واقع السودانيين بمصر… إهمال الأمم المتحدة المذري
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
حل قطاع مقدر من السودانيين ضيوفاً على مصر، وقد وفدوا إليها أسراً وافراداً في موجات كبيرة بالطرق البرية بُعيد اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023م، وهي حرب غشوم أجبرتهم على ترك منازلهم بما حوت واتجهوا لمصر التماسا لأمنهم الشخصي.. ولقد أفادتهم اتفاقية الحريات الأربعة التي ذللت إمكانية الدخول لمعظم الفئات عبر تأشيرة الدخول عند المعابر ما عدا الفئة العمرية أقل من الخمسين عاما من الشباب الذكور.
حيث تُعتبر حالات الدخول لمصر بهذه الوضعية أمراً مربكاً لدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في مجال الحماية والهجرة وبالتحديد للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR وللمنظمة الدولية للهجرة IOM.. ذلك أن السبب الحقيقي لتدفق السودانيين كان الخوف على حياتهم وهم في هذه الحالة، يحتاجون للحماية Protection تحت توصيف اللاجئ الذي ينطبق على حالة كل سوداني دخل لمصر بعد الحرب هاربا من جحيمها.. غير أن كيفية الدخول بموجب اتفاقية الحريات الأربعة حرمتهم من هذه الصفة وهي ميزة إيجابية وسلبية في نفس الآن وتحتاج لمقاربة خاصة من الأمم المتحدة. فتوصيف لاجئ ينطبق عليهم بذات الدرجة التي ينطبق فيها عليهم وصف السائح أو الزائر.. وهذه الوضعية الشاذة سوف تظهر آثارها مع تطاول أمد الحرب. فالمعروف أن الزائر أو السائح يدخل بلدا آخرا بغرض الإقامة فيه لمدة معلومة يستطيع تحديدها حسب رغبته وفي الغالب لا تطول ولا تتطاول بل ولا ترتهن لمجريات أوضاع حربية في بلده. أما اللاجئ فهو الشخص الذي عبر حدود بلاده لبلد آخر بغرض الحماية لأن حياته باتت مهددة ولا يستطيع بسبب خوف مبرر العودة لبلده طالما كانت الأوضاع غير آمنة أو مواتية لعودته.. لذلك فإن السودانيين الذين دخلوا مصر بعد الحرب هم أقرب لوضع اللاجئ من الزائر، فالمعلوم أن معظم السودانيين الذين دخلوا مصر من الطبقة الوسطى والعليا والذين يمتلكون قدرات مالية معقولة تمكنهم من العيش في مصر مثلهم مثل السياح أو الزائرين العاديين دون الحاجة لدعم مادي أو مالي من الأمم المتحدة خاصة المنظمتين المعنيتين بقضايا اللجؤ والهجرة.. غير أن ذلك لا يعفي هاتين المنظمتين من مسؤوليتهما تجاه هؤلاء السودانيين، فأقصى ما استطاعت أن تقدمه المفوضية السامية للسودانيين هو اعطاءهم صفة اللاجئ Refugee status مع توفير الحماية فقط.. أما منظمة الهجرة فإكتفت برصد أعدادهم إحصائيا وبدعم مادي خجول للغاية لا يكاد يسمن ولا يغني من جوع. كما ودخل برنامج الغذاء العالمي بمنحة شهرية على نحو أكثر استحياء من النفس الأمّارة. يكاد الحصول على تلك الدعومات الشهرية المتواضعة يريق ماء وجههم بالكيفية التي يحصلون بها عليه.
على عموم الأمر؛ يشير واقع حال هؤلاء السودانيون أنهم مازالوا صامدون في وجه ميكانزمات السوق المستعر فهم مجبرين على توفير متطلبات الحياة اليومية من إجار وأكل وشرب ومواصلات وملابس وعلاج وحتى تعليم...إلخ غير أن هذا النوع من الصمود سوف يتهاوى مع تطاول أمد تواجدهم في مصر دون رعاية حقيقية من المنظمة الدولية، ولن يقووا على مواكبة تلك المتطلبات لاسيما وأن مصر نفسها تشهد حالة من إرتفاع الأسعار يشتكي منها ابناؤها أنفسهم. فالأمم المتحدة والحالة هكذا لا يبدو أنها تعمل ما يكفي لمساعدة السودانيين، ولا يبدو أن ذلك يمكن أن يتحقق في المستقبل المنظور. ولم تصدر نأمة تنم عن الإهتمام بتكييف ذلكم الوضع الشاذ للسودانيين. فهم ليسوا لاجئين بالتوصيف الدقيق والعلمي للمصطلح، ولا هم سياح هبطوا مصر مأخوذين بتجربة الفراعنة في فن العمارة وتشييد الأهرامات. وبذلك أراحت المنظمة الدولية نفسها من عناء تحديد إحتياجاتهم وتلبيتها من مأوى ومأكل ومشرب وتعليم وعلاج وما إليه واكتفت في معظم الحالات بإعطاء صفة اللجؤ لمن طلبها بما يشمل الحماية وتيسير أمر الإقامة ولم تتعد ذلك بقيد أنملة.. فإذا كانت هاتين المنظمتين الأمميتين جادتين في مساعدة السودانيين لكانتا قد وجدتا مقاربة لتكييف أوضاعهم كلاجئين يستحقون الرعاية والحماية وتقديم تلك الخدمات اللازمة في كل القطاعات التي تقدم للاجئين بما يحفظ كرامتهم. ولربما في غضون وقت قريب إن لم تنتهي الحرب في السودان ستشهد أوضاعهم تدهوراً مستمراً مع نفاد ما بأيديهم من سيولة نقدية خاصة وأن معظمهم قد تقطعت موارد رزقه وفقد وسائل سبل كسب عيشه في السودان، ولربما تتفجر مشكلات إجتماعية ترتبط بعدم قدرتهم على الصمود في وجه متطلبات الحياة مما سيرهق كاهل الدولة التي تستضيفهم، ويؤثر سلباً على سمعتهم التي لا يملكون سواها من رأسمال.
د. محمد عبد الحميد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: غیر أن
إقرأ أيضاً:
الأزمات تحاصر السودانيين وسط مخاطر صحية وأمنية وغذائية كبيرة
تفاقمت خلال الأيام الأخيرة الأزمات الصحية والمعيشية والمخاطر الأمنية في السودان، حيث تتزايد حدة الوبائيات في العاصمة الخرطوم، وتتسع رقعة الجوع لتشمل أكثر من 70 في المئة من مناطق البلاد، وسط فوضى أمنية عارمة بسبب القتال المستمر وحملات الاعتقال والنزوح.
التغيير ــ وكالات
تشهد معدلات الوفيات ارتفاعًا ملحوظًا، سيما في أم درمان وجنوب الخرطوم، مع انتشار الأمراض في ظل شُبهات بتسرّب كيميائي في بعض المناطق، وانقطاع إمدادات المياه في معظم أنحاء البلاد، ما اضطر الأسر إلى جمع المياه من مصادر غير آمنة وملوثة.
وتتزايد معدلات الجوع بوتيرة متسارعة لتطال أكثر من 26 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتدهور الأوضاع الأمنية، خصوصًا في إقليم كردفان الذي يشهد قتالًا عنيفًا.
حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من أوضاع خطيرة تفاقمت بعد ظهور أمراض غريبة في العاصمة الخرطوم أدت إلى وفاة الآلاف في أقل من أسبوع، دون تدخلات ملموسة من السلطات الصحية المحلية.
يأتي ذلك في ظل خروج أكثر من 70 في المئة من مستشفيات البلاد عن الخدمة، ونقص حاد في المستلزمات الطبية، بحسب نقابة أطباء السودان.
ووفقًا للأمم المتحدة، فقد أجبر اندلاع الصراع في أبريل 2023 نحو 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم، وتشرّدوا داخليًا وفي أنحاء المنطقة، بينما عبر أكثر من 3 ملايين شخص الحدود إلى خارج البلاد.
ورغم عودة الآلاف إلى بعض مناطق ولاية الخرطوم مؤخرًا، إلا أن كثيرين وجدوا منازلهم مدمرة تفتقر إلى خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب استمرار أعمال النهب والقصف العشوائي في مناطق عدة.
كما يعاني سكان الولايات الشمالية والغربية والشرقية من نقص حاد في الغذاء، وصعوبات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية.
ويواجه سكان مدينة أم درمان، غرب العاصمة، أزمة حادة في مياه الشرب، مع ارتفاع كبير في أسعارها، إذ تقول منظمات صحية إن سعر حمولة المياه الواحدة تجاوز ثلاثة أضعاف راتب العامل الشهري.
وقال مرتضى عبد القادر، أحد المشرفين على منظمة طوعية تعمل في عدد من مناطق البلاد، إن “المياه حتى وإن توفرت، فإنها غالبًا ما تكون غير آمنة من الناحية الصحية”.
كارثة صحية تلوح في الأفقوتوقعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تفاقمًا أكبر في أزمة الصحة العامة في السودان، مع استمرار الصراع والنزوح الجماعي، وانتشار الأمراض.
وفي تقرير صدر يوم الأربعاء، سلّطت اليونيسف الضوء على الخطر المتزايد لوباء الكوليرا في بلد مزّقته الحرب، حيث تم تسجيل أكثر من 7700 إصابة و185 حالة وفاة مرتبطة بها في ولاية الخرطوم. ويثير القلق تسجيل أكثر من 1000 إصابة بين أطفال دون سن الخامسة.
وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: “يتعرض المزيد من الأطفال يوميًا لهذا التهديد المزدوج المتمثل في الكوليرا وسوء التغذية، لكن كلاهما يمكن الوقاية منهما وعلاجهما، إذا تمكّنا من الوصول إلى الأطفال في الوقت المناسب”.
الوسومالأزمات الأطفال الكوليرا اليونسيف كارثة صحية منظمة طوعية