عندما تعصف بك رياح الحياة من كل جهة وترمي بك في مهالك، لم تكن في الحسبان تنتزع منك لحظات الفرح ولا يبق منك إلا رمق بسيط تستنشق منه الهواء فلا تقف ملتحفا بخوفك وإحباطك حائما في دائرة القلق والتوتر مطرقا ببصرك للأسفل، ترى بصيص النور يرمقك من بعيد لكنك تحاول إغماض عينيك خوفا من أشعته الجميلة وخيوطه المضيئة التي ما خُلقت إلا لترسم حاجزا بين الفرد ومخاوفه، إنما افتح نافذتك واترك النور يدخل بكل بطء لتستمتع بخيوطه المنبعثة وهي تنتشل عتمتك من بينك وترمي بها في العالم الذي تستحقه في بئر يوسف.
من الجميل أن يكون للإنسان شأن في حياته يستيقظ صباحا ونصب عينيه هدف جميل بات يخطط له في ليلته ليستيقظ ونور الأمل يسترق منه أوقاته ولحظاته وهو يفكر كيف سيصبح هدفي واقعا، هكذا الإنسان يزرع في نفسه الفكرة الحقيقية من خلقه ووجوده فوق الأرض ويستشعر حقيقة كونه خليفة الله في الأرض، خُلق ليعمرها ليصنع من ذاته ووجوده كيانا حقيقيا يُرى عطاؤه ويترك أثرا جميلا يُقتدى به ويخلد ذكره زمنا، يبني رغم الانهيارات في نفسه، ويعدّل رغم الاعوجاج في طريقه، ويبتسم رغم العناء الذي يحتضن نفسه، مرددا وموقنا في قرارة نفسه أن وراء الخطوات الحثيثة عالما جميلا سيعيد للروح بهجتها، وللعقل يقينه، بهذا يقدّر الإنسان ذاته ويحكّمها على المآسي والمخاوف ويباري بها التحديات ويكوّن من نفسه فردا قادرا على البذل والعطاء، مثمنا نعمة الحياة التي رُزق إياها، وهذه رسالة الإنسان في الكون التي أعلن عنها الدستور الحكيم (القرآن الكريم) منذ أربعة عشر قرنا.
ولن يتأتى لك ذلك إلا إذا بذرت التفاؤل في طريقك وسقيته بروح العزم والمثابرة وتخلصت من المحبطين السلبيين حولك، ولم تجعل عقلك محاصر في رؤية شبحية وطاقة معطلة، استمع لمن حولك واعرف مرادهم منك، وكن حريصا فيمن ترتضيهم أخوة وقدوة لك في مشوار حياتك، فالبشر نوعان، من يحاول الأخذ بيدك لتنجح ويكفكف دموع الحزن عنك ليخلق منك إنسانا سويا، وهناك من يكتفي بتتبع أخطائك وسماع شكواك ليرمي بروحك الفياضة في الهاوية، من يأخذ يدك ليكسرها فتصبح كالطائر الذي فقد جناحه فحُرم متعة التحليق والسير في سرب الجماعة؛ هكذا أمرنا في الحياة نتعثر ثم نقوم نتكئ أحيانا على عصا الأمل لنخوض الحياة من جديد فلا تيأس ولا يراودك يوما مجرد فكرة أن الفشل سيميت ما بقي في روحك من رمق بل اجعل من العثرات والفشل سُلّم تصعد به إلى أعالي القمم لترى بعد ذلك وبكل وضوح ومن جميع الزوايا إنجازك وعطاءك ماثلا أمام الأنظار وهذا دأب كل شخصية منجزة بقي أثرها نموذجا يُحتذى به وبقيت صورتها وإن لم نرها محط تخيّل نحذو حذوها ونستمد من طاقتها وعمق حكمتها الدروس والعبر، فكم من شخصية تاريخية أو تربوية أو علمية كانت أيادي العون لنا في مسيرة الحياة، ويكفينا قدوة ومثالا في التفاؤل والعطاء نبينا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- فشعوره بالتفاؤل رغم كل ما اعترض طريقه من تحديات نابع من إيمانه القوي بأن الله معه وسينصره في القريب العاجل وأن الخير موجود رغم كل الظروف والعثرات، فهذه الطاقة الإيجابية تدفع الإنسان دائما للمضي قُدما بثقة وتمنحه قدرة كبيرة لتخطي المصاعب، فكن أيها الإنسان مؤمنا بفكرة أن التفاؤل وحسن الظن بالله طريق منجاتك من براثن اليأس والفشل فليس بعد الضيق إلا الفرج وأيقن أن خلف كل ألم أمل يُولد هو بانتظار عطائنا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال محتمل
في ظل تصاعد الحرب مع إسرائيل، لجأ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى ملجأ محصن وأوقف الاتصالات الإلكترونية تحسباً لأي محاولة اغتيال محتملة. اعلان
في ظل تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران، اختار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الاحتماء في ملجأ محصن، معزولاً عن الاتصالات الإلكترونية، تحسباً لأي محاولة اغتيال محتملة من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. ووفقاً لثلاثة مسؤولين إيرانيين مطّلعين على خطط الطوارئ، لم يعد خامنئي يتواصل مع قادة المؤسسة العسكرية إلا عبر مبعوث موثوق، وأوقف استخدام الأجهزة الإلكترونية لتعقيد عملية تتبّعه، بحسب "نيويورك تايمز".
وفي خطوة نادرة وغير مسبوقة، قام خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، بتسمية ثلاثة رجال دين بارزين كمرشحين لخلافته، في حال مقتله. كما وضع سلسلة بدائل لقيادات عسكرية عليا في حال اغتيالهم، ما يكشف عمق إدراكه للتهديدات المحدقة بالجمهورية الإسلامية ونظامه المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، حسبما جاء في الصحيفة.
وبحسب المسؤولين الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم، فإن هذه الإجراءات جاءت بعد الضربات المفاجئة التي شنّتها إسرائيل يوم الجمعة الماضي، والتي وصفت بأنها الأوسع منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات، حيث خلفت دمارًا كبيرًا في طهران، فاق ما أحدثه صدام حسين خلال ثماني سنوات من الحرب.
ورغم الهول الأولي للهجمات، أعادت طهران تنظيم صفوفها سريعاً وبدأت بشن ضربات يومية مضادة على أهداف داخل إسرائيل، من بينها منشآت طبية ومصفاة حيفا للنفط ومبانٍ دينية وسكنية.
لكن في الكواليس، تشير معلومات الصحيفة إلى أن القيادة الإيرانية تستعد لسيناريوهات متعددة، خاصة مع تزايد الاحتمالات بدخول الولايات المتحدة على خط المواجهة. فقد أبلغ خامنئي "مجلس خبراء القيادة" بضرورة اختيار خليفته بسرعة من بين الأسماء الثلاثة التي قدّمها، في حال مقتله، لتأمين انتقال سريع ومنظم للسلطة.
Relatedخبير: الكرملين لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني بل يراهن على جني مكاسب آنية من تصاعد وتيرة الحربشبهه بهتلر.. أردوغان يشن هجوماً غير مسبوق على نتنياهو ويؤكد: النصر سيكون حليف إيران صواريخ لم تُستخدم بعد: تعرّف على تفاصيل الترسانة الإيرانية "الفتّاكة"يُذكر أن ملف الخلافة كان حتى وقت قريب محظوراً في الأوساط السياسية والدينية، وسط تكهنات تركزت على نجله مجتبى، رجل الدين المقرب من الحرس الثوري، إلا أن اسمه لم يكن ضمن المرشحين الثلاثة. أما الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، فكان مرشحاً بارزاً قبل أن يُقتل في حادث تحطم مروحية عام 2024.
ومنذ بداية الحرب، ظهر خامنئي مرتين عبر رسائل مصورة مقتضبة، متعهداً بأن الإيرانيين "لن يرضخوا لحرب مفروضة"، في وقت أصبحت فيه منشآته السابقة في طهران خالية، بعد أن انتقل إلى ملجأ تحت الأرض بسبب كثافة الضربات الإسرائيلية.
الهجمات طالت قواعد عسكرية ومنشآت نووية وبنى تحتية حيوية، وأسفرت عن مقتل وجرح المئات، بينهم قادة عسكريون كبار قُتلوا في عمليات دقيقة نفذتها وحدات خاصة أو طائرات مسيّرة داخل أحياء مكتظة.
ووفق ما نقلته تسجيلات صوتية لمسؤولين إيرانيين، فإن "الخلل الأمني والاستخباري الكبير" هو ما مكّن إسرائيل من تنفيذ هذه الهجمات، وسط تزايد المخاوف من وجود عناصر استخبارية إسرائيلية ناشطة داخل الأراضي الإيرانية. وبحسب ما قاله مهدي محمدي، مستشار رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف: "قُتل كبار قادتنا خلال ساعة واحدة فقط".
وعلى وقع هذه التهديدات، فرضت وزارة الاستخبارات بروتوكولات صارمة: منع استخدام الهواتف المحمولة، وإلزام كبار المسؤولين بالبقاء تحت الأرض، وفرض حظر شبه كامل على الإنترنت والمكالمات الدولية. كما أمهلت "المجلس الأعلى للأمن القومي" من يتعاون مع "العدو" حتى نهاية الأحد لتسليم أنفسهم ومعداتهم، ملوّحة بعقوبة الإعدام بعد المهلة.
الحرب أدّت إلى إخلاء مناطق واسعة من طهران، وتحولت العاصمة إلى مدينة شبه خالية تخضع لنقاط تفتيش كثيفة. ومع ذلك، كشف سياسيون إصلاحيون، أبرزهم محمد علي أبطحي، عن تماسك شعبي ورسمي غير مسبوق خلف المرشد، رغم الانقسامات السابقة.
حتى الأصوات الناقدة للنظام، داخل إيران وخارجها، أعادت ترتيب أولوياتها. فقد أكد العديد من النشطاء والفنانين والرياضيين وقوفهم مع "تراب الوطن"، رغم اختلافاتهم مع السلطة. وكتب لاعب المنتخب الوطني سعيد عزت اللهي: "قد نختلف، لكن تراب إيران خط أحمر".
في مشهد تضامن غير مألوف، فتحت الفنادق وقاعات المناسبات أبوابها لإيواء النازحين، وقدّم المتطوعون خدمات متنوعة، من التبرع بالعلاج النفسي إلى المساعدة في توفير الغذاء. وقال رجل أعمال يُدعى رضا، متحدثًا من ملجأه قرب بحر قزوين: "نحن خائفون، لكننا متحدون. هذه حرب على بلدنا، على إيران".
حتى الحائزة على نوبل للسلام، الناشطة نرجس محمدي، المعروفة بنقدها للنظام، أطلقت تحذيراً ضد الحرب، مؤكدة في حديث مع "بي بي سي" أن "الديمقراطية لا تُبنى عبر العنف والحروب".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة