عربي21:
2025-07-30@22:24:46 GMT

بدء انهيار المعمار الأمني الغربي

تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT

مما كان يرويه الفيلسوف الفرنسي الراحل ميشال سارّ أنه كان كلما استيقظ صباحا وأخذ في حلق ذقنه، تذكر النبأ السعيد الذي صار نسيا منسيا لدى الجميع من طول التعود. فما هو النبأ الذي يظل منسيا، رغم أنه يتجدد باستمرار، والذي كان الفيلسوف الحر الخارج على جميع المذاهب والتصنيفات (والمتوفَّى قبل عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا) يرى من واجبه أن يتذكره كل يوم، وأن يذكّر به الأوروبيين كلما سنحت الفرصة؟ إنه السلام! يا قوم أوروبا الغربية تعيش في سلااااام! أوروبا الغربية التي كان تاريخها كله طوال القرون حروبا في حروب تعيش منذ عام 1945 أطول فترة سلام في تاريخها.



والرأي عندي أنها أطول فترة سلام في تاريخ البشرية بأسرها. ذلك أن «الباكس رومانا» الذي دام 180 عاما، لا يُعتدّ به حقا لأنه كان سلاما إمبراطوريا مسلحا مفروضا على الشعوب بالقهر، ولأنه لم يكن يمنع دوام الغارات والغزوات المحلية بين القبائل والأهالي. وحتى مع أخذ هذا السلام الروماني في الحسبان، فإن المؤرخين يقدرون أن البشرية أمضت 92 في المئة من تاريخها في الحرب والاقتتال.

أما دول أوروبا الغربية فقد تعلمت درس التاريخ وقررت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن تتحرر من لعنة الحروب. صحيح أن الدول الاستعمارية منها ظلت تخوض حروبا عدوانية على شعوب القارات الأخرى. ولكن منذ أن تدخل الرئيس أيزنهاور لإحباط العدوان الثلاثي على مصر، قررت دول أوروبا الغربية أن تُسخر جهودها للإعمار والتنمية والازدهار.

وليس مصادفة أن معاهدة روما، المُنشِئة للمجموعة الأوروبية، قد وُقّعت عام 1957، أي بعد عام فقط من فشل العدوان الثلاثي وتكرّس ميزان القوى العالمي الجديد.

أما الغاية من المجموعة (التي بدأت بستة أعضاء لتصير بعد عقود اتحادا من 27 عضوا) فقد لخصتها، عند إنشائها، قولة صحافية بليغة: أن تكون حصنا ضد كل من الماضي الألماني والحاضر الروسي.

أي أن دول أوروبا الغربية قد تكتلت لمنع تكرار العدوانية الألمانية ولردع احتمال العدوانية الروسية. وقد كان تكتلها في الأساس اقتصاديا تنمويا. ومما يسّر هذا المسعى التكاملي المدروس، الذي لا نظير له في التاريخ، أن ألمانيا الغربية تحولت إلى ديمقراطية ليبرالية وتمكنت في ظرف عشرة أعوام فقط، أي بحلول 1955، من إعادة بناء اقتصادها الذي دمرته الحرب تدميرا شبه كلي.

مشهد سوريالي ما كان لِيخطر حتى في روايات الخيال العلمي: الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية من جهة، وبقية العالم في الجهة المقابلة! فرنسا وبريطانيا في خندق، والولايات المتحدة والمجر ونيكاراغوا (وإسرائيل طبعا) في الخندق المواجه
ومن أسباب نجاح المجموعة الأوروبية في صيغتها الأولى أنها استوفت أفضل شروط التجانس: فقد كانت كل دولها الأعضاء ديمقراطيات ليبرالية ذات اقتصاد حر مزدهر في كنف دولة الرعاية الاجتماعية الكافلة للعيش الكريم لجميع الفئات، بمن فيهم المرضى والمسنون والمتقاعدون والعاطلون. وقد تطور البناء الاتحادي الأوروبي ليتخذ شكل «ديمقراطية تعاونية» فريدة بين دول كانت متعادية تاريخيا وسياسيا وأمم كانت متباغضة ثقافيا ومذهبيا (بفعل سلسلة الحروب الدينية من القرن 16 إلى القرن 19) فضلا عن اعتداد كل منها بذاتيته القومية. وليس من المستغرب أن تتعثر خطوات البناء وتتعقد بما ينذر بالتهافت أو الانهيار. فهذا البناء الاتحادي مناقض لطبائع الأشياء (!) مثلما كان يقول ميتران. ذلك أنه يروم تحقيق دوام الائتلاف والانسجام بين أمم متباينة العقليات والحساسيات، أي أنه يريد أن يحقق بالإرادة السياسية الواعية أقصى وأعزّ ما تحول دونه، بل وتعمل ضده، الطبائع النفسية الثابتة.

ولكن الحقيقة أن الازدهار الأوروبي ما كان ليتحقق ،والسلام الأوروبي ما كان ليستمر والحصن الاتحادي «ضد الحاضر الروسي» ما كان ليصمد لولا الحماية العسكرية الأمريكية المضمونة بمقتضى معاهدة الناتو. إلا أن هذه الضمانة قد انْتَقضت بمجيء ذلك الرجل الأمريكي الذي لا يعرف الصديق من العدو والذي يظن أن السياسة الدولية برمّتها ما هي إلا حكاية بيع وشراء تتخللهما مساومات بازارية وابتزازات مافيوزية. وقد تجلت خطورة الشرخ الذي أصاب قلب العالم الغربي، بانحياز الولايات المتحدة للعدو الروسي وتألّبها ضد الحليف الأوروبي، في مشهد التصويت على قرار الجمعية العامة المطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا.

