صلاح ومرموش.. لا داعى للمقارنة!!
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
أتعجب كثيراً من الذين يهاجمون نجم مصر العالمى الملك محمد صلاح الذى حقق إنجازات أسطورية فى عالم الساحرة المستديرة على مدار سنوات طويلة حتى وصل إلى العالمية وإذا لم يكن بالفعل هو الأفضل على مستوى العالم فهو من بين أفضل 5 لاعبين على الأقل.. ويتعرض للهجوم لأنه يفكر فى الانتقال إلى الدورى السعودى وترك مكانه فى ليفربول الإنجليزى الذى حقق معه كل الأرقام القياسية.
ليس من المنطقى أبداً أن نفكر نحن لمحمد صلاح بعد كل هذا المشوار الصعب الذى خاضه بمفرده وبعد أن وصل إلى قمة النجاح ننتقد قراراً يتخذه وهو أدرى شخص بأسباب اتخاذه للقرار سواء بالاستمرار فى ليفربول أو الرحيل إلى أى مكان آخر يختاره.. هذا الشاب الذى تفوق على الجميع فى أجواء لم يستمر فيها كثير من المصريين الذين خاضوا تجارب الاحتراف وبعضهم عاد سريعاً ولم يصمد فى أجواء جديدة وعادات مختلفة ووسائل وطرق تدريب صعبة والبعض حاول واستمر عدة سنوات ولكنه لم يحقق إلا نجاحات محدودة كنا نظنها انجازات حتى ذهب صلاح إلى أوروبا وغير كل المفاهيم وعرفنا مع مشواره المعنى الحقيقى للإنجازات عابرة القارات ووجدنا العالم كله يصفق له ويشيد به وأصبح لاعباً من طراز فريد ومثالاً يحتذى يطمح الكثير من الأجانب للوصول إلى مستواه وأخلاقياته التى حافظ عليها وأجبر بسببها الجميع على احترامه وتقديره..
والأغرب أن البعض يلجأ الآن إلى طريقة جديدة للهجوم غير المبرر على صلاح مستغلاً تألق النجم المصرى عمر مرموش فى البوندزليجا وانتقاله إلى مانشيستر سيتى الإنجليزى فبدأت المقارنة العجيبة التى لا داعى لها على الإطلاق والأفضل أن يكون كلاهما سفير لمصر فى عالم الاحتراف.. تألق مرموش رائع ونقف معه وخلفه لتحقيق الكثير والكثير لكنه ليس بالضرورة كما يشير البعض إلى أنه بداية أفول نجم صلاح.. باب التألق يتسع لصلاح ومرموش معاً وكذلك لأى نجم مصرى آخر يشرفنا ويدعم صفوف منتخبنا.. واعتقد أنه لو أتيحت الفرصة لنجم وجوكر بيراميدز إبراهيم عادل للانتقال للدورى الإسبانى سنرى نجماً آخر يلمع على طريقة صلاح ومرموش..
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ضربة البداية علي البحراوي نجم مصر
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.