سعيد عبد العزيز شقيق سامي عبد العزيز يكتب: وداعا رجل العلم والإنسانية ورجل الدولة
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
في الثاني من فبراير 2025، فقدت مصر والعالم العربي قامة علمية وإنسانية نادرة، الدكتور سامي عبد العزيز، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، ورجل الدولة الذي خدم وطنه بعلمه وإخلاصه.
رجل العلم والإعلام
على مدار عقود، كان الدكتور سامي عبد العزيز نموذجًا للمفكر الأكاديمي الذي لم يكتفِ بالبحث والتدريس، بل حرص على تطوير الإعلام العربي وتقديم رؤى جديدة حول العلاقات العامة والاتصال الجماهيري.
أخي وصديقي الأقرب
لكن بالنسبة لي، لم يكن الدكتور سامي مجرد شخصية عامة، بل كان أخي الحبيب، وصديقي الأقرب، ورفيق دربي. كان دائمًا حاضرًا في حياتي، يدعمني في الأوقات الصعبة، ويشارك معي لحظات الفرح والحزن. كان أخًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يحمل همي كما يحمل هموم الجميع، ويحرص على أن يكون بجانبي في كل تفاصيل الحياة.
بارٌّ بأسرته وقريب من الجميع
لم يكن الدكتور سامي مجرد رجل ناجح في حياته المهنية، بل كان إنسانًا نادرًا في بره بأسرته وأهله. كان يتواصل مع الجميع، يحرص على لمّ الشمل، ويهتم بكل فرد في العائلة، صغيرًا كان أو كبيرًا. كان يؤمن أن النجاح الحقيقي يبدأ من البيت، وأن الأسرة هي الركيزة الأساسية لأي إنسان ناجح.
رجل الخير والعطاء
لم يكن فقط قائدًا أكاديميًا، بل كان أيضًا صاحب قلب كبير، يساعد المحتاجين، ويدعم طلابه وزملاءه بكل حب وإخلاص. كان يؤمن بأن الإنسان لا يُقاس بإنجازاته المهنية فقط، بل بمدى أثره الطيب في حياة الآخرين.
رسالته لطلابه وأبنائه
إلى كل من أحبهم الدكتور سامي، إلى أبنائه وطلابه وكل من تتلمذ على يديه، رسالته لكم كانت واضحة:
"لا تجعلوا الحزن عليّ يُعيقكم، بل اجعلوه دافعًا للعلم والتفوق. احملوا رسالتي وفكري، وطوروه ليبقى متجددًا. لقد أحببتكم جميعًا، وتركت لكم إرثي في كتبي وأبحاثي، فلا تدعوا علمي يتوقف عندي، بل اجعلوه شعلة تضيء الطريق لمن بعدكم."
إرثه سيبقى خالدًا
برحيله، فقدتُ أخًا غاليًا، وفقدت مصر أحد أعلامها في الإعلام والعلاقات العامة. لكن إرثه سيبقى حيًا في قلوبنا وعقولنا، وسيظل تأثيره ممتدًا عبر الأجيال التي تعلمت منه واستلهمت من رؤيته.
وداعًا أخي الحبيب، ستبقى دائمًا في قلبي، وسأظل فخورًا بك وبكل ما قدمته للعالم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سعيد عبد العزيز العلم والإنسانية الدکتور سامی عبد العزیز
إقرأ أيضاً:
أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
أحمد زيور باشا، هذا الاسم الذي يلمع في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد شخصية سياسية عابرة، بل هو رمز للإصرار والعطاء والتفاني في خدمة وطنه.
ولد زيور باشا في الإسكندرية عام 1864 في أسرة شركسية تركية الأصل، كانت قد هاجرت من اليونان، لكنه بالرغم من جذوره الأجنبية، حمل قلبه وروحه على مصر، وجعل منها مسرحا لحياته المليئة بالعطاء والمسؤولية.
منذ نعومة أظافره، أظهر أحمد زيور براعة وحسا عميقا بالواجب؛ فقد التحق بمدرسة العازاريين، ثم واصل دراسته في كلية الجزويت ببيروت، قبل أن يتخرج من كلية الحقوق في فرنسا، حاملا معه العلم والخبرة ليخدم وطنه الغالي.
طفولته لم تكن سهلة، فقد كان صبيا بدينا يواجه العقوبات بحساسية شديدة، وكان العقاب الأصعب بالنسبة له مجرد “العيش الحاف”، لكنه تعلم من هذه التجارب الأولى معنى الصبر والمثابرة، وكان لذلك أثر واضح على شخصيته فيما بعد، إذ شكلت بداياته الصعبة حجر أساس لصقل إرادته القوية وعزيمته التي لا تلين.
عندما عاد إلى مصر بعد دراسته، بدأ أحمد زيور مسيرته في القضاء، ثم تقلد مناصب إدارية هامة حتى وصل إلى منصب محافظ الإسكندرية، وبدأت خطواته السياسية تتصاعد بسرعة.
لم يكن الرجل مجرد سياسي يحكم، بل كان عقلا مفكرا يقرأ الواقع ويفكر في مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي، تولى عدة حقائب وزارية هامة، منها الأوقاف والمعارف العمومية والمواصلات، وكان يتنقل بين الوزارات بخبرة وإخلاص، ما جعله شخصية محورية في إدارة شؤون الدولة، وخصوصا خلال الفترة الحرجة بعد الثورة المصرية عام 1919.
لكن ما يميز أحمد زيور باشا ليس فقط المناصب التي شغلها، بل شخصيته الإنسانية التي امتزجت بالحكمة والكرم وحب الدعابة، إلى جانب ثقافته الواسعة التي جعلته يجيد العربية والتركية والفرنسية، ويفهم الإنجليزية والإيطالية.
كان الرجل يفتح صدره للآخرين، ويمتلك القدرة على إدارة الصراعات السياسية بحنكة وهدوء، وهو ما جعله محل احترام الجميع، سواء من زملائه السياسيين أو من عامة الشعب.
عين رئيسا لمجلس الشيوخ المصري، ثم شكل وزارته الأولى في نوفمبر 1924، حيث جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية، مؤكدا قدرته على إدارة الأمور بيد حازمة وعقل متفتح.
واستمر في خدمة وطنه من خلال تشكيل وزارته الثانية، حتى يونيو 1926، حريصا على استقرار الدولة وإدارة شؤونها بحنكة، بعيدا عن أي مصالح شخصية أو ضغوط خارجية.
زيور باشا لم يكن مجرد سياسي تقليدي، بل كان رمزا للفكر المصري العصري الذي يحترم القانون ويؤمن بالعلم والثقافة، ويجمع بين الوطنية العميقة والتواضع الجم.
محبا لوالديه، كريم النفس، لطيف الخلق، جسوره ضخم وقلوبه أوسع، كان يمزج بين السلطة والرقة، بين الحزم والمرونة، وبين العمل الجاد وروح الدعابة.
هذا المزيج الفريد جعله نموذجا للقيادة الرشيدة في وقت كان فيه الوطن بحاجة لمثل هذه الشخصيات التي تجمع بين القوة والإنسانية في آن واحد.
توفي أحمد زيور باشا في مسقط رأسه بالإسكندرية عام 1945، لكنه ترك إرثا خالدا من الخدمة الوطنية والقيادة الحكيمة، وأصبح اسمه محفورا في وجدان المصريين، ليس فقط كوزير أو رئيس وزراء، بل كرجل حمل قلبه على وطنه، وبذل كل ما في وسعه ليبني مصر الحديثة ويؤسس لمستقبل أفضل.
إن تاريخ زيور باشا يعلمنا درسا خالدا، أن القيادة الحقيقية ليست في المناصب ولا في السلطة، بل في حب الوطن، والعمل الدؤوب، والوفاء للعهود التي قطعناها على أنفسنا تجاه بلدنا وشعبنا.
أحمد زيور باشا كان نموذجا مصريا أصيلا، يحكي عن قدرة الإنسان على التميز رغم الصعاب، ويذكرنا جميعا بأن مصر تحتاج دائما لأمثاله، رجالا يحملون العلم والقلب معا، ويعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وشموخه.
ومن يقرأ سيرته، يدرك أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تصنع التاريخ، وأن من يحب وطنه حقا، يظل اسمه حيا في ذاكرة شعبه، مهما رحل عن الدنيا، ومهما تبدلت الظروف.