الجزيرة:
2025-12-14@03:19:23 GMT

لماذا قلق الجميع من بلير؟

تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT

لماذا قلق الجميع من بلير؟

تنفس العديد من الأطراف المشاركين في مفاوضات إنهاء الحرب الإسرائيلية الإبادية على غزة وبداية إعادة إعمارها، الصعداء جماعيا، عند الإعلان عن استبعاد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير- أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الدبلوماسية الدولية- من "مجلس السلام الانتقالي" المقترح الذي كان من المقرر أن يشرف على المرحلة الانتقالية في قطاع غزة.

جاء الإعلان في لحظة شديدة الحساسية، تزامنا مع دخول المفاوضات مرحلتها الثانية، والتي تركز على الترتيبات الأمنية والاقتصادية الضرورية لاستقرار القطاع وبدء جهود إعادة الإعمار.

فقد نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2803، الذي أُقر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، والمنسجم مع مقترح "السلام في غزة" الذي قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على تفويض دولي بتشكيل مجلس سلام انتقالي، ونشر قوة استقرار، ووضع إطار زمني يمتد حتى نهاية عام 2027. وفي خضم بناء هذا الهيكل الانتقالي الجديد، سرعان ما ظهرت التوقعات بدور بلير كمصدر قلق عميق لكثير من الجهات المعنية.

لماذا كان وجود بلير مصدر قلق؟

منذ أن بدأت إدارة ترامب في الانخراط بمحاولات إنهاء الحرب، طُرحت عدة خطط. ومع ذلك، بدا أن الخطة المنسوبة إلى بلير الأقرب إلى تفكير ترامب، بل وربما أثرت في بعض العناصر الأساسية لرؤيته التي كشف عنها في أواخر سبتمبر/أيلول. وهذا وحده أعاد إشعال الجدل: لماذا يُعد تعيين بلير في هذا المنصب المهم خطأ جسيما؟

يحمل بلير إرثا سياسيا ثقيلا، متجذرا فيما يعتبره الكثيرون أسوأ قرار في السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين: غزو العراق عام 2003، والذي قاده إلى جانب الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، بناء على ذريعة كاذبة تتعلق بأسلحة الدمار الشامل (كما أكد لاحقا تحقيق تشيلكوت البريطاني).

لقد دمرت الحرب العراق، وأشعلت صراعات طائفية، وفتحت الأبواب لتدخلات أجنبية طويلة الأمد، وأودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين. وأصبح بلير، بالنسبة لكثيرين في المنطقة وخارجها، رمزا للقوة غير الخاضعة للمساءلة، والقرارات الكارثية.

إعلان سجل بلير في السياق الفلسطيني والعربي

في السياق الفلسطيني والعربي، يُعتبر سجل بلير أكثر إثارة للقلق. فقد شغل منصب مبعوث اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط بين عامي 2007 و2015، لكنه اتُهم على نطاق واسع بتعزيز السياسات الإسرائيلية، والمساهمة في ترسيخ الحصار على غزة، والسماح لإسرائيل بالإفلات من التزاماتها ضمن الأطر التفاوضية.

وعلى الرغم من أن تفويض اللجنة الرباعية كان يهدف إلى دعم المفاوضات، وتعزيز التنمية الاقتصادية، والتحضير لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية، فإن أيا من هذه الأهداف لم يتحقق بشكل ملموس خلال فترة بلير. بل على العكس، تسارعت وتيرة الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني، وازدادت وطأة الاحتلال.

وكان من أبرز القرارات الكارثية للجنة الرباعية في عهده، فرض عقوبات سياسية واقتصادية شاملة على حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.

وقد اشترطت اللجنة على حماس الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة المسلحة كشرط لرفع الحصار، ما أدى فعليا إلى عزل غزة لعقود، وألحق أضرارا جسيمة بالوحدة السياسية الفلسطينية، وهي نتائج لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.

وخلال فترة تولي بلير منصبه، تعرضت غزة لأربعة اعتداءات إسرائيلية مدمرة، من بينها عملية "الرصاص المصبوب" (2008-2009)، والتي تُعد من أعنف الحملات العسكرية في تاريخ القطاع. ومع ذلك، لم يحقق بلير أي اختراق سياسي يُذكر.

وبدلا من ذلك، كشفت تحقيقات صحفية بريطانية عن تضارب كبير في المصالح، إذ إنه استخدم موقعه كمبعوث للرباعية في تسهيل صفقات تجارية أفادت شركات لها صلات به، وحققت له ملايين الجنيهات الإسترلينية، رغم غياب أي إنجازات دبلوماسية ملموسة.

وتشير تقارير عديدة إلى أنه لم يكن متفرغا تماما لمهامه كمبعوث، بل كان يخصص وقتا كبيرا لأعماله الاستشارية الخاصة، ومحاضراته المدفوعة الأجر.

وفي عام 2011، عارض بلير علنا مسعى فلسطين لنيل عضوية كاملة في الأمم المتحدة، واصفا الخطوة بأنها "مواجهة خطيرة"، بل ويُقال إنه ضغط على حكومة بلاده لعدم دعمها.

ثم، في عام 2017، اعترف بلير بأن فرض المقاطعة الفورية على حماس بعد فوزها الانتخابي كان خطأ من قبل القادة العالميين، وهو اعتراف جاء متأخرا، وبعد أن تكبدت غزة ثمنا باهظا لذلك القرار.

بلير ليس رجل المرحلة، بل هو عبء عليها

لهذه الأسباب مجتمعة، نظر الفلسطينيون، والدول العربية، والعديد من الدول المانحة بعين الريبة إلى دور بلير المحتمل في "مجلس السلام" المقترح. فبالنظر إلى سجله السياسي، واصطفافه العلني مع المواقف الإسرائيلية، والاتهامات غير المحسومة بتضارب المصالح، لم يُنظر إلى بلير كمصلح محايد، بل كعبء قد يقوض الثقة الهشة اللازمة لأي مرحلة انتقالية ناجحة.

لذلك، فإن استبعاده يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها غير كافية بحد ذاتها. فالمعيار الحقيقي هو ما إذا كانت شركته الاستشارية الخاصة وشبكاته المرتبطة بها ستُستثنى أيضا، أم إن خروجه كان مجرد خطوة رمزية.

فإذا غادر بلير بالاسم فقط، بينما يستمر تأثيره المؤسسي من وراء الكواليس، فإن المخاطر المحدقة بعملية السلام ستظل قائمة.

غزة لا تحتمل الرمزية، بل تتطلب نزاهة حقيقية

لا تحتمل غزة في مرحلتها المقبلة أي إيماءات رمزية أو حلول مجتزأة. فالتحديات المقبلة، من استعادة الحوكمة، وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب، وإحياء أمل حل الدولتين، تتطلب شخصيات ذات مصداقية، وشفافية، وسجل سياسي نقي.

إعلان

ولا تنطبق هذه المواصفات على توني بلير.

وإذا ما كان استبعاده حقيقيا، فإن ذلك لا يُعد مجرد تعديل إداري، بل يعد تصحيحا ضروريا لسنوات من الفشل، وسوء الإدارة، والدبلوماسية العرجاء، والقرارات التي دفع ثمنها الفلسطينيون أكثر من أي شعب آخر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

بعد استبعاد بلير.. دبلوماسي أممي سابق يقترب من إدارة غزة ضمن خطة ترامب

كشف الكاتب إيتمار إيخنر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن الولايات المتحدة بدأت البحث عن بديل لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لرئاسة "مجلس السلام" الذي سيكلف بإدارة قطاع غزة بعد الحرب، وذلك عقب استخدام الدول العربية والإسلامية حق النقض لمنع تعيينه. 

وبحسب إيخنر، يتصدر اسم الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف قائمة المرشحين الجدد، وهو شخصية تحظى باحترام واسع في المنطقة، وشغل سابقا منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط بين عامي 2015 و2020، ويترأس اليوم أكاديمية الإمارات الدبلوماسية في أبوظبي.

ويصف إيخنر ملادينوف بأنه واحد من أكثر الدبلوماسيين خبرة في قضايا الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ لعب في السنوات الماضية دورا مركزيا في نزع فتيل المواجهات بين الاحتلال وحركة حماس، واستطاع بناء قنوات ثقة مع الطرفين، وهو ما يجعله من منظور واشنطن وتل أبيب مرشحا يمكنه الاضطلاع بإدارة مرحلة شديدة الحساسية.

سجل طويل في الوساطة
يوضح التقرير أن ملادينوف اكتسب مكانة استثنائية خلال سنوات عمله كمبعوث أممي، إذ كان أحد أبرز الوسطاء بين غزة والاحتلال الإسرائيلي، وشارك في جهود إعادة إعمار القطاع بعد الحروب السابقة. ففي أعقاب أحداث السياج عام 2018 وهجمات الطائرات الورقية والبالونات، لعب دوراً محورياً في منع انفجار عسكري واسع، بمساعدة مصرية، وتمكن في مناسبتين على الأقل من التوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار.

ويشير إيخنر إلى وجود إجماع داخل الأوساط الإسرائيلية في تلك الفترة على أن ملادينوف كان "أكثر مبعوثي الأمم المتحدة نشاطا وحضورا في إسرائيل منذ سنوات"، لافتا إلى أن تل أبيب –التي تنظر عادة بعين الريبة إلى ممثلي الأمم المتحدة– اعتبرت ملادينوف وسيطا نزيها، بل وافقت على أن يتولى إدارة الأموال المخصصة لإعادة إعمار غزة، لضمان عدم وصولها إلى الأنفاق أو "البنية التحتية الخاصة بحماس".

كما نجح ملادينوف، بحسب التقرير، في كسب ثقة الحركة أيضا؛ فكلما وقع توتر ميداني كانت حماس تتواصل معه مباشرة لطرح مقترحات وقف إطلاق النار، رغم انتقاداته العلنية لها في المحافل الدولية.

انتقادات لإسرائيل وحماس
ويذكر إيخنر أن ملادينوف، رغم علاقاته الواسعة بإسرائيل، لم يتردد في انتقادها مرارا خلال جلسات مجلس الأمن بسبب استخدام القوة المفرطة، وخاصة قتل الأطفال وتوسيع الاستيطان. وفي المقابل، كان يدين إطلاق الصواريخ من غزة على طول الحدود، ودعا المجتمع الدولي إلى "إدانة واضحة" لمهاجمة المدنيين في الاحتلال الإسرائيلي.

ويشير التقرير إلى أن هذا التوازن في المواقف جعله عرضة لانتقادات الطرفين، لكنه في الوقت ذاته أكسبه مصداقية كان يفتقدها كثير من المبعوثين الدوليين السابقين.


من ليبرمان إلى هنية
وبحسب "يديعوت"، فإن ملادينوف يحتفظ بعلاقات قديمة مع رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان منذ عام 1999، وتوثقت أكثر خلال تولي الطرفين حقيبتي الخارجية في إسرائيل وبلغاريا. كما تربطه علاقة عمل وثيقة بكل من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ والوزيرة السابقة تسيبي ليفني.

أما في الساحة الفلسطينية، فقد كان على اتصال مباشر برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي اغتاله الاحتلال العام الماضي في طهران. كما حافظ على علاقة مميزة مع فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة جاريد كوشنر، ما عزز مكانته كشخصية قادرة على التواصل مع مختلف الأطراف.

بلير من المرشح الأبرز إلى المستبعد عربيا وإسلاميا
وينقل إيخنر أن توني بلير كان حتى وقت قريب الاسم الوحيد المطروح لقيادة مجلس السلام، ويحظى بثقة كبيرة لدى إسرائيل التي رأت فيه شخصية "تأخذ احتياجاتها الأمنية بجدية". إلا أن الدول العربية والإسلامية عارضت بشدة تعيينه، بسبب دوره في غزو العراق، ومواقفه المنحازة لإسرائيل، إضافة إلى خشيتها من تهميش الفلسطينيين في إدارة المرحلة المقبلة.

ويرجح التقرير أن قطر وتركيا كانتا من أبرز الأطراف التي ضغطت لإبعاد بلير، لاعتقادها أنه متماه مع السياسات الإسرائيلية والأمريكية.

بصمات بلير واضحة رغم استبعاده
وبحسب واشنطن بوست –كما نقلتها يديعوت– فإن بلير لعب دورا في صياغة "عناصر أساسية" ضمن خطة ترامب لإنهاء الحرب، بما في ذلك الهيكلية العامة لمجلس السلام المكون من 20 بندا، والذي سيتولى إدارة غزة مؤقتا إلى حين تنفيذ إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية تسمح لإسرائيل بالقبول بعودتها إلى الحكم.

وتقول الصحيفة الأمريكية إن مشاركة بلير كانت موضع استياء واسع في الأوساط الفلسطينية التي ترى فيه رمزا للانحياز لإسرائيل ومسؤولا عن سياسات مدمرة في الشرق الأوسط.

ويختم إيتمار إيخنر تقريره بالإشارة إلى أن الأمريكيين اتجهوا تلقائيا إلى ملادينوف فور تعثر تعيين بلير، نظرا لخبرته الطويلة في غزة، وعلاقاته المتوازنة، وقدرته على التواصل مع تل أبيب وحماس والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى علاقاته الإقليمية والدولية الواسعة، ما يجعله –وفق التقديرات الإسرائيلية– المرشح الأكثر جدية لقيادة المجلس المزمع إنشاؤه.

مقالات مشابهة

  • سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025.. عيار 21 يفاجئ الجميع
  • الجميع يعرف قوتنا.. عمرو أديب: نحن نعمل للسلام ولكن مستعدون للحرب
  • ماذا وراء استبعاد توني بلير من مشهد إدارة غزة في المرحلة المقبلة؟
  • تقارير: ملادينوف بدلا من بلير وجنرال أمريكي عمل بلبنان على رأس “قوة دولية” في غزة
  • استبعاد توني بلير من “مجلس السلام” لإدارة غزة بعد اعتراضات عربية وإسلامية
  • بعد استبعاد بلير.. دبلوماسي أممي سابق يقترب من إدارة غزة ضمن خطة ترامب
  • دعم الصحة مسئولية الجميع
  • “يديعوت أحرونوت” تكشف عن مرشح جديد لرئاسة مجلس السلام في غزة بدلا من توني بلير
  • الكشف عن مرشح جديد لرئاسة مجلس السلام في غزة بدلا من توني بلير