رعب الجبهة اليمنية يتواصل .. “الكيان” ينهار بين مخرجات “الهدنة” والتزاماتها وفاتورة تفجيرها
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
يمانيون../
تأكيداً على استمرارية الرعب الصهيوني من الجبهة اليمنية وتداعياتها التي ما تزال حتى اللحظة تنخر في الكيان الإسرائيلي، أكدت صحيفة عبرية أن عودة الحرب والحصار على قطاع غزة ستعود بضربات اقتصادية قاصمة على العدو، في إشارة إلى المخاوف الكبيرة من عودة العمليات اليمنية التي تأخذ مسارات عدة لضرب الاقتصاد الإسرائيلي بحراً وجواً وبراً في العمق المحتل، خصوصاً وأن وسائل إعلام العدو ما تزال حتى اللحظة تغطي تهديدات القائد ومآلاتها ومخاطر تجاهلها.
ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تقريراً حديثاً، حذرت فيه من مغبة العودة إلى التصعيد في غزة ونكث الاتفاق، مؤكدةً أن ذلك سيؤدي إلى مزيدٍ من الانهيارات الاقتصادية، وتراجع العدو إلى تصنيفات متأخرة على السلم الاقتصادي والائتماني الدولي والعالمي، بالإضافة إلى انهيارات جديدة للاقتصاد في “يافا – تل أبيب” مع أول بدايات التصعيد، ما يؤكد أن تهديدات اليمن بضرب عمق العدو فور معاودة عدوانه على غزة، قد صارت تشكل رادعاً قوياً ورعباً مدوياً للعدو.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” تصريحات لمن أسمته “مصدر رفيع المستوى في القطاع الاقتصادي”، قال فيها إنه تحدث مع مسؤولي شركات تصنيف الائتمان الكبرى المعنية بالتصنيف الدولي للقوى الاقتصادية الدولية، وأبلغوه أن “عودة الحرب ستؤدي بلا شك إلى زيادة القلق بشأن خفض التصنيف مجددً، في ظل التوقعات الحالية السلبية بالفعل، ويتعين على إسرائيل التفكير في تبعات ذلك على الاقتصاد والموازنة إذا ما عادت الحرب الآن”.
وأضاف “لم أسمع أنا فقط عن هذا القلق، بل أيضًا كبار المسؤولين في الحكومة وفي القطاع الاقتصادي سمعوا في الأسابيع الأخيرة عن المخاوف المتعلقة بتداعيات تجدد الحرب على تصنيف الائتمان، إذا ما انتهت الهدنة ولم يتم اتخاذ قرار بتمديدها”، في إشارةٍ اليقين التام الذي ينتاب قادة القطاع الاقتصادي الصهيوني بقدرة جبهات المقاومة إلى خلق نتائج كارثية أكثر وطأة على اقتصاد العدو، عكس ما كان في السابق عندما كان يتم التحريض على استمرار الحرب والحصار على غزة وتجاهل تداعياتها؛ ظناً من العدو وأجنحته الداخلية أنهم قادرون على تجاوز التهديدات والتبعات، قبل أن يجدوا نفسهم في مأزق اقتصادي غير مسبوق في تاريخ الكيان الغاصب.
اليمن كـ”تهديد” رئيس وردع يحاصر الإجرام
وتابعت يديعوت أحرونوت نقل تصريحات مصدرها التي قال فيها إن “الجهات الدولية الكبيرة، بما في ذلك شركات تصنيف الائتمان، حذرت بشكل صريح من أن تجدد القتال في غزة سيعيد الصواريخ إلى سماء إسرائيل، سواء من غزة أو اليمن أو ربما من لبنان والعراق وحتى إيران”.
وبالنظر لهذا التصريح فإن المخاوف الكبيرة المذكورة هنا هي من الجبهة اليمنية، حيث وأن جبهة الشمال متوقفة باستمرار اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان وكيان العدو، فيما الجبهة العراقية كانت قد أعلنت خفض التصعيد بجانب الجبهة الإيرانية، ولم يتبق سوى الجبهة اليمنية التي ظلت تضرب حتى فجر الـ19 من يناير الفائت، أي قبل دخول الاتفاق في غزة حيز التنفيذ بساعات قليلة، فضلاً عن تجدد التهديدات اليمنية على لسان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الأخير، والتي أكد فيها أن اليمن سيعود لضرب العدو بشكل مركّز في “يافا” إذا ما أقدم العدو على شن عدوان جديد على غزة، أي أن المخاوف الصهيونية ومخاوف المراقبين من تداعيات عودة الحرب، سببه الرئيس مخاطر الجبهة اليمنية، وما قد تحمله معها من صفعات أكثر إيلاماً على العدو الصهيوني.
