الجزيرة:
2025-10-14@05:02:34 GMT

جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟

تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT

جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟

في نقاش مع بعض الأصدقاء، أغلبهم مفكرون وكتاب عايشوا حقبات من الوعي العربي، كان للقومية العربية صدى في النفوس عظيما، أقرّ معظمهم أن زمن الأيديولوجيا قد ولى بلا رجعة. شخصيًا لم أشعر يومًا بالانتماء الفكري إلى أي منظومة أو جماعة أو حزب، ولم أقتنع بأن الثقافة توجب موقفًا نابعًا من فكرة معينة تختصر الرؤية إلى الحياة.

ربما هذا هو السبب في أني أتقبل جيل تيك توك -أسميه هكذا اختصارًا لمرحلة وعي ظهر فيها تيك توك بقوة وسيطر على واقع الشباب- وربما لذلك لم أشعر بأي خسارة إن كانت الأيديولوجيا قد ماتت، لكني سألت نفسي: هل ذلك ممكن؟ هل تيك توك أيديولوجيا معاصرة؟

لا تحاول هذه المقالة إعطاء جواب نهائي وصريح لأني لا أمتلكه، إنما هي مقاربة شخصية وقراءة خاصة للحاصل، أستعرض فيها أطروحة نهاية الأيديولوجيا باختصار وأثر ذلك على الأفراد والجماعات.

هل انتهت الأيديولوجيا؟

يُشاع في الأوساط الأكاديمية أن الأيديولوجيات الكبرى قد انتهت أو على الأقل فقدت قدرتها على التعبئة التي كانت تملكها في القرن الـ20. لكن، ما المقصود بهذا القول؟ وهل الواقع المعاصر، في زمن تيك توك، يدعم هذا الزعم أم يرفضه؟

في الستينيات من القرن الماضي، رأى المفكر دانيال بيل في كتابه "نهاية الأيديولوجيا"، أن الحركات الكبرى كالشيوعية والقومية والاشتراكية الثورية قد استنزفت طاقتها الفكرية، وأن المجتمعات الحديثة باتت تحركها سياسات براغماتية وإصلاحات صغيرة لا مشاريع كبرى. بعد ذلك، ظهرت ردود تقول إن الأيديولوجيا لم تمُت، بل تحوّلت: من أنظمة متكاملة إلى أيديولوجيات جزئية أو ثقافية تُمارَس داخل الثقافة الشعبية والإعلام والتكنولوجيا.

جدد بعض الباحثين خلال العقدين الأخيرين الاهتمام بالأيديولوجيا من زاوية علم النفس السياسي، مؤكدين أن الأفراد يميلون إلى عناوين وممارسات أيديولوجية حتى وإن لم يدركوا ذلك، ربما لأن الأيديولوجيا "هي وعي الجماعة لذاتها… بمعنى أنها تدافع عن مصالحها الخاصة". فهل يمكن أن صورتها تبدلت كما تبدلت صور الكثير في عصرنا؟

في تيك توك يُرفع فيديو من 30 إلى 60 ثانية يعبر عن موقف سياسي أو نقد اجتماعي أو هاشتاج بدل أن يُكتب مقال طويل (شترستوك)جيل تيك توك والأيديولوجيا الرقمية

مع صعود جيل جديد يعيش في فضاء رقمي مغمور بالصورة السريعة والمقطع القصير، يبدو السؤال هزيلا والإجابة جلية، لكن يحق لنا ونحن نتابع هذا الجيل أن نتوقف قليلا عند بعض ممارساته ونفسرها لنسأل: هل يعيش جيل تيك توك بالفعل خارج الأيديولوجيا؟ أم أنه يعيش تحولات جديدة لم نعتد قراءتها؟

إعلان

في هذا السياق، يمكننا تتبع 4 سمات رئيسية تبرز كيفية تعامل هذا الجيل مع الأفكار والقيم:

الأيديولوجيا في زمن السرعة

الأيديولوجيا، في تعريفها الكلاسيكي، منظومة أفكار شاملة تفسر العالم وتوجه الفعل السياسي والاجتماعي، وهي كما يشير الدكتور عفيف عثمان "عبارة عن نسق من الأفكار، وهو وعي الجماعة لذاتها ولمصالحها، لذلك لا تنتهي الأيديولوجيا طالما هناك صراعات اجتماعية".

وطالما أن الأمر كذلك، فنحن في واقع أيديولوجي مختلف. مع جيل تيك توك، لا نجد خطابات مطولة أو كتبًا فلسفية تتداول، بل مقاطع لا تتجاوز ثوانٍ، محملة بالرموز والإشارات الساخرة، أو مشاهد التضامن والتحدي والرفض.

ألا يدخل ذلك ضمن صيرورة الأيديولوجيا كتعبير وجودي عن الجماعات المختلفة والجماعة الإنسانية الكلية وتفاعلاتها وصراعاتها؟ ربما اختفى الحزب والشعار الكبير والخطب الرنانة، ولكن ظهر الهاشتاج.

من العقيدة إلى المزاج

يهتم جيل تيك توك بقضايا الهوية والبيئة والعدالة الاجتماعية والحرية، ويعبر عن انتمائه إلى تلك القضايا بما يمكن أن نطلق عليه "السيولة الرقمية"، التي لا تثبت نفسها في خطاب ثابت، بل ربما هي قادرة على التحول والتشكل اللحظي من دون قيد أو شرط أو شعور بضرورة الانتماء العقائدي.

على العكس، ربما يحاول أن يتجنب أو يرفض النماذج والأطر، ويكتفي بدينامية القضية وتماسها مع اللحظة الراهنة. يتضح هنا أن الأيديولوجيا التقليدية تحولت إلى شبكة من المواقف اللحظية، تلتقطها خوارزميات وتعيد تدويرها بصيغ بصرية مؤثرة.

قوة الصورة وضعف البنية

قديمًا كانت الأيديولوجيا تبني مشروعًا طويل الأمد، أما جيل تيك توك فيختبر الأثر الفوري. كيف؟ إن مقطع فيديو قصيرًا قادر على تحريك الرأي العام أكثر من كتاب نظري.

صحيح قد يكشف هذا -مقارنة بالماضي وصلابته- ضعف البنية العميقة، لكنه يبرز قوة التعبئة اللحظية. وهنا المفارقة: الأيديولوجيا تتحول من مشروع تاريخي إلى موجة رقمية، ومن خطاب شامل إلى فلاش عاطفي يعيد تشكيل الوعي لحظة بلحظة.

روح شبابية أم ميوعة قيم؟

يفضل الشباب اليوم الفيديو القصير والمحتوى الفوري. في تيك توك، يُرفع فيديو من 30 إلى 60 ثانية يعبر عن موقف سياسي، أو نقد اجتماعي، أو هاشتاج، بدل أن يُكتب مقال طويل. يستخدم الشباب اليوم رموزا كـ"الميمز"، يطلقون النكات ويسخرون بقسوة وتمكن عجيب من كل شيء تقريبًا: من عادات الأهل، من السياسيين، من رومانسية بعض المشاهير.

أما التحديات فتبدو أحيانًا أدوات للتعبير السياسي والثقافي ومساحة أيديولوجية "من أسفل"، أقل رسميًا وأكثر شبابية. تُصوَّر المواقف ضمن تضامن مؤقت، مثل دعم قضية إنسانية، أو رفض حقوق معينة، أو نقد حالة سياسية، ومن ثم تدور عجلة البحث و"اللايك" وتُتبنى مواقف جديدة. الجدير بالملاحظة أن هذا الجيل يرفض الحرب، ويقطع الروابط مع اليمين واليسار، فهويته تحررية وغير قابلة لأن تكون منظومة.

جيل تيك توك لا يعيش الأيديولوجيا كنسق مغلق بل كفضاء مفتوح وسريع ومتشظٍ (رويترز)آثار هذا التحوّل على الفرد والجماعة

الهوية اليوم هي هوية القضايا: أكون مع المرأة هنا، ومع الحرية هناك، وليس مع حزب عام. ربما يزيد هذا من حالة التشتت والضغوط النفسية لدى الفرد، فالخيارات كثيرة والمفاهيم تتغير. الخطر قد يكمن في أثر ذلك على الكل، كظهور حركات مؤقتة، شبابية، غير مركزية، تعمل عبر الإنترنت أولا ثم تنتقل إلى الشارع، والربيع العربي أحد أمثلة ذلك الواضحة.

إعلان

كما يكمن الأثر الجمعي في تحويل الصراع إلى صراع قضايا متقاطعة كالهوية والبيئة والمساواة، يستهدف الشباب ويغذي بمقطع فيديو شعور حرية النقد السياسي، من دون أن يحمل رؤية تطور أو برنامجًا هادفًا وحلولًا للقضايا المصيرية المعاصرة. وهذا قد يندرج في إطار "كي الوعي".

لقد انكسرت الأطر التقليدية للأيديولوجيا، لكن جوهرها، أي جوهر الحاجة الإنسانية إلى تفسير العالم وإعادة صوغ العلاقات الاجتماعية، لا يزال قائمًا. الفرق أن جيل تيك توك لا يعيش الأيديولوجيا كنسق مغلق، بل كفضاء مفتوح وسريع ومتشظٍ، يضعف في العمق لكنه يتضاعف في الانتشار والتأثير اللحظي.

الأيديولوجيا لم تُلغَ، لكنها تحوّلت إلى مرجعية جزئية تُمارس ضمن الثقافة الرقمية. في زمن تيك توك، قد يكون الموقف أسبق من المشروع، والهاشتاج أقوى من الشعار الكبير.

ما يحتاجه جيل اليوم، وهو قادر على التعبير عن قيمه ببلاغة وذكاء وإمكانيات تكنولوجية سهلة ومتوافرة، هو رصّ هذه القيم في حياتنا اليومية: الحرية، العدالة، الكرامة، كممارسات تعكس نقيض الصورة النمطية لماضي الأيديولوجيا الجامد، الذي صنع قوالب فكرية سحقت حين هوت جيلا ممن آمن بها، وكسرت عظامه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات جیل تیک توک

إقرأ أيضاً:

خالد الغندور: عبد الحميد معالي يعيش أزمة إنسانية داخل الزمالك.. لا يجد طعامًا كافيًا ولا مالًا للسكن

كشف الإعلامي خالد الغندور، قائد الزمالك السابق ومقدم برنامج “ستاد المحور”، عن أزمة إنسانية صعبة يعيشها اللاعب المغربي الشاب عبد الحميد معالي، المحترف في صفوف نادي الزمالك، مشيرًا إلى أن اللاعب يمر بظروف معيشية قاسية في ظل تجاهل الإدارة وغياب أي دعم مادي أو نفسي له خلال الفترة الأخيرة.


 

وقال الغندور خلال تصريحاته في البرنامج، إن معالي يعيش حالة من الحزن والاكتئاب الشديدين بسبب ما وصفه بعدم اهتمام إدارة النادي بوضعه الإنساني والمعيشي، موضحًا أن اللاعب لا يجد المال الكافي لتأمين طعامه أو دفع إيجار السكن الذي يقيم فيه بالقاهرة.


 

وأضاف الغندور أن اللاعب المغربي يعيش في عزلة تامة منذ انضمامه إلى الفريق، خاصة أنه بعيد عن أسرته ويعاني من الغربة في ظل عدم وفاء النادي بالبنود المتفق عليها في عقده، والتي تنص على أن الزمالك سيتكفل بإحضار والدته وأحد أقاربه للإقامة معه في مصر.


 

وأوضح الغندور تفاصيل الأزمة قائلاً:“عبد الحميد معالي طلب من إدارة الزمالك إن والدته وابن خاله يجوا يقعدوا معاه في مصر زي ما مكتوب في عقده، والزمالك متكفل بتذاكر السفر والإقامة، لكن لحد دلوقتي النادي ما بعتش التذاكر، والولد بقى في حالة نفسية صعبة جدًا.”


 

وأشار إلى أن اللاعب يعيش منذ أسابيع دون دعم أو متابعة من الجهاز الإداري، ما جعله يفكر جديًا في الرحيل عن الزمالك والعودة إلى المغرب بعد أن شعر بأنه غير مرغوب فيه داخل الفريق، على الرغم من التزامه في التدريبات ورغبته في إثبات نفسه.


 

وتابع الغندور قائلاً:“الولد مشكلته مش فنية، مشكلته إنسانية بحتة. هو عايش لوحده، بعيد عن أهله، ومعندوش حد يقف جنبه. كمان مفيش فلوس ولا سكن مناسب، وده شيء صعب جدًا على أي لاعب شاب في سنه.”


 

وأكد الغندور أن اللاعب تلقى دعمًا إنسانيًا من بعض زملائه داخل الفريق، وعلى رأسهم محمد صبحي حارس مرمى الزمالك، الذي قام بمساعدته أكثر من مرة سواء ماديًا أو معنويًا. 

 

وقال الغندور:“محمد صبحي وقف جنب عبد الحميد معالي جدًا، أعار له فلوس أكتر من مرة، واستضافه في بيته عشان ياكل معاه، لأن الولد حرفيًا كان بيعاني من قلة الأكل ومفيش معاه فلوس حتى يشتري أكل لنفسه. صبحي تصرف برجولة ووقف مع زميله في وقت صعب.”


 

وأوضح الغندور أن ما يمر به معالي يعكس الأزمة المالية الحقيقية التي يعيشها نادي الزمالك خلال الفترة الحالية، مؤكدًا أن إدارة النادي تواجه صعوبات كبيرة في الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاعبين سواء المحليين أو الأجانب.


 

وأضاف الغندور:“الزمالك بيعاني ماليًا، وده مأثر على كل حاجة داخل النادي. في متأخرات، وفي مشاكل في الصرف، لكن ده لا يمنع إن في لاعبين محتاجين معاملة إنسانية قبل أي شيء. عبد الحميد معالي شاب صغير، وغريب عن بلده، ولازم النادي يحتويه مش يسيبه لوحده كده.”


 

وشدد الغندور على أن ما يحدث مع اللاعب الشاب يجب أن يكون جرس إنذار لإدارة الزمالك بضرورة مراجعة سياساتها في التعامل مع اللاعبين الأجانب، خصوصًا الوافدين الجدد الذين يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي إلى جانب الرعاية الفنية.


 

وقال مقدم “ستاد المحور”:“فيه حاجة لازم الكل يفهمها، اللاعب الأجنبي لما ييجي مصر بيبقى غريب ومش متعود على الحياة هنا، وده بيحتاج دعم نفسي ومتابعة من النادي. لما تحرمه من أبسط حقوقه زي السكن أو الأكل، أكيد مش هيقدر يقدم حاجة في الملعب.”


 

وأكد الغندور أن ما يحدث مع عبد الحميد معالي لا يليق بنادٍ كبير مثل الزمالك، مشيرًا إلى أن النادي كان دائمًا نموذجًا في التعامل الإنساني قبل الفني، وقال بحزم:“الزمالك دايمًا كان نادي القيم والمبادئ. مينفعش لاعب لابس قميص الزمالك يبقى مش لاقي ياكل أو يسكن. دي صورة لازم تتغير فورًا، لأن سمعة النادي فوق أي شيء.”


 

كما دعا الغندور مجلس الإدارة إلى التدخل السريع لحل الأزمة وتقديم الدعم الكامل للاعب، سواء بتوفير سكن مناسب له أو الإسراع في استقدام أسرته، مؤكدًا أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع اللاعب لفسخ عقده رسميًا، وهو ما سيكون خسارة إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون فنية.


 

وختم الغندور حديثه قائلًا:“أنا مش بتكلم كإعلامي بس، أنا بتكلم كابن من أبناء النادي. عبد الحميد معالي عنده موهبة وممكن يبقى مكسب كبير للفريق، لكن لازم نحافظ عليه ونقف معاه. اللاعب ده محتاج دفعة إنسانية أكتر من فنية، لأن اللي بيعيشه دلوقتي لا يتحمله أي شاب في سنه.”


 

واختتم الغندور تصريحاته بالتأكيد على أن الكرة ليست فقط تدريب ومباريات، لكنها أيضًا مسؤولية اجتماعية وإنسانية تجاه كل لاعب يمثل شعار النادي، داعيًا الجميع إلى تغليب الروح الإنسانية على الخلافات المادية داخل جدران القلعة البيضاء.

 

مقالات مشابهة

  • خالد الغندور: عبد الحميد معالي يعيش أزمة إنسانية داخل الزمالك.. لا يجد طعامًا كافيًا ولا مالًا للسكن
  • توقعات الأبراج وحظك اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025
  • ترامب يهدد بوتين بإرسال صواريخ توماهوك لأوكرانيا
  • ترامب: العالم يعيش لحظة تاريخية.. والشرق الأوسط يشهد تحولا غير مسبوق
  • عدن تستعد لثورة شعبية جديدة في ذكرى أكتوبر.. والاحتلال يعيش حالة استنفار
  • من المدرجات إلى التدريب.. توروب يعيش أول يوم له في مصر مع جماهير الفراعنة
  • هكذا يعيش الأسد في موسكو.. ماذا عن ماهر وبقية ضباط النظام؟
  • بعد زرع كبد خنزير في جسده.. رجل صيني يعيش أكثر من 170 يومًا
  • المنفى الذهبي.. بشار الأسد يعيش في برج فاخر بموسكو تحت رحمة بوتين