أم كلثوم والشعر.. «الأعلى للثقافة» يحتفي بالذكرى الـ50 على رحيل كوكب الشرق
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
عقدت لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررها الدكتور يوسف نوفل، أمسية شعرية بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم، وأدار القاء الشاعر أحمد حسن، وذلك بمقر المجلس.
وقال الشاعر أحمد حسن، إننا نحتفي بالذكرى الخمسين لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، والاحتفاء بالقيمة لا يكون فقط بإبداء عبارات الإعجاب والاندفاع، وإنما التحية العملية ورصد الدور الذي لعبته كوكب الشرق هو أمر يستحق الكثير من الاهتمام، فهذا عام أم كلثوم بامتياز، مشيرا إلى كتاب «أم كلثوم الشعر والغناء» للدكتور أحمد يوسف، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية، منوهًا أن الكتاب يمثل دراسة علمية توثق لجانب مهم، وهو دورها في الشعر وفي اختيارها لغناء قصائد بعينها.
من جهته، تحدث الدكتور أحمد يوسف عن كتابه قائلًا، إن السيدة أم كلثوم؛ أو كوكب الشرق، أو سيدة الغناء العربي، هي صاحبة الألقاب الكثيرة، واللافت للنظر أنني حينما كنت أفتش عن أم كلثوم في أضابير الثقافة المصرية وجدت كتابًا بعنوان «حديقة الأدباء» كان منشورًا أوائل الأربعينيات، وهذا العنوان عنوان مجازي اعتمد على أن يتحدث عن كل أديب اختاره بصفته المميزة له، فهذا طاووس وهذا بلبل وهكذا، وعندما جاء إلى أم كلثوم وراح يتحدث عنها سماها «قيثارة الله»، وهذا الكتاب من تأليف طاهر الطناحي، وهو كتاب فريد ويستحق الالتفات إليه، ولكن لماذا التفت الطناحي إلى أم كلثوم؟.
وأضاف: «عندما فكرت في أم كلثوم فكرت من جانبين؛ السياق الاجتماعي الذي جعل أم كلثوم رائدة من رائدات التنوير، والجانب الثاني هو المهمة التي اضطلعت بها أم كلثوم، حيث صارت حبة من حبات عقد التنوير الذي ما زلنا ننشده حتى الآن، وفي هذا السياق كان طه حسين ومحمود مختار وأمين الخولي والشيخ مصطفى عبدالرازق، فأم كلثوم لا يمكن أن أتحدث عنها إلا في ظل هذا السياق.
شعراء من التراث تغنت لهم أم كلثوموتحدث عن النصوص التي تعاملت معها أم كلثوم؟ ومجيبًا أن أم كلثوم تفردت في الطرب لأنها التفتت إلى فكر النهضة، فالنهضة الأدبية اعتمدت على الإحياء والإنشاء؛ إحياء التراث الشعري، ووجدنا ذلك عند البارودي وشوقي، وأم كلثوم صنعت ما صنعه هذان الشاعران في الغناء، فأول من التفتت إليه أم كلثوم من الشعراء الكبار هو شاعر من القرن الثالث الهجري (بكر بن النطاح، ثم الشريف الرضي، ومهيار الدلهمي، وأبو فراس الحمداني).
أم كلثوم ورباعيات الخياموتابع: «حينما أرادت أم كلثوم أن تتجه إلى الغناء باعتباره عملها المفضل رأت أن تغني القصيدة أولًا، فغنت القصائد عند هؤلاء الشعراء، ثم غنت قصائد رشحها لها أستاذها أبو العلا محمد، والذي رافقها طيلة خمس سنوات ثم توفي عام 1927، مشيرا إلى أنها غنت لونين من القصائد؛ أحدهما ما كانت تختاره هي، وفي هذا اللون كانت تختار قصائد قديمة لشعراء من التراث، أو لشعراء غادروا العالم، وكانت تختار من القصائد الطويلة نحو ثلاثين بيتًا».
وسأل مؤلف الكتاب كيف حققت أم كلثوم للنص الذي كانت تختاره؟، ضاربًا المثل برباعيات الخيام، فقد ترجم أحمد رامي رباعيات الخيام في حدود 150 بيتًا، غنت منها أم كلثوم 27 بيتًا، فانصرف ذهن المستمعين إلى أن القصيدة كاملة هي ما غنته أم كلثوم فقط بسبب التماسك البنيوي للقصيدة المغنَّاة.
ولم تغنِّ أم كلثوم لأحمد شوقي سوى بعد وفاته، وغنَّت له تسع قصائد، من كبار قصائده، وكانت أول قصيدة غنتها لشوقي كانت في تنصيب الملك فاروق ملكا لمصر عام 1936، وأما القصيدة التي أهداها شوقي إياها فلم تغنِّها سوى عام 1946.
