تساءل بول تيلور، الزميل في مركز السياسة الأوروبية عن طبيعة العلاقات الأمريكية-التركية في ولاية دونالد ترامب الثانية، وهل هناك إمكانية في أن يبني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة جيدة مع ترامب. وقال إن أردوغان سار على خط رفيع بين الغرب وروسيا والصين لأكثر من عقدين من الزمان.

 واستفادت تركيا من مساعدة الجانبين في حرب روسيا ضد أوكرانيا، ووسعت نطاق نفوذها العسكري في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط والخليج، ونشرت قوتها الناعمة في أفريقيا وآسيا الوسطى وغرب البلقان، وبنت صناعة دفاعية وطنية كبيرة.

 

وعندما يقيم خبراء العلاقات الدولية هذا، فإنهم غالبا ما يعتمدون على مصطلح "التوازن" فيما يفضل المحللون الأتراك الحديث عن السعي إلى "الاستقلال الاستراتيجي" أو القدرة على الدفاع عن مصالح البلاد ضد جميع التهديدات دون اللجوء لمساعدة أي قوة خارجية. 

والسؤال هو عن ما إذا كان أردوغان قادرا في ولاية ترامب الثانية على الحفاظ على الرقصة البهلوانية الجيوسياسية هذه وجني منافعها؟ 

وقد اتسمت ولاية ترامب الأولى بعلاقة صداقة قوية بين الرجلين القويين، ولكنها لم تخل أيضا من الصدامات وسوء الفهم ما عزز عدم الثقة العميق بين تركيا والولايات المتحدة.

 وعلق آرون ستين، المختص في الشؤون التركية ورئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكية، في مناسبة عقدها قبل فترة مركز السياسة الأوروبية: "هذا هو الرئيس الخامس للولايات المتحدة [لأردوغان] ... إنه ليس خائفا تماما من المكتب البيضاوي". 

وأضاف أن العلاقة الآن تتسم بعدم الاستقرار المستقر، وبينما لم تعد الدولتان تتفقان جيدا بعد الآن، فإنه "لم ينقطع حبل الناتو". وفي ولاية ترامب الأولى، تم طرد تركيا من مشروع تطوير مقاتلة أف-35 بسبب شراء أنقرة نظام الصواريخ الروسي إس-400. ومن جانبه اتهم أردوغان واشنطن بمنح الملجأ والحماية لفتح الله غولن زعيم الحركة الدينية المعروفة بـ"خدمت" والذي كان مقيما في ولاية بنسلفانيا، والمتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016. ومات غولن العام الماضي، ما أزاح قضية مزعجة للعلاقات التركية-الأمريكية. 

وفي مرحلة ما، هدد ترامب علنا بتدمير الاقتصاد التركي إذا أرسل أردوغان قوات إلى سوريا لمهاجمة الجماعة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعتبرها أنقرة إرهابية وفرعا من حزب العمال الكردستاني. 

ومع ذلك، كان أردوغان أحد زعماء العالم الذين رحبوا بفوز ترامب الثاني في الانتخابات وبحماس شديد، في حين وصف ترامب الزعيم التركي القوي بأنه صديق، وأعرب عن إعجابه بدور تركيا في المساعدة في الجهود التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد الوحشي في سوريا.

ويعلق تيلور بأن عودة زعيم أمريكي متقلب تحمل الكثير من الفرص والمزالق لتركيا، وهناك فرصة لأن يترك تركيا في "الحجر الصحي" كما فعل جو بايدن بسبب سجل أردوغان في حقوق الإنسان وكبت حرية الإعلام والتعبير. لكنه قد يكون أكثر صرامة بشأن عداء أردوغان المفرط لإسرائيل ودعمه لحماس. 


ولم يتم الترحيب بأردوغان في البيت الأبيض تحت حكم بايدن وكانت العلاقات فاترة، في حين لا يزال ترامب يتلقى مكالماته الهاتفية. وتدرك الإدارة الجديدة أن تركيا، وهي دولة محورية يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة وموقعها استراتيجي يفصل أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وتتحكم في الوصول إلى البحر الأسود وأصبحت قوة متوسطة مهمة واثقة من نفسها، مع نفوذ يمتد من آسيا الوسطى إلى أفريقيا والعالم العربي. وعلى الرغم من رفضها الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، ومحاولتها الأخيرة وإن بدون جدوى الانضمام إلى مجموعة البريكس للقوى الناشئة غير الغربية التي تهيمن عليها موسكو وبكين، تظل تركيا دولة راسخة في الغرب كعضو في حلف شمال الأطلنطي ومرشحة أبدية، ولو بلا أمل، لعضوية الاتحاد الأوروبي. 

وفي الجانب المشرق أو الإيجابي، يرى الخبراء الأتراك والأمريكيون فرصة لإنهاء النزاع حول صواريخ إس-400 الروسية. ومن الممكن التوصل إلى حل وسط بتأمين المعدات الروسية التي لم تستخدم ومخزنة في قاعدة إنجرليك الجوية حيث يوجد أحد أكبر تجمعات القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط. 

وفي المقابل، ترفع واشنطن عقوبات الأسلحة المفروضة على تركيا وتبيعها طائرات إف-35، وإن كان من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة، التي تطور طائراتها المقاتلة الخاصة، حريصة الآن على العودة والانضمام إلى البرنامج. 

وتوجد هناك فرصة للتعاون الأمريكي- التركي في سوريا. وظلا على خلاف بشأن قوات سوريا الديمقراطية "(قسد)، وهي ميليشيا كردية في شمال شرق سوريا تقول أنقرة إنها فرع من حزب العمال الكردستاني. ووصف ستين هذا التحالف بأنه "الخطيئة الكبرى" في نظر الأتراك. وكجزء من جهوده للانسحاب من "الحروب الأبدية" في الشرق الأوسط، حاول ترامب دون جدوى في ولايته الأولى سحب القوات الأمريكية الخاصة من شمال شرق سوريا. وعادت العلاقات التركية مع منافستها وجارتها اليونان إلى وضع بناء، بعدما هدد أردوغان بقصف بحر إيجة أثناء حملاته الرئاسية. وامتثلت أنقرة للتحذيرات الصارمة من وزارة الخزانة الأمريكية للحد من أنشطة البنوك المشتبه في مساعدتها للأثرياء الروس الخاضعين للعقوبات في نقل الأموال إلى الخارج وتسهيل التجارة مع موسكو في السلع التي فرضت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات. وقد تضاعفت تجارة تركيا مع روسيا ثلاثة أضعاف تقريبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا على الرغم من أنها عانت من خسارة السياحة الروسية. ومع ذلك، فقد استمرت أنقرة أيضا في توريد الأسلحة إلى كييف بما في ذلك مسيرات بيرقدار التي أثبتت نجاعتها في الأيام الأولى من الحرب والتي يتم تصنيعها الآن في أوكرانيا. 


وهناك تكهنات من  بعض المعلقين الأتراك بتوسط أردوغان بين ترامب وفلاديمير بوتين. لكن الدبلوماسي التركي السابق ألبر كوشكون قال إنه لا يعتقد أن بوتين قد يرغب في "إعطاء مجد" الوساطة مع الولايات المتحدة لأي وسيط من طرف ثالث، وبخاصة تركيا في أعقاب سوريا. ومن ناحية أخرى، فإن دعم أردوغان الكامل لحماس والمقاومة الفلسطينية، واتهامه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ "الإبادة الجماعية" ومقارنته بهتلر، قد يدفعه إلى مواجهة مع إدارة ترامب المؤيدة لإسرائيل. 

ومع ذلك، فإن أردوغان كان على وشك الترحيب بنتنياهو في تركيا واستعادة العلاقات قبل عملية "طوفان الأقصى"، والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.

وقطعت أنقرة رسميا علاقاتها التجارية مع إسرائيل العام الماضي، ولكن مصطفى أيدين، رئيس مجلس العلاقات الدولية في تركيا، أخبر الكاتب بأن النفط من أذربيجان لا يزال يتدفق إلى إسرائيل عبر الموانئ التركية، وأن التجارة مع "فلسطين" ارتفعت منذ ذلك الحين بنسبة 2،400% وفقا للإحصاءات التركية الرسمية، ما يشير إلى أن الأعمال التجارية مستمرة تحت مسمى مختلف. 

وعلى نحو مماثل، فقد أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت، أجرى محادثات سرية مع نظيره التركي إبراهيم قالين في تشرين الثاني/ نوفمبر. 

ويرى الكاتب أن المستشارين البراغماتيين المتعلمين في الغرب، مثل قالين ووزير الخارجية هاكان فيدان هم في صعود داخل حاشية أردوغان، فيما تم تهميش المستشارين العسكريين والسياسيين القوميين المتشددين. 

ولعل الخطر الأكبر الذي يهدد العلاقات الأمريكية-التركية هو احتمال وقوع مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل في سوريا، حيث أصبحا فعليا جيرانا في الفراغ الأمني بعد الأسد. وأشار أيدين إلى أن السياسيين والأكاديميين الإسرائيليين يتحدثون بشكل متزايد عن تركيا باعتبارها تهديدا للدولة اليهودية، في حين يخشى بعض المخططين العسكريين الأتراك أن تصبح إسرائيل، بالتعاون السري مع المقاتلين الأكراد، تهديدا لتركيا.

وقد يؤدي الصدام بين إسرائيل وتركيا إلى تدمير خطط ترامب لتهدئة الشرق الأوسط والانسحاب منه. ولكن  أردوغان يبدو براغماتيا لدرجة أنه لن يسمح بتطور الأمور إلى هذا الحد.

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ترامب أردوغان تركيا تركيا أردوغان الاحتلال ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی ولایة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

السلام والتعايش في سوريا سبيل الاستقرار

 

تعيش سوريا مرحلة انتقالية معقدة تتشابك فيها امتدادات أزمات الماضي مع مشكلات الحاضر، وتتنوع المعضلات من السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وإعادة الإعمار وحتى الحفاظ على كيان الدولة السورية، بتنوعاتها الوطنية، لكن رغم كل هذه التعقيدات، فإن إمكانية بناء مستقبل مستقر عنوانه الحوار والتعايش والسلام ممكن، مع عدم إعطاء الذرائع للتدخلات الخارجية في البلاد، خاصة في تغيير الجوانب الجغرافية والديموغرافية السورية.

إن الحوار بداية الطريق لتحقيق التعايش والسلام في سوريا، بشرط استيعاب كل الأطياف، والتشارك في صياغة رؤية مشتركة لمستقبل البلاد قائمة على العدالة والمساواة والتعددية وسيادة القانون، ولإفراز الحوار نتائج جيدة على الجميع طي صفحات الماضي، بالتوازي مع تأسيس آليات لـ”العدالة الانتقالية”، لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق المواطنين وتعويض الضحايا، بما يضمن الانتقال السلمي والاستقرار في سوريا على المدى الطويل، فلا يمكن لمجتمع متنوع جغرافيًّا ودينيًّا تحقيق الاستقرار إلا بتوافق وطني يضمن تداول السلطة، والحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ خطوات عملية لترميم الثقة بين جوانب البلاد.

وتعالج المصالحة الوطنية آثار النزاع بين الأطراف المختلفة في المجتمع، حتى تعود الثقة بين المواطنين والدولة ومكونات المجتمع ككل، وحينها ننظر إلى الأمام وبناء المستقبل، خاصة أن الحرب في سوريا خلفت في السنوات الماضية عشرات الآلاف من الانتهاكات والجرائم، وحال الظن أن المصالحة الوطنية كافية دون عدالة انتقالية، فإن هذه الحالة تتجاهل محاسبة مرتكبي الجرائم، وتضعف الثقة في الدولة ومؤسساتها.

وسوريا ليست الوحيدة المارّة بالانتقال السياسي، فالدول مرت بتجارب مختلفة نتيجة صراعات طائفية أو عرقية أو الانتقال السياسي بعد سقوط أنظمة سياسية، ومع تحديات سوريا، إذ يعيش المواطن السوري ظروفًا صعبة نتيجة لتداعيات الحرب واضطرابات وتوترات الحاضر، على كل فئات المجتمع احترام التنوع، وربما تحويله إلى قوة دافعة لتعزيز الأمن وتسوية النزاعات بالطرق السلمية وإرساء السلام دون الإقصاء، أو تصور أن فئة يمكنها التحكم في كل شيء، وبالعكس ينبغي على الكل إدراك أن الوطن هو إرادة مشتركة ورغبة في العيش المشترك وصهر للانتماءات الفرعية في الوطن الكبير.

إن البديل عن السلام هو العنف والصراع، ومقتضيات السلم الأهلي تتطلب نبذ الكراهية والوعي بأهمية التعايش المشترك، وتغليب الصالح العام على الخاص، ولا يجوز إلغاء الآخر، فالاختلاف والتعدد أمر واقع، وإبراز قيم العيش المشترك أولوية في السلم الاجتماعي، وحفظ الاستقرار والأمان حتى مع وجود اختلافات في الدين أو المعتقد أو الرأي أو الثقافة، لكن على اعتبار أساسي هو رفض كُل أشكال الاقتتال، والانصياع للقانون وسيادته على الكل أيًّا كان المنصب أو الطائفة أو العرق أو الدين.

ويؤسّس خطاب الكراهية والتعصب لانقسامات مجتمعية عميقة، وبالتالي احتمال اندلاع الصراعات والحرب الأهلية، وأي إدارة سياسية ترتكز على الحكمة يهمها العبور إلى بر الأمان دون فرقة، وعدم القبول بأي تجاوزات أو انتهاكات تضعف الانتماء للوطن، أو تخلق مدخلًا للنزعات الانفصالية، ويمكن للدول فرض سيادتها على كامل أراضيها، لكن ليست كل الوسائل المتاحة عنيفة، وبالإمكان توفير البيئة الآمنة لتمكين الناس من إدارة شؤون حياتهم دون مخاوف، وضمان سيادة القانون والمساواة بين الناس حتى يثق كل أفراد الشعب بالقانون وسلطات القانون، ومشاركة كل أطياف الشعب في العملية السياسية.

وفي أعقاب الصراعات المسلحة، تتأزم مراحل الانتقال السياسي خاصة إذا ترافقت مع الحاجة إلى إعادة بناء مؤسسات داخلية، وإدارة تهديدات خارجية معقدة، وإذا ارتكز النهج على المرونة مع الخارج، دون عملية حوارية تشاركية في الداخل، فإن المآلات قد لا يُحمد عقباها، ولو أرادات الإدارة السورية التقدم تجاه التوافق والتعايش والسلام في البلاد، فإن عليها فتح المجال أمام حوارٍ وطنيٍّ لا يستثني أحدًا، وفتح المشاركة السياسية للجميع، وسيادة القانون في البلاد، وإنشاء آليات للعدالة الانتقالية تُتيح معالجة مظالم الماضي بشكل بناء.

إن انخراط كل المكونات السورية في مشروع وطني يتجاوز الانتماءات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية السبيل لإرساء الأمن والاستقرار لانطلاق سوريا إلى التنمية والازدهار، عبر المشاركة المجتمعية في بناء المؤسسات وصياغة السياسات، وحماية حقوق الأقليات من الحق في الوجود والهوية والمساواة أمام القانون حتى التمثيل العادل في المؤسّسات، ومنع تحوّل الانقسامات إلى سياسة دائمة، وتفادي الاستقطاب، ويمكن ترسيخ هذه القيم في دستور يقوم على أسس التعايش والسلام في الدولة الجديدة، مع وضوح مسار عملية الانتقال وعدم ترك الباب مفتوحًا وممتدًّا حسبما تحددها الظروف.


مقالات مشابهة

  • هل تشهد السياسة التركية في ليبيا تحولا استراتيجيا جديدا؟
  • تصاعد التوتر التركي الإسرائيلي.. أردوغان يتحدى مشاريع الاحتلال في سوريا
  • تركيا تشن حملة أمنية موسعة.. اعتقال 77 مشتبهاً بـ«تنظيم غولن» في 26 ولاية
  • يديعوت أحرونوت: تأثير تركيا العسكري والسياسي المتزايد بات التهديد الأكبر لإسرائيل
  • تركيا تشترط الاستخدام الكامل لخط كركوك-جيهان في اتفاقها مع العراق
  • السلاح الجديد لتركيا يتصدر المشهد في الولايات المتحدة! “أردوغان يعيد تشكيل المعادلة”
  • السلام والتعايش في سوريا سبيل الاستقرار
  • تركيا.. حزب أردوغان يتصدر استطلاعا للرأي بعد تراجع لأشهر
  • تركيا.. استقالة جماعية لأعضاء “الشعب الجمهوري” في ماردين
  • أردوغان: تركيا في حالة تأهب دائمة لحماية الغابات من الحرائق