‎بنت عمران هى مريم العذراء الصديقة، أم المسيح عيسى بن مريم، جاء ذكرها فى القرآن فى عدة مواضع حتى أن هناك سورة باسمها، ذكرت كذلك فى السنة النبوية مما روى من أحاديث النبى محمد، شهد الله لها بالعفة وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، واصطفاها لمعجزة إلهية تمثلت بحملها بعيسى وولادته من غير أب.

وصيام المسلمين وزيارتهم وتوافدهم على أديرة العذراء مريم فى هذه الأيام يدل على أننا فى مجتمع واحد وفى مكان واحد، وكثير من الأقباط يشاركون المسلمون فى أحزانهم وأفراحهم وأعيادهم وتبادل المشاركة شئ جيد بيننا كأقباط ومسلمون.

صيام بعض المسلمين صيام العذراء مريم بمشاركة إخوانهم المسيحيين ليس حراما أبدا لأنه لا يوجد دليل يحرم مشاركة الأقباط فى صيام العذراء مريم، فالأصل فى الإسلام فى الأمور «الحل» أى أنها حلال إلا إذا جاء دليل يحرم الأمر ويحرم الصيام ولا يوجد ما يحرم صوم المسلمين هذا الصيام، فالجميع يؤمن بأن الصوم عباده للخالق طمعا فى رضاه.

و«صيام العدرا» من الدرجة الثانية لكنه يحتل مكانة عظيمة لدى الأقباط، وهو الوحيد الذى فرضه الشعب على الكنيسة لفرط حبه لها، وكان خاصا بالعذارى والراهبات.

يذكر ابن العسال فى عام 1260م فى كتابه «المجموع الصفوى» صوم السيدة العذراء أكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات وأوله أول مسرى، وعيد السيدة فصحه، وبحلول القرن الرابع عشر الميلادى شاع هذا الصوم بين الناس كلهم ومع إنه 15 يوما فإن البعض ينذر أسبوع صيام قبله ليكون 21 يوما، ويجوز فيه أكل السمك لكن البعض يمتنع عنه، ويصومه البعض بالخبز والملح.

الملك الذى ظهر للسيدة مريم طلب منها الصوم

وقال مدير الموشر العالمى للفتوى بالأزهر الشريف، الدكتور طارق أبوهشيمة، إن العذراء مريم لها مكانة مميزة فى الإسلام، وورد اسمها فى سورة التحريم مرة واحدة منسوبة إلى أبيها مريم ابنة عمران فى مقام الثناء عليها لإيمانها وتصديقها وقنوتها حيث قال تعالى: «ومريم ابنت عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين».

وأضاف قائلا: «يتناول القرآن الكريم والسنة النبوية ميلاد السيدة مريم وفضلها حتى عند مولدها، فعن ميلاد السيدة مريم، قال تعالى فى القرآن الكريم: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم، فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا»

وأوضح، أن العذراء فى الدين الإسلامى روت رواية ميلاد المسيح فى القرآن الكريم أكثر تفصيلا واتساقا ومنطقية وإقناعا وتشريفا للسيدة مريم، فرواية القرآن تبين أن الملائكة بشرت السيدة مريم بالسيد المسيح قبل مولده باعتباره كلمة من الله وآية للناس من عند الله، كما فى قوله تعالى: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين، قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون».

وأوضح القرآن الكريم، أن الملك الذى ظهر للسيدة مريم طلب منها الصوم عن الكلام والتوكل على الله تعالى فيما جرت به المقادير، ولقد أجرى الله على لسان السيد المسيح وهو لا يزال فى المهد صبيا ما يثبت أنه عبد لله ونبى ورسول من عند الله وأن أمه السيدة مريم بريئة من الوقوع فى الخطيئة بدليل وصاية الله له ببرها، قال الله تعالى فى القرآن الكريم: «قال إنى عبد الله آتاني الكتاب وجعلنى نبيا، وجعلنى مباركا أين ما كنت ‎وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا».

وتابع، إلى جانب إعاذتها من الشيطان الرجيم وحسن نشأتها ورزقها بفاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف وجعلها وابنها آية للعالمين، يعدد الإسلام فضائل السيدة مريم ومناقبها، ومن هذه المناقب تطهيرها واصطفائها على نساء العالمين، فالإسلام أكثر إطنابا فى فضل السيدة مريم عليها السلام، ولقد ورد فى فضل السيدة مريم أحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

من النساء التى ذكرهن الرسول صلى الله عليه وسلم

أيضا، قال الدكتور مظهر شاهين، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن السيدة مريم العذراء البتول رضى الله عنها، لها فى الإسلام منزلة عظيمة واحتفى الله عز وجل بها فى قرآنه العزيز احتفاء عظيما، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم اشتمل على سورة سميت على اسمها وهى سورة مريم عليها السلام.

وأوضح، أن هذه السورة قص الله عز وجل فيها قصة مريم وأثنى عليها ثناء جميلا وشرفها وعظمها وطهرها ودافع عنها وعن شرفها من فوق سبع سماوات، وبين أن ما حدث لها إنما كان معجزة من الله عز وجل، حيث إنها حملت فى سيدنا المسيح عليه السلام من دون زوج، وحين اتهمها قومها بالبغاء أنزل الله عز وجل عليها السكينة والرحمة، وإشارة إلى سيدنا المسيح عليه السلام فأنطقه الله عز وجل مدافعا عنها.

واستشهد شاهين بقول الله في القرآن الكريم: «فحملته فانتبذت به مكانا قصيا (22) فأجاءها المخاض إلىٰ جذع النخلة قالت يا ليتنى مت قبل هٰذا وكنت نسيا منسيا (23) فناداها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا (24) وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (25) فكلى واشربى وقرى عينا ۖ فإما ترين من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمٰن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (26)»

وأوضح، أنه ذكرت السيدة مريم عليها السلام باسمها فى كتاب الله عز وجل فى 31 موضعا، وأيضا ذكرت قصة مريم عليها السلام وذكرت بلفظها فى 12 سورة من كتاب الله عز وجل، وهذا إن دل فإنما يدل عل مكانة السيدة مريم عند الله سبحانه وتعالى ومكانتها كذلك عند المسلمين لأن الله شرفها والنبى كذلك صل الله عليه وسلم شرفها تشريفا عظيما، وذلك فى الحديث الذى يقول: «كمل من الرجال كثيرا، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية زوجة فرعون وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل السريد على سائر الطعام».

وأشار إلى أنه من قول النبى صل الله عليه وسلم نفهم أن 3 من النساء فقط هن من كملن، ومنهن السيدة مريم عليها السلام، وبالتالى لطالما أن الله عز وجل شرفها وأن النبى صلى الله عليه وسلم شرفها، فنحن المسلمين أيضا ملتزمون بهذا الأمر نشرفها ونعظمها ونعظم قدرها بتشريف الله لها وبتشريف النبى صل الله عليه وسلم لها وباحتفاء القرآن الكريم أيضا بها، والسيدة مريم عليها السلام ضربت لنا مثالا عظيما فى الصبر على البلاء، حيث إنها صبرت على بلاء الله بها عز وجل لها حيث حملت بسيدنا المسيح عليه السلام من دون زوج وهذا كما نعرف كان معجزة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الاقباط الإسلام السنة النبوية النبي محمد مريم العذراء الله علیه وسلم القرآن الکریم العذراء مریم فى القرآن

إقرأ أيضاً:

الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة غدًا... تعرف عليها

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة غدًا بعنوان: "لله درُّكَ يا ابن عباس"، وقد أشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: توعية الجمهور بخطورة التعامل مع الفكر الضال، وبيان حكمة الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، في التعامل مع الخوارج، التي كانت سبيلًا لانتشال الأمة من هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، وبيان سبل مواجهة هذا الفكر بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدا عن الغلظة والشدة، وضرورة فهم النص الشرعي في سياقه، ومعرفة أسباب النزول والورود، والرجوع إلى كليات الشريعة ومقاصدها؛ لتحصين المسلم من الوقوع في شراك الغلو والتطرف، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول أهمية يقظة الضمير في إصلاح المجتمع.


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فإننا نَقِفُ الْيَومَ وَقْفَةَ تَأَمُّلٍ عِنْدَ حَادِثَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمُنَاظَرَةٍ فَرِيدَةٍ، سَطّرَهَا التَّارِيخُ الإسْلَامِيُّ بِمِدَادٍ مِنْ نُورٍ؛ إنَّهَا مُنَاظَرَةُ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ حَبرِ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ  لِلْخَوَارِجِ، تِلْكَ الْحادِثَةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ سِجَالٍ عَقْلِيٍّ، بَلْ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللهِ ، وَنَمُوذَجًا يُحْتَذَى بِهِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْفِكْرِ الضَّالِّ، وَسَبِيلًا لِانْتِشَالِ الْأُمَّةِ مِنْ هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، لَقَدْ خَرَجَ الخَوَارِجُ عَنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، شَقُّوا عَصَا الطَّاعَةِ، وَكَفَّرُوا بِالمَآلِ، وَاسْتَحَلُّوا الدِّمَاءَ؛ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَأَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ الْمُبِينِ، عَمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ عَنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَتَحَجَّرَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ سَمَاعِ صَوْتِ الْحِكْمَةِ، يَفْهَمُونَ الظَّوَاهِرَ وَيَغْفُلُونَ عَنِ الجَوَاهِرِ، يُرَكِّزُونَ عَلَى الْحَرْفِ وَيَتْرُكُونَ الرُّوحَ، وقد نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ قَامَتِ التَّيَّارَاتُ الفِكْرِيَّةُ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِتَكْفِيرِ الْمُجْتَمَعِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فِي وَجْهِهِ.  
أيهَا الكرامُ، يشاءُ اللهُ أن يُقيمَ سيدَنا عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، رضيَ اللهُ عنهما، في زمانهِ نموذجًا ملهمًا في الجرأةِ والوضوحِ في مواجهةِ هذا الفكرِ المنحرفِ، فقامَ رضيَ اللهُ عنهُ يناقشُهم ويُفندُ باطلَهم، ويردُّ عليهم في كلِّ النقاطِ التي يتطرفون فيهَا، من مسائلِ الحاكميةِ، والولاءِ والبراءِ، والتكفيرِ، واستحلالِ الدماءِ، والغلظةِ في الفهمِ، وقد ضربَ رضيَ اللهُ عنهُ مثلًا للعالِمِ الذي لا تأخذُه في اللهِ لومةُ لائمٍ، والذي لا يتركُ الساحةَ للفكرِ المتشددِ حتى يعيثَ فيها فسادًا، لقد بيّن لهم، قولًا وفعلًا، أن فكرَ التطرفِ في حقيقتِه قبحٌ شديدٌ، قبحٌ يعتدي على كلِّ ما في الشريعةِ من نورٍ ورحمةٍ وسعةٍ وجمالٍ، وأنّ ما يحملُه هذا الفكرُ من عنفٍ في المظهرِ، وغلظةٍ في الفهمِ، وضيقٍ في الأفقِ، لا يمتُّ إلى هديِ الإسلامِ بصلةٍ، وإنما هو غلوّ مردودٌ، تُحصّن المجتمعاتُ من شرّه بالعلمِ والحوارِ والبيانِ.
أيها الناس،ُ هذه رِسَالَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْفِكرِ الْمُنحَرِفِ، هَلْ أَنتُمْ حَقًّا تَفْهَمُونَ حُكْمَ اللهِ؟ سُؤَالٌ إِلَى خَوَارِجِ العَصْرِ، هَلْ سَأَلتُمْ أَنفُسَكُمْ حَقًّا: هَلِ الرَّحمَةُ تَتَجَسَّدُ فِي قَتلِ الأَبْرِيَاءِ، وَتَدْمِيرِ الأَوْطَانِ، وَإِشاعَةِ الخَوفِ وَالرُّعبِ بَيْنَ النَّاسِ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَبُّ العِزَّةِ في كِتابِهِ الكَرِيمِ: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {.
أيَّتُهَا الأُمَّةُ المَرْحُومَةُ، لقد امْتَدَّ هَذَا الإِشْكَالُ إِلَى وَاقِعِنَا المُعَاصِرِ، فَقَامَتْ سَائِرُ التِّيَارَاتِ المُتَطَرِّفَةِ فِي زَمَانِنَا نَتِيجَةَ هَذَا الْفَهْمِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ؛ مِمَّا يُوصِلُنَا إِلَى أَنْ نُصْبِحَ أَمَامَ مَنْهَجَيْنِ؛ مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ مُسْتَقِيمٌ وَمُسْتَنِيرٌ يُقَابِلُهُ مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ سَقِيمٌ وَمُضْطَرِبٌ، مَفْعَمٌ بِالتَّشَنُّجِ، غَاضِبٌ وَمُنْدَفِعٌ وَعُدْوَانِيٌّ، عِنْدَهُ حَمَاسُ الفَهْمِ لِلإِسْلَامِ دُونَ فِقْهٍ وَلَا بَصِيرَةٍ وَلَا أَدَوَاتٍ لِلْفَهْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سِمَاتِهِ وَخَصَائِصِهِ الثَّابِتَةِ، وَهُوَ يَظْهَرُ عَبْرَ الزَّمَانِ عَلَى هَيْئَةِ مُوجَاتٍ مُتَتَالِيَةٍ، وَكُلَّمَا مَضَتْ عِدَّةُ أَجْيَالٍ بَرَزَتْ مِنْهُ مُوجَةٌ جَدِيدَةٌ، بِهَيْئَةٍ مُغَايِرَةٍ، وَتَحْتَ شِعَارٍ وَاسْمٍ جَدِيدَيْنِ، لَكِنَّهَا تَسْتَصْحِبُ طَرِيقَةَ التَّفْكِيرِ بِعَيْنِهَا، وَتُعِيدُ نَفْسَ الْمَقُولَاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ بِعَيْنِهَا، وَتَرْتَكِبُ الْأَخْطَاءَ الْفَادِحَةَ فِي فَهْمِ الْوَحْيِ بِعَيْنِهَا. 
أَيُّهَا الكِرامُ، قَدْ أثْمَرَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ الْمُبَارَكَةُ ثِمَارًا عَظِيمَةً؛ حَيْثُ رَجَعَ مِنْهُمْ مَا يُقَارِبُ أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمائَةِ رَجُلٍ، وَهُوَ عَدَدٌ هَائِلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْحُجَّةِ، وَصَفَاءِ الْمَنْهَجِ، وَتَوْفِيقِ اللهِ لِمَنْ قَامَ بِوَاجِبِ الْبَيَانِ، فَكَيْفَ وَاجَهَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّطَرُّفَ فِي زَمَانِهِ؟ وَاجَهَهُ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ، وَالْفَهْمِ الْعَمِيقِ، وَالْحِوَارِ الْهَادِئِ، وَالْبَيَانِ الشَّافِي، بَعِيدًا عَنِ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ فِي بَدَايَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا بِالحُجَّةِ الَّتِي تُقِيمُ الدَّلِيلَ وَتُوَضِّحُ السَّبِيلَ، لِيَعْلَمَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دُرُوسًا بَلِيغَةً فِي مُوَاجَهَةِ التَّطَرُّفِ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَأَنَّهُ لا يُوَاجَهُ بِالشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِنْفَادِ كُلِّ وَسَائِلِ الْحِوَارِ وَالْبَيَانِ، فَلِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
*****
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:
 أيها المؤمنونَ، إنَّ الضميرَ جوهرٌ روحانيٌ، وواردٌ قلبيٌ، يحكمُ تصرفاتِ الإنسانِ وتفكيرَه، ويدلُّه اللهُ به على الخيرِ والشرِ،  ويرشدُه به إلى رضاه، لذلك سعى الإسلامَ إلى تربيةِ المسلمِ على يقظةِ الضميرِ، والخوفِ من اللهِ ومراقبتِه، وتذكيره في كلِّ أحوالِه بأنَّ هناك رَبًّا -جَلَّ شأنُه-، لا يَغْفُلُ، ولا ينامُ، ولا ينسى، وإلى هذا الحالِ قد أشارَ سيدُنا النبيُ صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريلَ- عليه السلامُ: «قال فَمَا الإِحْسَانُ؟  قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ».
عبادَ اللهِ، اعلموا أَنَّ منهجَ الإسلامِ في تربيةِ الضميرِ، وتقويةِ الوازعِ الدينيِّ في نفوسِ الناسِ ضمانٌ لسعادةِ الأفرادِ والمجتمعاتِ والدولِ، وأنه بغيابِ الضميرِ لنْ يكونَ إلا الشقاءُ، والفشلُ إداريًّا واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا؛ لأنَّهُ مهما تَطورتِ الأممُ في قوانينِها ودساتيرِها، وطرقِ ضبطِها للجرائمِ، وإدارةِ شؤونِ الناسِف، لا بدَّ من سببِ النجاحِ في ذلك كلِّه، ألا وهو: «يقظةُ الضميرِ»، في الأقوالِ، والأفعالِ، بلْ وحتى في المشاعرِ وأعمالِ القلوبِ.
أيها الناس، ازرعوا في قلوبِ أولادكِم أنَّ الضميرَ هو المانعُ لكلِّ وجوهِ الفسادِ، فهو المانعُ للموظفِ أن يرتشيَ، أو يسرقَ، أو يختلسَ، والكاتبِ أن يُزوِّرَ ويدلسَ، والطبيبِ أنْ يهملَ في علاجِ مريضِه، والمعلمِ أن يقصرَ في واجبِه، والمرأةِ أن تفرطَ بواجبِها، والتاجرِ من أن يغشَّ، ويحتكرَ، ويدلسَ في تجارته، وهكذا في كلِّ مجالٍ؛ إذا حيا الضميرُ تكونُ السعادةُ والإصلاحُ، وإذا غابَ الضميرُ، يكونُ الفشلُ والفسادُ.  
اللهم أصلحْ فسادَ قلوبِنا
وانشرْ في بلادِنا بساطَ الأمنِ والرخاءِ والسكينةِ والإخاءِ.

مقالات مشابهة

  • أذكار الصباح كاملة مكتوبة.. اغتنم فضلها ولا تتكاسل عن ترديدها
  • الطريقة الصحيحة لدفن الميت في القبر.. كما وردت في السنة
  • فعالية لمؤسسة المسالخ ومكتب جمارك ورقابة الحديدة بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
  • سر قراءة سورة الواقعة 7مرات .. هل تجلب الأرزاق خلال 14يوما؟
  • الإمام زيد عليه السلام .. نهضة قرآنية خالدة وامتداد حي لثورة كربلاء في وجدان اليمنيين
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. طابور التخذيل ومهمة المستحيل
  • الرواق الأزهري بقنا يواصل محاضراته حول مكانة الأسرة في الإسلام
  • دعاء لمن بلغ سن الـ40 ورد فى سورة الأحقاف.. من المهم ترديده
  • تكريم طلبة حلقات تعليم القرآن برخيوت
  • الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة غدًا... تعرف عليها