يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "بحوث بلاغية"، بقلم الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

يضم هذا الكتاب خمسة بحوث بلاغية كُتِبَتْ متفرقة، الأول: "قراءة في الفصاحة والبلاغة"، الثاني: "دراسات في الاستعارة"، البحث الثالث: "دراسات في الكناية"، البحث الرابع: "دراسات في التعريض"، البحث الخامس: "قراءة في شواهد التجريد".

وهذه البحوث الأربعة قرأها المؤلف مع طلاب كلية اللغة العربية من عام ٢٠١٥م إلى عام ٢٠١٩م، وقد آثر المؤلف جَمْعَها ولَمَّ شَمْلِها بعد طُولِ شَتَاتٍ، وهي بُحُوثُ تَدْرُسُ مسائل من متن علم البلاغة.

ويصف المؤلف - في مقدمة كتابه- هذه البحوث، موجهًا رسائل لطلاب العلم، بالقول: "لا تَزْعُمُ - هذه البحوث- أنها أتت فيها بما كانت تصبو إليه وترجوه، مع أنها لم تقصر في بذل الجهد والتفرغ وإطالة النظر وإدمان قرع أبواب الفكر في كل مسألة، والحمد لله جَلَّ وَعَلَا الذي لم يَرُدَّ اليد خالية من الخير، بل وضع فيها من فضله وعطائه ما يوجب مزيد شكره، ويقيني أن طول الصبر والنظر والتدبر مما يفتح ما أُغْلِقَ من أبواب العلم، ويَهْدِي إلى أبكار من الأفكار في مسائل "قد قُتِلَتْ بَحْثًا" كما يقول من طاف به طائف من اليأس؛ فإن العلم ليس فيه شيء يُقْتَلُ ويموت إلا في نفوس مُجْدِبَةٍ أصابها اليأس، والعلم يحيا بحياة النفوس التي تدرسه، ويزكو، وينمو، ويَخضر عوده، ويُورق ويثمر، وتزدهر به الحياة".

ومما أثاره البحث الأول "قراءة في الفصاحة والبلاغة" أن مخالفة القياس النحوي والصرفي مبحث يُعنى به علماء النحو والتصريف، وإلحاقه بدرس الفصاحة والبلاغة إلحاق ليس له مبرر، وهو قليل الجدوى في علم البلاغة، إلا إذا كان وراءه سر لطيف وملمح بلاغي لا يدل عليه الكلام إذا جاء صحيحًا نحويًّا وصرفيًّا.

ومما أثاره البحث الثاني "دراسات في الاستعارة" أن الإمام عبد القاهر خطا ببحث الاستعارة الخالية عن الفائدة خطوات مهمة جدًّا وجديدة جدًّا لم يسبق إليها، مع أن المادة العلمية التي أدار عليها كلامه هي هي في كتب أهل العلم الذين سبقوه، ومع هذا الجهد الذي بذله الإمام فإنه بقي فيها باب مفتوح للبلاغيين من بعده.

ومما أثاره البحث الثالث "دراسات في الكناية"، أن الكناية عن موصوف واحد قد تتعدد في شواهد كثيرة، ثم لا تصلح واحدة منها أن توضع موضع الأخرى ولا تَسُدُّ مَسَدَّها، وحاول البحث تطبيق ذلك -قدر طاقته- في الكنايات القرآنية عن الجماع. وأن ما يتناسب من الكناية وما لا يتناسب باب جليل فتحه الإمام عبد القاهر، ولم تستثمره الدراسة البلاغية من بعده، بل أُغلق هذا الباب على كنوزه وودائعه. وأنه قد يستوفي الكلام الكناية عن موصوف أو عن صفة، ثم يأتي بعد تمامها تصريح بالمكني عنه المقصود من الكناية السابقة، وهذا نمط من البيان لم أر من علماء البلاغة من نبه عليه، مع أن له شواهد، وفي التصريح بالمكني عنه فوائد ولطائف خاصة في سياقها.

ومما أثاره البحث الرابع: "دراسات في التعريض" أن ما يتناسب من التعريض امتداد لما فتحه الإمام عبد القاهر في درس ما يتناسب من الكناية وما لا يتناسب، وحاولت الدراسة أن تمد هذا الباب ليدخل فيه التعريض. وأن للتعريض صورًا أكثر من أن تُحْصَى، رَصَدَ البحثُ خَمْسَ صور منها، وهناك صور أخرى تحتاج إلى تتبع واستقصاء من الباحثين والدارسين.

ومما أثاره البحث الخامس "قراءة في شواهد التجريد" أمران؛ الأول: أن الخطيب القَزْوِينِي عَرَّفَ التجريد فقال: «هو أن يُنتَزَعَ من أمر ذي صفة أمر آخرُ مِثْله في تلك الصفة مبالغة في كمالها فيه»، وعند تطبيق حدود هذا التعريف على قول الله جَلَّ وَعَز: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَة حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٢١] نقول: إن الآية جردت من الرسول ﷺ شخصًا آخر مثله في صفة الأسوة الحسنة مبالغة في اتصافه بها، وتبين من التحليل أنه ينبغي أن يضاف شرطان لمفهوم التجريد إذا أُطلق في حقه، وهما: الشرط الأول: أن المنتزع له (وهو الشخص الذي يشبه الرسول ﷺ في الصفة) لا يَبْلُغُ الكمال في الوصف المحقق فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن بلوغ الكمال البشري في هذا الوصف ليس لأحد إلا له صلى الله عليه وسلم. الشرط الثاني: أن القصد من التجريد هو المبالغة في اتصاف المنتزع منه (وهو الرسول ﷺ) بالصفة التي يَفِيضُ بها على غيره، وهذه المبالغة لا تَرِدُ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأن اتصافه بالكمال البشري في كل صفة هو على جهة الحقيقة والتحقيق، لا على جهة المبالغة والادعاء بمنطوق قول ربنا جَلَّ وَعَلَا في حقه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤]. الأمر الآخر: التنبيه على ضرورة استقصاء المعاني التي يلجأ الشعراء عندها إلى أن يجرد أحدهم من نفسه شخصًا آخر يخاطبه؛ لأن جمع هذه المعاني وتقييدها يرسم لنا خريطة هذا القسم من التجريد التي لا تزال تبحث عن باحث صادق الهمة قوي العزيمة، وهو موضوع جدير بالبحث والدراسة.

ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام.

ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب جناح الأزهر الأزهر الشريف مجمع البحوث الإسلامية رئيس جامعة الأزهر إصدارات المزيد صلى الله علیه وسلم دراسات فی قراءة فی

إقرأ أيضاً:

الحدود وإشكاليّة دخول الكتاب

نعيش اليوم في عالم رقميّ متداخل على بعضه، وبضغطة زر يمكن أن تحصل على أيّ كتاب تريده، وبأيّ لغة شئت، وممكن أن تترجمه بسهولة؛ فلم يعد الكتاب ولا الحصول عليه ولا التّعامل مع لغته حاجزا عن المشتغل بالثّقافة والمعرفة، أو حتّى على مستوى العاشق الهاوي لها، أو لجمع الكتاب. ومع هذا الانفتاح العالميّ والرّقميّ إلّا أنّ التّفكير الوظيفيّ في الحدود يتعامل مع حامل الكتب وكأنّه قبل ثلاثين أو أربعين سنة خلت، ولا أتحدّث هنا عن التّاجر أو الموزع، لكنّي أتحدّث عن الفرد الّذي يخرج من بلده بصفة شخصيّة، ويرجع محمّلا بمجموعة من الكتب لأغراض شخصيّة وليست تجاريّة، والثّانية فيها لائحة منظمة قديما وحديثا، والّذي يدخل ضمن قانون المطبوعات والنّشر الّذي صدر قديما برقم (49) لعام 1984م، وعدّل حديثا برقم (95) لعام 2011م، ووفق المادّة (16) «لا يجوز لأحد أن يزاول مهنة استيراد أو بيع أو توزيع أو نشر مطبوعات أو إنشاء دار نشر أو دار توزيع أو مكتبة قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصّة بوزارة الإعلام متضمّنا البيانات اللّازمة الّتي تحدّدها اللّائحة التّنفيذيّة لهذا القانون».

ورغم ما نشرته أثير في موقعها الإلكتروني عن وزارة الإعلام بتأريخ 18 فبراير 2021م «بأنّ استيراد الكتب للاستخدام الشّخصيّ لا يحتاج إلى موافقات مُسبقة أو تصريح من الوزارة»، «وأكدت الوزارة في تنبيه لها رصدته أثير بأنّ التصريح المُسبق يسري فقط على استيراد الكتب لغرض النّشر والتّوزيع»؛ ففي الواقع اليوم نجد عكس ذلك تماما، فلي مثلا سفرات خمس أخيرة إحداها جوّا، وأربع منها برّا، ففي الجو رفضوا إدخالها، وكانت لا تصل عشرين كتابا في الأديان، وأخبرتهم أن هذه الكتب لا تصل إلى عُمان، وأحتاج إليها في اهتمامي بفلسفة الأديان، وكانت غير مكرّرة، وللاستعمال الفرديّ، لكنّهم يحتجّون بتوجيهات تمنع دخول الكتب بدون تصريح عن طريق وزارة الإعلام. وأمّا برّا فمعاناتها أشدّ؛ فقد تحتاج الانتظار لساعات في أماكن غير مهيأة للانتظار، وصلت إحداها أربع ساعات لأجل بضعة كتب، وهم يستخدمون ذات الحجّة.

الإشكاليّة أنه لا يوجد قانون منظّم - حسب علمي-، ولمّا تناقش أدنى حججهم «هناك توجيهات بعدم إدخال الكتب بدون ترخيص مسبق من جهة الإعلام»، وبعضهم يقول: إذا جاوزت خمسة عشر كتابا، وأحيانا من يعمل هناك من الجهات الشّرطيّة لا علاقة له بالكتب، لا قراءة ولا هواية، ولا يوجد مسؤول مختصّ من الإعلام يمكن أن يعالج الموضوع في حينه، وأحيانا تضطر إلى تغيير معبر الدّخول، وتجد الوضع أسهل من غيره، وقد يكون بنفس التّشديد أو أشدّ. هذا الوضع يحتاج إلى معالجة من قبل الجهات المختصّة؛ فهذا التّشديد لم أكن أعهده سابقا، وإن كان لابدّ من إفصاح عن الكتب فالمسألة ليست صعبة اليوم إذا نظّمت في الأماكن الحدوديّة وبشكل سريع، مع توفر الأجهزة الرّقميّة، ووجود عاملين مختصّين من جهة الإعلام.

