اضبطوا البوصلة على هدف استعادة الثورة..!

د. مرتضى الغالي

تباين الآراء بين منسوبي وقيادات الأحزاب السياسية والقوى المدنية وحتى داخل كل حزب وكيان هي من الأمور الطبيعية التي تجري عليها سنّة الخلق وسنّن الكون وأعراف السياسة.. ولكن يبقى الامتحان الحقيقي في كيفية إدارة هذه التباينات المشروعة في الرأي والرؤى والأفكار لتحقيق الأهداف المرجوّة عبر الوسائل المختلفة.

.!.

وقد شهدت الأيام الماضيات تمريناً ديمقراطياً محترماً غاية في الرشد والعقلانية عندما تباينت الآراء في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدّم” وانتهى الأمر إلى (فراق بإحسان) بعيداً عن التشاتم والتنابذ والتخوين.. حيث أن الغاية العليا هي إنهاء الحرب وإنقاذ السودانيين من التشرّد والجوع والموت والمهانة و(قلة القيمة) والعمل على عودة الديمقراطية والحكم المدني؛ وإعادة الوطن إلى درب التعافي والعدالة والحرية والسلام وفق الأهداف الرفيعة لثورة ديسمبر العظمى..!.

وفي هذا لا بد من الإشارة لاعتبار غاية في الأهمية يلزم بأن يكون في أذهان كل القوى السياسية والمدنية.. ونقصد بهذا الاعتبار (الحالة المعقدّة الراهنة) في الوطن بعد الانقلاب المشؤوم وبعد إشعال الحرب.. وهذا يوجب الكثير من الحساسية السياسية والمرونة والرشد والتسامي على الاعتبارات الذاتية وعلى الجراحات وعلى الاختلافات الفرعية وعدم الاعتداد بالرأي (والصبر على المكاره) من أجل الوطن وثورته.. وخشية من انزلاقه إلى المجهول..!.

أما ما يدور داخل بعض الأحزاب من تباينات في الآراء؛ فيجب التوقي من أن تكون هذه الاختلافات في الرأي سبباً في التصدّع والدخول في انشقاقات لا نهائية..! ويجب الانتباه إلى أن هذه الأحزاب هي ضحية الأنظمة العسكرية والحروب التي أشعلتها هذه الأنظمة الغاشمة.. حيث لم يتح للأحزاب السودانية طوال ثلاثين عاماً وخلال الخمس أعوام الماضية حتى أن تعقد اجتماعات هيئاتها ومكاتبها أو تلتقي بقواعدها..!.

وما أن أشرق فجر ثورة ديسمبر العظمى حتى تواصل التآمر عليها بالانقلاب ثم بإشعال هذه الحرب اللعينة.. فرفقاً بالتعاطي السياسي الذي لا يصلح فيه التنابذ والتناحر وإطلاق البيانات والتصريحات المتعارضة.. وإشعال منصات الإعلام بما لا يفيد هذه الأحزاب والتنظيمات ولا يفيد الوطن، بل يزيد من تعقيد الراهن (المعقّد أصلاً) بما فيه الكفاية.. وما فوق الكفاية..!!.

أليس من الأفيد والأجدر والأوفق والأفضل أن تتداول الأحزاب أمورها التنظيمية داخل أسوارها بدلاً من الخروج للإعلام بالبلبلة والتراشق، وبدلاً من نشر (الغسيل الداخلي) تحت هذا الغبار.. وفي بيئة إعلامية (وخيمة) مشحونة بالطحالب والعوالق والشرانق والديدان والعناكب…!.

أليس هذه ألف باء العمل السياسي الراشد..؟!.

ظروف الحرب لا تمكّن من العمل الحزبي السياسي كما يجب أن يكون. بسبب ضعف التواصل والاتصال بين المواقع والكوادر والقواعد خلال الحرب وتحت الانقلاب.. فليكن العلاج بغير البيانات المتعارضة والتعبيرات القاطعة والجارحة..!.

مهلاً مهلاً وسماحاً سماحاً في كل ما لا يقتضي العزل المتبادل وقطع التواصل..!.

ما فرحة الكيزان وأبواقهم باختلافات القوى السياسية وتباينات مواقفها فهو من الضلال القديم..! فلا مشكلة في اختلاف الآراء.. فهي من سنن الديمقراطية التي لا يعرفها الشموليون الانقلابيون الطغاة..!.

لقد كانت خطة الكيزان منذ أن طفحوا على سطح الوطن زرع الفتنة بين طوائف المجتمع والقوى السياسية والمدنية؛ وهي خطة ضالة مُضلّة (ضلالية) هدفها شق الصفوف وبث الخلافات داخل كل حزب وجماعة وقبيلة وعشيرة وتنظيم ونقابة وسجادة وأسرة ونادي رياضي أو حتى فرقة فنية…!.

إنهم يعدون زرع الفتنة داخل الأحزاب والقوى السياسية والمدنية فلاحاً وانتصاراً حتى لو أدى ذلك إلى تمزيق الوطن.. فدعهم في طغيانهم يعمهون..!.

نقول هذا من منصة مستقلة وطنية ومن باب الحرص على الديمقراطية والحكم المدني.. فلا ديمقراطية ولا حكم مدني بغير الأحزاب السياسية والقوى المدنية والتنظيمات النقابية..!.

مهلا أبناء الوطن وأنصار الثورة.. وليكن دأبكم التروّي في التعاطي والاحتمال في التقاضي والتصويب نحو ما يبني لا ما يهدم.. (من أجل الوطن والثورة) وحتى يبقى الصف الوطني تعبيراً عن أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة..!.

فالوطن تحت (قبضة شريرة) من انقلابيين غارقين في الجهل والتبعية.. ومن كيزان لا يعنيهم خراب البلاد وموت العباد لإشباع شهوة السلطة والمال والتنكيل بالسودانيين.. (رمضان كريم)..!!.

[email protected]

الوسومالأحزاب السودانية الانقلاب الثورة السودان القوى السياسية الكيزان د. مرتضى الغالي رمضان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأحزاب السودانية الانقلاب الثورة السودان القوى السياسية الكيزان د مرتضى الغالي رمضان القوى السیاسیة

إقرأ أيضاً:

مع استمرار الحرب..التهاب السحايا مأساة جديدة تهدد حياة أطفال غزة

صراخ وبكاء داخل قسم الأطفال المكتظ بالمرضى، أطفال يتشاركون ذات الأسرّة يعانون من ارتفاع حاد بدرجة الحرارة، تستخدم الأمهات قطع القماش المبللة بالماء للتخفيف من الحمى، ولكن دون جدوى في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وانقطاع التيار الكهربائي بسبب نفاد الوقود داخل المستشفيات.

تحتضن كفاح سالم ذات الـ23 عامًا رضيعها يزن الذي يبلغ من العمر خمسة أشهر، يبكي فتحاول أن تهدهده بين ذراعيها، في محاولة منها للتخفيف من أوجاعه إثر إصابته بمرض التهاب السحايا.

توصف كفاح النازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة والتي تعيش في أحد مخيمات النزوح بالقرب من منطقة الجامعات ما حدث مع طفلها قائلة:" أصبح ابني كثير الصراخ والبكاء، تفاجأت بأن حرارته مرتفعة كنت اعتقد في البداية أن ما أصابه كان نتيجة تواجدنا داخل الخيمة وارتفاع درجة الحرارة فيها، حاولت تبريد جسده باستخدام الماء، ولكن دون جدوى، توجهت بعدها إلى النقطة الطبية داخل المخيم وبعد فحص الطبيب لطفلي أخبرني أن حرارته مرتفعة ولابد من الذهاب إلى مستشفى الرنتيسي فورًا، خرجت بسرعة وهنا قرر الأطباء دخولي إلى قسم المبيت بعد أن تأكدوا من إصابة طفلي بالحمى الشوكية أو ما يعرف بالسحايا، أتواجد هنا منذ أسبوع تقريبًا، يأتي عشرات الأطفال بشكل يومي لديهم نفس الأغراض، يتاقسم ابني سريره مع طفل آخر بسبب قلة الأسرة داخل المستشفى".

يعتبر يزن واحدًا من بين مئات الحالات، جلهم من الأطفال الرضع الذين سجلت مستشفيات قطاع غزة إصابتهم بهذا المرض، وسط تحذيرات أطلقتها وزارة الصحة من انتشاره السريع وأمراض معدية أخرى، في ظل مكوثهم في بيئة غير آمنة وسط منظومة صحية منهارة ناجمة عن تداعيات الحرب والحصار.

هذا ويتشابه واقع الأطفال رغم اختلاف مكان تواجدهم في كافة أنحاء قطاع غزة لأنهم يعيشون نفس الظروف القاسية واللاإنسانية.

في غرفة ممتلئة بالأطفال المصابين بالتهاب السحايا داخل مستشفى العودة الصغير والوحيد في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة والذي يخدم مئات الآلاف من السكان والنازحين في المحافظة الوسطى من القطاع ترافق سوسن ياسين (32) عامًا وهي أم لثلاثة أطفال، رضيعها محمود والقلق يتملكها على مصيره بعد استشهاد والده قبل أسبوعين أثناء محاولته الحصول على المساعدات الأمريكية بالقرب من وادي غزة، أدى إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استشهاده أثناء انتظاره لشاحنات المساعدات فأصبحت الأسرة دون معيل.

تحتضن سوسن رضيعها محمود المصاب بالتهابات السحايا وتقول:" لقد لاحظت ارتفاعا شديدا في درجة حرارة طفلي بعد استشهاد والده بأيام، توجهت فورا برفقة أخي إلى المستشفى، وبعد إجراء الفحوص الطبية وأخذ العينات منه وتحليلها، أكد الطبيب بأنه مصاب بالتهاب السحايا أو ما تعرف بـ"الحمى الشوكية، أخبرني الطبيب أن حالته تستدعى المتابعة المستمرة، أحاول بكافة الطرق البدائية خفض حرارته المرتفعة التي لا تقل عن 39 درجة".

لم تخض سوسن تجربة مماثلة مع أطفالها السابقين، حيث كانت الأمور قبل الحرب مستقرة من حيث الحصول على الطعام والشراب، انتابها البكاء عندما أخبرتني قائلة: " كانت حياتنا مستقرة، زوجي يعمل في أحد المطاعم، يجلب لنا كل ما لذ وطاب من أطعمة، كنا نسكن بيتًا جميلًا، اليوم فقدنا كل شيء بسبب الحرب، استشهد زوجي ودمر بيتى ولا أجد طعاما لأطفالي الذين يعانون من مجاعة صعبة، حتى الماء النظيف لا يمكن الحصول عليه بسهولة، لقد تحولت حياتنا إلى جحيم في ظل استمرار الحرب".

هذا وقد أشارت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة إلى ارتفاع عدد إصابات الأطفال بمرض السحايا، حيث تم تسجيل 337 إصابة بمرض السحايا بينها 259 حالة فيروسية والأعداد في ارتفاع سريع محذّرة من ارتفاع مقلق في عدد الإصابات اليومية في ظل تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية في القطاع المحاصر.

وأوضحت الوزارة أن هذا التفشي الخطير يأتي في وقت يعاني فيه القطاع من اكتظاظ شديد في مراكز الإيواء، ونقص حاد في المياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية، ما يهيئ بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية والأوبئة، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا وأقل مناعة.

ودعت وزارة الصحة، ومعها الطواقم الطبية، المنظمات الدولية والإنسانية إلى تحرك عاجل لتوفير المياه الصالحة للشرب، والأدوية والمضادات الحيوية، ودعم وحدات الكشف والعزل في محاولة لاحتواء انتشار المرض قبل خروجه عن السيطرة.

وأكدت الوزارة أنها تتابع الوضع الصحي ضمن الإمكانيات المتاحة، محملة المجتمع الدولي مسؤولية التدهور الصحي الحاد، ومطالبة بتدخل فوري أمام ما وصفته بـ"الكارثة الصحية والإنسانية" في قطاع غزة وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة، د. منير البرش، في بيان صحفي عبر صفحة الوزارة: إن المرافق الصحية تواجه ضغوطًا غير مسبوقة نتيجة الحصار والتدمير الإسرائيلي الممنهج، مشيرًا إلى أن أكثر من 1.5 مليون مواطن يعيشون في ظروف معيشية خانقة بعد الإخلاء القسري.

وأكد البرش إن ما يجري "هو محاولة ممنهجة لنشر الأوبئة في القطاع"، محذرًا من أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد دفع الأوضاع نحو الانفجار الصحي من خلال منع تدفق الأدوية والتطعيمات، والتسبب بانتشار أمراض مثل الإسهال المدمم الحاد، والتهاب السحايا، وأمراض منقولة أخرى، بالتزامن مع حرمان السكان من الأمن المائي، حيث يعاني 90% من سكان القطاع من انعدام الأمن المائي.

من جانبه، أكد رئيس قسم الأطفال في مستشفى "النصر الرنتيسي" للأطفال بغزة، الدكتور راغب ورش أغا أن المستشفى سجل مئات الإصابات بمرض التهاب السحايا، محذرًا من تصاعد انتشاره في ظل الانهيار المستمر للقطاع الصحي والظروف المعيشية الكارثية.

وأضاف أن من أبرز أعراض المرض ارتفاع درجات الحرارة وتصلب عضلات الرقبة وظهور طفح جلدي، مشيرًا إلى أن هذه العلامات تدل على تقدم العدوى إلى مراحل خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة..

وأوضح أغا قائلا: "نشهد زيادة يومية في عدد الإصابات وسط عجز كبير في توفير المياه النظيفة ومستلزمات النظافة، ما يعزز من فرص تفشي الأوبئة، خصوصًا داخل مراكز الإيواء المكتظة والتي تفتقر لأدنى شروط الصحة العامة".

ووفقا له، فإن كل حالة مصابة تحتاج من أسبوع إلى 10 أيام من العزل الطبي والمتابعة والعلاج بالمضادات الحيوية الدقيقة، في ظل شح شديد بهذه المضادات، نتيجة الحصار المشدد وإغلاق المعابر.

هذا وترتكب "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر 2023 وبدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

ويفرض الاحتلال حصارا محكما، ويغلق المعابر كافة منذ الثاني من مارس الماضي، ويمنع إدخال الإمدادات الإنسانية، بما فيها الطبية والوقود للمستشفيات التي تواجه خطر الانهيار نتيجة قلة الإمكانيات والاكتظاظ الشديد من جرحى ومرضى.

وحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فقد خلفت الإبادة نحو 190 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين ومجاعة أزهقت أرواح الكثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع للبنى التحتية والمباني والمدارس والجامعات والمرافق الصحية والمستشفيات.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الروسي: هناك تمرد داخل حلف الناتو العسكري
  • ثقافة سوهاج تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو وتواصل فعالياتها الصيفية
  • مشروع بريطاني فرنسي على وشك الانهيار.. واشنطن تتخلى عن ضمانات الدعم لأوكرانيا
  • عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: الجيش أبلغ القيادة السياسية أن من غير الممكن حاليا تحقيق هدفي الحرب معا
  • مع استمرار الحرب..التهاب السحايا مأساة جديدة تهدد حياة أطفال غزة
  • حماس حاولت الوصول لقاعدة الوحدة 8200 بعد 3 أشهر من بدء الحرب
  • الحرب قريبة: تهويل ام واقع؟
  • وكيل نيابة الأموال العامة بذمار لـ “الثورة “: نعمل على استعادة المال العام وتطهير القضاء من الفساد
  • في الروحانية السياسية..كيف عايش فوكو الثورة الإيرانية ؟!
  • حرب لتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد