السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
«العين بالعين... تجعل العالم كله أعمى». تذكرت هذه العبارة المنسوبة للمهاتما غاندي خلال متابعتي لبعض الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة وسط السودان، وكادت تغطي تماماً على أجواء الفرح العارم بين السودانيين، أو فلنقل بين أكثريتهم الساحقة، بعد الانتصار الذي حققته القوات المسلحة ومَن يقاتل في صفوفها من القوات المشتركة والمستنفرين، باستعادة مدينة مدني، «صرة السودان» ومعها الكثير من مناطق الولاية التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» لنحو عام ذاقت خلاله شتى صنوف المعاناة والانتهاكات الجسيمة.
في خضم أجواء الفرح، انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تصور مناظر بشعة وصادمة لعمليات تصفية لأشخاص بالزي المدني على أيدي مسلحين بعضهم بزي القوات المسلحة، والبعض الآخر من المستنفرين. صحيح أن هذه الجرائم والموثق منها توثيقاً لا يقبل الشك، كانت محدودة، لكن أثرها كان كبيراً، وضررها بليغاً. فالسودانيون بطبعهم ينفرون من القسوة التي ظهرت في المقاطع التي سجلت تصفية أشخاص عزل بشكل فوري وانتقامي بالإعدام بالرصاص، أو بالذبح، أو بالتعذيب والإهانة ثم الرمي في النهر واتباع ذلك بإطلاق زخات من الرصاص.
إضافة إلى طبيعة الجرائم المروعة، كان مزعجاً أيضاً ما جرى تداوله، وتضخيمه في بعض الأحيان، عن استهداف سكان «الكنابي» في ولاية الجزيرة، وربط ذلك بدوافع عرقية. فقد أوردت بعض التقارير أن نحو 13 شخصاً قُتلوا على يد مسلحين في «كمبو طيبة»، وفسر الأمر على أنه بدوافع عرقية وجهوية، وهو أمر يطرق على وتر حساس يستغله الساعون لتأجيج خطاب العنصرية والجهوية والكراهية.
والكنابي (مفردها كمبو بمعنى المعسكر) هي مناطق فقيرة يسكنها بالأساس متحدرون من غرب السودان وتحديداً من إقليم دارفور، استقروا في ولاية الجزيرة وعملوا بالزراعة وصاروا جزءاً من مكوناتها. وقد استغل وضعهم أحياناً لإثارة المشاكل الجهوية وتأجيج خطاب الكراهية، لا سيما إبان هذه الحرب. فبينما سعت بعض الأطراف للاصطياد في الماء العكر بتضخيم ما ورد عن الجريمة التي ارتكبت في «كمبو طيبة»، صدرت بيانات وتصريحات أخرى تنفي وقوع استهداف واسع أو ممنهج لسكان الكنابي، وتحذر من محاولات زرع الفتن وإثارة الكراهية.
الواضح لكثير من المتابعين أن الأحداث التي وقعت بعد تحرير مدني طغى عليها دافع الانتقام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي حدثت على أيدي «قوات الدعم السريع» منذ اجتياحها ولاية الجزيرة ولا تزال مستمرة في مناطق وجودها. فهناك عدد من سكان الكنابي وغيرهم من الأهالي انضموا إلى «قوات الدعم السريع» وشاركوا في انتهاكاتها، أو عملوا مرشدين لها، أو قاموا بجرائم الاعتداء على البيوت والمحلات التجارية ونهبوها. لكن في مقابل هؤلاء هناك أيضاً أعداد من سكان الكنابي الذين شاركوا ضمن مستنفري أبناء الجزيرة الذين انضموا إلى صفوف القوات المسلحة وقاتلوا لاستعادة مناطقهم ودفاعاً عن مناطق أخرى.
يُحمد لقيادة الجيش أنها تحركت سريعاً لإدانة هذه الأحداث ومرتكبيها وتعهدت بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. كما أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، حرص على التشديد على رفض سياسة الانتقام وأخذ الحقوق باليد، قائلاً إن كل متهم أو مشتبه يثبت تورطه «في دعم الميليشيا المتمردة» سيقدم لمحاكمة عادلة.
المهم الآن أن يتحرّك الجيش فعلاً لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات لأنه قوة نظامية وليس ميليشيا، كما قال البرهان، وبالتالي لديه مسؤولية في تطبيق قوانينه والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية. وما يضيف من أعبائه أن هناك قوات وكتائب غير نظامية، وأعداداً من المستنفرين، يقاتلون في صفوفه، وهؤلاء قد يتصرفون بنهج مختلف خارج عن أسس الانضباط، وسبق أن صدرت من بعضهم تجاوزات شكا منها مواطنون، ما يعني أن هناك ضرورة لمبدأ المحاسبة حتى لا تنتشر أي مظاهر فوضى، أو يعتقد آخرون أنه يمكنهم أخذ حقوقهم بأيديهم والانتقام جراء ما أصابهم ولحق بأهلهم من انتهاكات «قوات الدعم السريع».
في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان، والاستقطاب الشديد الذي أحدثته الحرب، هناك أهمية أيضاً لمحاربة خطاب الكراهية ومحاولة إثارة الفتن، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع. فالذين يعتقدون أنهم يسجلون نقاطاً سياسية بتضخيم حادثة في الكنابي واستخدامها للتأجيج وإثارة نعرات عنصرية أو جهوية، إنما يغرسون خنجراً آخر في خاصرة البلد الممتحن بالجراحات والآلام، ولا يحتاج إلى المزيد.
هذه الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وإذا لم يراعِ البعض أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه، وهو الوطن والحفاظ على تماسكه، والابتعاد عن كل ما يضعف وحدته، فإن هذه الحرب لن تكون آخر حروب السودان على الرغم من الكلام الإنشائي الذي يردده البعض ويفعل عكسه.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان الدعم السريع السودان الجيش السوداني الدعم السريع ود مدني سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة
إقرأ أيضاً:
لماذا الهجوم على قوات درع السودان ؟
????لماذا الهجوم على قوات درع السودان ؟
ومن يخشى صمود الوسط ؟
⭕في الوقت الذي تقاتل فيه قوات درع السودان في مختلف الجبهات دفاعاً عن الأرض والناس، وفي الوقت الذي يسقط فيه أفرادها شهداء وجرحى في معارك ضارية لا يعرفها إلا من عاش تفاصيلها، يخرج علينا البعض من خلف صفحات مجهولة وأسماء وهمية بحملة منظمة تستهدف هذه القوة تحديداً، وكأن المطلوب هو كسر معنويات أهل الوسط قبل كسر شوكة قوات درع السودان نفسها.
⭕هؤلاء المهاجمون لا يمثلون خصوماً حقيقيين، ولا يملكون الجرأة على المواجهة العلنية، بل يختبئون خلف حسابات مُصنّعة، يطلقون سهامهم من غرف مظلمة، ظناً منهم أن الكلمات المسمومة تستطيع أن تهدم رصيداً من التضحيات لا يمكن تزويره أو إنكاره.
⭕درع السودان… قوة تُقاتل لا تُزايد، هذه القوات لا تعمل في الإعلام ولا في الفيس بوك، بل في الميادين، رجالها ينتشرون في أصعب النقاط، يدفعون ثمن المواقف بدمائهم، وليس بمنشورات مرتجفة.
⭕قائدها نفسه، (كيكل) أصيب إصابة كان يمكن أن تضع اسمه بين شهداء الوطن، وفي معارك القتال، وهو يطارد العدو، لكنه عاد واقفاً كما اعتاد عليه جنوده وأهله.
⭕ لماذا الخوف من درع السودان؟ وهل هو القوة الوحيدة الخارج جسم القوات المسلحة؟
ام لأنها القوة التي حافظت على تماسك الوسط، ورفضت أن يتحول إلى ساحة مفتوحة لأي مشروع تخريبي، ولأنها استطاعت أن تبني جسور ثقة بين القبائل والمجتمعات، في وقت انهارت فيه الكثير من الروابط بسبب الحرب، ولأنها قدمت آلاف الشهداء دفاعاً عن الناس وأرضهم وممتلكاتهم.
هذه الحقائق وحدها كافية لتجعلها هدفاً لمن يريد إضعاف الوسط أو شق صفه.
⭕ هل شاهد البعشوم وأشباهه مشهد تلاحم مجتمع الوسط، حين عاد القائد كيكل إلى قريته بعد الإصابة، لم تكن الاستقبالات مجرد احتفال، كان المشهد استفتاءً شعبياً واضحاً:
كل الوسط كان هناك…
قيادات، قبائل، شباب، نساء، رموز مجتمع… جميعهم وقفوا صفاً واحداً.
⭕هذا المشهد وحده يشرح لماذا تتصاعد الحملات المسعورة:
لأن الدرع سيجعل الوسط موحداً، ولأن محاولات تمزيقه لم تنجح.
⭕ الأصوات الوهمية التي تهاجم درع السودان لا تبحث عن الحقيقة، بل عن الفتنة.
لكن الفتنة لا تجد أرضاً تنبت عليها حين يكون الوعي الشعبي أقوى من الدعاية، ولذلك فإن كل هذه الحملات، مهما ارتفع صراخها، ستعود خائبة على أصحابها.
فالناس يرون الواقع… يرون من يقاتل ومن يهرب، ومن يقدم الدم ومن يقدم الثرثرة.
⭕ختاماً نقول؛
قوات درع السودان ليست مجرد قوة عسكرية…
هي رمز لصمود الوسط، وللوحدة التي حاول البعض ضربها بشتى الطرق.
الوسط مع درع السودان، ودرع السودان مع الوسط.
✒️غاندي إبراهيم
Promotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/07 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة من أرادوا تدمير السودان… وقعوا في فخ أكاذيبهم2025/12/07 نيران أديكونق: الضربة التي حرقت أكاذيب المليشيا وداعيميها قبل عتادها2025/12/07 قد نختلٍف!!2025/12/07 بعضٌ من حكاية الكَدِيسَة2025/12/07 هل الفيل كفيل؟2025/12/07 تسريبات وافتراضات مقتل دقلو2025/12/07شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات قوم لا للحرب قوم مجرمون مثلهم مثل كل من قتل أو آذى نفساً بغير وجه حق 2025/12/07الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن