تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 بينما يظل العالم آملا فى إنهاء الحروب وخفض حدة التوترات السياسية التى تعطل تعزيز التعاون الدولى ومواجهة التحديات الحقيقية مثل تغيرات المناخ وإحلال السلام فى العالم، نجد الإدارة الأمريكية الجديدة تعلن للعالم اقتراحات عجيبة تنذر بصراعات جديدة حول الحدود الوطنية وسيادة الدول، وتثير موجة من الغضب والدهشة فى كل مكان، ليشتعل النقاش حولها وما قد تعنيه من عودة لما يسمى بالإمبريالية الأمريكية.

وتنوعت هذه الاقتراحات بين الاستحواذ على جزيرة جرينلاند، واستعادة قناة بنما الحيوية للتجارة العالمية، وحتى إعادة تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا"، كما تصدر عناوين الأخبار اقتراح ضم كندا إلى الولايات المتحدة كولاية رقم ٥١ بدعوى تجنيبها دفع الرسوم الجمركية، وتزامن اقتراح ضم كندا مع فرض تعريفات جمركية أعلى على المكسيك والصين، والذى يشير لاستخدام الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية كأداة حرب اقتصادية، مما يحدث ردود فعل حادة من قبل الدول المتضررة ومخاوف من نشوب حرب تجارية شاملة.

ويشير منتقدو السياسة الأمريكية إلى أن فرض التعريفات الجمركية الجديدة، رغم إن هدفها المعلن هو حماية الصناعات الأمريكية المحلية، إلا أنها تحمل رسائل ضمنية تتعلق بإرادة أمريكية لإعادة تشكيل العلاقات الدولية عبر استخدام الضغوط الاقتصادية كأداة تفاوض ورمز لطموحات إمبريالية أوسع، وأن هذه الرسوم الجمركية ليست مجرد استراتيجية اقتصادية بحتة، بل هى بمثابة إعلان عن هيمنة أمريكية لا تقبل النقاش.

فى طموحاتها التوسعية التى تعيد لذاكرة العالم حقبة إمبريالية سادت فى عصور مضت، وجهت الإدارة الأمريكية الجديدة أنظارها نحو جرينلاند، الإقليم الواقع قرب كندا والتابع للدنمارك، وهذا الإقليم يتمتع بالحكم الذاتى ويمتاز بموارد طبيعية مهمة، كما أنه يحتل موقعا جيوسياسيا استراتيجيا، ولو نجحت أمريكا فى الاستحواذ عليه فستمتد نفوذها بشكل كبير فى منطقة القطب الشمالي، وقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن الاستحواذ على جرينلاند يحقق مصالح الأمن القومى الأمريكي، وقد رفضت كل من الدنمارك وجرينلاند بشكل قاطع هذه المساعي، مؤكدتين حقهما الثابت فى تقرير المصير والسيادة، وأن جرينلاند ليست للبيع.

وفى سياقٍ مشابه، تأتى مطالبة الإدارة الأمريكية باستعادة قناة بنما، الشريان الحيوى للتجارة العالمية، والتى تمثل لبنما قضية وطنية، وأيضًا تجسيد لاستقلالها القانونى والسياسى الراسخ. وكلا المقترحين الأمريكيين، رغم وقوعهما البلاغى اللافت، يواجه تنفيذهما عراقيل هائلة إذا ما تم تقييمها فى ضوء القوانين الدولية والممارسات الدبلوماسية المعاصرة.

أيضا إعادة تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا"، ليس مجرد تغيير فى الأسماء، بل تصريح صريح بالسيطرة الإقليمية والثقافية على منطقة بحرية وتحدها عدة دول مثل المكسيك وكوبا، وقد لاقى هذا التغيير انتقادات لافتة بسبب تجاهله الواضح للواقعين التاريخى والجيوسياسي.

فى جوهر هذه الأفكار يكمن إعادة إحياء مفهوم "القدر المعلن"، والذى يعنى الاعتقاد بأن للولايات المتحدة حقًا مقدسًا فى توسيع أراضيها، وخروج هذه الأفكار فى تصريحات رسمية ثم ما يمكن أن يلى ذلك من ترجمتها إلى سياسات عملية هو أمر لا ينتهك فقط حقوق الدول فى السيادة وتقرير المصير، بل سيشكل سابقة خطيرة إذ إن التسامح مع طموحات إمبريالية لدولة واحدة قد يشجع دولًا أخرى على السير فى نفس الاتجاه، مما يعرقل النظام الدولى القائم على احترام الحدود المُعترف بها، ويفتح الباب لسيناريو ضم دول ذات سيادة أو إعادة رسم الحدود بشكل أحادي، وهو ما يصطدم مع القوانين الدولية الصارمة المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المعاهدات. وهذا يعنى أنه حتى وإن تم الشروع فى هذه المساعي، فمن أكبر الاحتمالات أن تواجه انتقادات قانونية حادة وإدانات واسعة من المجتمع الدولي.

