لجريدة عمان:
2025-10-13@10:33:10 GMT

على هامش أوبنهايمر

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

مبتدئا بمشهد مشحون بالعواطف المتضاربة وإيحاء بالظلم والتسلط تتعرض له الشخصية الرئيسية للفيلم استطاع فيلم أوبنهايمر الذي يحوي حوارات مطولة ومادة علمية، فيلم طويل نسبيا يحتاج لقدر من التركيز والتفكير لفهم محتوى أحداثه، أن يجذب أعدادا هائلة من الجماهير وربما انتهت المشاهدة كل مرة بالتصفيق. إن وضعْنا جانبا قوة الترويج وما يتعلق بها والتي تعد عاملا مفصليا في نجاح أي فيلم فإن النقاد أسهبوا كثيرا في تحليله فنيا مشيرين إلى براعة المخرج الفنية وأداء الممثلين.

ولكن ربما إضافة إلى كل ما قيل سابقا فإن ارتباط الفيلم بموضوع واقعي ورغبة الناس في معرفة تلك الشخصية الإشكالية التي تسببت في مأساة إنسانية ما زالت آثارها عالقة إلى الآن، معرفة تلك الحيرة الأخلاقية «إن وجدت»، ما دار حقا في تلك اللحظات الحاسمة التي تقرّر فيها مصير آلاف من الناس الأبرياء هو أحد عوامل اهتمام الناس به. الفيلم هو توثيق لجزء من حياة أوبنهايمر المُلقب بأبي القنبلة الذرية تحديدا الفترة التي أسس فيها قسم الفيزياء في جامعة بيركلي ومن ثم اختياره ليكون رئيس مشروع مانهاتن حيث صُنِعت القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي أعقاب الحرب العالمية. وقد بُني على مادة السيرة المنشورة من قبل كاي بيرد ومارتن ج شيروين في كتابهما الذي حاز على جائزة البولتيزر: برومثيوس الأمريكي.

رغم أنه يعد فيلما روائيا فإن موضوعه لحد كبير هو موضوع توثيقي وهناك جدل كبير بين الباحثين حول هذا الخط الوهمي الفاصل في بعض الإنتاج الفني بين ما يعد روائيا بحتا أو يمكن أن يُدرج تحت الأفلام الوثائقية.

بالطبع كان الفيلم محمّلا بأجنداته الخاصة فهو منذ البداية كان قائما على جذب التعاطف لليهود «الذين دأبوا منذ الحرب العالمية الثانية على جعلها برمتها تدور حولهم وحول الظلم الذي تعرّضوا له وضمنيا كانت تلك الإشارات إلى ذكائهم وعبقريتهم وخدمتهم للعلوم من خلال الإشارة ليهودية عدد من العلماء في الفيلم من بينهم أوبن هايمر ذاته».

وبالطبع كعادة الأفلام الهوليوودية فإن الهدف الأولي لها هو تبجيل الولايات المتحدة الأمريكية، تبيان إنسانيتها، تقديم المبررات لقراراتها حتى تلك القاسية واللاإنسانية والكارثية منها. صحيح أن الفيلم قدّم وجهات نظر من مثل أنه ربما لم يكن هناك داع حقيقي لإلقاء القنبلة وأن اليابان كان من الممكن أن تستلم أو تخسر لكن حتى هذا كان يُعرض من منطق استعراض القوة وكان الحوار محمَّلا بالمبررات من مثل هي ضرورات الحرب إن لم نفعلها نحن فسيفعلها هم: الألمان/ اليابانيون/ هم غيرنا.. نحن أكثر رأفة؛ نحن نسعى لإيقاف الحرب لا أكثر. ورغم أن الفيلم تعرَّض لفكرة أن صناعة القنبلة الذرية ربما هي بداية لنهاية العالم فإن ذلك كان إشارة لسباق التسلّح والذي يعد ورقة سياسية تُستخدم متى ما خدمت مصالح بعينها. وما غاب عن الفيلم تماما هو صورة المأساة الحقيقية، ذلك الألم الحارق الذي بقي لعقود من الزمن، عرضه المخرج مستعينا بحيلة فنية في دقائق معدودة جدا من عمر الفيلم الذي امتد لثلاث ساعات. صوَّر الفيلم معاناة اليابانيين في صور تجريدية فيما يشبه الندم في نفس أوبنهايمر وهو يلقي خطاب النصر بين العلماء المشاركين وعائلاتهم حيث كانت أصوات التصفيق والطرق بالأرجل في شكلها الاحتفالي صاخبة وموجعة ووجوه الأمريكيين المحتفلين تتقشر وضحكهم أشبه بالبكاء.

