نزعة إسرائيل التوسعية تضع دول الإقليم على المحك
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
تتبنى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إستراتيجية أمنية جديدة، ذات بعد استباقي ونزعة توسعية، إضافة إلى السعي لتسريع تصفية القضية الفلسطينية، بغض النظر عن تداعيات ذلك على محيطها بما في ذلك الدول التي تربطها بها اتفاقات سلام أو تطبيع.
وفي ظل توجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تغيير الديناميكيات التقليدية لسياسة الإقليم، بما في ذلك القضية الفلسطينية، تستشعر العديد من دول الإقليم خطر النزعة العدوانية والتوسعية الإسرائيلية، وهو ما يظهر في مزيج من المواقف السياسية والعسكرية الصادرة عن دول عديدة في مقدمتها مصر والأردن والسعودية وتركيا.
يأتي ذلك في ضوء تراجع قدرة إسرائيل على التخويف من التهديد الإيراني للإقليم، بفعل ما تعرضت له إيران من ضربات في سوريا ولبنان.
وفي هذا السياق يتناول التقرير التالي دوافع المخاوف الإقليمية تجاه إسرائيل، ومظاهرها كما تبدّت في الأسابيع الأخيرة:
أولا: عدوانية إسرائيلية مفرطة:شكلت جرائم الإبادة الجماعية في غزة، صدمة للعالم العربي والإسلامي، على المستويين الشعبي والرسمي، فيما تستشعر الحكومات خطر تزايد مشاعر الغضب الشعبي بالتوازي مع إدراك الشعوب لعجز الحكومات ومحدودية خياراتها، في ظل أوضاعها وخياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي راكمتها على مدى عقود ماضية.
إعلانويثير هذا الوضع تهديدا شعبيا مستجدا لهذه الأنظمة، التي تبدو عاجزة عن الاستجابة لتطلعات شعوبها ومعتقداتها الدينية ومشاعرها القومية.
وفي هذا السياق أيضا، يشكل مشروع تهجير سكان القطاع، تهديدا بتوسيع الصراع بالنسبة لمصر، كما بدا في تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي عبر في أكثر من مناسبة عن رفضه تهجير سكان غزة، كما شدد الأردن على رفض أي توجه لتهجير الفلسطينيين إليها، وإن تراجعت لهجتها التي وصفت الأمر قبل عام ونصف بأنه بمنزلة إعلان حرب عليها.
وفي المقابل، تناقش إسرائيل ضرورة الاستعداد لخوض حرب مع تركيا بسبب تمدد نفوذها في سوريا، إذ قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن لجنة حكومية أوصت في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة بدمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأفادت صحيفة جيروزاليم بوست، بأن لجنة "فحص ميزانية الأمن وبناء القوة"، المعروفة بلجنة ناغل -على اسم رئيسها يعقوب ناغل- نبهت في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، مشيرة إلى أن الأمر قد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني".
وخلصت اللجنة إلى أنه يجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهة مباشرة مع تركيا في ضوء التوترات المحتملة بسبب ما سمتها "طموحات تركيا لاستعادة نفوذها العثماني".
منذ بدايات الحرب في غزة برز توجه الاحتلال إلى اقتطاع جزء من قطاع غزة وإقامة منطقة عازلة فيه، وتناولت التقديرات الإسرائيلية خطة الجيش الإسرائيلي إقامة منطقة عازلة على طول السياج الأمني مع قطاع غزة بذريعة توفير الأمن والسماح لمستوطني الغلاف بالعودة.
إعلانوفي وقت لاحق تعزز موقف حكومة الاحتلال بالإصرار على تصفية القضية الفلسطينية من خلال تعزيز الاستيطان وحماية عنف المستوطنين والسماح لهم بتسجيل ملكية الأراضي داخل الضفة الغربية، ومنع عمل وكالة الأونروا ومساعي ضم الضفة وتهجير أهلها، مع ما يحمله من تهديد لاستقرار الأردن.
وبالتوازي ظهر رفض الاحتلال الانسحاب الكامل من لبنان، وإصراره على الإبقاء على 5 مواقع إستراتيجية داخل الحدود اللبنانية، وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيقيم موقعا عسكريا قبالة كل "بلدة إسرائيلية" على الحدود مع لبنان.
وفي سوريا، بدأ الاحتلال بالسيطرة على المنطقة العازلة والاستيطان فيها وإقامة تحصينات في جبل الشيخ والتوغل في عمق الأراضي السورية، وصولا إلى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم السماح للقوات السورية التواجد في الجنوب الغربي لدمشق، ومطالبته "بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء".
وظهر موقف إسرائيل كمحام عن الدروز في سوريا، فيما يبدو كأساس لتوجه إلى تقسيمها وإضعافها على مدى طويل، وهو موقف لا ينفصل عن الدور الإسرائيلي في القضية الكردية، والذي يثير مخاوف سوريا وتركيا.
ويضاف ما سبق إلى التوجه الإسرائيلي السابق للهيمنة على مصادر الطاقة في البحر المتوسط، والذي سبب توترات مع تركيا ولبنان في سنوات سابقة.
ثالثا: سياسة أميركية غامضة:
وفي حين كانت سياسة إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن توفر كابحا إلى حد ما للسياسة التوسعية الإسرائيلية، تثير مواقف الرئيس الحالي دونالد ترامب المخاوف بشأن عدم الالتزام بالقانون الدولي وبالحدود المعترف بها دوليا، ولا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وذلك بتصريحاته المتكررة عن تهجير سكان غزة، وكلامه عن ضرورة توسع حدود دولة الاحتلال.
وبالمقابل يظهر حرص ترامب على عدم التورط في حروب جديدة، وعدم السماح لإسرائيل بإشعال حرب مع إيران، والإخبار عن عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، وتصريحاته في 18 يناير/كانون الثاني 2025 بأن "عدم توقف الحرب في غزة سيعني تدخل جيوش كبيرة في المنطقة ضد إسرائيل، وأنه لا يمكن إبقاء تركيا على الهامش، وأن أردوغان غاضب من إسرائيل".
وهي مواقف متضاربة مع المؤشرات المذكورة أعلاه، مما يثير حالة من الغموض والضبابية بخصوص الموقف الأميركي تجاه المنطقة وسلوك إسرائيل المستقبلي فيها.
تتنافس دول الإقليم على النفوذ، ويشكل تمدد نفوذ أي طرف تهديدا لنفوذ الأطراف الأخرى، وفيما كانت جهود الإدارة الأميركية للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية معتمدة على فكرة خلق تحالف مناهض للنفوذ الإيراني المتمدد في المنطقة، فإن الضربة التي تعرض لها هذا النفوذ، بفعل الضربات في لبنان وسوريا، تقلل من أثر هذه الذريعة في السياسة الإقليمية.
وبالمقابل يبرز التوسع الإسرائيلي في استخدام القوة والتهديد بها خارج حدوده كمصدر تهديد إقليمي يدفع إلى التحوط والحذر تجاهه، كما يظهر في سلوك وتصريحات العديد من الدول الإقليمية.
وفي هذا السياق تظهر مخاوف مصر من السلوك الإسرائيلي في قطاع غزة والمنطقة عموما، وذلك من خلال حشد القوات المصرية في سيناء وبناء التحصينات التي أثارت تحفظا إسرائيليا.
وأفادت القناة 14 الإسرائيلية في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي بأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحذر من خرق الجيش المصري لاتفاق السلام مع إسرائيل.
وأشارت إلى رصد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قيام الجيش المصري ببناء عوائق في وسط سيناء، يمكن أن تعيق تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية محتملة.
واتهم سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر الشهر الماضي مصر بارتكاب "انتهاك خطير للغاية" لمعاهدة السلام المبرمة معها، مشيرا إلى أن تل أبيب ستثير قريبا مخاوف من التعزيزات العسكرية التي تحشدها القاهرة- في سيناء-، وفق صحيفة "إسرائيل اليوم".
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن لايتر القول إن "هناك قواعد بُنيت، ولا تُستخدم إلا في العمليات الهجومية والأسلحة الهجومية، وهذا خرق واضح".
وفي سياق متصل يبرز تقارب في المواقف العربية وموقف كل من تركيا وإيران بشأن رفض خطة تهجير سكان قطاع غزة، أو ضم الضفة الغربية.
خامسا: سلوك دفاعي إقليمي ناشئ: إعلان
كما يظهر التقارب التركي السعودي في ملف سوريا، وملف التسلح، إذ برزت جهود الطرفين لتسويق النظام الجديد إقليميا، مع رفض الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، بالتوازي مع التفاوض على صفقة تشتري بموجبها السعودية 100 طائرة تركية مقاتلة من الجيل الخامس "قآن"، بقيمة 6 مليارات دولار. وفقا لما أوردته وسائل إعلام تركية في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
كما تسعى تركيا إلى عقد اتفاقية دفاعية مع سوريا وفقا لما نقلته وكالة رويترز مطلع الشهر الماضي، وهو مسعى تعده إسرائيل تهديدا لحرية حركتها العسكرية في سوريا، وتسعى لتكريس استباحة الأجواء والأراضي السورية استباقا لتشكل أي وضع أمني جديد فيها.
وكان لافتا للانتباه أيضا تصريح نتنياهو أن بإمكان السعودية إقامة دولة فلسطينية على أراضيها، وردود الفعل السعودية الغاضبة، وهو ما يشير إلى استعصاء في مساعي التطبيع، في ظل إصرار الاحتلال على تصفية القضية الفلسطينية ولو كان ذلك على حساب دول الإقليم ومصالحها.
وبدورها تبدي الأردن مخاوف عميقة بشأن خطط التهجير لفلسطينيي الضفة وغزة، وتنشط دبلوماسيا لتفادي تداعيات موقف ترامب بشأن هذين الملفين.
أما إيران فتوفر لها هذه البيئة فرصة لإعادة بناء دور إقليمي بمستوى من التنسيق مع كل من تركيا والسعودية، وهو أمر لم يكن ممكنا في البيئة السابقة لتصاعد النزعة التوسعية للاحتلال.
سادسا: جدوى التنسيق الإقليمي:
أظهر تراجع ترامب عن فرض خطته بشأن قطاع غزة إمكانية التأثير في توجهاته الإقليمية في ظل وجود حد من التنسيق الإقليمي بهذا الشأن.
وإذ يؤدي الإصرار الإسرائيلي على تقويض مسار التسوية السلمية إلى تقويض رهان الدول العربية تجاه التعامل القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين، فإن ذلك سيؤدي إلى تقويض السرديات الرسمية تجاه القضية الفلسطينية، ويعزز الدافعية الشعبية تجاه مقاومة الاحتلال بشتى السبل.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القضیة الفلسطینیة الإسرائیلی فی دول الإقلیم تهجیر سکان فی سوریا مع ترکیا قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
بعد التصعيد بين الاحتلال وإيران.. مبعوث ترامب في سوريا يبعث برسائل أموية
وسط تصاعد التوترات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، أثارت تدوينة نشرها السفير الأمريكي في تركيا، ومبعوث إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى سوريا، توماس باراك، تفاعلاً واسعاً،على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن اقتبس فيها مقولة منسوبة إلى الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، في وقت تشهد المنطقة مواجهة عسكرية متصاعدة.
وجاء في تدوينة باراك: "لا أسحب سيفي حيثُ يَكْفِي سوطي، ولا سوطي حيثُ يَكْفِي لساني. لو كانت هناك شعرةٌ واحدةٌ تربطني بإخواني، لما انكسرت.. الخلافة الأموية.. حتى في أوقات التوتر، هناك دائمًا لحظةٌ للحوار لنسج السلام".
وأعادت الكلمات، التي نسبت إلى معاوية بن أبي سفيان، الخليفة الأموي الذي حكم في فترة شهدت ما يعرف بـ"الفتنة الكبرى"، إلى الواجهة، أحد أبرز فصول التاريخ الإسلامي، والتي اتسمت بالانقسامات السياسية والدينية حول الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والصراع المسلح بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، والذي أدى إلى تأسيس الدولة الأموية التي حكمت لفترة تجاوزت 90 عامًا.
تجدر الإشارة إلى أنّ المقولة تثير جدلاً بين المؤرخين من حيث دقتها اللغوية والروايات المتعددة حولها، غير أنّها باتت تستخدم في سياقات سياسية حديثة من أجل الدلالة على أهمية التوازن بين القوة والحديث، والحوار حتى في أوقات الصراع.
السفير الأمريكي توماس باراك
أصبح أموي بشكل كامل
ويستشهد بشعرة معاوية التي لا يجب أن نقطعها كي ننتقل بالحرب إلى السلم . . . . . pic.twitter.com/6OvFzO0lu8 — Khalil (@KabtoulKhalil) June 13, 2025
في السياق ذاته، أعلنت دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ ضربات جوية شديدة على أهداف داخل إيران، عبر استخدام أكثر من 200 طائرة، مستهدفة بذلك مواقع عسكرية حساسة، فيما أكدت مقتل عدد من القادة العسكريين البارزين؛ بينهم قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، بالإضافة إلى ستة علماء مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، وفقًا لتصريحات وزارة الدفاع الإسرائيلية.
ورداً على هذه الضربات، شنّت إيران هجمات صاروخية واسعة النطاق وطائرات مسيرة على مناطق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أدّى إلى حالة تصعيد عسكرية خطيرة في المنطقة، مع تبادل لإطلاق الصواريخ وإنذارات مستمرة في المدن الكبرى مثل تل أبيب وحيفا.
السفير توماس باراك صار أموي ???? ويستشهد بشعرة معاوية التي لا يجب أن نقطعها كي ننتقل بالحرب إلى السلم. https://t.co/JVFOFHaCYH — Farah AL Atassi فرح سوريا (@FarahALAtassi) June 13, 2025
وقد أدّت هذه التطورات إلى توتر دولي واسع، حيث دعت عدة دول ومنظمات دولية إلى ضبط النفس وضرورة العودة إلى الحوار لتجنب مزيد من التصعيد.