سيناريوهات انهيار الهدنة
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
سالم بن حمد الحجري
مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس في يناير 2025، بدَا أن الأمل في تهدئة مؤقتة للصراع في غزة قد يتحقق، لكن الخوف من انهيار هذا الاتفاق، خاصة في ظل احتمال تراجع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو عن الالتزام به أو عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية، يثير تساؤلات عميقة حول السيناريوهات السياسية والأمنية المحتملة.
الاتفاق الحالي، الذي يمتد لـ42 يومًا في مرحلته الأولى، يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، وتبادل أسرى ورهائن، وتدفق مساعدات إنسانية إلى غزة، أما المرحلة الثانية -التي تتطلب مفاوضات إضافية- فتهدف إلى تعزيز التهدئة وربما تمهيد الطريق لوقف دائم للحرب، لكن نتنياهو، تحت ضغط ائتلافه اليميني المتشدد، أظهر ترددًا في الانتقال إلى هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تحتفظ بحق العودة إلى القتال إذا لم تتحقق أهدافها الأمنية، هذا الموقف يضع الهدنة في موقف هش، حيث يمكن أن يؤدي أي خرق -حقيقي أو مُفتعل- إلى انهيارها.
السيناريو الأول: استئناف الحرب في غزة
إذا تراجع نتنياهو عن الهدنة ورفض الانتقال إلى المرحلة الثانية، فإن النتيجة الأكثر ترجيحًا هي استئناف العمليات العسكرية في غزة، قد يبرر ذلك بانتهاكات مزعومة من حماس أو بضرورة "استكمال تدمير القدرات العسكرية" للحركة، هذا السيناريو سيؤدي إلى:
تداعيات إنسانية كارثية: استئناف القصف سيفاقم الوضع الكارثي في غزة، حيث دُمر أكثر من 60% من البنية التحتية، ونزح مئات الآلاف، والمساعدات الإنسانية التي بدأت تتدفق قد تتوقف مجددًا، مما يعرض ملايين السكان للمجاعة والأوبئة.
تعزيز المقاومة: على الرغم من الخسائر والأثمان التي بلا شك دفعتها المقاومة، فإن استئناف الحرب يعزز القناعة لدى أهل غزة أن العدو لا يفهم سوى لغة القوة ولا يملك تلك القوة سوى المقاومة بكافة فصائلها التي ألحقت بالجيش المحتل خسائر فادحة.
تآكل الدعم الداخلي لنتنياهو: داخل إسرائيل، قد يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من عائلات الأسرى والمعارضة، الذين قد يتهمونه بإطالة الحرب لأغراض سياسية شخصية، مما يهدد استقرار حكومته.
السيناريو الثاني: تصعيد إقليمي شامل
رفض الهدنة قد لا يقتصر تأثيره على غزة، بل قد يشعل جبهات أخرى في المنطقة، حزب الله في لبنان، الذي يرتبط بحماس استراتيجيًا، قد يرى في انهيار الهدنة فرصة لتصعيد هجماته على شمال إسرائيل خاصة وأن اتفاق وقف إطلاق النار هناك أيضًا على المحك بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من المواقع التي احتلتها مؤخرًا، كذلك، قد تشهد الضفة الغربية، التي تعاني من توترات متصاعدة، انتفاضة جديدة. وهذا السيناريو يحمل المخاطر التالية:
حرب متعددة الجبهات: إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة متزامنة مع حماس، وحزب الله، وفصائل فلسطينية أخرى، مما يرهق قدراتها العسكرية والاقتصادية. تدخل إيران: قد تستغل إيران الوضع لدعم المقاومة بشكل أكبر، سواء عبر تسليح أو دعم لوجستي، مما يزيد من تعقيد الأزمة. ردود فعل دولية: الولايات المتحدة، التي تدعم إسرائيل، قد تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية لكبح جماح نتنياهو، خاصة إذا تصاعدت الخسائر المدنية، بينما قد تستغل روسيا والصين الوضع لتعزيز نفوذهما في المنطقة.السيناريو الثالث: انهيار سياسي داخلي في إسرائيل
تراجع نتنياهو عن الهدنة قد يشعل أزمة سياسية داخلية في إسرائيل؛ حيث إن الائتلاف الحاكم -الذي يضم أحزابًا يمينية متشددة مثل "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش- قد ينتهي الحال به إلى:
انسحاب اليمين المتطرف: إذا اعتبر بن غفير وسموتريتش أن الهدنة تنازل كبير، فقد ينسحبا من الائتلاف، مما يترك نتنياهو بأغلبية هشة أو يؤدي إلى سقوط الحكومة وانتخابات مبكرة. دعم المعارضة المشروط: إذ إن زعيم المعارضة يائير لبيد عَرَض "شبكة أمان" لحكومة نتنياهو بشرط إعادة الأسرى، لكن رفض الهدنة قد يدفع المعارضة للتصعيد ضده، مما يزيد من عزلته. احتجاجات شعبية: حيث إن عودة الحرب قد تعيد إشعال الاحتجاجات الداخلية التي هزت إسرائيل قبل 7 أكتوبر 2023، مع اتهامات لنتنياهو بإطالة الصراع لتجنب المحاسبة القانونية والسياسية.لا شك أن انهيار الهدنة سيضع المجتمع الدولي أمام اختبار صعب، والولايات المتحدة، تحت إدارة دونالد ترامب، قد تدعم موقف نتنياهو علنًا، لكن استمرار الحرب قد يثير توترات مع حلفاء أوروبيين يدعون لوقف دائم لإطلاق النار. أما مصر وقطر، اللتان توسطتا في الاتفاق، فقد تُعلنان فشل الوساطة؛ مما يؤثر على دورهما الإقليمي. وفي المقابل، قد تستغل دول مثل تركيا والجزائر الوضع لتعزيز دعمها للفلسطينيين؛ مما يزيد من الاستقطاب في المنطقة.
مفترق طرق خطير
إنَّ تراجع نتنياهو عن الهدنة وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية سيضع المنطقة على شفا هاوية؛ سواء أدى ذلك إلى استئناف الحرب في غزة، أو تصعيد إقليمي، أو انهيار سياسي في إسرائيل، فإنَّ النتيجة ستكون مزيدًا من الدمار والمعاناة، والخوف الأكبر ليس فقط من انهيار الهدنة؛ بل من أن تتحول إلى نقطة انطلاق لصراع أوسع يصعب السيطرة عليه. ونجاح الهدنة يتطلب ضغطًا دوليًا مُكثفًا على قيادة الكيان وحكومته الإرهابية، التي لا تتعلم من دروس التاريخ وعبره، وأن فلسطين وشعبها باقون على هذه الأرض ولن تقدر على اقتلاعهم أي قوة على وجه الأرض مهما دُفعت من أثمانٍ.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سموتريتش يطالب نتنياهو بعدم إبرام صفقة مع حماس
طالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر بالصمود ومواصلة الضغط العسكري وعدم التراجع إلى الخلف وإبرام صفقة لوقف إطلاق النار بغزة.
وقال سموتريتش "إنه من الخطأ الآن التوجه نحو صفقة تبادل والسماح لحماس بالتعافي، وإن كل من ينتمي إلى حماس مصيره الموت وعلينا مواصلة تدمير قدراتها العسكرية والمدنية".
وعبر الوزير الإسرائيلي عن رفضه بشكل كامل لدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة.
وأضاف سموتريتش إنه لا يمكن الاستمرار في الحرب إلى الأبد وأن هناك ضغوطا دولية وداخلية بسبب جنود الاحتياط والاقتصاد.
وأشار إلى أنه "من المهم عدم إسقاط حكومة اليمين والتوجه لانتخابات خلال الحرب، لأنها خطر على مستقبل إسرائيل، وستؤدي إلى خسارة الحرب".
وأمس الثلاثاء، أعلنت بريطانيا وكندا والنرويج ونيوزيلندا وأستراليا فرض عقوبات على سموتريتش وإيتمار بن غفير، بسبب تصريحات "متطرفة وغير إنسانية" بشأن الوضع في قطاع غزة، والتحريض المتكرر على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويُعد كل من سموتريتش وبن غفير من الشخصيات المحورية في الائتلاف الحاكم بإسرائيل، فسموتريتش، إلى جانب منصبه وزيرا للمالية، يتحمل مسؤولية الإشراف المدني للاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، وهو من أبرز المؤيدين لتوسيع المستوطنات غير القانونية وفق القانون الدولي.
إعلان