استجلاب منافع في البدايات الأولى لعمر المعرفة، وحتى عهد قريب، انتشرت فكرة «القدوة» أي هناك من يقتدى به، ولذلك كان السؤال الشائع في كثير من المناسبات التي يرى فيها أن هناك أثرا ما، لشخصية ما، من قدوتك؟ في الإشارة الضمنية إلى أنه لا بد أن تكون هناك قدوة ما للشخص، حتى يواصل تألقه، أو أنه يعود إلى جذر ما يظل له الأثر الكبير فيما عليه الشخص من تميز في حاضره.
ولعله حتى اليوم هناك من يسأل هذا السؤال الغبي، والغباوة تكبر أكثر عندما تكون الإجابة محددة بشخص ما ذي شهرة معينة، لأنه ليس هناك شخص قدوته شخص آخر، ربما، قد يكون هناك إعجاب بشخص ما، وحتى هذا الإعجاب يظل مرتبطا، فقط، بفترة المراهقة، أما عندما تستكمل النفس توازنها، واستحقاقات وعيها، فلا أتصور أن يكون هناك من يكون في مستوى القدوة لآخرين، مهما بلغ الفرد من التحقق في المجال الذي يمثله، أو يعمل فيه، مع اليقين أن الذكر يأتي بالاقتداء بفلان أو فلانة من الناس، فهو لا يخرج عن كونه نوعا من المجاملة، أو النفاق الصريح، أو الكذب المكشوف، وذلك لسبب بسيط، أن الفرد الطبيعي لا يقبل الهيمنة من آخر، حتى ولو كانت معنوية، مهما بلغ هذا الآخر من الاحترام والتقدير، إلا في حالة استثنائية واحدة وأقصد هنا الهيمنة - وهي أحد الوالدين، أما ما عدا ذلك فلا توجد قدوة من آخر لآخر يماثله في بشريته، مع الأخذ في الاعتبار مجموعة الإنسانيات، وهذه تظل خصوصية مطلقة لا يمكن أن توزع كهبات للآخرين لكي يمتثلها الآخرون من بعد هذا الذي يشار إليه بالبنان.
كل فرد كما يرى الدكتور عبدالله الغتامي عنده القدرة على تمثيل ذاته بالرفض أو النقد، أو الاحتجاج. انتهى معنى كلامه. ومعنى هذا الذهاب إلى امتثال القدوة، هو الانقياد الطوعي، وقد يتحول إلى الانقياد المطلق لشخص ما، حيث ينزله الشخص الآخر هذه المنزلة المبالغ في تقديرها، وهي إن حصلت بهذه الصورة فهي واقعة في مأزق النفاق بلا جدال، والهدف منها استجلاب ما يمكن استجلابه من منافع «اطعم الفم، تستحي العين» وبالتالي فالإشارة إلى القدوة الذي يقتدى به - لن تخرج عن تأثير الفضل على الآخر - المقتدي، فليس هناك هبات توزع بالمجان، ولذلك فمن الأفضل ألا يستشعر من يظن أنه القدوة بشعور الغبطة كثيرا، حتى وإن صارحه الآخرون بذلك، فلن تخرج المسألة عن مرحليتها الزمنية التي تخضع لنوع من الاسترزاق المؤقت، وبخلاف ذلك فالمسألة تتجرد كليا من من هذا الالتزام الذي ظاهره النفاق والكذب، وباطنه حقيقة النفس التي لا تقبل أية وصية عليها من آخرين مهما علا سهم هؤلاء الآخرين قربا ومودة.
لأن خطورة ذلك تكمن في أنه بعد انتهاء المنافع سيركل هذه القدوة بالأقدام، ولن يلتفت إليها، وقد توجه إليها سهام النقد، والقذف، والشتم، فيتحول الشخص من قدوة إلى بلوى، وفي ذلك تحميل الطرف الآخر، ما لا يحتمله، لأن كل فرد في هذه الحياة به من النوازع الذاتية ما به، ومن الإخفاقات في الأداء ما فيه، فكيف يكون الفرد قدوة لآخر، وهو محمل بالأخطاء، وبالنواقص؟ فالقدوة تحتاج إلى كثير من المثالية المتحققة في شخص القدوة، ولا يوجد في الواقع شخص مثالي بمعناه المطلق، نعم، هناك جوانب إيجابية عند كل شخص على حدة، وتظل هذه الصورة محدودة جدا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محللون إسرائيليون: قصف سوروكا غير مؤكد والهدف قد يكون عسكريا
شكك محللون وخبراء إسرائيليون في ادعاء تل أبيب أن طهران استهدفت مستشفى سوروكا في بئر السبع أو المدنيين في إسرائيل بشكل متعمّد.
وأمس الخميس، قال مسؤولون ووسائل إعلام إسرائيلية إن أحد الصواريخ الإيرانية أصاب مستشفى سوروكا في بئر السبع (جنوبي إسرائيل)، الذي يعمل على إسعاف الجنود المصابين في غزة، وأدى لانهيار مبنى فيه بالكامل.
واتهمت إسرائيل طهران بتعمّد استهداف المستشفى، وتوعّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– إيران بدفع الثمن، في حين حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس المرشد الإيراني علي خامنئي المسؤولية، وقال إنه يجب ألا يظل على قيد الحياة.
بدوره، قال الصحفي في جريدة هآرتس أوري مسغاف إن إسرائيل هي من جعلت من قصف المستشفيات واستهداف المنشآت الطبية أمرا عاديا في قطاع غزة.
وجاء تعليق مسغاف ردا على تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ومسؤولين إسرائيليين آخرين، مفادها بأن "النازيين هم فقط من يهاجمون المستشفيات".
بدوره، رجّح محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 الإسرائيلية ألون بن دافيد أن يكون هدف الصاروخ الإيراني مقر قيادة الجبهة الجنوبية التابع للجيش الإسرائيلي، القريب من المستشفى ويبعد عنه 1.5 كيلومتر فقط.
ووفق بن دافيد، فإن الصواريخ الإيرانية دقيقة نسبيا، لذلك "لا تسقط في مناطق مفتوحة، وإنما في المناطق التي وجّهت إليها"، مشيرا إلى هامش خطأ لديها يعتمد على نوع الصاروخ، ويتراوح بين 500 متر وكيلومتر.
من جانبه، أعرب أساف كوهين، وهو نائب قائد وحدة 8200 الاستخبارية سابقا، عن قناعته بأن إيران لا تستهدف عن قصد تجمعات سكنية، مرجحا أنها وجهت صواريخها في معظم المرات نحو أهداف عسكرية وتكنولوجية.
وحسب كوهين، فإن إيران دولة ذات سيادة، وهي تقصف أهدافا أمنية ردا على قصف إسرائيل أهدافا أمنية على أراضيها، لكن صواريخها "ليست دقيقة مثل صواريخ الجيش الإسرائيلي، لذلك تنحرف وتصيب أهدافا مدنية".
إعلانفي المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن قصف بئر السبع استهدف مقر القيادة والاستخبارات الكبرى للجيش الإسرائيلي الواقع قرب مستشفى سوروكا.
وأشار عراقجي إلى أن الأضرار التي لحقت بالمستشفى سطحية وفي جزء صغير منه، لافتا إلى أن المستشفى كان قد تم إخلاؤه إلى حد كبير في وقت سابق.
ومنذ فجر 13 يونيو/حزيران الجاري تشن إسرائيل هجمات واسعة النطاق على إيران، استهدفت منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي.