تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظرت جماعة الإخوان الإرهابية بحقد شديد للكتلة الطلابية فى الجامعة المصرية، وتربصت بها فى وقت مبكر، لما لهؤلاء الطلاب من أهمية كبيرة، فهم وقود الثورات، والمخزون النشط لأي حزب سياسي قوي، والرقم الأصعب فى أى معادلة سياسية.
وبحسب وصف الراحل فكرى أباظة فإن التنظيمات الطلابية كانت جيش الوفد، لذا أرادت الجماعة الوليدة آنذاك أن تدخل عالم الجامعة وتخترق صفوف الطلبة وتسحبهم إلى عالمها لينقضوا على حزب الوفد، الحزب الشعبى الأقوى أمام الملك وضد الإنجليز.

 
وحول ظروف نشأة جماعة الإخوان، رأى المفكر الراحل طلعت رضوان، أن الجماعة تمثل بامتياز نموذجا للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي، ويعتقد "رضوان" أن نمو الوعي القومي في أعقاب ثورة المصريين ١٩١٩ شكلَّ خطرًا كبيرا على الوجود الإنجليزي في مصر، ما دفع المحتل للبحث عن حلول سحرية لمواجهة مثل هذا الوعي بوعي بديل زائف يمكن تغذيته لضمان وجودهم وشعورهم بالأمان، فكان الحل في دعم جماعة الإخوان لتمكين شعارات الانتماء للدين بدلا من الانتماء للوطن الذي يسهل معه الجمع بين كل طوائف الشعب في هدف واحد.
كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى، واستغلت التجمعات الطلابية لبث أفكارها، وتجنيد الطلاب الذين جاءوا للجامعة من مناطق بعيدة، لضمان انتشار أفكارهم لكل مكان في ربوع الوطن، خاصة وأن هؤلاء الطلبة هم الذين يتولون الوظائف والمناصب في الدولة.
وفى الوقت الذى نادى فيه طلاب حزب الوفد مثلا بالعودة لدستور ١٩٢٣ ورفض دستور ١٩٣٠، فإن أعضاء الجماعة يتظاهرون أنه لا دستور إلا القرآن، وهى محاولة لضرب الحركة الوطنية التى تحرز مكتسبات وترفض التفريط فيها، لصالح نقل المعركة إلى ساحة أخرى وأن تكون المعركة حول القرآن فتضيع المكتسبات، وتخطو الحركة الوطنية مع الجماعة آلاف الخطوات إلى الوراء.
وفى اللحظة التى يهتف فيها الطلبة للوفد أو للحياة النيابية بتنوعها نلاحظ طلاب الإخوان يرفعون شعار حسن البنا المؤسس والمرشد الأول للجماعة وهو «لا للحزبية»، وهو شعار يروجه لضرب الحياة الحزبية وقطع الطريق أمام أى مكتسبات ديمقراطية لتكون فى صالح الحزب الواحد.
والملاحظ لتاريخ الجماعة، فإن مرشدها الأول نادى بحل الأحزاب، وهي المتنفس الصحي للمشاركة في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية، إنما نادى بحلها لصالح الحزب الواحد، والملاحظ أيضا حاليا أن الجماعة انقلبت على أفكار مؤسسها، وأصبح للجماعة حزب أو أكثر في كل دولة، وهو المنطق النفعي الذي تعمل به الجماعة الإرهابية دائما. 

استغلال القضية الفلسطينية

ويستطيع المراقب لنشاط وتاريخ الجماعة أن يلمس انتهازيتها ببساطة وطريقها لتخريب الجامعات وتفريغها من دورها العلمى والوطنى وإبطال مفعولها وتحويل طلابها لكتائب غاضبة وحاقدة مستعدة للمشاركة فى المظاهرات وتنفيذ مطالب الجماعة لاستغلالهم فى الصفقات السياسية، وللمزيد من الأضواء حول طريق جماعة الإخوان فى اللعب بمشاعر الطلبة وتحويل قضاياهم لقضايا شكلية، ومن معركة حول تحرير الوطن والنهوض به إلى معركة حول استعادة الخلافة ونصرة الإسلام، والتكريس فى ذهن الجموع باستمرار أن هناك قوى تتربص باستمرار بالإسلام لتقضى عليه مما تجعله مستعدا ومتحمسا للمشاركة فى الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، فى تجاهل تام للأوطان التى تسقط سريعا بمثل هذه الأفكار فى يد هذه الجماعات المتطرفة والعميلة.
فى كتابه «الإخوان أحداث صنعت التاريخ»، يعترف مؤرخ جماعة الإخوان محمود عبدالحليم أن تأثيرهم فى طلاب الجامعة كان محدودا للغاية وغير مقنع، فالطلبة لم يستجيبوا للشعارات الكاذبة التى أطلقتها الجماعة حول ما أسموه بـ«الفكرة الإسلامية» وهو مصطلح يحبذون استخدامه للتعبير عن مجمل أفكار ومشروع الجماعات الإسلاموية.
يحكى عبدالحليم، أنه بمشاركة آخرين توجهوا لإدارة كلية الزراعة وكان طالبا بها، للمطالبة بتجديد فرش المُصلى للطلبة لما بها من حصير متهالك.
كما طالبوا بإنشاء مساجد فى الكليات وأولها كلية الآداب، وغير المطالبة بالمساجد تمسك الإخوان بالحديث باستمرار عن القضية الفلسطينية فوجدوا التفاتا شديدا من الطلبة وغير مسبوق مما دفعهم إلى الإطالة والتمسك بموضوع فلسطين لما وجدوه فيها من حيلة وخدعة تنطلى على الطلبة، وهو ما يلفت إليه مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم بقوله إن الإخوان اختصروا كثيرا من الوقت لمجرد أن رددوا هتافات من أجل فلسطين، ولم تختصر فى رأيه الزمن لانتشار الإخوان داخل الجامعة فحسب بل وفرت عليهم الكثير من الخطب والمحاضرات التعريفية. وقال: «لو ١٠٠ خطيب راح يشرح معانى الفكرة الإسلامية والإخاء والجهاد للناس لما كان له تأثير مثل خطب الجمعة عن بيع فلسطين وواجب إنقاذها وجمع التبرعات لها».
وقفزا إلى الأمام، تاركين مرحلة التأسيس مع حسن البنا وطلاب الجامعة فى مرحلة مبكرة، لنلاحظ بعض الأمور التى استقرت وتكرست بشدة فى ذهن أعضاء الجماعة وهى سحب بساط الطلبة من تحت أقدام أى فكر وطنى أو قومى لصالح فكر يبحث عن القضايا التى لا طائل منها، وهى حماسية وتلعب على المشاعر وليست حقيقية أبدا، فلقد عملت على المطالبة بإنشاء أماكن للصلاة وهتفت فى قضية فلسطين لأنها اكتشفت أن مثل هذه الأمور تزيد من التفاف الطلاب حولها وتختصر لها الوقت اختصارا.

استغلال الطلبة في الصراعات والمؤامرات

حاولت جماعة الإخوان أن تحرج الرئيس جمال عبدالناصر بإطلاق الشائعات وبثها بين الطلبة وبين الفئات الشعبية المحبة للزعيم ناصر، فقالت إنه جعل الإنجليز يحتفظون بقاعدة عسكرية في السويس لضمان عودتهم، ووقفوا يبثون الشائعات ضده أثناء المفاوضات مع الإنجليز، فكانوا ضد الجلاء، وادعوا أنهم يفضلون الكفاح المسلح. ووسط الصراع الدائر بين الجماعة من ناحية وبين الضباط الأحرار من ناحية، جرى تجنيد واستغلال الطلبة ضد المشروع الناصري آنذاك، ولم يشغلهم أن يطلقوا المزيد من الأكاذيب والشائعات لضمان إحراج ناصر أو الوصول إلى السلطة.
شرح علي عشماوي، قائد التنظيم الخاص والمنشق عن الجماعة لاحقا، في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" كيفية استغلال الجماعة لمفاوضات الجلاء من أجل إحراج ناصر، قائلا: "الواقع أن اختلاف الإخوان في هذا الأمر (يقصد الجلاء) كان نابعًا من إحساسهم بخروج عبدالناصر ومن معه على قيادتهم، وقد تم اختيار هذا الموضوع ليكون سببا للصدام لما له من ثقل وطني في حس الناس، مما يعطي للإخوان تأييدًا شعبيًا في صدامهم مع رجال الثورة".
وأضاف: "بدأت المنشورات توزع على الإخوان في الشُعب وفي أماكن تجمعهم تشرح الخلاف من وجهة نظر الإخوان، فقد كانوا يرون أن احتفاظ الإنجليز بقاعدة قناة السويس هو بيع للقضية وأن الإخوان يفضلون الكفاح المسلح".
في مذكرات عشماوي، يلاحظ القارئ الشائعات التي أطلقتها الجماعة بعد مظاهرات عابدين فبراير ١٩٥٤، منها أن الحكومة تنوي اغتيال المرشد العام، فوضعت الجماعة حراسة له.
تحدث عشماوي تفصيليا عن خطة الصدام ومؤامرة الإخوان لتنفيذ انقلاب دموي يطيح بمجلس القيادة يتمثل في: أولا، تأمين الجيش عن طريق بعض الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، وكان على هؤلاء واجب تحييد الجيش فقط والتأكد من عدم تحرك وحدات أخرى لقمع الحركة الشعبية المخططة. ثانيا، القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل عند الصدام، وإذا لم يتمكن من القبض عليهم هناك خطة بديلة لاغتيالهم. ثالثا، قيام جميع الإخوان على مستوى الجمهورية بالاستيلاء على أقسام البوليس والمباني المهمة كلٌ في حدوده مستعينا بأقل عدد من الإخوان المدربين. رابعا، تقوم المجموعات الوافدة إلى القاهرة بالانضمام إلى إخوان القاهرة في عملية الاستيلاء على المباني الحكومية ذات التأثير مثل مبنى الإذاعة، أقسام البوليس، قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، قطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية. خامسًا، حصار الطلبة بعد مظاهرات مسلحة للقصر الجمهوري والاستيلاء عليه.
وفي النقطة الأخيرة تجدر الإشارة لانتفاخ الجماعة بعد المظاهرات التي وقفت أمام قصر عابدين ولم تهدأ إلا بعد استعانة الرئيس محمد نجيب بعبدالقادر عودة، أحد قيادات الجماعة، الذي لمحه في الصفوف يلوح بقميص ملوث بالدماء، هذه الحادثة أشاعت وسط الإخوان أن هذه اللحظة كانت فرصة للانقضاض على القصر وإلقاء القبض على مجلس قيادة الثورة، ومن ثم الانفراد بالسلطة، ما سيجعلهم يفكرون بجدية في استعادة هذه الفرصة مجددا.

توحش طلبة الإخوان 

وبالقفز إلى مرحلة السبعينيات نلاحظ فى كتاب «عبدالمنعم أبوالفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر» لمؤلفه حسام تمام، فإن أبوالفتوح يحقد لكون الجامعة فى هذه الفترة كانت مليئة بالتيارات القومية والناصرية واليسارية، هى التى تسيطر على الجامعات واتحادات الطلاب فيها وكانت أفكار هذه التيارات خاصة اليسارية بمثابة الصدمة لى ولأمثالى من الشباب البسيط المتدين.
ويروج أبوالفتوح فى شهادته لهذه الصدمة، ويزعم أن هذه التيارات كانت تتعمد العداء للإسلام والسخرية منه وسبه ومثل هذه التهم التى هى من عادة جماعة الإخوان أن تلصقها بأى تيار مخالف لها مهما كان موقفه من الدين، فيقول إن "مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة". وهذا الزعم أيضا يؤيد فكرة تجييش الشباب لما يسمونه بنصرة الإسلام وما هو إلا هجوم على أحزاب مخالفة أو عقد صفقات سياسية.
ويعترف أبو الفتوح أن اللقاء بين تيار الإسلاميين فى الجامعة وشباب التيارات الأخرى ينتهى بفوز الشباب، فيوضح: «كان أن تصادمنا مع اليساريين والشيوعيين فى حوارات كنا الذين ننال الهزيمة فيها غالبا نظرا لثقافتنا القليلة السطحية وعدم خبرتنا بالحوار والجدل النظرى فلم تكن لدينا القدرة على الرد أمام القضايا التى يثيرها هؤلاء الطلاب المثقفون المدربون جيدا على مثل هذه المناقشات».
من ضمن اعترافات أبوالفتوح، ما قاله عن اللجنة الفنية: «هدفنا من الترشح للجنة الفنية والفوز بها هو إيقاف المنكر والانحلال الذى تبثه بين الطلاب ومن ثم عطلنا عملها بمجرد أن فزنا بها، ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية».
وهكذا فقد كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى والعلمى لصالح الجماعة التى انطلقت لتمكين مشروعها التدميرى لا فى الجامعة فحسب، بل فى الوطن ككل وفى كامل المنطقة، وهو ما استطاعت مصر أن تتخلص منه مع ثورة الثلاثين من يونيو فى العام ٢٠١٣، كى تستعيد عافيتها مجددا بعيدا عن فصيل متواطئ لا يرضى بغير الخراب والتدمير.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: جماعة الاخوان الارهابية استغلال الطلبة الحركة الطلابية جماعة الإخوان مثل هذه

إقرأ أيضاً:

يأبى الدكتور ربيع

يأبى الدكتور محمد ربيع ناصر إلا أن تسع دائرة الجوائز التى تحمل اسمه من سنة إلى سنة، وهى لا تتوسع أفقيًا فقط، ولكنها تتمدد على المستوى الرأسى أيضًا.

أما أفقيًا فقد كان هذا واضحًا فى حفل توزيع جوائز هذه السنة، التى شملت فائزين من الجامعات العربية إلى جانب الجامعات المصرية، وكانت جامعة الأميرة نورا مثلًا حاضرة بفائزيها، مع ما نعرفه عنها من أنها جامعة سعودية كبيرة. إن الأميرة نورا التى تحمل الجامعة اسمها هى شقيقة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وقد كانت شخصية قوية للغاية، وكان الملك عبدالعزير إذا جاءت سيرتها فى حديث له مع ضيوفه قال إنه شقيق نورا، أى أنه كان ينسب نفسه إليها رغم أنها أميرة بينما هو الملك المؤسس.

وأما التوسع الأفقى فى الجوائز، فتجده فى المجالات الجديدة التى جرى منح الجوائز فيها فى الدورة الثامنة لهذا العام، وإلا، فما معنى أن تكون هناك جائزة فى الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى، وجائزة أخرى فى الطاقة الجديدة والمتجددة، وثالثة فى تطبيقات النانو، ورابعة فى الزراعة والأمن الغذائى، وخامسة فى تحديث الصناعة المصرية، وسادسة فى العلوم الطبية؟

إن ثمانية أعوام ليست شيئًا فى عُمر الجوائز عمومًا، ولكن هذه الجوائز استطاعت فى بحر ثمانى سنوات أن تؤسس لنفسها بين غيرها فى أرض المحروسة.

سوف يلفت انتباهك أن الجوائز كلها فى البحث العلمى، وهذا فى حقيقة الأمر ما يمنحها تميزها، لأنه لا جامعة بغير بحث علمى، ولا تتسابق الجامعات ولا حتى الأمم إلا فى هذا المجال بالذات، ولا توجد أمة متطورة فى عصرنا، إلا وكان البحث العلمى سر تطورها الكبير.

هذا المعنى أظن أنه لا يغيب عن صاحب هذه الجوائز، وأظن أيضًا أنه وهو يُطلقها فى البداية كان منتبهًا إلى أن مصر إذا كان عليها أن تركز على شيء فى إنفاقها العام، فهذا الشيء هو البحث العلمى، لأنه لا يليق بنا أن تكون دول مجاورة لنا أعلى منا إنفاقًا عليه.

وإذا كان الرجل قد أعلن عن انسحابه من انتخابات البرلمان التى كان سيخوضها على القائمة، وإذا كان قد أصدر بيانًا وقت انسحابه شرح فيه الأسباب بما يكفى، فأظن أن فى مقدمة الأسباب أنه أراد أن يعطى وقته كله للقضية التى وهب حياته لها: العلم والتعليم.

 

مقالات مشابهة

  • ترامب يشعل الداخل الكولومبي: جماعة مسلحة تحظر التجول في معاقل الكوكايين
  • جماعة كولومبية مسلحة تفرض حظر تجول ردا على تهديدات ترامب
  • جامعة بنها تحصد المركز الأول على مستوى الجامعات المصرية فى مسابقة مناهضة العنف التى نظمها المجلس القومى للمرأة.. صور
  • هند الضاوي: الإخوان جماعة وظيفية تخدم مصالح الغرب
  • هند الضاوي: القضاء على الديمقراطيين أحد اهداف ترامب بتصنيف الاخوان جماعة إرهابية
  • هند الضاوي: ترامب يعتبر جماعة الإخوان أحد أدوات الحزب الديمقراطي في الشرق الأوسط
  • انقلاب دولي على "الإخوان".. هند الضاوي: ترامب يعتبر الجماعة أداة للديمقراطيين
  • FP: جماعة الإخوان لا تزال غير إرهابية وحظرها سيعزز قمع أنظمة المنطقة
  • تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. نهاية للحرب أم تصعيد للصراع في السودان؟
  • يأبى الدكتور ربيع