مشهد سوريالي ما كان لِيخطر حتى في روايات الخيال العلمي: الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية من جهة، وبقية العالم في الجهة المقابلة! فرنسا وبريطانيا في خندق، والولايات المتحدة والمجر ونيكاراغوا (وإسرائيل طبعا) في الخندق المواجه.

قلائل هم الذين يرون أن هذا الصدع قابل للرأب، بل الرأي الراجح أنه إيذان ببدء انهيار معمار الأمن التضامني الغربي، وربما انفجار النظام الدولي بأسره.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السلام الغربية العالمية امريكا الغرب العالم السلام مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أوروبا الغربیة ما کان

إقرأ أيضاً:

ارتفاع أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري الأمريكي الأوروبي

سنغافورة-سانا

ارتفعت أسعار النفط اليوم بعد التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى احتمال تمديد فترة تعليق الرسوم الجمركية مع الصين، ما خفف المخاوف بشأن تأثير فرض الرسوم على النشاط الاقتصادي العالمي.

وذكرت وكالة رويترز أن العقود الآجلة لخام برنت ارتفعت 20 سنتاً أو 0.29 بالمئة إلى 68.64 دولاراً للبرميل، في حين استقر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي عند 65.31 دولاراً للبرميل بارتفاع 15 سنتاً أو 0.23 بالمئة.

وحددت اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، المبرمة أمس، تعريفة جمركية بنسبة 15% على معظم سلع الاتحاد الأوروبي، ما حال دون نشوب حرب تجارية أوسع نطاقًا بين حليفين يُمثلان ما يقرب من ثلث التجارة العالمية.

ويوم أمس توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري بعد مفاوضات خاضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اسكتلندا، ويشمل الاتفاق فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 15 في المئة على جميع السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي.

ويمثل الاتفاق تخفيفاً لضرائب الاستيراد، التي هدد ترامب بفرضها ابتداءً من يوم الجمعة، بقيمة 30 في المئة.

وأكد ترامب على أن الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، سيفتح أسواقه أمام المصدرين الأمريكيين، مع إعفاء كامل من الرسوم الجمركية لبعض المنتجات.

من جانبها أشادت أورسولا فون دير لاين بالاتفاق، مؤكدةً أنه سوف “يحقق الاستقرار لكلا الحليفين”.

كما يُعقد اليوم اجتماع في استوكهولم لكبار المفاوضين الأمريكيين والصينيين، بهدف تمديد الموعد النهائي المحدد في ال 12 من آب المقبل لفرض رسوم جمركية أعلى على الصين.

 

أسعار النفط 2025-07-28bdrossmanسابق ندوة توعوية في حلب حول مخاطر المخدرات وضرورة التكاتف المجتمعي لمكافحتها انظر ايضاً أسعار النفط تستقر بعد أول تراجع أسبوعي هذا الشهر

نيويورك-سانا استقرت أسعار النفط اليوم بعد أول انخفاض أسبوعي لها هذا الشهر، مع تركيز الأسواق …

آخر الأخبار 2025-07-28ارتفاع أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري الأمريكي الأوروبي 2025-07-28ندوة توعوية في حلب حول مخاطر المخدرات وضرورة التكاتف المجتمعي لمكافحتها 2025-07-28أردوغان: تركيا في حالة تأهب دائمة لحماية الغابات من الحرائق 2025-07-27مصرع ثلاثة أشخاص في حادث قطار غرب ألمانيا 2025-07-27الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتوصلان لاتفاق تجاري بشأن الرسوم الجمركية 2025-07-27منظمة الصحة العالمية تحذر من معدلات مقلقة لسوء التغذية في غزة 2025-07-27وزير الإعلام السوري: حياة المدنيين واحتياجاتهم يجب أن تبقى بمنأى عن التوظيف السياسي 2025-07-27شراكات اقتصادية وفرص عمل بختام معارض روميكس وكيم إكسبو وسيريا بلاست الصناعية بدمشق 2025-07-27دورة تدريبية لوزارة التنمية الإدارية بهدف تحسين الخدمات الحكومية 2025-07-27النقل السورية تطلق استبياناً إلكترونياً لتحديث قطاع النقل الطرقي للبضائع

صور من سورية منوعات اختفاء غامض لعشرات الطواويس من فندق تاريخي في كاليفورنيا 2025-07-27 أمازون تغلق مختبرها للذكاء الاصطناعي بالصين 2025-07-25
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • ماكرون يقرّ: صفقة ترامب مع الاتحاد الأوروبي أفقدت أوروبا هيبتها
  • تداول عقود النفط عند 69 دولارًا للبرميل بالتزامن مع تهديدات ترامب لمشترين الخام الروسي
  • تحذيرات من تسونامي على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة
  • بعد زلزال بقوة 8.7 ريختر.. تسونامي يُهدّد الساحل الغربي للولايات المتحدة بالكامل
  • خمس نقاط غامضة في الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
  • رحلة استسلام الاتحاد الأوروبي لسياسة ترامب الجمركية
  • لافروف: الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى تراجع التصنيع في أوروبا
  • ارتفاع أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري الأمريكي الأوروبي
  • ترامب يُعلن التوصل لاتفاق تجاري على الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي
  • ارتفاع أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي