سودانايل:
2025-08-01@15:19:24 GMT

معالم في طريق استقرار الحكم في السودان

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

أ / محمد علي طه الملك
خبير قانوني وقاض سابق بالمحاكم السودانية

سلسلة مقالات من ( 1 إلى 10 )

(2)

فكرة الدولة وتعريفها

لا أرغب في تدوير الحديث فيما هو معلوم بالضرورة بين عامة الناس ، وتكرار الشكوى مما آل إليه حال المجتمع والدولة ، فقد تجاوز واقع المرحلة حيثيات الفحص والبحث والتقصي عن الداء ، إلى ما يبرئ من دواء ناجع ، في هذا المدخل التعريفي نايت قدر جهدي عن الآكاديمية الصارمة ، بغية تيسير التنوير بمفهوم الدولة ، أشكالها ونظمها الإدارية و السياسية ، والمصطلحات السياسية الشائعة مثل جمهورية ، ديموقراطية ، لبرالية وقياسها بما نحن علية.


أصل ظهور فكرة الدولة وتعريفها
أصل الفكرة تعود لفرضية مفادها أن المجتمع والسلطة ، أمران متلازمان يوجدان في زمن واحد ، فالسلطة أمر وجوبي لسيطرة النظام في المجتمع ، ومن غير المنظور تصور مجتمع بلا سلطة أيا كان شكلها ، غير ان السلطة تباينت أنماطها وايديولوجيتها باختلاف المجتمعات والزمان والمكان ، ولكن بتقدم الوعي السياسي ، أصبحت المجتمعات المستنيرة لا تقبل الآنماط الفردية لسلطة الحكم كما كان سائداً في الماضي ، ذلك لما أفرزته تجاربها من تسلط واستبداد وفساد ، عانت منه المجتمعات طويلاً ، من هنا كانت الحاجة ماسة للبحث عن وسيلة أخرى يمكن بها تفادي مثالب فردانية سلطة الحكم ، حيث انتهى بهم المطاف للاقرار بفكرة أن السلطة ـ مع ضرورة وجودها ـ يجب فصلها عن ذات الشخص الذي يمارسها واسنادها لدعامة أخرى اصطلحوا على تسميتها بالدولة، وفي تطور لاحق دعمت تطبيقات الدولة، حجج المطالبين بفصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية، وظهرت كتابات فكرية أثرت مكتبة العلوم السياسية ، دارت نظرياتها حول مصدر السلطة ومنبعها تعددت فيها مذاهب المتحدثين ، حيث أحال انصار المذهب التيوقراطي ، مصدر السلطة وأصل الدولة إلى الله ، وأرجع أصحاب المذهب الديموقراطي مصدرها إلى الإرادة العامة للأمة ، بينما عزا أتباع المذهب التاريخي مصدرها إلى مجموعة من العوامل ، تلاقت وتفاعلت مع بعضها عبر دورات زمنية ، فاثمرت مصدر السلطة وأصل الدولة . عرفت نظريات تلك المذاهب على التوالي ، بنظرية الحق الإلهي ، ونظرية العقد الاجتماعي ، ونظريتي التطور العائلي والتاريخي ، غير أن تطبيقات فكرة الدولة كوعاء للسيادة والسلطة العليا ، لم يحد من ظواهر الظلم ولا القهر والاستبداد ، حيث سيطرت نظم دكتاتورية وشمولية وملكيات قابضة ، تحت تأثير أيديولوجيات عقدية وقومية واشتراكية ورأسمالية ، فاستمر البحث والتقصي عن صيغ أكثر إنصافا تكيف علاقة الفرد والمجتمع بالسلطة التي تحكمه .
الدولة وأركانها في مذاهب الفكر الوضعي.
تعددت تعريفات الدولة طبقا لمذاهب الفكر الوضعي ، حيث نحت كل منها المنحى الذي يجاري أيديولوجيتها ، غير انها اتفقت على أركان يجب توفرها في الكيان لتصنيفه كدولة حيث عرف الآستاذ السويسري ( بلنتشي ) الدولة ، بأنها مجموعة مستقلة من الآفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة ، بينهم طبقة حاكمة وطبقة محكومة، بينما عرفها الانجليزي (
هولاند) ، بأنها مجموعة من الآفراد يقطنون إقليما معينا ، ويخضون لسلطان لآغلبية أو
سلطان طائفة منهم، أما الفيلسوف ( أرسطو) فقد قدم تعريفا اكثر دلالة ، عندما فرق في تعريفه بين الدولة والحكومة ، حيث عرف الدولة بانها مجموعة من المواطنين ، وعرف الحكومة بانها الفئة التي تأمر ، وتنظم أمور الدولة ، وتتولى الإشراف على الوظائف العامة.
يلاحظ أن العديد من المباحث جمعت في تعريفاتها للدولة بين المواطنين والفئة الحاكمة بحيث أضحى كل منهما ركنا من أركان الدولة ، غير بعضها أعطى تعريفا يقارب ما قال به أرسطو ، بحسبان أن الدولة شخص معنوي ، يمثل قانونا أمة تقطن أرضاً معينة ، بيدها السلطة العامة، من جملة هذه التعريفات يمكن تلخيص الآركان الواجب توافرها في الدولة في الآتي: ـ
(أ) جماعة بشرية ، سواء كانت شعبا أو مجموعة شعوب أو أمة.
(ب) أرض.
(ج) فئة حاكمة ذات سلطة على الجماعة .
الدولة في منظور الديانات التوحيدية.
من الآسئلة التي تتبادر إلى الذهن : هل فكرة الدولة من حيث الجوهر من أصول الفكر الديني التوحيدي ؟ أم أنها من مبتدعات الفكر الوضعي إبان عصر النهضة الآوربية ، بغية الفكاك من
قبضة الامبراطوريات المقدسة ؟
قبل الولوج بحثا عن إجابة ، يتعين تأصيل مصطلح (دولة ) ، والبحث فيما إن كان له معن ديني يطابق المعنى الاصطلاحي في الفكر الوضعي ، كدلالة حصرية عن وعاء جامع للسلطات في مجتمع ما تضمه بقعة جغرافية ( وطن.)
لعل الملاحظ أن لفظ ( دولة ) المستخدم في النصوص الدينية ، لا يخرج عن المعنى اللغوي للفظ (تداول ) ، وهو نفسه المعنى الوارد في المعجم المغني:
( تداول)
(د و ل . ( مصدر تداول.
بهذه الدلالة وردت في القرآن الكريم:
( وتلك الايام نداولها بين الناس ) اية 140 آل عمران.
(مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
[ الحشر: 7
كذلك لم ترد بالمعنى الاصطلاحي المشار إليه تعينا في التوراة والآنجيل ، غير أن المعنى ورد بلفظ ( مدن ، بيت ، الآرض ) كوطن:
سفر التكوين ( 15) ( أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا).
غير أن جوهر فكرة الدولة والغاية منها ، تضمنها منهج أصول الدين ، فإن كانت فكرة الدولة ابتدعت أصلا لإضفاء صفة تجريدية للسلطة والسيادة ، تزحزحها عن أشخاص الحكام ، بعد أن كانت في الآزمان الغابرة لصيقة بالميزات الذاتية الخاصة بشخص الحاكم فذاك هو عين ما بشرت به الآديان التوحيدية ، حين اضفت على السلطة صفة تجريدية بنسبتها لذات غيبية وفق مبدأ الحاكمية لله.
يفهم من ذلك ـ أن المنهج الوضعي تحت تأثير الفكر المادي ، وضع السلطة والسيادة داخل سياج معنوي أطلق عليه مصطلح الدولة ، ولعل النجاح والانتشار الذي أصابه الفكر المادي من خلال تطبيقات فكرة الدولة ، لم يكن متعلقا بصواب الفكرة بحد ذاتها ، بقدر ما تعلق بحسن تطبيقاتها وتحقق غايتها على أرض الواقع ، بينما تجذرت في المقابل تفسيرات وتطبيقات مبدأ الحاكمية لله ، في إطار شروحات سلفية غلب عليها أهواء الحكام وتطبيقات معاصرة جاءت معيبة وفاسدة ، دثرت أهل السلطة بحرمة المبدأ وقدسيته ، وعادت بالتجربة إلى عصور الثيوقراطيان الماضية.
إن مبدأ توحيد الخالق المعبود الآحد ، والتسليم بحاكميته المطلقة غاية كلية شاملة لا تقبل التجزئة ، بشرت بها كافة الرسالات السموية ، وهي تتجاوز دور السلطة وتصاريفها بين البشر إلى عموم تصاريف الوجود مصيره ومسيره ، وعندما استخلف الله آدم في الآرض امتثالا
لقوله تعالي :
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ البقرة: 30]
وهبه جزءا يسيرا من سلطان حكمه المطلق ، تمثل في حكم الإنسان لآخيه الإنسان ، وحجب عنه الباقي كسلطة الحياة والموت والرزق والصحة ..الخ ولكن ثمة فروق جوهرية بين الآديان التوحيدية ، تعلقت بتطبيقات مبدأ الحاكمية ، ففي الدين اليهودي يأتي التطبيق كـأمر مباشر من
الخالق ، وكان القرآن أكثر وضوحا في ذلك لقوله تعالى :
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 247]
يفهم من ذلك وما سواها من الآيات ، أن الله سبحانه وتعالى فرض على بني إسرائيل أحكاما لم يفرضها على أصحاب الديانات اللاحقة ، إذ اختص رسلهم بالنبوة والملك معا ، أي السلطتين الدينية والزمنية يقيمونهما بأمر ربهم ، فكانت رقابة الله على أحكامهم مباشرة كما بينت قصص القرآن )49(، وحجب عنهم الشورى ، وعطل إرادتهم الحرة ، فلم يعودوا قادرين على تدبير شؤون معاشهم من مأكل ومشرب ، حتى طفقوا يسالون الرب ليفجر لهم ينابيع مشربهم ، وينزل عليهم أطباق أطعمتهم.
إذن فإن سلطة الحكم في الدين اليهودي، تنزلت أمراً إلهي على رسلهم ، اكتسبوها ومارسوها بلا شورى أو مشورة لقومهم ، ودون فصل بين السلطة وشخص الحاكم ، فهي تدور معه وجودا وعدما ، وربما كان لهذا المثال أثرا مباشرا في ظهور النظم التي اصطلح علي تسميتها بالنظم الثيوقراطية ، حيث بيد الحكام كل من السلطة الدينية والزمنية ، مما دفعهم ليدعوا بأنهم يستمدون سلطتهم من الله ، تيمنا بملوك بني إسرائيل ، غير أن تطبيقات المبدأ أخذت منحى جديداّ بعد بعثة عيسى عليه السلام ، فهو لم يبعث ملكا كحال أنبياء بني إسرائيل ، ويعلمنا القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى :
(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾[ مريم: 30].
لذا جاءت المسيحية عند مبتدئها غير معنية بشؤون السلطة السياسية ، ثم تبدل الحال عندما اعتنق الآباطرة والملوك الدين المسيحي ، وسيطر رجال الكنيسة على شؤون الحكم ، ونسبوا سلطتهم الزمنية إلى الله عملا بنظرية الحق الإلهي المباشر، عدد التاريخ ثلة منهم ، ولما استشرت التطبيقات المعيبة ، وابتعد عن مسارات العدل والإنصاف ، تململت الشعوب ، ونشب الصراع بين الكنيسة والقيصر فبرزت فكرة مؤداها أن السلطة وإن مصدرها الله ، فإن الشعوب من حقها اختيار حكامهم فكان ذلك بداية مرحلة تبني فكرة الحق الشعبي ، ومن ثم تعديل نظرية الحق الإلهي المباشر بنظرية أخرى هي نظرية الحق الإلهي غير المباشر.
بظهور الفكر المادي والمثالي والخيالي ، وصراع الآفكار بين مدارسهم ومدارس الفكر الكنسي ، تنامى الاهتمام بمذاهب الفكر الوضعي ، ونالت نظرياتهم استحسانا تحت تأثيرات التطبيق المعيب لنظريات الحق الإلهي المباشر وغير المباشر ، فنودي بإبعاد الدين عن السياسة ، تيمنا بمقولة شهيرة منسوبة للمسيح عليه السلام (ما لله لله وما للقيصر للقيصر) فأخذت فكرة الدولة مكانها ، وتم الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية ، ولما فقدت الكنيسة سلطتها المادية ، وانحسر غطائها الآيديولوجي ، سارعت الافكار العلمانية لتملأ الفراغ ، وترث الدولة الدينية التي اهترأ مثالها في نظر الشعوب ، بعد أن لبس ملوكها رداء القداسة وعاثوا باسمها فسادا وظلما.
لم تكن التجربة الإسلامية بدورها مختلفة عن الديانات التوحيدية الآخرى ، فالإسلام بدوره يقر مبدأ الحاكمية لله ، غير أن الملاحظ وجود فروق بين الاسلام والديانات الآخرى بوجه خاص الديانة اليهودية ، تعلقت بصلاحيات الاستخلاف ، وممارسة الحكم ومشاعيه الدين أهمها أن رسالة الاسلام لم تكن قاصرة على قومية بعينها كحال الدين اليهودي فالقرآن الكريم يفيدنا أن
رسالة الرسول الخاتم جاءت للبشرية كافة في قوله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) 28 سبا.
لذا جاءت مبادئ الاسلام وأحكامه أكثر تبيانا لحقوق الفرد والجماعة ، بنصوص بعضها قطعية الدلالة وبعضها ظني الدلالة قابلة للاجتهاد ، غير أن الفرق الآهم أن نبي الإسلام لم يبعث ملكا كحال أنبياء اليهود ، يظهر ذلك جليا في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾[ الأحزاب: 45]
(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ الاحزاب 46.
للآيتين المذكورتين دلالات جوهرية ، تبين أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، مارس السلطة السياسية على أتباعه بموجب عهد البيعة ، وهذا يعني أنه استمد سلطته السياسية بمقتضى أحكام التعاهد والتحالف الذي تراضوا عليه ، ولم تكن سلطته السياسية مفروضة بأمر إلهي مباشر ، كما كان الحال بين أنبياء بني إسرائيل ، أهمية هذا الآمر تبدو جلية فيما رتبته من حقوق وواجبات على الطرفين ، نظمها الفقه الاسلامي تحت مصطلحي البيعة والشورى والآحلاف ، بموجبها كان النبي صلى الله عليه وسلم ، أمينا على سلطة الحكم يمارسها بتفويض البيعة من جمهور الآنصار والمهاجرين ، وبنود عهود التحالف بينه وبين قبائل يثرب ، وغيرهم من القبائل التي لم تعتنق الاسلام عند بداية نشأة دولته ، وقد جاء في مقدمة كتاب الدكتور عون الشريف قاسم : ـ ( كان قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وامتداد نفوذها بالتدرج إلى معظم أجزاء جزيرة العرب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثمرة مجهودات كبيرة حربية وسياسية وتشريعية ، وكانت حصيلة النشاط السياسي والدبلوماسي الذي اضطلع به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل ، مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات ، تحدد العلاقات بين السلطة المركزية في المدينة وبين قبائل العرب في بقية شبه جزيرة العرب ، وقد اختلفت طبيعة هذه الوثائق وأهدافها باختلاف الظروف والملابسات التي تحكمت في كتابتها ) )53(، لقد أصبح نظام الدولة اليوم واقعا ملموسا ، وعرفا أمميا يرمز لسيادة الشعوب على أراضيها ، وسنت قوانين أممية تنظم العلاقة بين الدول والشعوب ، حملت اسم القانون الدولي ، ونشأت منظمات ومجالس دولية كهيئات رقابية تقريرية ، ومحاكم دولية.
غني عن القول أن مقاصد الإسلام كدين أممي تتعدى الآطر الجغرافية للدول ، والمسلمون اليوم لا تضمهم دولة واحدة ، فهل يمكن تبرير الواقع عن طريق القبول بفكرة الدولة دون المساس بجوهر العقيدة ؟ ربما أمكن ذلك وفقا لرمزها اللغوي ، أي تداول أمانة الحكم بأفضل ما توصل إليه الفكر الإنساني من آليات التنافس السلمي ، لا بصفتنا بشر متساوون في الحقوق والواجبات فحسب ، بل أيضا بمقاصد الإسلام العليا التي تقفاها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينشئ دولته في المدينة . يتبع >>>>>>>>>3

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم فکرة الدولة بنی إسرائیل سلطة الحکم غیر أن

إقرأ أيضاً:

الرباعية حول السودان… محاولة جديدة بمآلٍ مألوف

تشهد الساحة الدبلوماسية حراكًا متجددًا في ملف الأزمة السودانية، تجسد في اجتماعات الرباعية التي تضم كلًا من الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات. ورغم ما توحي به التشكيلة من ثقل إقليمي ودولي، إلا أن القراءة المتأنية لهذه المبادرة تكشف عن خلل هيكلي في تكوينها، وانفصام واضح بين رؤيتها السياسية والحقائق الميدانية في السودان. وعليه، فإن احتمالات فشلها تظل راجحة، إن لم تكن حتمية، ما دامت تعيد تدوير نفس الأخطاء السابقة.

أولًا: الإمارات… الفيل في الغرفة
من غير المنطقي، سياسيًا وأخلاقيًا، أن تكون دولة متورطة بشكل مباشر في تأجيج الصراع جزءًا من آلية يفترض أن تلعب دور الوسيط أو الراعي للحل. الإمارات، وفقًا لتقارير دولية وشهادات ميدانية، قدمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا لقوات الدعم السريع، ما جعلها طرفًا في النزاع وليس مراقبًا محايدًا. تجاهل هذه الحقيقة لن يُنتج إلا المزيد من انعدام الثقة من الجانب السوداني وهذا يضر جدا بعلاقة السودان مع مصر والسعودية تحديدا، خصوصًا من الجيش السوداني، الذي يرى في استمرار دور أبوظبي انتقاصًا من سيادة الدولة ومحاولة لشرعنة المليشيا تحت عباءة “الحل الإقليمي”.

ثانيًا: تجاوز اتفاق جدة… نزع لغطاء الشرعية
اتفاق جدة، الموقع في مايو 2023، هو الوثيقة الوحيدة التي وقّعها الطرفان المتحاربان – الجيش والدعم السريع – برعاية سعودية أمريكية، ما يمنحه شرعية تفاوضية لا يمكن القفز فوقها. ما يُطرح اليوم من الرباعية، سواء من حيث الأسماء المطروحة، أو طبيعة المقترحات المسربة، يعكس محاولة للعودة إلى نماذج التسوية السابقة التي قامت على شراكة شكلية مع فصائل سياسية نفعية، وتجاهلت الديناميكيات الأمنية والمؤسسية التي فجّرت الحرب ابتداءً.

إن أي تجاوز لهذا الاتفاق هو بمثابة العودة إلى مربع الصفر، بل والتمهيد لانفجار جديد أكثر تعقيدًا، خاصة وأن المرحلة الحالية تتطلب مقاربة أمنية تُنهي وجود المليشيات، لا سياسية تعيد تدويرها في واجهات السلطة.

ثالثًا: السعودية ومصر… بين النوايا والمصالح
على الضفة الأخرى، تمثل السعودية ومصر عنصرين يمكن البناء عليهما، لكن مع فوارق في الرؤية والتأثير. السعودية، بحكم رعايتها لاتفاق جدة، تملك سجلًا أكثر توازنًا، ولكنها قد تجد نفسها في موقف حرج إن استمرت في تجاهل تحفظات الخرطوم بشأن دور الإمارات. أما مصر، التي تراقب تطورات المشهد عن كثب، فإن مصالحها الأمنية المباشرة في شرق السودان وأمن البحر الأحمر تفرض عليها مقاربة أكثر براغماتية، لكنها محدودة النفوذ ميدانيًا مقارنة بغيرها من الأطراف.

رابعًا: أمريكا… الرغبة في الحل دون أدواته
الولايات المتحدة، التي تتصدر التحالف الرباعي، تبدو وكأنها تريد تحقيق اختراق دبلوماسي دون استعداد لتحمل كلفته. فهي لم تمارس أي ضغط حقيقي على الإمارات، ولم تقدم حتى الآن تصورًا موضوعيًا لمعالجة جوهر الأزمة: السلاح الخارج عن الدولة، وتفكيك المليشيات. سياسات واشنطن الرمادية، التي تتجنب تسمية المتورطين بأسمائهم، تفقدها تدريجيًا مصداقيتها كقوة راعية للسلام في السودان.
خاتمة: من يملك رؤية الدولة، ومن يسعى لتقاسمها؟
ما يجري اليوم هو صراع بين رؤيتين للسودان:
رؤية وطنية تسعى لاستعادة الدولة السودانية الموحدة ذات القرار السيادي والمؤسسة العسكرية الواحدة.
ورؤية خارجية هجينة تحاول فرض واقع سياسي جديد يتسع للمليشيات ورعاتها الإقليميين، ولو على حساب أمن السودان وسلامة شعبه.

ما لم تحسم الرباعية أمرها، وتُخرج الأطراف المنحازة من معادلة الوساطة، وتلتزم صراحة باتفاق جدة كمرجعية تفاوضية، فإنها ستتحول من أداة للحل إلى وعاء لتأبيد الأزمة، وتغذية مشاريع التقسيم، تحت شعار السلام الشامل.

في النهاية، السودان ليس مائدة فارغة لتقاسم النفوذ، بل دولة ذات تاريخ وثمن باهظ دفعه شعبها دفاعًا عن كرامته. وأي مبادرة لا تعي هذه الحقيقة مصيرها الإخفاق، ولو اجتمع حولها العالم.
وليد محمد المبارك
وليد محمدالمبارك احمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • اليمن.. الحكم بإعدام نجل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح
  • “بن شرادة” يحذر من استئثار البعثة الأممية بصناعة السلطة المقبلة دون إشراك القوى وشرائح المجتمع
  • الصول: تدخل حكومة الدبيبة في انتخابات مجلس الدولة” هدفه إحباط تفاهمات لإزاحتها من السلطة
  • محمد موسى: الإخوان أداة استخباراتية لضرب استقرار مصر والمنطقة
  • اقتسام السلطة واحتساب الشعب
  • مراسل القاهرة الإخبارية: مجلس السلم والأمن الأفريقي رفض الحكومة الموازية ويدعم استقرار السودان
  • مجلس السلم والأمن الأفريقي رفض الحكومة الموازية ويدعم استقرار السودان
  • ترمب يتحدث مجددا عن فكرة نقل سكان غزة
  • وفد معهد الشارقة للتراث يزور معالم تاريخية في «زنجبار»
  • الرباعية حول السودان… محاولة جديدة بمآلٍ مألوف