لبنان بين الاستقلال المستباح ومعادلة الردع الغائبة.. الضاحية الجنوبية تحت نيران العدو مجدداً
تاريخ النشر: 24th, November 2025 GMT
يمانيون | تقرير
عشية عيد الاستقلال، يجد لبنان نفسه أمام واحدة من أخطر موجات التصعيد الصهيوني منذ اتفاق وقف إطلاق النار قبل عام، حيث أعاد العدو استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت في خامس خرق نوعي يشتمل على رسائل سياسية وعسكرية تتجاوز حدود العمل الميداني.
وبينما تتكدّس خروق العدو التي تجاوزت عشرة آلاف وفق تقارير اليونيفيل، وتتواصل حصيلة الشهداء والجرحى، يبرز العجز الرسمي في مقابل صعود منسوب الجرأة الصهيونية المدعومة أمريكياً، ما يعيد فتح النقاش حول معادلة حماية لبنان وحدودها الفعلية.
الاستهداف الجديد وتوقيته السياسي
جاء القصف الصهيوني لقلب الضاحية الجنوبية ليطرح أسئلة مباشرة حول دوافعه وتوقيته، إذ وقع قبل ساعات من عيد الاستقلال وفي مرحلة بالغة الحساسية مع اقتراب مرور عام على الاتفاق الذي كان يفترض أن يشكل مظلة لخفض التوتر.
إلا أن الوقائع تظهر العكس تماماً، فخلال العام الماضي تجاوزت خروق العدو عشرة آلاف خرق موثق، فيما ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 330 والجرحى إلى أكثر من 900 وفق وزارة الصحة اللبنانية.
هذا التزامن بين الاستهداف والرمزية الوطنية يعكس رغبة العدو في تكريس مشهد ضعف رسمي، واستثمار حالة التخبط الحكومي في البلد لإيصال رسالة مفادها أن السيادة اللبنانية شكلية وأن التوقيت السياسي في يد الطرف المهاجم.
العجز الحكومي والرهان على الإدانة
وعلى الرغم من خطورة الاستهداف، اكتفى الموقف الرسمي اللبناني ببيان إدانة صادر عن رئاسة الجمهورية، وهو موقف يتكرر منذ عام دون أن يغيّر شيئاً في معادلة الردع.
هذا النهج يعكس انحرافاً واضحاً عن استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار، حيث انشغلت الحكومة بملفات داخلية أبرزها التركيز على نزع سلاح المقاومة بدلاً من إلزام العدو ببنود الاتفاق.
هذا التحول اعتبره مراقبون خطيئة سياسية كبرى، إذ سمح للعدو بتجاوز الاتفاق عملياً، وفتح الباب أمام اعتداءات مركّزة كان آخرها استهداف الضاحية.
ومع هذا، تكشف هيئة البث الصهيونية أن الهجوم الأخير نُفّذ بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، ما يضع الموقف اللبناني أمام معادلة أكثر تعقيداً من مجرد خرق حدودي أو طائرة تجسس.
أوهام السيادة وخطيئة استهداف المقاومة
وفي مقابل الاستباحة المتصاعدة، تستمر الطبقة السياسية اللبنانية في تسويق خطاب “حصرية السلاح”، وهو الخطاب الذي تفكك تماماً مع تصريحات المبعوث الأمريكي توم براك الذي أكد في وقت سابق أن تسريح الجيش اللبناني كان خطأً لا يقل خطورة عن استهداف سلاح المقاومة.
هذا التصريح يكشف أن واشنطن نفسها تدرك أن توازن الردع في لبنان لا يقوم على مؤسسات الدولة وحدها.
الرهان الحكومي على مقاربة أحادية تجاه المقاومة أضعف موقع لبنان التفاوضي، وظهر أثره في انتقال العدو من خروق جوية وبرية إلى ضربات موجهة نحو العمق، من مزارع شبعا إلى نقاط حدودية خمس وحتى الضاحية.
معادلة الردع… الخيار الوحيد الباقي
وما يعزز الإلحاح على العودة إلى معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” هو أن العام الماضي شكّل اختباراً عملياً لبدائلها، فجميعها أثبت فشلها.
