تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد أربعمائة وستة وستين يوماً من هجوم حماس ورد إسرائيل القاتل، ربما تكون المدافع قد سكتت أخيراً. ومع ذلك، فإن تداعيات الحرب تمتد إلى ما هو أبعد من المشهد المدمر في غزة، حيث تغيرت الديناميكيات الإقليمية والعالمية بطرق لم يكن أحد يتوقعها.
تعتبر هذه الحرب أطول وأشد صراع عسكري تخوضه إسرائيل، حيث تمثل أعلى تركيز للدمار في قطاع غزة الذي يبلغ طوله ٢٥ ميلاً.

وقد أثار مستوى الدمار مقارنات مع قصف هامبورج بالقنابل الحارقة خلال الحرب العالمية الثانية. تحملت غزة وطأة القصف الجوي والمدفعي المتواصل، حيث أفادت وزارة الصحة التي تديرها حماس بمقتل أكثر من ٤٦٦٠٠ فلسطيني، وهو ما يزيد بعشرة أضعاف عن حصيلة جميع الصراعات السابقة في غزة منذ عام ٢٠٠٨ مجتمعة.
واقع سياسى جديد
وسط الأنقاض، هناك أمل هش في أن يمهد وقف إطلاق النار الطريق لاتفاق سلام دائم وربما دولة فلسطينية، وهي الفكرة التي بدت ذات يوم بعيدة المنال بشكل لا يمكن تصوره.. لقد أجبرت الحرب على إعادة تقييم التحالفات الجيوسياسية القائمة منذ فترة طويلة، مما دفع حتى الدول الغربية إلى الإشارة إلى تحولات في السياسة.
لقد اختبر سلوك إسرائيل أثناء الحرب تحالفاتها، وخاصة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وفي حين استمرت هذه العلاقات، إلا أنها كانت متوترة إلى حد كبير. كما تحدت الحرب مفهوم القانون الإنساني الدولي ذاته. في قرار تاريخي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك يوآف جالانت. بالنسبة لمؤيدي المحكمة الجنائية الدولية، كانت هذه لحظة فاصلة، مؤكدة أن القانون الدولي ينطبق على الجميع، وليس فقط القادة من الجنوب العالمي. ومع ذلك، بالنسبة لإسرائيل وحلفائها الغربيين، اعتبرت هذه الخطوة شائنة، مما أثار الشك في مصداقية الغرب. 
الصدمات العالمية 
لقد تجاوزت عواقب الحرب الشرق الأوسط إلى حد كبير، حيث أثرت على المشهد السياسي في الولايات المتحدة. وهناك أدلة مهمة على أنها أضعفت دعم جو بايدن بين الناخبين الديمقراطيين. وقد ادعى ترامب، المعروف بأسلوبه غير المتوقع، الفضل بالفعل في التوسط في وقف إطلاق النار، ووصفه بأنه أول إنجاز كبير في ولايته الثانية من قبل أن تبدأ. ولكن هذا الترتيب المعقد والهش يعكس إراقة الدماء عميقة الجذور، والنزاعات الإقليمية، والاضطرابات السياسية التي حددت الصراع بين إسرائيل وغزة. وحتى مع تكشف المراحل الأولى من الاتفاق، فإن شبح الاضطرابات السياسية يلوح في الأفق.. يُعتقد أن حماس والفصائل المسلحة الأخرى في غزة تحتجز ٩٨ رهينة، بما في ذلك رفات ما لا يقل عن ٣٦ فردًا أكدت السلطات الإسرائيلية مقتلهم. وفي الوقت نفسه، يُحتجز أكثر من ١٠ آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وكثير منهم بدون اتهامات رسمية أو محاكمة أو تقنين وضعهم.
تبادل مدروس 
تعبر الطبيعة المرحلية للاتفاق عن حالة عدم اليقين الكبيرة المحيطة بالسلام الطويل الأمد وإحجام الجانبين عن الالتزام بحل نهائي. تشهد الأسابيع الستة الأولى من الاتفاق إطلاق سراح الرهائن المدنيين الإسرائيليين على مراحل، وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن حوالي ١٠٠٠ سجين فلسطيني - ٣٠ لكل رهينة مدنية إسرائيلية و٥٠ لكل جندية إسرائيلية يتم تحريرها.
وبحلول اليوم السادس عشر، تبدأ المفاوضات حول الجانب الأكثر إثارة للجدال في الاتفاق: "الهدوء المستدام". هذه العبارة، التي تعد تعبيراً دبلوماسياً ملطفاً لوقف إطلاق النار الدائم، تواجه بالفعل مقاومة من داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل. وإذا استمرت جميع المراحل كما هو مخطط لها، فسوف تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل من غزة بحلول الأسبوع الثاني عشر. لكن المرحلة الأخيرة والأكثر صعوبة ستكون إعادة إعمار غزة، وهي العملية التي من المتوقع أن تستغرق أكثر من عقد من الزمان، مع إشراف مصر وقطر والأمم المتحدة على المراحل المبكرة.
الاعتبارات الإقليمية
الولايات المتحدة، في عهد الرئيس القادم دونالد ترامب، لديها مصالح استراتيجية في استقرار المنطقة، بينما تبدو المخاطر الجيوسياسية عالية. في حين كانت إسرائيل تاريخيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، فإن إدارة ترامب القادمة تضغط بشكل متزايد على إسرائيل للحد من الأعمال العدائية. كما يحث اللاعبون الإقليميون إسرائيل على خفض التصعيد إذا كانت ترغب في الحفاظ على دعمهم.
في نهاية المطاف، يهدف الاتفاق إلى إرساء الأساس للديمقراطية والتعاون الاقتصادي والسلام الطويل الأجل، على غرار عملية المصالحة التي شهدتها أيرلندا الشمالية. ومع ذلك، فإن الانقسامات السياسية العميقة والتطرف الإيديولوجي وحجم الدمار الهائل في غزة تشكل عقبات كبيرة أمام تحقيق الاستقرار الدائم.
يقدم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بصيصًا من الأمل، لكنه يظل مسعى محفوفًا بالمخاطر. ويعتمد نجاح الاتفاق على الجهود الدبلوماسية المستدامة والإرادة السياسية وقدرة الجانبين على مقاومة الاستفزازات التي قد تعيد إشعال العنف. وكما أظهر التاريخ، فإن أي مسار نحو السلام في المنطقة محفوف بعدم اليقين، وستختبر الأشهر المقبلة قدرة جميع الأطراف المعنية على الصمود، ذلك أن تأثير الحرب بين إسرائيل وحماس سوف يستمر في الظهور خارج حدود غزة. ومع تفكك تحالفات إسرائيل، وتحول ميزان القوى في الشرق الأوسط، وتغير المشهد السياسي العالمي، فإن التأثير الطويل الأمد لهذه الحرب سيستمر في تشكيل التاريخ لسنوات قادمة. وسوف يواجه المجتمع الدولي معركة شاقة في معالجة الأزمات الإنسانية والسياسية التي خلفتها الحرب. 
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إسرائيل غزة وقف إطلاق النار فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار إسباني لوقف إطلاق النار في غزة

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الخميس، بأغلبية ساحقة، مشروع قرار تقدّمت به إسبانيا نيابة عن الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول، بالتنسيق مع البعثة الفلسطينية، يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، مع توفير الحماية للمدنيين، وضمان دخول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن جميع المحتجزين، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية.

وجاء القرار بعنون "الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية"، حيث حظي بتأييد 149 دولة، بينما عارضته 12، وامتنعت 19 دولة عن التصويت، في خطوة تعكس الإجماع الدولي المتزايد على وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

وقال السفير الإسباني لدى الأمم المتحدة، هيكتور غوميز هرنانديس، إن المشروع يستجيب للحاجة الملحة لحماية السكان المدنيين، وضمان إيصال المساعدات دون عوائق، واحترام القانون الدولي الإنساني.

وأكد على ضرورة العمل الدولي الجماعي لتمهيد الطريق نحو حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق سلام عادل وشامل.

من جانبه، ألقى السفير الفلسطيني رياض منصور كلمة مؤثرة وصف فيها الأوضاع في غزة بـ”يوم المجازر الـ614″، متهمًا المجتمع الدولي بالتقاعس عن تحمل مسؤولياته، ومطالبًا بترجمة هذا القرار إلى خطوات عملية تتضمن وقف تسليح إسرائيل، وفرض عقوبات عليها لارتكابها جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين.

وأضاف: “يكفي مجازر وتجويع وتهجير. يجب وقف هذه الجرائم فورًا، ومحاسبة مرتكبيها، وتمكين شعبنا من العيش بحرية وكرامة”.



وأكد القرار الأممي، الذي تضمّن 121 نقطة تنفيذية ضمن فقراته العاملة، عن دعم صريح لوقف دائم لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ورفع الحصار المفروض على القطاع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإدانة استخدام التجويع كسلاح حرب، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، مع التشديد على دعم إعادة إعمار غزة، واحترام حقوق الإنسان، ورفض التهجير القسري وتوسيع المستوطنات، وتثبيت حل الدولتين وفق حدود 1967.

من جهته، وصف سفير الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، القرار بأنه “وثيقة خضوع لحماس”، وهاجم الجمعية العامة لتجاهلها ما وصفه بـ”جرائم الحركة ضد الإسرائيليين”.

وزعم أن المساعدات تُستغل من قبل حماس. ورفض أي دعوات لوقف النار ما لم تتضمن الإفراج الكامل عن الرهائن الإسرائيليين.

ورحبت كل من روسيا، وكندا، والعراق، وتونس، وليبيا بالقرار، فيما امتنعت الهند عن التصويت، بينما عارضته الولايات المتحدة، وإسرائيل، والأرجنتين، وعدد من دول جزر المحيط الهادئ.

وأكد القرار على إبقاء الجمعية العامة في حالة انعقاد دائم ضمن دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة، ما يتيح لها العودة للانعقاد في أي لحظة لمتابعة التطورات الميدانية واتخاذ خطوات إضافية في حال استمرت الانتهاكات.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال: إسرائيل بأكملها تحت النار
  • الجيش الإيراني يهدد: مصير إسرائيل سيكون مؤلما
  • الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار إسباني لوقف إطلاق النار في غزة
  • الأمم المتحدة تتبنى قرارًا لوقف إطلاق النار في غزة.. حماس ترحب
  • الأمم المتحدة: التصويت بالأغلبية الساحقة لصالح مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة
  • الأمم المتحدة تصوت بأغلبية ساحقة لصالح وقف إطلاق النار في غزة
  • “حماس”: ما يتداوله الاحتلال حول المفاوضات بشأن غزة مخالف للحقيقة
  • ‏وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل أكثر من 10 فلسطينيين وجرح العشرات برصاص إسرائيلي قرب مركز للمساعدات وسط قطاع غزة
  • مصادر مصرية: مقترح ويتكوف الجديد يفتقر لضمانات إجبار إسرائيل على وقف الحرب على غزة
  • ترامب يطالب نتنياهو بإنهاء الحرب بغزة لأنها استنفدت أهدافها