وتضيف يديعوت أحرونوت نقلاً عن مصادرها “سيغادر رجال الأعمال وشركات الطيران المنطقة بسرعة، وسيتذكر العالم أننا منطقة حرب، مما يجعل الاستثمار فيها أمرًا محفوفًا بالمخاطر، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تبعات”، وهنا تأكيد جديد على أن المخاوف تتركز بشكل كبير على تداعيات الجبهة اليمينة التي أكدت أنها ستعود بسرعة كبيرة لضرب العدو فور نكث الاتفاق، خصوصا “يافا – تل ابيب”، ولذلك تأتي التحذيرات من أن الإفرازات الكارثية لعودة التصعيد ستبدأ من “يافا” وليس من غلاف غزة أو مغتصبات الشمال، ما يؤكد أن الجبهة اليمنية باتت الهاجس الأكبر والتهديد الأعظم الذي يحيط بالكيان الصهيوني ويحاصر إجرامه.
وتشير هذه التصريحات التي قالها مسؤولو شركات التصنيف الائتماني، إلى وجود قناعة تامة بأن عودة الحرب على غزة يعني تعرض العدو الصهيوني لضربات اقتصادية، غير تلك الناتجة عن الانفاق العسكري الهائل أو العجز المتواصل في الموازنة، حيث يمثل الحصار البحري اليمني والضربات الصاروخية والفرط الصوتية في العمق المحتل طعنات كبيرة لمفاصل العدو الصهيوني الحيوية والاقتصادية.
وقد أثبتت إفرازات المرحلة الراهنة، أن الحصار البحري أدى لتعطل قطاعي الصادرات والواردات بشكل كبير وارتفاع أسعار الشحن البحري إلى كيان العدو، فضلا عن الأزمات التموينية جراء عزوف شركات الشحن عن التعامل مع العدو، وهو ما انعكس سلباً في ارتفاع الأسعار وتعطل إنتاج الشركات العاملة التي تعتمد على مدخلات الإنتاج الخام القادمة من شرق آسيا، وكذلك تضرر قطاع الإنتاج التكنولوجي بشكل كبير، حيث أصبح يعاني شبح التقهقر المتسلسل بعد أن كان يمثل عصب اقتصاد العدو ومصدر ربع عائداته الضخمة.
كما أن العمليات في يافا وحيفا ومختلف المناطق العسكرية الحيوية التي تطالها الصواريخ البالستية والفرط صوتية اليمنية، تقود إلى عزوف جماعي للاستثمار وأصحاب رؤوس الأموال، وكذلك تسفر عن ترنح حركة النقل الجوي، ما يخلق حصاراً مزدوجاً على العدو، خصوصاً وأن الشركات العاملة في التكنولوجيا الفائقة التي كانت تعتمد على النقل البحري لمدخلاتها من الرقائق وغيرها، لجأت للنقل الجوي كحل مبدئي، ما جعل من أزمة النقل الجوي التي رافقت استهداف مطار بن غوريون وتكثيف العمليات على يافا، سداً منيعاً أمام عمل تلك الشركات التي يعتمد عليها العدو الصهيوني بشكل رئيس في رفد اقتصاده.
وفي هذا السياق أيضا، ما تزال أصداء تهديدات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تتردد في الإعلام الصهيوني، حيث نشرت القناة الـ12 الإسرائيلية الثلاثاء، ما ورد في خطاب القائد الأخير بشأن الاستعداد الكبير لضرب العدو بشكل فوري ولحظي إذا ما عاد لمربع التصعيد، فيما نشر موقع “ماكو” ومجلة “إيبوك” الاسرائيليين تقريرين، اليوم، سلطا الضوء على مآلات تهديدات القائد إذا ما تم اختراق الاتفاق في غزة، وهو الأمر الذي يؤكد أن الردع اليمني بات جامحاً للغطرسة الصهيونية وهاجساً لدى دعاة الحرب.
بين مجريات “التهدئة” وتداعيات إشعالها.. العدو منهار ومحتار
وبالعودة إلى تقرير “يديعوت أحرونوت” فإن هناك قلق كبير من عودة الحرب على غزة، كون ذلك سيؤدي حتماً إلى نتائج سلبية وكارثية على الاقتصاد “الإسرائيلي”.
وقالت الصحيفة في التقرير إن “عودة الحرب في قطاع غزة، تفتح الباب أمام تخفيض آخر لتصنيف الائتمان لإسرائيل، هذا ما خلص إليه كبار المسؤولين في القطاع الاقتصادي الذين تحدثوا في الأيام الأخيرة مع خبراء اقتصاديين في شركات تصنيف الائتمان الدولية”.
ولفتت إلى أن “وقف الحرب قد يساهم في إلغاء التوقعات السلبية بشأن تصنيف إسرائيل، وبالتالي قد يؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني في المستقبل، لا سيما مع تحسن المؤشرات الاقتصادية في إسرائيل، مثل العجز في الموازنة ونسبة الدين إلى الناتج المحلي”، في حين أن هذا التحسن الذي تحدثت عنه الصحيفة كان طفيفاً للغاية وناتجاً عن توقف العمليات العسكرية سواء التي تنطلق من الجبهة اليمنية أو التي تنطلق من العمق الفلسطيني في غزة أو الضفة، وقبلها الجبهة اللبنانية التي أنهكت الكيان الغاصب.
يشار إلى أن العدو الصهيوني وقطاعاته الاقتصادية تخشى تصنيفاً ائتمانياً سلبياً جديداً، ذلك لما لهذه التصنيفات من تأثيرات كبيرة تقود لاعتبار الكيان الصهيوني وجهة خاسرة لأي استثمار أو تنمية، خصوصاً وأن المراحل السابقة شهدت قيام كبريات شركات التصنيف الائتماني المعروفة دولياًُ “موديز، ستاندر أند بورز، فيتش”، بوضع تصنيفات العدو الصهيوني في خانات سلبية، وذلك في ثلاث مرات، في حين ما تزال هذه الشركات تعلن – بشكل غير رسمي – أنه ما يزال لديها توقعات سلبية بسبب تدهور المؤشرات الاقتصادية لدى العدو الصهيوني، على الرغم من توقف الجبهات.
وفي هذا السياق ذاته نشرت وسائل إعلام صهيونية أخباراً أكدت أن شركات التصنيف الائتماني قد تتجه إلى إعلان تصنيف ائتماني سلبي جديد، على وقع التدهور الاقتصادي الحاصل في ظل وقف اطلاق النار من جميع الجبهات. أي أن عودة التصعيد من جديد فعلاً ستعود بنتائج كارثية وغير مسبوقة على العدو، خصوصاً وأنه قد بات منهكاً للغاية وغير قادر على احتمال مزيداً من الضربات.
ولفتت إلى أن شركات التصنيف بعثت رسائل طمأنة للمستثمرين بأنه حال الحصول على وقف دائم لإطلاق النار في غزة فإن ذلك سيعود بنتائج اقتصادية إيجابية تدريجياً، في حين أن أي عودة للتصعيد ستحيل العدو إلى بيئة غير صالحة للاستثمار، وهو ما سيفقده المزيد من المراتب الاقتصادية رغم أن تصنيفه الأخير كان متدنياً وجعله متساوياً مع دول ضعيفة كـ “كازاخستان وبيرو”، بعد أن كانت التصنيفات السابقة قبل “الطوفان” تجعله في مصاف القوى الاقتصادية الكبرى فئة “A”.
ووفق هذه المعطيات، بات العدو الصهيوني حائراً وقد دخل في تآكل ذاتي دون القدرة على تجاوز هذه الحالة، فهو ينهار اقتصاديا وسياسيا بشكل متدرج في ظل الهدنة وتوقف عمليات جبهات المقاومة والإسناد، في حين أن تفجير المعركة ليس حلاً مع الترصد والاستعداد المناهض الذي تعد له الجبهتين الفلسطينية واليمنية، والذي يتضمن عمليات مميتة بعد أن أصبح كيان العدو خاوياً ومريضاَ للغاية، وبين هذين الحالين يظل العدو الصهيوني ومفاصله الاقتصادية والحيوية وحتى مفاصله السياسية الداخلية، في تقهقر مستمر، ليكون الخيار الوحيد والأمثل هو شروع العدو في مغادرة غزة بشكل نهائي ودائم، وتفادي ما يقود لأي انفجار في “الضفة” أو “الشمال”، وكل ذلك يتحقق بكامل شروط المقاومة العادلة والمشروعة والمحقّة.
