واشنطن- مثلت تصريحات المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون "الرهائن" آدم بولر بأن المحادثات المباشرة بين إدارة دونالد ترامب وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت "مثمرة للغاية" وأن حماس "قدمت بعض الآراء المثيرة للاهتمام"، تغييرا كبيرا في تعامل الحكومات الأميركية مع حماس التي دخلت القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية منذ عام 1997.

وقال بولر إنه بالإضافة إلى مناقشة إطلاق سراح "الرهائن"، ناقش الطرفان كيف قد تبدو نهاية الحرب؟ كما أشار في معرض حديثه عن التقارير التي تفيد بأن الإسرائيليين قلقون من خطوة إدارة ترامب، أنه يفهم هذه المخاوف، لكن "في الوقت نفسه، الولايات المتحدة ليست عميلة لإسرائيل".

وفي هذا السياق، أشارت تقارير إلى أن إسرائيل أجرت مناقشات أمس الاثنين مع البيت الأبيض حول فحوى تعليقات بولر.

وبسبب الدعم الكبير غير المحدود من واشنطن لإسرائيل، والذي أخذ منحى غير مسبوق في حجمه وطبيعته منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى، أربك موقف إدارة ترامب المراقبين في واشنطن خاصة أنه جاء عقب عدة خطوات داعمة لإسرائيل منها شحن أسلحة وقنابل من زنة 2000 رطل سبق لإدارة جو بايدن تجميدها.

إعلان

لا تغيير في الصورة الأميركية

جدير بالذكر أن إسرائيل تسعى، وبموافقة أميركية، إلى بعض الترتيبات التي من شأنها تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المزيد من المحتجزين دون الشروع في إنهاء دائم للحرب ضد حركة حماس.

وقال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أمس الاثنين، إن هناك حاجة إلى مواعيد نهائية للتوصل إلى اتفاق للمرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإن "كل الأمور مطروحة على الطاولة، إذا وافقت الحركة على نزع سلاحها، ومغادرة قطاع غزة".

وفي حديث له مع شبكة فوكس الإخبارية، قبل سفره للشرق الأوسط، قال ويتكوف "إذا غادروا، فستكون كل الأشياء مطروحة على الطاولة من أجل سلام تفاوضي، وهذا ما يحتاجون القيام به".

بدوره، رأى كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية بواشنطن حسين إبيش، أن انخراط الولايات المتحدة مع حماس لا يغير الكثير في الصورة العامة فيما يتعلق بغزة أو العلاقات مع إسرائيل أو مع الفلسطينيين.

وفي حديث للجزيرة نت، ذكر إبيش أن "ترامب يركز على إطلاق سراح الرهائن بشكل عام، والرهائن الأميركيين المتبقين بشكل خاص، لذلك من المنطقي أنه مستعد للتفاوض مباشرة مع حماس لمعرفة ما إذا كان بإمكانه تحقيق ذلك دون أي تنازلات كبيرة إضافية تنطوي على إجبار إسرائيل على القيام بأشياء كبيرة لا تريد القيام بها".

إحباط ترامب

من جانبها، اعتبرت خبيرة الشؤون الخليجية في معهد كوينسي بواشنطن آنيل شلين، أنه من خلال الانخراط المباشر مع حماس للتفاوض على إطلاق سراح المحتجزين الأميركيين، يظهر ترامب مرة أخرى استعداده للخروج عن الأعراف السابقة.

وفي حديث للجزيرة نت، أشارت شلين إلى أنه "على الرغم من أن إسرائيل سربت الخبر على أمل الضغط على إدارة ترامب، فإن ما كُشف عنه يظهر إحباط فريق ترامب من عدم رغبة نتنياهو في العمل مع حماس للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المتبقين والموافقة على وقف كامل لإطلاق النار في غزة".

إعلان

في حين يرى إبيش أنه ليس من المستغرب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للتحدث مع حماس، خاصة حول الأميركي الذي لا يزال حيا ومحتجزا، ويساعد هذا أيضا في الضغط على إسرائيل للموافقة على مزيد من التمديدات للمرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، أو حتى الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وكلاهما يرغب ترامب في تحقيقه لأنه يريد أن يرى نهاية لحرب غزة.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن تاريتا بارسي، إلى أنه "من الواضح أن إدارة ترامب تشعر بالإحباط بسبب بطء سير نتنياهو في المفاوضات وتخريبه المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار".