لم يخلُ استقبال الفيلم من نقد يتناول هناته الفنية أو الموضوعاتية وإن كان على خجل ومن باب تحرّي الموضوعية، جل هذه المادة بالطبع وجهت للنخب. لكن في الجهة المقابلة أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة معاصرة جدا لعدد من المتابعين عرض آرائهم الساخرة حول الفيلم عبر تطبيقات من مثل التيك توك. لكن الحقيقة التي تؤكدها الأرقام أن الفيلم نجح نجاحا كبيرا وشهد إقبالا متزايدا ولنا أن نتصوَّر أن رسائله وجدت طريقها لعدد كبير؛ فحس النقد والمقاومة لتلقي مثل هذا التأثير لا يتوفر إلا في ظروف محدودة.

من هذا العرض نخلص إلى أنه، أولا: الإعلام الإنتاج المرئي تحديدا منه -الأفلام روائية كانت أو وثائقية بحتة- يعيد صياغة التاريخ أيضا وفق أجندات صانعيه. هنالك الكثير من أدبيات التاريخ المنشورة التي تقدّم وجهات نظر مناقضة لما عُرض في الفيلم، مع ذلك فقد نجح في جذب اهتمام هائل وربما موافقة للزاوية التي يعرضها. هو أداة قادرة على النفاذ إلى أذهان الناس وعقولهم ولن يكون من اليسير تغيير الحقائق التي يكرّسها ولكن هي صناعة تحتاج للإتقان.

ثانيا: من الواضح جدا أن الموضوعات الواقعية لا تفقد جاذبيتها أبدا إذا ما توفرت لها العناصر الأخرى: الجدلية/ التباين والصراع والغموض وقدر عال من الدراما. مادة فيها قدر ما من التشويق يمكن أن يكون بداية.

ثالثا: لغة الخطاب باتجاه واحد وتحكّم النخب بالتحليل والحوار في الموضوعات جملة من السياسة وحتى الإنتاج الأدبي والفني لم يعد مطلقا.. هي إمكانات جديدة تتيحها تطبيقات النشر الحديثة، فعلى سبيل المثال في الموضوع المذكور أعلاه تم نشر العديد من مقاطع التيك توك التي تسخر من طول الفيلم وتعقيد العرض بل جعلت من ثيمة الفيلم الأساسية وأجنداته مادة هزلية. صحيح أن تأثيرها كان محدودا جدا لكن أولا هي ظاهرة تستحق البحث والملاحظة ومتابعة إمكاناتها المختلفة. وتأثيرها المحدود جدا في سياق عالمي قد يكون عميقا ربما في بيئة أكثر استعدادا لتقبُّل ما يطرح. ربما هي قادرة على فتح نافذة على وعي مغاير لما يروَّج له وما هو سائد وبالتأكيد مثل كل ما يُنشر لا يجب أن تُفترض فيها المصداقية والأخلاقية دائما. لكن هي ظاهرة لا يمكن إغفالها.

وفي خلاصة أيضا أشتق هامشا ربما للتفكير والبحث عن الممكن وفرد الاحتمالات والافتراضات على مستوى أكثر محلية وخصوصية. قام الفيلم على نجاح كتاب السيرة الذي نُشر عن شخصية أوبنهايمر. بالطبع كتب التراجم والسير لها جمهورها ولديها القدرة على إعادة تشكيل فترات تاريخية في لحظات مكثفة من عمر شخوص الحكاية التي تسردها. هي تؤنسن الجدل ولحظات الخلاف. وربما الحرب والقتال والبؤس والظلم أو غيرها كالتفوق والنجاح، هي تعطي هذه الموضوعات والأحداث وجها وتؤسس بينه وبين القراء علاقة من خلالها تفهم موضوعات السياقات الأخرى التي يدور السرد في السيرة الذاتية/ الغيرية عنها. هذا النجاح الذي حققته المادة المنشورة في سردها لموضوع تاريخي والذي حاز الكاتبان إثره على جائزة هي من الجوائز الأكثر شهرة في الصحافة والأدب في الولايات المتحدة الأمريكية تضاعف وتضخم واتسعت رقعة تأثيره وتحولت رسائله وتأسست بتحويل تلك السيرة إلى عمل فني مرئي. أظن هذه النقطة الأخيرة: قيمة إمكانيات نصوص التراجم والسير الغيرية لدينا في سلطنة عمان وقدرتنا على تحويلها لأعمال تصويرية أخرى موضوع يستحق المقاربة.

د. ميّا الحبسي - كاتبة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر

غزة- اغتال رصاص الغدر -مساء أمس الأحد- صوتا من أصوات الحقيقة في غزة، فقد استشهد الصحفي والناشط البارز صالح الجعفراوي خلال تغطيته آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة، فبينما كان يوثق بكاميرته مشاهد الخراب في شارع 8، باغته عملاء متعاونون مع الاحتلال وأطلقوا عليه النار مباشرة، فأردوه شهيدا على الفور.

كان صالح (27 عاما) قد نذر نفسه لنقل معاناة شعبه منذ بدء العدوان على القطاع، ورفض مغادرته رغم التهديدات المتكررة بحقه، والتحريض الإسرائيلي المستمر ضده، خاصة من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.

ولم تثنه المخاطر عن أداء رسالته الإعلامية، بل زادته إصرارا على أن يكون في الصفوف الأمامية، يوثق وينشر ويكشف.

تفاصيل استشهاد الصحفي #صالح_الجعفراوي#المسائية #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/GQl0tCftBp

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 12, 2025

صوت الناس

تقول ابنة عمه الصحفية صبا الجعفراوي للجزيرة نت إن "صالح لم يكن مجرد صحفي، كان صوت الناس، ومرآة وجعهم، بالأمس فقط كان يصوّر آثار القصف قرب منزله، وكأنه يشعر أن مهمته لم تكتمل بعد"، وتضيف "كان يذهب إلى أخطر الأماكن فور القصف يلقي بنفسه داخل النار، فقط ليُظهر للعالم ما يحدث في غزة".

وتكمل "عرف عنه منذ صغره الشجاعة والإقدام، لم يكن يخاف الموت ولم يرضَ يوما بالحياد، كان يقول دائما إن الصورة قد تكون أقوى من الرصاص، وإن العالم يحتاج لمن يصور الحقيقة كما هي بلا تزييف".

درس صالح -وفقا لها- الصحافة والإعلام في الجامعة الاسلامية بغزة وحصل على درجة البكالوريوس، وهو أيضا حافظ للقرآن كاملا مما ساعده في أن تكون لغته العربية قوية.

وتضيف الجعفراوي "قبل أن يصبح معروفا، تنبأت له بأنه سيصبح صحفيا مشهورا لأنه كان يحمل صفات الإعلامي المميز، كان ينشر جرائم الاحتلال ومعاناة الناس على منصاته على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن للأسف كانت شركة ميتا تغلقهم بشكل دائم حتى تمنعه من إيصال الحقيقة للناس".

إعلان

وذكرت أن الاحتلال كان دائم التحريض ضده، وخاصة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.

#شاهد| آخر ما نشره الصحفي صالح الجعفراوي، قبيل إعدامه غدرًا برصاص عصابة خارجة عن القانون، جنوب بمدينة غزة. pic.twitter.com/ikCmve35ab

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) October 12, 2025

وجه إنساني

إلى جانب عمله الصحفي، برز الشهيد صالح الجعفراوي كوجه إنساني نشط في العمل الخيري، وشارك في عشرات المبادرات لمساعدة النازحين والمكلومين.

وكان من أهم من ساهموا في توزيع المساعدات خلال الحرب، كما شارك في حملة ضخمة لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة، تمكنت من جمع 10 ملايين دولار في وقت قياسي، وكان له دور بارز في عيد الأضحى الأخير، حين ساهم في تقديم أكبر عدد من الأضاحي على مستوى القطاع رغم ظروف الحرب والحصار.

يقول صديقه الصحفي أيمن الهسي مراسل قناة الجزيرة مباشر "صالح لم يكن مجرد إعلامي، بل كان مؤسسة إعلامية تمشي على الأرض، غطى مجازر الاحتلال كما حدث في مدرسة الجرجاوي، وحين رأى الأطفال يحترقون أحياء، أجهش بالبكاء، وترك الكاميرا ليشارك في انتشال الشهداء، لم يكن محايدا في وجه القتل، بل كان إنسانا أولا، وإعلاميا يرفض التواطؤ".

ويضيف الهسي "رفض صالح مغادرة غزة وبقي فيها رغم خطر الموت الذي يتهدده، وسبق أن حصل على الكثير من العروض حتى يخرج لكنه رفض وكان صوته هو صوت الشعب".

شجاع وموهوب

لم يكن الشهيد الجعفراوي إعلاميا فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن ومنشدا موهوبا ورث صوته الجميل عن والده، وخلال الحرب، اعتاد أن يرفع المعنويات بأناشيده وآخرها كانت أغنيته الشعبية "قوية يا غزة"، التي بث فيها رسالة صمود وعزة وسط الركام.

عرفه الناس أول مرة في مسيرات العودة عام 2018، حين برز كإعلامي شاب ميداني يمتلك حسا صحفيا عاليا وقدرة على الوصول إلى قلب الحدث، وغطى الأحداث من الخطوط الأمامية، وأُصيب أكثر من مرة، لكنه واصل المسير.

وحول هذا يقول الصحفي وائل أبو محسن "منذ 2018 علمنا أن صالح سيكون له شأن، شجاعته كانت تفوق سنه، كان مميزا في تغطية مسيرات العودة، وكذلك في تغطية هذه الحرب، وجمع أكثر من 10 ملايين متابع على إنستغرام، وصل إلى العالمية، وأوصل صورة غزة كما لم يفعل أحد".

وعقب وقف إطلاق النار، لم يتوقف الشهيد صالح عن أداء رسالته، فخرج لتوثيق ما خلفه الاحتلال في القطاع وكأن الرسالة لم تنتهِ بعد، وبينما كان يصور في تل الهوى، باغته رصاص الغدر في صدره، ليرتقي شهيدا، تاركا خلفه كاميرته وصوته ودموع شعب كامل فقد أحد أبنائه الأوفياء.

مقالات مشابهة

  • وزير الرياضة يلتقي رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم على هامش حضوره مؤتمر السلام بشرم الشيخ
  • صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر
  • توقعات الأبراج وحظك اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025
  • ترامب يهدد بوتين بإرسال صواريخ توماهوك لأوكرانيا
  • جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟
  • على هــــــامش الســيرة
  • الرئاسة: الرئيسان السيسي وترامب سيلتقيان على هامش قمة شرم الشيخ
  • مصر.. ما الهدية التي قدمها وفد النادي الأهلي إلى حسن شحاتة في المستشفى؟
  • ماكرون يواصل البحث عن رئيس للوزراء
  • المنوفي الذي هزم أمريكا وإسرائيل