون نقاطاً سياسية بتضخيم حادثة في الكنابي واستخدامها للتأجيج وإثارة نعرات عنصرية أو جهوية، إنما يغرسون خنجراً آخر في خاصرة البلد الممتحن بالجراحات والآلام، ولا يحتاج إلى المزيد.

هذه الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وإذا لم يراعِ البعض أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه، وهو الوطن والحفاظ على تماسكه، والابتعاد عن كل ما يضعف وحدته، فإن هذه الحرب لن تكون آخر حروب السودان على الرغم من الكلام الإنشائي الذي يردده البعض ويفعل عكسه.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان الدعم السريع السودان الجيش السوداني الدعم السريع ود مدني سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة

إقرأ أيضاً:

الصديق المهدي يعدد تداعيات الحرب على السودان.. وينزع الشرعية عن كامل إدريس

الوكالات- متابعات تاق برس- قال الأمين العام لتحالف “صمود” والقيادي في حزب الأمة القومي في السودان، الصديق الصادق المهدي، أن الحرب الدائرة في السودان تسببت في وجود حوالي 17 مليون طفل سوداني خارج النظام المدرسي، بالإضافة إلى نزوح 13 مليون شخص، منهم 4 ملايين نزحوا إلى دول الجوار.

وأضاف الصديق أن الحرب تسببت في كارثة إنسانية لم يشهدها العالم، إذ إن الجوع يهدد نصف سكان السودان، بالإضافة إلى أن مرض الكوليرا يحصد أرواح الآلاف من السودانيين، في ظل خروج أكثر من 80% من النظام الصحي عن الخدمة في السودان.

ومنذ أبريل 2023، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتخلف أرقامًا غير مسبوقة في عدد القتلى والنازحين وضحايا الانتهاكات الإنسانية من كلا طرفي الحرب.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تجاوز عدد قتلى الحرب 20 ألف شخص، في حين تشير تقديرات لجنة الإنقاذ الدولية إلى 150 ألف قتيل، بينما تجاوز عدد النازحين 13 مليون نازح.

واعتبر المهدي أن استمرار الحرب يهدد أمن دول الجوار السوداني، ويهدد استقرار القرن الإفريقي والبحر الأحمر، من خلال توفير البيئة المناسبة لاحتضان الإرهابيين ونشاط الهجرة غير الشرعية.

وحول تعيين قيادة الجيش السوداني لكامل إدريس رئيسًا للوزراء لحكومة في بورتسودان، قال المهدي: “هذا التعيين يأتي في خضم المعركة والحرب، وأن التعيين تم في ركن من الحيز المدني الضيق، وأنه لا يتفق مع الأحاديث التي تروج إلى أن كامل إدريس تم تعيينه بصلاحيات واسعة، لأنه في الحقيقة يعبر عن الموقف العسكري بلسان مدني”.

وأكد المهدي أن الأولوية الآن هي إيقاف الحرب في السودان، وأن تعيين كامل ليس له أي مرجعية دستورية في ظل استغراق الدولة بأكملها في الحرب.

وأشار إلى أن الغرض من هذا التعيين هو إضفاء شرعية على وضع يفتقد للشرعية الدستورية.

وفيما يتعلق باشتراط الاتحاد الإفريقي تكوين حكومة مدنية، مقابل فك تعليق عضوية السودان في الاتحاد، قال المهدي: “إن هذا الأمر يرتبط بمسار كامل هو في يد مجلس السلم والأمن الإفريقي، والذي يرى في استقرار كل أراضي السودان وتوافق السودانيين على حكومة مدنية، وهو شرط جوهري للاعتراف بحكومة السودان، وهو غير متوفر الآن عبر تعيين كامل إدريس”.

التحالف المدنى الديمقراطى لقوى الثورة صمودالصديق المهدي

مقالات مشابهة

  • السودان.. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة
  • الصديق المهدي يعدد تداعيات الحرب على السودان.. وينزع الشرعية عن كامل إدريس
  • شاهد بالصورة والفيديو.. (شربت الشربوت واستلمت الظرف).. شيبة ضرار يهاجم أحد أئمة المساجد ويصفه بــ”الصعلوق” و”الشماسي”
  • الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الانتقام
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع (1.600) سلة غذائية في محلية جنوب الجزيرة بولاية الجزيرة في السودان
  • فرقة أمنية يقودها مغني راب تحتجز صحفيين أجانب في تل أبيب بحثا عن الجزيرة (شاهد)
  • شاهد.. شرطة الاحتلال تستبعد الصحفيين الأجانب وتبحث عن الجزيرة
  • انقلاب ميداني في إقليم كردفان: الجيش السوداني يعلن التقدم والسيطرة على مناطق جديدة وهروب قوات الدعم السريع
  • دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
  • الاحتلال يقتحم عدة مناطق في بيت لحم