لجريدة عمان:
2025-06-15@03:29:24 GMT

وقاحة الطفولة

تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT

ثمة متعة دائمة، على الأقل بالنسبة إليّ، في قراءة الكاتب الأمريكي بول أوستر (الذي غاب عن عالمنا في 30 أبريل الماضي). صحيح أنك لا تتوقف في رواياته عن الالتقاء بهذا الجانب المظلم فيها، إلا أنك لا تستطيع إلا أن تنتبه إلى هذه النضارة الداخلية التي تلفها، من البداية إلى النهاية، الانتباه إلى ما يمكن تسميته بـ«وقاحة الطفولة» التي تنساب مع هذه الجرعة الصغيرة من السحر التي تأخذك إلى الحلم وتدفعك إلى داخله، في رحلة كبيرة، غير مسبوقة في كلّ مرة.

ربما أيضا ما يشدني، هذا الجانب من السقوط الهائل في رواياته، حيث يتوجب على الشخصية إعادة بناء كلّ شيء من الصفر، والعودة إلى الوقوف وإكمال مسيرتها في الحياة، على الرغم من أنه لا يتبقى أمامها أي شيء، إذ أنها فقدت الأشياء كلها. هذا ما يحدث مع الشاب وولت، اليتيم المشاكس - (بطل روايته «مستر فيرتيغو»، الصادرة حديثا بترجمة عربية عن «دار الساقي» في بيروت، ونقلها إلى العربية مالك سلمان) - الأشبه بـ«أوليفر تويست» معاصر والذي يلتقي في طريقه بمعلمه يهودي (هذا هو اسمه) الذي يعده بتعليمه الطيران، الطيران مثل الطيور.

«كنت في الثانية عشرة من عمري عندما مشيتُ على الماء لأوّل مرّة». هكذا تبدأ الرواية، لتدخلنا إلى عالم هذا الطفل الذي نشأ في الغرب الأمريكي، والذي قضى أيامه وهو يتسول المال والطعام كل ليلة من شارع إلى آخر. في إحدى المرات، يقترب منه رجل ببدلة سوداء وقبّعة حريرية ويقرّر نقلَه إلى منزله الغامض في السهول حيث سيعلّمه الطّيران ويحضّره للنّجومية.

بدءًا من هذه الحبكة التي قد تبدو عادية، أو لنقل إنها تستعيد جانبا كبيرا ممّا يُعرف باسم «الحلم الأمريكي»، تأخذنا الرواية من مفاجأة إلى مفاجأة، حيث لا تتوقف الحبكة من القفز فوق كلّ المقاييس التي نكون قد أعددناها سلفا خلال القراءة. كل ذلك يأتي وفق كتابة تعتمد أسلوب سرد السيرة الذاتية، لنكتشف حياة هذا الطفل المنتمي إلى العالم السفلي. وإذ كانت هذه الشخصية تذكرنا بـ«أوليفر تويست»، فهي أيضا تذكرنا بشخصية أخرى: ديفيد كوبرفيلد، فهذا الالتقاء مع بطلي روايتيّ تشارلز ديكنز يكمن في هذا الضياع في «أعماق أرض الأوغاد»، في قبضة عمّ عنيف، لتتقاطع حياة وولت مع معلمه الجديد الذي يأخذه في رحلة تعده بتغيير حياته البائسة كي يصبح تلك المعجزة. فأمام هذا الانبهار الذي يصيب الطفل ومع عدم وجود ما يخسره، كما مع الجوع الدائم الذي يعاني منه، يتبع وولت المعلم فيلتقي بأقاربه، وشخصيات رائعة وغريبة مثل: الأم السيوكس (إحدى قبائل «الهنود الحمر»)، إيسوب (تلك الشخصية الإغريقية التي تحدث عنها هيرودوت)، وويذرسبون.

تتمفصل رواية بول أوستر هذه، حول رحلة تعليمية بالدرجة الأولى، أي يشكل التعلّم الجزء الأكبر من القصة. رحلة طويلة ورهيبة ومؤلمة، إذ لا تتوقف الرواية عن جعلنا نفكر بهذه الطريقة في التعليم العائدة إلى نظام استبدادي مخصص للأطفال. بهذا المعنى، تبدو رواية أوستر وكأنها مليئة بالمراجع، لذلك لن نستطيع منع أنفسنا عن التفكير بذاك المشهد الموازي لحياة عازف الكمان «المعجزة» يهودي مينوهين. ثمة إشارات كثيرة، يبثها أوستر في كتابه، تأخذنا إلى ذاك الموسيقي الساحر. إذ أن الطفل وولت يملك أيضا هذه الموهبة في داخله وهو يحترق لمعرفة متى سيكون مستعدًا لتحقيق أحلامه بأسرها. التشابه الآخر مع يهودي مينوهين نجده عندما قال الأخير عن تدريبه: «يتعين عليك القيام بذلك كل يوم، ويجب أن يكون الأمر سهلًا وطبيعيًا بالنسبة إلى الفنان كما هو الحال بالنسبة إلى الطيران بالنسبة للطائر، ولا يمكنك أن تتخيل عدم وجود طائر يقول: حسنًا، أنا متعب اليوم، ولن أطير»...

إنها إذن قصة تعليمية (إن جاز القول) يدعونا المؤلف إليها، مشبعة بلمسة من السحر، لكن الكتابة تدعونا إلى الإيمان بها. أليس من الطبيعي أن تطير إذا دربت نفسك على القيام بذلك بشكل صحيح؟ أليس هذا أكثر إنسانية من الحياكة مثلا أو لعبة البيسبول؟ ومع ذلك، لا بدّ للقارئ أن يشعر في لحظات بأن الأمر ينتهي ببول أوستر بأن يضيع في تفاصيل «متاهات» قصته، بأن يضيع في تناقضاته، على الرغم من أن إيقاع الكتابة ممسوك بشكل كبير، مثلما يبدو نطاق المغامرة نطاقًا مؤثرًا للغاية، إلا أنه يبدو مغمورًا برغبة في الوصول إلى المذهل، وبميل إلى الإمساك بالأوضاع غير المحتملة. ثمة رغبة دائمة في "هذا الرائع. في هذا الإغراء العجيب؟ في الوصول إلى نوع من القدرية، أخيرا، حتى ولو كان قليلا؟ إنها لمسة من القدر، من الكون الانتقامي... تماما مثلما ينزلق الخيط من بين الأصابع، لكن الكتاب لا يسقط من بين اليدين أبدًا. لذا، حين تصل إلى نهاية الكتاب وتجد نفسك أمام النهاية، تشعر أنك تريد مزيدا من هذا السحر، على الرغم من أن الصفحات الأخيرة غريبة بعض الشيء، ولا تتوقع معها أي نتيجة. ربما لأن إحساسا ينتابك في أنها لا ترقى إلى مستوى بقية القصة أو إلى ذلك الدوران الفلسفي الذي كان حاضرا على مر الرواية، وكأن كل ما يكتبه (في النهاية) يصبح مجرد ترفيه لا معنى له. ربما كان الأمر فظًا بعض الشيء، وغير محترم تقريبًا للرحلة التي تمكنت شخصياتها من القيام بها. هل معنى ذلك أن الكتابة تصبح استفزازية؟ على الرغم من ذلك كله، لا بد أن تشعر أن كتاب أوستر هذا، هو في النهاية كتاب فريد من نوعه حقًا، فريد في سيرته الذاتية التي يعبر من خلالها وتلميذه البلاد بحثًا عن المجد.

تأخذنا "«فيرتيغو» إلى أمريكا العشرينيات ثم إلى أمريكا في عهد الكوكلوكس كلان وليندبيرج والكساد الأعظم، ليقدّم فيها أوستر قصّةً مفعمة بالتّشويق والرّعب، تضجّ بالحياة في عالم محكوم بالموت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الرغم من

إقرأ أيضاً:

إيصال أمانة بدل العقد.. قومي الطفولة يعلق على واقعة عريس الشرقية

القاهرة - مصراوي:

علق صبري عثمان، مدير عام الإدارة العامة لنجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، على واقعة زواج أحد المصابين بمتلازمة داون في محافظة الشرقية، مؤكداً أن "ذوي الهمم وأصحاب الإعاقات الذهنية والعقلية لهم حق شرعي في الزواج".

وأوضح عثمان، خلال مداخلة هاتفية على قناة "صدى البلد"، أنه فور تلقي المجلس بلاغاً بشأن الواقعة، أفاد البلاغ بأن هناك زواجاً لطفلة لم تبلغ السن القانونية، وبعد فحص الحالة، تبيّن بالفعل أن العروس تبلغ من العمر نحو 15 عاماً.

وأضاف أن العريس يبلغ من العمر 25 عاماً، ما يجعل الواقعة تُشكّل جريمة "تعريض طفل للخطر"، لافتاً إلى أن المجلس توصّل أيضاً إلى أن أسرتي العروسين قد تبادلتا التوقيع على "إيصالات أمانة" كنوع من الضمان.

وأكد "عثمان" أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يتحمل مسؤولية مكافحة ظاهرة زواج الأطفال لما تسببه من أضرار نفسية وصحية واجتماعية وقانونية، خاصة أن هذه الزيجات عادة ما تكون غير موثقة (زواج عرفي)، وهو ما يؤدي إلى مشكلات قانونية كبيرة، أبرزها صعوبة حصول الأطفال الناتجين عنها على أوراق ثبوتية أو التسجيل في الأحوال المدنية.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

المجلس القومي للطفولة والأمومة صبري عثمان الشرقية

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة "الطفولة والأمومة": خطوات جادة للقضاء على عمل الأطفال وحمايتهم أخبار غلق مركز لعلاج الإدمان يديره عاطل بالشرقية.. الصحة تكشف التفاصيل أخبار بطعنة في الرقبة.. زوج يُنهي حياة زوجته بالشرقية أخبار رئيسة "قومي الطفولة": المجلس يواصل جهوده في إنفاذ حقوق الطفل أخبار

إعلان

الثانوية العامة

المزيد جامعات ومعاهد التعليم العالي: استجبنا لـ 7,956 شكوى خلال العام المالي 2024/2025 الأزهر وكيل الأزهر يعتمد نتيجة الدور الأول لشهادات القراءات للعام 2025ض الأزهر ننشر أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بسوهاج جامعات ومعاهد خطوات لمعالجة توتر امتحانات الثانوية العامة مدارس خبير يعدد مزايا تدريس الإحصاء لطلاب الأدبي بالثانوية

إعلان

أخبار

"إيصال أمانة بدل العقد".. "قومي الطفولة" يعلق على واقعة عريس الشرقية

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

قفزة مفاجئة في سعر الدولار اليوم بمنتصف تعاملات الخميس "نيمبوس" يُثير المخاوف.. هل يلوح شبح موجة جديدة لكورونا؟ "مصير الملكية".. المالية تكشف تفاصيل صكوك رأس شقير وخفض المديونية 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • أيمن الرمادي: لا انتظر قرار إدارة الزمالك لتحديد وجهتي المقبلة
  • كريم محمود عبد العزيز يحتفل بعيد ميلاده.. مشوار فني من الطفولة إلى النجومية وحياة أسرية هادئة
  • اختراع العزلة
  • على ضفاف الألم… جرحٌ أبكى الطفولة وأفزع القلوب!!
  • المنشاوي: جامعة أسيوط تُجدد التزامها بحماية الطفولة وتعزيز التوعية والتثقيف المجتمعي
  • «الطفولة والأمومة» يوقف زواج طفلة بإحدى قاعات الأفراح في الشرقية
  • زيارة ملهمة لسارة الأميري لحضانة «ألف ياء»
  • كازورلا يدخل التاريخ في رحلة إنقاذ «نادي الطفولة»!
  • إيصال أمانة بدل العقد.. قومي الطفولة يعلق على واقعة عريس الشرقية
  • الطفولة والأمومة: خطوات جادة للقضاء على عمل الأطفال وحمايتهم