وأضاف بارسي أنه من الواضح أن فريق ترامب مستعد للضغط على إسرائيل سرا وعلنا، "ومع ذلك، لن يمارس هذا الضغط إلا عندما يشعر ترامب أن إسرائيل تقوض أهدافه، وليس بسبب أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي أو ترتكب جرائم حرب. في الواقع من المرجح أن يكون ترامب أكثر تسامحا مع قمع إسرائيل للفلسطينيين".

مصالح ترامب أولا

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت خبيرة الشؤون الخليجية في معهد كوينسي بواشنطن آنيل شلين إن ترامب، على عكس بايدن، مستعد لرفض رغبات نتنياهو وإعطاء الأولوية لمصالح المواطنين الأميركيين، وتابعت "لقد قام نتنياهو مرارا وتكرارا بتخريب الجهود المبذولة لإحراز تقدم نحو اتفاق مع حماس، وربما يكون ترامب قد سئم من عرقلته".

أما خبير الشؤون الإستراتيجية جورجيو كافيرو، فيعتقد كذلك أن "إدارة ترامب قد سئمت من تكتيكات نتنياهو المماطلة عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع حماس، وأدى ذلك إلى انخراط فريق ترامب في محادثات مباشرة مع حماس. مثل هذه الخطوة من قبل واشنطن غير مسبوقة ومثيرة للجدل، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن وزارة الخارجية تصنف حماس كمنظمة إرهابية".

وأكد كافيرو في حديثه، أنه "من الحقائق المعروفة أن الحكومة الإسرائيلية لا تحب أن تتفاوض إدارة ترامب مباشرة مع حماس، وأن تصريح بولر بأن أميركا ليست عميلة لإسرائيل يبعث برسالة حول استعداد الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الخاصة فيما يتعلق بالوضع في غزة دون الشعور بالحاجة إلى الحصول على قسيمة إذن من نتنياهو".

إعلان

أما مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير بالمجلس الأطلسي السفير ديفيد ماك، فيقول إن "ترامب يحب أن يظهر على أنه صانع صفقات مع قادة العالم والمنظمات التي لها صورتها الخاصة المتشددة مثل حركة حماس، وفي فترة ولايته الأولى كانت كوريا الشمالية هي ذلك الطرف".

وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر السفير ماك أن "ترامب يحاول إرجاع الفضل إليه في أي شيء يتبين أنه ناجح، من هنا، سيكون سعيدا بالتوصل لاتفاق يرجع الفضل فيه إليه وحده وليس مشاركة مع إسرائيل".

وأجمع الخبراء على أن ترامب ليس شغوفا أو مشغولا بأزمة غزة أو بما تعرضت له من تدمير وخراب بأسلحة أميركية، لكن الشيء الوحيد الذي يريده ترامب هو تحرير المحتجزين، وبعد ذلك، لا يبدو أنه يهتم كثيرا بما يحدث في غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة وقف إطلاق النار إدارة ترامب أن إسرائیل إطلاق سراح مع حماس

إقرأ أيضاً:

ترامب والإخوان.. بين هندسة الإرهاب وصناعة عدوّ بديل لإسرائيل

بينما تهتزّ خرائط النفوذ في المنطقة، ويتحوّل الإسلام السياسي من ملف محلي إلى ورقة صراع دولي، يعود اسم "الإخوان المسلمين" إلى واجهة الجدل العالمي، لا بوصفه حركة اجتماعية وسياسية ممتدّة، بل كعنوان لمعركة جديدة تخاض في واشنطن وعلى تخوم الشرق الأوسط. وفي لحظة تتقاطع فيها الشعبوية الأمريكية مع صعود اليمين المتطرف والضغط الإسرائيلي المنهجي لإعادة تشكيل الوعي الغربي تجاه قضايا المنطقة، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه يعيد تدوير ملف قديم: محاولة وسم بعض فروع الإخوان بالإرهاب، في خطوة تتجاوز القانون والمعايير الأميركية ذاتها، لتتحول إلى أداة سياسية تعيد تعريف "الخصم" في الإقليم.

في هذا المقال الخاص لـ "عربي21"، يقدّم جلال الورغي الكاتب والباحث التونسي، ورئيس المركز المغاربي للبحوث والتنمية، قراءة معمّقة تفكّك خلفيات هذا التوجّه، وتشرح دوافعه الإقليمية والدولية، وتبحث في دلالاته بالنسبة لعلاقة واشنطن بالإسلام السياسي، ولصراع الروايات بين مقاومة تُجرَّم، وإرهاب يُعاد تعريفه بما يخدم توازنات القوة لا أمن الشعوب.

جدل في سياق جديد

لا يكاد موضوع الإسلام السياسي يهدأ، حتى يعود لواجهة الجدل السياسي بأكثر سخونة وإثارة. ويأخذ هذا الجدل في كل مرة مستوى مختلفا، وسياقا جديدا، ونطاقا أوسع. وتبدو أهمية وخطورة هذا الجدل في أنه يتجاوز الإطار الوطني، أي ضمن بلد محدد، كما يتجاوز الإطار الإقليمي المتعلق بمنطقتنا، ليتحول إلى قضية تثار في أبرز العواصم العالمية، متخذا بعدا دوليا يستقطب اهتمام كل الفاعلين الدوليين.

وتجدد هذا الجدل بشأن الإسلام السياسي هذه المرة، تحت عنوان توجه أمريكي لوضع "جماعة الاخوان المسلمين" في مصر ولبنان والأردن على قائمة المنظمات الإرهابية. وجاء هذا التوجه من الإدارة الأمريكية، والرئيس دونالد ترامب تحديدا ضمن سياقات سيساعد التوقف عندها على فهم وتفسير الدوافع التي أعادت الجدل بشأن الاخوان المسلمين، والتلويح بتصنيفهم كجماعة إرهابية.

أولا ـ إيعاز ترامب لوزير خارجيته ببحث إمكانية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في ثلاث بلدان عربية وهي مصر ولبنان والأردن، كمنظمة إرهابية، جاء ليستعيد قضية قديمة جديدة، أثيرت مرات ومرات في الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدمقراطييها وجمهورييها، وانتهى المسار دوما إلى وضع الملف في الدرج بسبب صعوبات قانونية وسياسية وحتى أمنية، تحول دون المضي في وسم الجماعة بالإرهاب.

أشارت تقارير غربية أن إسرائيل ضخّت مئات الملايين في كبرى العواصم الغربية في إطار حملة علاقات عامة. وأقدمت إسرائيل على هذه الخطوة بعد أن أدركت أن صورتها تضررت بشكل كبير، وإن المزاج العام للرأي العام الغربي وللنخب تغيّر بشكل سلبي ضدها. وقد أظهرت استطلاعات رأي دولية بشكل لا لبس فيه هذا الانقلاب ضد إسرائيل.وحاول ترامب نفسه خلال ولايته الأولى وتحديدا في 2019 المضي في تصنيف الجماعة عبر تمرير قرار في الكونغرس، لكن تم التراجع بسبب عوائق قانونية وعدم استجابة مشروع القرار للمعايير القانونية المعتمدة من قبل المشرعين في الولايات المتحدة. ثانيا ـ من الواضح أن أطرافا عديدة ساهمت في التأثير على ترامب للتوجه لتصنيف بعض جماعات الاخوان كمنظمة إرهابية.

ورغم ما يقال عن مجاملة ترامب لبعض حلفائه في المنطقة من الدول العربية في ضرورة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، إلا أن الخطوة الأخيرة تبدو استجابة مباشرة لإسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي ما فتئ فيه نتنياهو وحكومته تحريض واشنطن والدول الغربية على اتخاذ إجراءات ضد الإخوان، واعتبارهم يقفون وراء حملة العداء للسامية، والتحريض على إسرائيل، وأنهم هم من يقفون وراء تحريك الرأي العام العالمي في العواصم الغربية ضد إسرائيل.

وقد اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن الرأي العام الغربي، والإعلام الغربي سقط في حبال الاخوان المسلمين وما يروجوه من دعاية ضد بلاده. ونزل اللوبي الصهيوني بثقله بعيد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من أجل استعادة صورة إسرائيل ما قبل العدوان على غزة.

وأشارت تقارير غربية أن إسرائيل ضخّت مئات الملايين في كبرى العواصم الغربية في إطار حملة علاقات عامة. وأقدمت إسرائيل على هذه الخطوة بعد أن أدركت أن صورتها تضررت بشكل كبير، وإن المزاج العام للرأي العام الغربي وللنخب تغيّر بشكل سلبي ضدها. وقد أظهرت استطلاعات رأي دولية بشكل لا لبس فيه هذا الانقلاب ضد إسرائيل.