وبعض حججهم - كما أسلفت - كثرة الكتب، مع أني في إحداها كنت حاملا مع أحد الإخوة أقلّ من خمسة كتب، واشتريتها من عُمان مسبقا، وحملتها معي، لكنّي تأخرت لسببها، ثمّ لا يمكن مثلا عند الذّهاب لمعارض مجاورة برّا كمعرض الشّارقة، أو أبو ظبيّ، أو الرّياض، أو الدّوحة مثلا أن تقطع هذا الطّريق وترجع بكتاب أو كتابين، وإذا كان معك من يرافقك؛ فإن قلنا كلّ واحد يشتري عشرين كتابا، ونحن أربعة فجميع ما نحمله ثمانون كتابا على الأقل. كذلك إذا ذهبت إلى معارض دوليّة كالقاهرة وتونس والرّباط وغيرها، فلا يمكن عقلا أن ترجع بكتاب أو كتابين، وأنت قطعت وقتك وجهدك للوصول إليها. كذلك من الطّبيعيّ أن تزور كتّابا ومؤلفين، فتكون حاملا من تأليفاتك لإهدائهم، ويبادلونك بإهداء كتبهم، فترجع محمّلا بالكتب؛ لهذا اضطررنا في بعض الفترات الأخيرة أن نرجعها شحنا جوّا أو بحرا أو برّا، ليس لعدم وجود مكان، بل لمنع دخولها، فهناك مشقّة لإدخالها عند الحدود -وهي كتب شخصيّة- ليست للبيع أو التّوزيع.

في السّابق كان الوضع أسهل بكثير، وكنّا نفخر بتيسير الأمر في منافذنا مقارنة بغيرها، لكن اشتدّ هذا الأمر في السّنوات الأخيرة، وليس منضبطا أو مقننا، فأحيانا تحمل كتبا عديدة، وتدخل بسهولة، ولا تسأل عنها، ولماذا حملتها، وعن ماذا تتحدّث، وأحيانا تحمل أقلّ منها بكثير، فتنظر لساعتين أو أكثر حتى يأتيك ردّ بدخولها أو عدمه، فإن كان هناك توجيه مانع فلا أقل من أن ينظّم في تطبيقه في وقت سهل التّنظيم، فلا يحتاج معرفة الكتاب المسموح به من غيره لهذا الوقت، وممكن فتح نافذة رقميّة تشعرهم مسبقا بذلك، ويكون الرّدّ سريعا. كما ينبغي أن يكون هناك تعاون خليجيّ على مستوى الأمن أو الإعلام لعلاج هذا الوضع وتقنينه.

على أنّ الحصول على الكتاب اليوم أسهل بكثير، والمعرفة أصبحت متاحة، ولا أحد يستطيع حدّها، وممكن أن تشتريه رقميّا، وتخرجه ورقيّا وأنت لا تفارق منزلك، فلا معنى من الخوف من الكتاب، وكأنّه سوف يغيّر فكر المجتمع، فلأفكار المجتمعات اقتضاءات تغيّرها وتطوّرها؛ فإن كانت معرفيّة فالمعرفة مشاعة اليوم للجميع، والتّفكير بلغة المنع دلالة ضعف، لكن التّفكير بلغة التّفاعل والتّنظيم والتّدافع عنصر قوّة، وما يطرح معرفيّا اليوم كان مرئيّا أو مسموعا أشدّ تأثيرا ممّا تبطنه هذه الكتب من معارف.

مقالات مشابهة

  • سفير سلطنة عُمان لدى المملكة العربية السعودية يقدم أوراق اعتماده لدى منظمة التعاون الرقمي
  • برنامج تدريبي مكثف لنشر وتبني المستحدثات الزراعية في 3 محافظات
  • الحدود وإشكاليّة دخول الكتاب
  • تقنيات إدارة المياه.. دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بجنوب سيناء
  • الشركات السورية الكيميائية بمعرض كيم إكسبو تبرز قدرتها على المنافسة
  • مشاركون بمعرض صحة الفم والأسنان بدمشق: المعرض فرصة لتسليط الضوء على المستجدات العلاجية
  • تلاقي الثقافات والحضارات العربية والعالمية في جناح السفارات بمهرجان جرش
  • وزير التعليم: تحديث مناهج اللغة العربية من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني الإعدادي
  • وزير التربية التعليم يكشف آخر مستجدات تطوير منهج اللغة العربية برياض الأطفال والمرحلة الإعدادية
  • سفراء التطوير.. وزير التعليم يشهد انطلاق البرنامج التدريبي الموسع لمعلمي اللغة العربية عن المناهج المطورة