وأضاف يوسف أن أم كلثوم صنعت نهضة جديدة حينما بعثت شعر شوقي بعد موته، معبرًا عن تلك النهضة بقوله: لا بد أن نفرق بين شوقيات أم كلثوم وشوقيات أحمد شوقي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأعلى للثقافة وزارة الثقافة أم كلثوم المجلس الأعلى للثقافة کوکب الشرق أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: رحيل العلامة أحمد عمر هاشم: دموعُ العالِم وبصيرةُ الأزهري
حين يرحل العلماءُ الربانيون، لا تفقد الأمةُ مجرد اسمٍ بارزٍ في سجلها الأكاديمي، بل ينطفئ مصباحٌ من مصابيح الهداية التي كانت تهدي القلوب والعقول في ليل التيه. هكذا بدا رحيل الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم –عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق– صباح الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، كفقدان ركنٍ من أركان الأزهر الذي ظل لعقود يُبشّر برسالة الوسطية، ويصدع بالحق، ويذود عن السنة النبوية.
لقد جمع أبو هاشم بين سمتِ المحدثين، وحرارة الخطباء، وبصيرة الأزهري الذي لا يساوم على أصول الدين، ولا يُخضِع الحقائق لعابرات الأهواء. عُرِف في محافل مصر وخارجها، وكان صوته المجلجل في الجامع الأزهر أو في مسجد عمرو بن العاص صدى لروحٍ تحمل على كاهلها ميراثًا نبوياً يَعتبر المنبر رسالةً لا وظيفة.
ولعل من أبرز المواقف التي تكشف عمق معدنه ما جرى في مارس 2010، في رحاب مؤتمر الجنادرية الثقافي بالرياض، حين احتدم النقاش بينه وبين بعض المثقفين ذوي الاتجاه العلماني اللاديني. كان أبو هاشم –كما عهدناه– ثابتًا في حجته، صادقًا في دفاعه، لا يتكلم بحدة الخصومة بل بصلابة الحارس الذي يعلم أن أي تفريط في العقيدة هو خيانة للأمانة. وقف يردّ ببيانٍ رصين عن رسالة الإسلام في بناء الإنسان والمجتمع، وعن أن الدين ليس قيدًا على الحرية بل هو الذي يُعطيها معناها، وأن محاولات إقصاء الدين عن الحياة لن تثمر إلا خواءً روحيًا لا يُعمِّر حضارة.
غير أن اللحظة التي خلّدت صورته في ذاكرة الحاضرين لم تكن في المطارحة الفكرية وحدها، بل في المشهد الإنساني الجليل الذي أعقبها؛ إذ جاءه خبر وفاة الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي –شيخ الأزهر الشريف آنذاك– فغلبه البكاء، بكى بدموعٍ صافية كالطفل الذي فقد أباه. لم يجد حرجًا في أن يُظهر ألمه أمام الجمع، وكأنما أراد أن يعلّم الأجيال أن العلماء مهما علت منازلهم تبقى قلوبهم معلقة بالوفاء والرحمة. ثم غادر على عجل ليعود إلى القاهرة لحضور الجنازة، وإلقاء النظرة الأخيرة على أستاذه وشيخه، في وفاءٍ قلّ نظيره.
ذلك الموقف يلخص شخصية أحمد عمر هاشم: جمع بين حزم العالِم في الحجة ورِقّة القلب في الفقد، بين هيبة الأزهر في المناظرة وخشوعه في المحبة، بين المواقف الصلبة في الدفاع عن الدين والانكسار البشري أمام لوعة الموت. هو العالِم الذي يُذكّرنا بأن الدين ليس جدلًا نظريًا بل عاطفةً حيّةً تشدّ المرء إلى أخيه برباطٍ من الرحمة.
لقد عاش أبو هاشم أربعةً وثمانين عامًا يسقي الأمة من معين السنة والوسطية، يكتب ويخطب ويدرّس، يوازن بين تراث المحدثين وحاجات العصر، ويفتح للأزهر مكانةً في ساحات السياسة والثقافة والدعوة. بوفاته تُطوى صفحةٌ من صفحات العلم، لكن تبقى آثارُه في تلامذته، وخُطَبه، وكتبه، ومواقفه، شواهدَ على أن الرجل لم يعش لنفسه، بل للأمة كلها.
رحم الله أبا هاشم، فقد رحل جسدًا، وبقي أثرًا. رحل عن الدنيا، لكن بقيت دموعه على شيخه، وخطبه في الأزهر، وكلماته في الجنادرية، وصوته المجلجل في البرلمان؛ كلّها شواهد على أن العالِم لا يموت بموت جسده، بل يظل حيًّا بذكره، وبالرسالة التي حملها بصدقٍ وإخلاص.