نوح جلّاس. المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: التصنیف الائتمانی القطاع الاقتصادی الجبهة الیمنیة العدو الصهیونی یدیعوت أحرونوت تصنیف الائتمان شرکات التصنیف عودة الحرب على العدو على غزة ما تزال فی غزة فی حین إذا ما
إقرأ أيضاً:
انتصار إيران في حرب الـ12 يومًا: تفكك الردع الصهيوني وارتباك أمريكي يُعيد رسم خارطة المنطقة
يمانيون | تحليل
لم تكن حرب الأيام الاثني عشر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل مثّلت لحظة مفصلية قلبت قواعد الاشتباك في المنطقة، وأعادت رسم خريطة الردع والمواقف والتحالفات.
لقد خاضت طهران هذه الحرب من موقع الدفاع عن سيادتها، والتمسك بحقها في امتلاك قدراتها النووية والصاروخية، لكنها خرجت منها بتفوق لم يكن في الحسبان حتى لدى أشد المؤيدين لها، فيما خرج العدو الصهيوني مهزومًا على أكثر من مستوى، مهتزًّا في صورته، ومكشوفًا في قدراته، ومتصادمًا في داخله.
معركة بدأت بقرار صهيوني.. وانتهت بطلب أمريكي
اندلعت الحرب على خلفية سلسلة من التهديدات والتصعيدات، بلغت ذروتها بعملية عدوانية نفذها الكيان الصهيوني ضد منشآت إيرانية محددة، ظنًّا منه أن ضربة مفاجئة قد تربك القيادة الإيرانية وتجبرها على التراجع أو الصمت.
غير أن الرد الإيراني جاء على غير ما توقعت تل أبيب، إذ بادرت طهران بردّ صاروخي كثيف ودقيق طال عمق الأراضي المحتلة، وتسبب في شلل جزئي في منظومة الدفاع الجوي الصهيونية.
ولم تكد تمر 72 ساعة حتى اتضح أن “إسرائيل” لم تحسب حسابات المواجهة بدقة، وسرعان ما وجدت نفسها في موقع المتلقي لهجمات متواصلة أربكت منظومتها العسكرية، لتبدأ سلسلة اتصالات ووساطات عاجلة كان محورها واشنطن، التي سارعت لطلب التهدئة بعدما تلمّست حجم الكارثة التي تتدحرج في الميدان.
الأهداف تتساقط.. وفشل معلن للعدوان
ورغم الضربات المكثفة التي شنّها العدو الصهيوني خلال الأيام الأولى، إلا أنه لم ينجح في إصابة أي من المنشآت النووية الإيرانية الحساسة، ولا في إلحاق ضرر جدي بقدرات إيران الصاروخية.
كما أن معظم الهجمات الجوية لم تتجاوز الأهداف المحددة سلفًا من قبل الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية، وهي أهداف أقل من أن تُحدث تحولًا ميدانيًا أو معنويًا لصالح المعتدي.
وفي المقابل، نجحت إيران في توجيه صواريخها بدقة نحو قواعد عسكرية في النقب وأسدود، ومحطات كهرباء ورادارات جوية، بل إن صواريخ متطورة استطاعت أن تتجاوز الدفاعات وتصل إلى محيط تل أبيب، وهو ما اعتُبر اختراقًا غير مسبوق لكل ما بناه العدو من تحصينات خلال عقدين.
انهيار الردع الصهيوني .. عندما سقطت القبة
أكثر ما شكّل صدمة في الحرب هو سقوط وهم “القبة الحديدية” التي طالما روّج لها العدو باعتبارها حائط الدفاع الأول ضد أي تهديد صاروخي.
إذ تبيّن خلال الحرب أن هذه المنظومة، ومعها حيتس ومقلاع داوود، عاجزة عن اعتراض صواريخ متعددة الموجات والمسارات، خصوصًا تلك التي طوّرتها طهران في السنوات الأخيرة.
بل إن بعض الصواريخ الإيرانية تجاوزت مداها المعلن، وأصابت أهدافًا حساسة رغم إعلان العدو التصدي لها، ما يعني أن منظومات الحماية فشلت أمام ذكاء السلاح الإيراني.
الداخل الإيراني يزداد تماسكًا.. و”إسرائيل” تتشظى
واحدة من الرهانات الكبرى التي بني عليها العدوان كانت إمكانية إحداث شرخ داخلي في إيران، سواء من خلال الحرب السيبرانية أو عبر ضربات تستهدف شخصيات عسكرية أو علمية، لكن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا.
ففي الوقت الذي تكشفت فيه عشرات الشبكات التجسسية داخل البلاد، واستطاعت الأجهزة الأمنية تطهيرها خلال الحرب، كانت شوارع إيران تشهد مظاهرات دعم وتأييد غير مسبوقة للقيادة.. لقد أعادت الحرب توحيد الداخل، ورفعت من منسوب الوعي الشعبي، وأكدت أن الشعوب التي تثق بقيادتها لا يمكن تطويعها بالحرب.
أما في الكيان الصهيوني، فقد تفجرت التناقضات بين المؤسسة العسكرية والسياسية، وتوالت التسريبات عن خلافات بين قادة جيش الاحتلال ومكتب نتنياهو، وسط ضغط شعبي ومظاهرات في القدس وتل أبيب طالبت بكشف أسباب الفشل والتخبط، في مشهد يعكس تفكك الجبهة الداخلية للعدو تحت وقع الصدمة.
واشنطن بين المراهنة والتراجع
ومن اللحظة الأولى، كان الموقف الأمريكي واضحًا في تقديم الغطاء الكامل للعدوان، سواء عبر الدعم اللوجستي أو المعلوماتي أو التغطية الدبلوماسية.. لكن مع تصاعد الضربات الإيرانية، بدأت واشنطن في تغيير لهجتها، ودفعت نحو وساطات إقليمية لإيقاف التصعيد.
تراجع الموقف الأمريكي بهذا الشكل المفاجئ، عكس حجم الارتباك في إدارة بايدن، التي وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التورط في حرب شاملة يصعب ضبط نتائجها، أو الاعتراف بفشل الذراع الصهيونية في تنفيذ المهمة، وهو ما سيُحسب كضربة كبيرة لمصداقية الولايات المتحدة كراعٍ لأمن “إسرائيل”.
غزة في الخلفية.. والمشهد الإنساني الفاضح
ولم تكن الحرب على إيران معزولة عن المشهد الكلي في المنطقة، حيث واصل العدو ارتكاب المجازر اليومية بحق المدنيين في غزة، واستخدم مراكز توزيع المساعدات كوسيلة لاصطياد الجوعى، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 516 فلسطينيًا وجرح الآلاف.
وكانت هذه الجرائم تُبثّ مباشرة، في الوقت نفسه الذي كانت فيه إيران ترسل صواريخها إلى أهداف في العمق المحتل، ما عزز من مشروعية موقفها إقليميًا، ورفع من شعبيتها في الشارع العربي والإسلامي، ورسّخ صورة إيران كحليف صادق للقضية الفلسطينية لا يكتفي بالخطابات، بل يدفع ضريبة الموقف بالدم والقرار.
ختاماً :
لقد كانت حرب الـ12 يومًا بين إيران والكيان الصهيوني أكثر من مجرد معركة حدودية أو نزاع عابر. كانت معركة سيادة ومعادلة جديدة فُرضت بقوة الحق والسلاح معًا.
إيران لم تنتصر لأنها أقوى تقنيًا فقط، بل لأنها دخلت المعركة بقرار سيادي واعٍ، وإرادة داخلية موحدة، وقضية عادلة راسخة في وجدان شعبها وأمتها. خاضت الحرب بثقة، وخرجت منها أكثر تماسكًا، وأكثر احترامًا، وأكثر إصرارًا على المضي نحو الاستقلال التام.
وفي المقابل، خرج الكيان الصهيوني متصدّعًا، مكشوفًا، تائهاً بين فشل عسكري، وتمزق سياسي، وتآكل في الثقة الشعبية، وارتباك في حلفائه. خسر معركة كان يأمل أن تكون إعلانًا لانتصار كاسح، فتحولت إلى صفعة استراتيجية غير مسبوقة.
لقد انتهت هذه الجولة بانتصار إيراني، لكنها في الحقيقة بداية لمرحلة جديدة في الصراع، عنوانها: لا سيادة دون مقاومة، ولا أمن دون عدالة، ولا ردع دون إرادة.