بقلم: أ. د لعبيدي بوعبدالله
أوزان الشعر العربي التي اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي - رغم ما قيل في صلتها بعروض الهنود - تعكس إيقاع الحياة النفسية والاجتماعية والثقافية والفكرية للمجتمع العربي، وتبرز ذوق الإنسان العربي ونفَسَه الفني والجمالي ورؤيته للعالم. فاستحقّت بذلك أن تكون سفيرة للذوق الموسيقي والإبداع الفكري والنبض المتجدّد عبر الأزمنة والأمكنة بامتياز.
تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله *** إنَّ الغناء لهذا الشِّعر مضمار
وما لبثت أن عشقها الشعراء المولَّدون، فأحدثوا في تفعيلاتها أوزاناً، ونظموا عليها، ولكن هيهات! لم يطمس ذلك أصالة البحور الستة عشر التي أرَّخ لها الخليل، بل ربما كان ذلك -حسب بعض الروايات- دافعاً للتقعيد لما اعترى حشوها وأعاريضها وأضربها من زحافات وعلل. وقد وجد الأندلسيون في البحور الصافية، والإيقاعات الراقصة ما استحدثوا به الموشّحات والأزجال، فكانت من السمات البارزة في بنية الشعر الأندلسي، بوصفها تعزيزاً لوتيرة المعاني الرقيقة، واستعراضاً للصور الرائقة التي تعكس جمال الطبيعة، وسرداً للواعج النفس، ومجالات الأنس، وشدواً بـ: (زمان الوصل بالأندلس).
وحديثاً، لم يدع الشعراء المجدّدون تفعيلات تلك الأوزان، فوظَّفوها في تلوين الجمل الشعرية ضمن هيكل القصيدة الحديثة، التي أطلقوا عليها قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر.
وقد كان للشعر النبطي حظ وافر من تلك الأوزان الخليلية، التي أبرزت في هذا النوع من فنون القول أصالة الذوق ورقيّه، ورصانة الإيقاع ومتعته، وتجذر التاريخ ورونقه، ليكشف كل ذلك عن مسيرة الأوزان العربية التي خطّتها بحركاتها وسواكنها، وأسبابها وأوتادها، ومبسوطها ومقبوضها، وهزجها ورجزها، وثباتها وصمودها في وجه الخطاب الروائي والقصصي، وزحف النظريات النقدية الغربية، لترسّخ مكانتها في الصور الشعرية والمنظومات التعليمية بشكل أشبه ما يكون بتجذر الأوزان الصرفية في الألفاظ، لتواصل رحلتها.. رحلة صمود دون حدود.
أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الشعر العربي الشعر الأدب الأدب العربي جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
إقرأ أيضاً:
جائزة الملك فيصل تدشن في إسبانيا كتاب رياض الشعراء في قصور الحمراء
دشنت جائزة الملك فيصل، أخيرا، كتاب “رياض الشعراء في قصور الحمراء” في قاعة مؤتمرات قصر كارلوس الخامس في قصر الحمراء بغرناطة، في حفل برعاية رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل.
ويأتي هذا التدشين تتويجاً لجهود علمية وثقافية مشتركة بين، الفائز بـجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب عام 2009، الدكتور عبد العزيز المانع، وعضو الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بغرناطة، الدكتور خوسيه ميغيل.
شهد الحفل حضور المؤلفين، وسفيرة الرياض في مدريد، الأميرة هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، والأمين العام لجائزة الملك فيصل الدكتور عبد العزيز السبيّل، ومدير هيئة حماية قصور الحمراء رودريغو رويث خيمنث، إلى جانب عدد من العلماء وأساتذة الجامعات والسفراء العرب.
كما أقيمت ندوة علمية عن الكتاب، أدارتها باربارا بولويك غاياردو، وشارك فيها الدكتور صالح عيظة الزهراني والمؤلفان، حيث أكدت الندوة أن هذا الإصدار العلمي يعد إضافة نوعية إلى الدراسات الأندلسية، إذ يوثق المشهد الشعري في قصور الحمراء، ويجسد التعاون الثقافي بين المملكة وإسبانيا.