العجز الرسمي عن حماية الحدود، الصمت الدولي تجاه الاعتداءات، وتراجع الردع التقليدي، كلّها عوامل سمحت للعدو بتوسيع هامش عملياته، فيما بقيت المقاومة العامل الوحيد الذي منع اجتياحاً لا يخفي العدو رغبته به.
إن تجاهل هذه المعادلة لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الاستباحة، وإلى إظهار لبنان كبلد متروك بلا قدرة فعليّة على فرض قواعد اشتباك أو حماية سيادته الميدانية.
ختاماً
الاستهداف الأخير للضاحية الجنوبية ليس حادثاً منفصلاً، بل نتيجة منطقية لمسار سياسي خلق فراغاً في الردع وشرّع الباب أمام تصعيد صهيوني ممنهج.
وإذا كان العام الماضي قد كشف هشاشة الرهان على المواقف الرسمية والضغوط الدولية، فإن المرحلة المقبلة تؤكد ضرورة العودة إلى المعادلة الذهبية التي شكّلت الركيزة الأساسية في حماية لبنان منذ عقود.
فبين استقلال يحتفل به الخطاب الرسمي واستباحة يفرضها العدو على الأرض، يظهر الفارق بين السيادة الكلامية والسيادة الواقعية، وبين دولة تتحدث عن الحصرية ودولة تُحاصر في عاصمتها.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الصمود المتعاظم.. وتمرّغُ الكيان في وحل الإفلاس
في منعطفٍ تاريخي متأزِّمٍ، تُصاغ فيه التوازناتُ الإقليمية على صفيح ساخن، يشهد الإقليمُ تصعيدًا غيرَ مسبوق من قِبل الكيان الصهيوني، الذي تجاوز كافة حدود العقل والمنطق في سعيه لفرض ذروة الاستباحة العدوانية المُدبّرة على محيطه.
إن استمرارَ الاستباحة والعودة السافرة والمباغتة لسلاح الاغتيالات المعلَنة ضد القامات الجهادية البارزة في لبنان، ليست مُجَـرّدَ تنكُّر لأية تفاهمات هشّة سابقة، بل هي إقرار علني بفشل استراتيجي عميق يتجرّعه العدوّ أمام صمود المقاومة الأُسطوري.
يمثل هذا التصعيد انتهاكا فاضحًا للقوانين الدولية والإنسانية، ويؤكّـد ببرهان ساطع لا يقبل الجدل أن المقاومة الإسلامية، المتمسكة بخيار الردع، هي القلعة الحصينة والدرع الفولاذي الذي تتكسّر على أسواره أعتى المؤامرات الدولية الهادفة إلى تجفيف منابع القوة.
تتجاوز الغاية القصوى لكيان العدوّ من هذه الاستباحة وتصفية رموز وقادة الجهاد، حدود الانتقام اللحظي، لتصل إلى محاولة خبيثة لتفتيت وتفخيخ الروح المعنوية في كامل محور المقاومة.
حيث يكمن الهدف الاستراتيجي الجوهري في بث سموم اليأس القاتلة في قلوب المتمسكين بالحق، وإحباط الأُمَّــة عن فكرة النهوض الشامل والترميم العميق للقدرات؛ فالعدوّ يسعى، وبشكل ممنهج، إلى تجفيف الروح القتالية قبل أن يتمكّن من تجفيف منابع القوة المادية.
وفي خضم هذا الاستهداف المباشر، جاءت تصريحات قادة العدوّ لتُشكّل صكوك إدانة ذاتية توجّـه نحو المركز العصبي للتعافي الاستراتيجي للمقاومة.
فبين تحذير تمير هإيمَـان- رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، بأن القائد الشهيد هيثم طبطبائي من القادة الذين يصنعون قوة حزب الله ويجب اقتلاعهم، وبين تركيز مجرم الحرب نتنياهو على دوره المحوري في عملية إعادة البناء الجذري؛ تتجلى الأجندة الصهيونية بوضوح: استهداف النبض المتوهّج الذي يغذّي قوة المقاومة بعد الضربات.
إن إغراقنا بسرديتهم الزائفة، والادِّعاء باستهداف رئيس أركان قاد عمليات التسلّح، ليس سوى ستار دخاني لتغطية العجز الميداني واختلاق إنجاز استخباري وهمي على حساب دماء الشهداء القادة والأبرياء.