رغم ذلك لا يمكن اعتبار هذه الاقتراحات التوسعية مجرد عناوين أخبارية مثيرة أو عابرة، بل قد تمثل تغييرًا فى السياسة الأمريكية سيكون له آثار بالغة على استقرار النظام العالمى واعتماد منهج التقليل من قيمة مبدأ السيادة الوطنية، وبذلك تخاطر الولايات المتحدة بالكثير، حيث سيرى الحلفاء والخصوم على حد سواء أن هذه الخطوات تصرفات عدوانية تستدعى إعادة تقييم التحالفات والشراكات الاستراتيجية.

أما فى أمريكا ذاتها وعلى الصعيد الداخلي، أدت هذه الاقتراحات إلى انقسام حاد فى الآراء، فبينما يرى بعض الأمريكيين أنها خطوات جريئة لإعادة الاعتبار لأمريكا، يعتبرها آخرون متهورة وغير مشروعة، حيث لا تلحق الضرر فقط بسمعة أمريكا عالميًا، بل تشغل الانتباه عن القضايا الداخلية الملحة، وقد تخلق الاقتراحات الجديدة عدة تحديات سياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك لوجود آليات دستورية ضابطة ومصالح مؤسسية عميقة الجذور، وهو ما يجعل فرص تحقيق أى من هذه الأهداف ضعيفة.

ومن الناحية القانونية، يعد ضم دولة ذات سيادة مهمة شبه مستحيلة؛ فالقانون الدولى يشترط موافقة الشعوب، وأى محاولة للضم القسرى تؤدى إلى عزلة دبلوماسية طويلة وربما إلى فرض عقوبات اقتصادية. ينطبق هذا المنطق الدولى على طموحات الاستحواذ على جرينلاند أو استعادة قناة بنما، فهذه الطموحات لا تعتمد فقط على قرار تنفيذى يصدره البيت الأبيض، بل تتطلب مفاوضات معقدة ومشاركة طوعية من الدول المعنية.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد توفر التعريفات والإجراءات القسرية بعض النفوذ الاقتصادى وقد تكون مخدر مؤقت ينعش الاقتصاد، لكنه من غير المرجح أن تثمر فوائد مستدامة، فى الاقتصاد العالمى مترابط بشدة، وأى خلل فى أنماط التجارة يؤدى إلى سلسلة من الآثار السلبية، مثل زيادة التكاليف على المستهلكين وانخفاض كفاءة الأسواق المحلية. وبالتالي، قد يجد فرض التعرفة الجمركية صدى لدى فئة معينة، لكنه على مدى أطول سيمثل تحديًا كبيرًا وربما يكون فى نهاية الأمر مضرا للمصالح المعلنة.

يأتى الخطاب التوسعى الذى تطرحه الإدارة الأمريكية الآن فى ظل سياق استراتيجى عالمى مختلف تمامًا عن العصور الماضية، وتبدو محاولات التوسع الإقليمى الأحادية مخاطرة عفا عليها الزمن حيث يتوزع النفوذ الدولى بين عدة دول كبرى فى نظام شبه تعددى تحكمه مصالح وتوازنات، ويفضل غالبية القادة العالميين التعاون والتحالفات واستخدام القوة الناعمة بدلا من القوة والنزاع، فى التعاون متعدد الأطراف هو وحده القادر على مواجهة تحديات مثل تغير المناخ الأوبئة العالمية، أما الإجراءات الأحادية التى تنتهجها أمريكا الآن فمن المؤكد سوف تنتج عواقب طويلة الأمد تفوق بكثير أى مكاسب سياسية أو اقتصادية فورية.

ولذلك فالأفكار الأمريكية رغم جرأتها، تواجه عقبات قانونية ودبلوماسية واقتصادية جسيمة، ولا تنتهك فقط مبادئ السيادة وتقرير المصير، بل قدتُحدث خللًا فى النظام الدولي، وهو ما يبقى الأحلام الأمريكية محل تساؤلات عميقة فهل ستكون مجرد قفزة فى الفراغ أم أنها حقا تحذير من تحول فعلى فى السياسات الدولية يصاحبه تصاعد الصراعات بين الدول، ويدفع الاقتصاد العالمى إلى مخاطر حقيقية يصعب على الجميع التعامل معها؟

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: قناة بنما جرينلاند كندا ضم كندا ترامب الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة قناة بنما

إقرأ أيضاً:

قلق إسرائيلي من تصاعد ظاهرة الحراكات النسوية الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين

نشرت "القناة12" العبرية، مقالا، للكاتبة موران زير كاتزنشتاين، رصدت فيه: ظاهرة معادية للاحتلال، باتت متصاعدة في الولايات المتحدة، بالقول: "سيعاني منها الإسرائيليون جميعا، وتتمثّل في التعاطف المتنامي من قبل الحركات النسوية مع المقاومة الفلسطينية، بدلاً من النزول للشوارع والنضال لحماية حقوقهن الشخصية".