جرائم الاستباحة البشعة، التي تُسفك فيها دماء القادة والأبرياء، تستوجب على محور المقاومة إجماعًا استثنائيًّا على الرد، وتمنح المقاومة الإسلامية الشرعية الكاملة والصوابية المطلقة لأي رد انتقامي مزلزل يفرض معادلة ردع جديدة على هذا العدوان الأرعن.
ويتوجب علينا أن نرتقي بالحوار والنقاش إلى مستوى العقيدة الاستراتيجية، متجاوزين الجدل السطحي حول التوقيت والشكل.
ففي عمق المشهد، تدرك كُـلّ القوى أن مسار التعافي والترميم والبناء الذاتي للمقاومة له تكاليف جسيمة وفادحة؛ ليست مُجَـرّد نفقات عسكرية، بل هي تكلفة مقدسة تُدفع من زمن المقاومة ودماء قادتها.
وكما يقال: إذَا ارتضيت التعافي والنهوض من تحت الركام، فعليك أن تستقبل الثمن بصدر رحب.
هذا الثمن دُفع بدم الأبطال، وعلى رأسهم السيد أبو علي، الذي قاد جهود الترميم برباطة جأش وتحت زخات النار، وفي ظروف استثنائية عصفت بالهرم القيادي للمقاومة الإسلامية في لبنان.
إن عملية تصفية الشهيد القائد طبطبائي كانت نتيجة منطقية ومحتومة في قاموس العدوّ، سواء تمت بخرق استخباري أَو بروتين متسارع.
ولكن يظل الشرط الحيوي واللازم هو ألا يتوقف هذا الاتّجاه المكلل بالعزة نحو التعافي، وألا نقع في متاهة القناعة الزائفة بعقم خيار القوة؛ فالاحتلال لا يرتدع إلا بلغة الردع المتبادل القاسية، والاستمرار في مراكمة القدرة هو العهد الأزلي مهما تعاظمت التضحيات واشتدت المحن.
وفي سياق هذا المشهد العاصف، حَيثُ تُرسَم خرائط التضحية بدم القادة، يتجلى اليقين كشمس لا تُحجب: أن هذه الجرائم النكراء، التي ارتكبها كيان العدوّ الصهيوني الأرعن في لُبّ استباحته المُدبّرة، لن تكون سوى الوقود المقدس الذي يُذكي أوار الصمود، ويُسرّع من وتيرة التحول الاستراتيجي في الإقليم.
إن دماء الشهداء القادة ليست مُجَـرّد خسائر تُحصى، بل هي عهود موثّقة تزيد من إصرار محور المقاومة على التمسك بخيار الردع الأبدي، وتثبت أركان عقيدة وحدة الساحات كصخرة صلبة تتفتت عليها أوهام التجزئة والانقسام.
هذا المحور، الممتد من غزة الأبية إلى لبنان الصامد، وُصُـولًا إلى اليمن الذي أعلنها نفيرًا وجوديًّا لا رجعة فيه، يمثل اليوم سدًا فولاذيًّا في وجه مشاريع الهيمنة الصهيوأمريكية.
لذا، فليدرك العدوّ أن محاولاته اليائسة لتفتيت الروح المعنوية أَو تجفيف منابع القوة ليست إلا سرابًا مخادعًا، وأن كُـلّ قطرة دم مسفوكة هي توقيع بالدماء على صك الانتقام المزلزل الذي لا يهدأ، والذي سيعيد صياغة معادلة الاشتباك بقسوة لاهبة.
فمسيرة التعافي والترميم تجاوزت مرحلة الخيار لتصبح قدرًا محتومًا، تكلفةً دفعها الأبطال بصدور رحبة تحت زخات النيران.
وختامًا: سيبقى هذا الزحف الجبار متوجًا بالإرادَة التي لا تنضب، المستلهمة من جذوة القادة المؤسّسين.
إنها مسيرة مكللة بالنصر، لا تعرف التوقف، ولا يمكن لأي قوة على وجه البسيطة أن تعيق اندفاعها نحو فجر التحرير الشامل.
لتبقى المقاومة هي القلعة الحصينة والضمانة الكبرى لسحق وإنهاء هذا الكيان الغاصب، وإسدال الستار على حقبة الاستباحة وإعلان نهاية العبث الصهيوني في المنطقة إلى الأبد.