وأكدت كاتزنشتاين، في مقال ترجمته "عربي21" أنّ: "الأميركيين المؤيدين للفلسطينيين لم يكتفوا بالاستيلاء على مباني الجامعات، ففي اليوم الأخير صدر طلب بإغلاق مؤسسات هيليل، وهي منظمة يهودية منتشرة في الجامعات، بجميع أنحاء الولايات المتحدة، ما زاد من حملات التضامن الأمريكية مع النضال من أجل حقوق الفلسطينيين، بعيدا عن اتهام الاحتلال لها بأنها حوادث معادية للسامية".

وأضافت: "باعتباري امرأة نسوية، فإنني أشاهد بعيون مُندهشة التغييرات الدراماتيكية التي تحدث في الولايات المتحدة من قبل حركات نسائية تواجه سياسات معادية لهن، لكنهن بدلاً من النزول إلى الشوارع والنضال من أجل حماية حقوقهن على أجسادهن، فإنهنّ يضعن كل طاقتهن في النضال الفلسطيني، وكلهنّ متمسكات بحماس، ويقُدن المظاهرات، خاصة الشبابية منها".

وأشارت إلى أنّ: "الحركات النسوية الأمريكية تخلقن حركة ستجلب القوى المحافظة إلى السلطة في الولايات المتحدة، وكردّ فعل على الاحتجاجات المتصاعدة باسم "التقدميين" تأييدا للفلسطينيين، فإنني أشاهد نفس النساء اللواتي يقدن الحركة النسوية القادمة، وسوف ينعكس ذلك على تصاعد التيار التقدمي في الانتخابات المقبلة، المعادي للاحتلال الإسرائيلي".

وأوضحت أنّ: "ما أثار رعب السياسة الإسرائيلية هو اكتشافها أن النساء اليهوديات والإسرائيليات انضممن إلى هذه الحراكات النسوية، التي وحدها اختارت إنكار ما حدث وما زال يحدث في غزة للأسرى الإسرائيليين في غزة، وتزداد المعاناة الإسرائيلية خطورة في حال نجاح هذه التطورات النسوية الأمريكية من النجاح في تعزيز القوى التقدمية المحافظة، خاصة في مثل هذا الوقت الذي يقترب من الانتخابات في الولايات المتحدة".


إلى ذلك، زعمت أنه "التقت بطالبات أمريكيات شابات في جامعة كولومبيا، قلن إنهنّ طردن من مختلف منظمات الجامعة بسبب تعريفهن بالصهاينة، وزعمن أنهن تعرضن للمضايقات من قبل زملائهم في الصفوف الجامعية بالتزامن مع تصاعد النشاط السياسي والأكاديمي الذي يظهره الشباب الليبرالي المؤيد للفلسطينيين دون أن يخجلوا من هويتهم".

وختمت موضّحة: "مع العلم أن هذه الحراكات النسوية المتصاعدة قد تقرر في هذه الأيام مستقبل السياسة القائمة في أمريكا".

مقالات مشابهة

  • كندا ستعدّل رسومها على واردات أمريكية حال فشل الاتفاق خلال 30 يوما
  • وزارة الدفاع الإسرائيلية تعلن وصول 14 طائرة محملة بالمعدات العسكرية من أمريكا
  • شركات الطيران الأمريكية تعلق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
  • خبير أمريكي: انقسام داخل الإدارة الأمريكية بشأن التدخل العسكري ضد إيران
  • شريف عامر: إسرائيل تورط ترامب و الإدارة الأمريكية في حرب جديدة بالشرق الأوسط
  • انقسام في الإدارة الأمريكية حول ضرب المنشآت النووية.. ترامب يطالب إيران بـ«الاستسلام غير المشروط»
  • قناة إسرائيلية: التقديرات تشير إلى انضمام الولايات المتحدة للحرب
  • السفارة الأمريكية بدمشق: ملتزمون بعودة السوريين الطوعية من مخيمات شمال شرق سوريا إلى ديارهم
  • قلق إسرائيلي من تصاعد ظاهرة الحراكات النسوية الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين
  • “الجهاد الإسلامي” تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المجازر الصهيونية بحق منتظري المساعدات