ويعتقد مراقبون أن شخصيات من اليمين المتطرف الداعمين لإسرائيل لعبوا دورا بارزا في إقدام ترامب على هذه الخطوة، لا سيما اليمينية المتطرفة رولا لومار المعروفة بحملاتها ضد الإسلام والمسلمين، والتي تحظرها غالبية مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تطرفها ونشرها للكراهية، بينما تعتبر مقربة من ترامب. بل هناك من اعتبر خطوة ترامب جاءت لاسترضاء هذه الأصوات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، بعد الغضب الذي عبروا عنه عقب لقاء ترامب للعمدة الجديد لنيويورك زهران ممداني وإطرائه له. فاليمين المتطرف الداعم لترامب يعتبر ممداني جاء برافعة النشطاء الإسلاميين وعلى رأسهم المنظمات الأمريكية المسلمة المحسوبة على الاخوان المسلمين.

لذلك يمكن القول إن من يقف وراء تجريم الإخوان وإدراجهم على لائحة الإرهاب هي إسرائيل، واللوبي الصهيوني المتغلغل بقوة اليوم في مفاصل الإدارة الأمريكية بكل مستوياتها.

ثالثا ـ يبدو موقف ترامب الأخير بشأن الإخوان انزياحا واضحا عن مقاربة أكثر تركيبا وتعقيدا تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية لعقود، وتقوم على عدم التعاطي مع التيارات الاخوانية، دون أن يعني ذلك مواجهتها أو الاشتباك معها. وهو موقف نابع من قراءة لواقع المنطقة الذي يبدو فيه هذا التيار رقما صعبا لا يمكن القفز عليه، ولا يمكن تجاهله، ولكن أيضا لا يمكن السماح له بتصدر المشهد في المنطقة، باعتبار أنه تيار يتبنى أطروحة الاستقلال الاستراتيجي وبالتالي، قد يلحق ضررا بالمصالح الأمريكية، إن هو وصل إلى الحكم.

وتؤكد العديد من مراكز صناعة القرار الأمريكية، أن سياسة التواصل مع هذا التيار بشكل شبه رسمي، يبقي هذا التيار في الصورة، خاصة وأن التجربة أثبتت أنه مؤهل لأن يكون في الحكم بشكل أو بآخر، وبالتالي لا يمكن القطيعة الكاملة معه.

واللافت أن هذه السياسة التزم بها ترامب وتبناها في العلاقة بالحكم الجديد في سوريا، رغم أنه كان محسوبا على تيار يصنّف إرهابيا، بينما خالف هذه السياسة في العلاقة بالإخوان، رغم إدانتهم المستمرة للعنف، ورفضهم استعمال القوة في الوصول إلى الحكم أو البقاء فيه. وقد يكون اكتفاء ترامب في قراره بالجماعة في ثلاث بلدان فقط، يعكس استمرار اندراجه في أفق السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الاخوان.

رابعا ـ في وقت تسود فيه قاعدة معلومة ومحسومة لدى الجميع بأن مواجهة الأفكار والتوجهات ذات الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية، لا يمكن أن يكون بالقوة والعنف. وهذه القناعة تتردد دوما في أروقة مؤسسات صناعة القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة. لذلك تبدو فكرة تجريم الإخوان توجها انفعاليا، يقفز على القناعة السائدة بأن الأفكار لا تواجه بالعنف والتجريم، وإنما بالأفكار والسياسات القادرة على احتواء تلك الأفكار وتفكيكها.

فجماعة مثل جماعة الاخوان، ليست كما يريد من يحرضون عليها، باعتبارها ظاهرة عنفية طارئة، وإنما هي تيار فكري وسياسي واجتماعي، له جذور تاريخية عميقة، وانتشار لا يبزه فيه أي تيار فكري أو سياسي في المنطقة العربية. وقد صمد هذا التيار بل وازداد اتساعه وانتشاره في كل مرة يتعرّض فيها لحملة من العنف والقمع من قبل الأنظمة السياسية هنا أو هناك.

إن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، والتراجع الكامل عن فكرة دعم الديمقراطية أو حماية الحريات وحقوق الإنسان في دول المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والغرب، وتعزيزا لعلاقة المصالح ذات البعد التجاري المحض، لإدارة ترامب مع أنظمة المنطقة. أوقد أظهر هذا التيار قوة شعبية لافتة بعد ثورات الربيع العربي، ونجح في حسم لصالحه كل الاستحقاقات الانتخابية التي دخلها في المنطقة. ولقد سادت قناعة لدى خبراء الإسلام السياسيين من باحثين غربيين وغير غربيين، أن السبيل الأسلم في التعاطي مع هذا التيار هو التعامل معه، تواصلا واحتواء و"تأهيلا" وإشراكا. وكتبت في هذا الشأن ورقات وكتب وتقارير عديدة. لذلك تبدو فكرة التجريم والوسم بالإرهاب، غير ذات جدوى، ولا هي مفيدة لتحقيق الاستقرار أو تحييد المخاطر، بل قد يكون هذا التوجه طريقا لنتائج عكسية. إذ أن التقاط أنظمة تسلطية لفكرة التجريم الأمريكي لهذا التيار، سوفر لها غطاء لتصفية خصومها السياسيين ومعارضيها، وممارسة القمع والتضييق على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان بحجة محاربة "الإرهاب".

خامسا ـ اللافت أن هذا التيار الإخواني والذي يحتفل بعد عامين بمرور 100 عام على تأسيسه، ينبذ العنف والإرهاب، ويعتبر نفسه تيارا إصلاحيا. بل هناك من يرى أن تيار الإخوان الأصيل، لا يعمل بالسياسة وإن كانت تعنيه، وإنما ينصب اهتمامه الأساسي على التربية والإصلاح. وهذا التوجه تعكسه بشكل واضح رؤية المؤسس حسن البنا، الذي ركز في نشاطه على الدعوة والإصلاح، وكان يكاد يذم العمل الحزبي والتحزّب.

ولا يبدو توجه ترامب اليوم لتصنيف الجماعة ضمن قائمة الإرهاب، مستندا إلى معايير موضوعية، أو يعتمد على حقائق موثقة تثبت تورط الجماعة في الدعوة للإرهاب أو ممارسته. فالحركة دأبت على مدى تاريخها على المبادرة لإدانة كل أشكال العنف، ورفض الأعمال الإرهابية التي تورّطت فيها جماعات أخرى على غرار تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، أو الأعمال العنيفة التي استهدف خلال السنوات الماضية العواصم الغربية، والتي لم تتردد الجماعة في إدانتها وتعبيرها عن التضامن مع كل ضحايا العنف والإرهاب الذي يمارس باسم الدين.

كما تظهر تجارب تيار الإسلام السياسي العام، أنه رغم ما تعرض له من عنف ومن إقصاء ومن إبعاد من المشهد العام إلا أن ردة فعله بشكل عام كانت دوما سياسية، وتجنّب الاستدراج للعنف. بل تشكّلت قناعة عامة لدى هذا التيار، أن جل الأنظمة التسلطية في المنطقة تحاول وتعمل على استدراجه لمربع العنف، لتبرير إقصائه سياسيا وملاحقته أمنيا، لذلك ظل دوما يتمسك بالسلمية ونهج اللاعنف، لدرجة أنه بدأ ينظّر إلى ذلك في أدبياته الكثيرة.

ولن نبالغ إذا قلنا إن ظهور تيارات عنيفة خلال العقود الماضية في المنطقة، بفسّر في جزء منه باحتجاج تلك التيارات على تيار الاخوان الرافض للعنف. إذ اعتبرته تلك التيارات العنيفة، تيارا مهادنا للأنظمة ومدمنا للسلمية في وجه أنظمة استبدادية وقمعية، ترفض الاعتراف به. ولن نبالغ إذا قلنا أن الإسلام السياسي عموما والإخوان خصوصا هما ضحية متشددة، تراه خانعا ومستسلما لا يرد ظلما ولا يصد عدوانا.. ظلمان ينعطفان على موقف أمريكي وغربي يتراوح بين رفض التعامل معه والاصطفاف ضده، حتى إذا تم ذلك ضمن التضحية بالديمقراطية وبالحريات وحقوق الإنسان.

سادسا ـ لا شك أن تيار الإسلام السياسي عموما والإخوان خصوصا، وهم على عتبة 100 عام على انطلاقتهم، داخل مسارهم ومسيرتهم ككل القوى السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة، العديد من الأخطاء والخيبات، لا تعود كلها إلى غيرهم بل إلى أخطائهم الذاتية، وسوء تدبيرهم وتخطيطهم وتسييرهم. وتجربة الربيع العربي، منحتهم فرصة، لم يحسنوا التصرف فيها، ولا المحافظة عليها، كمسار للتغيير والانتقال ببلداننا والمنطقة من طور الاستبداد والدكتاتورية، إلى طور يؤسس للاندراج النهائي في مسار ديمقراطي، والحكم الرشيد.

ولعل هذا التيار وهو على أعتاب المائة من السنين مسيرا، محمول على التوقف العميق، نظرا وتقييما ومراجعة وتدقيقا، والتجدد مشروعا، بما يقتضي التحرر والتخفف من رؤية تقادمت، وإرث تنظيمي انبثق عنها، لم يعد مواكبا للمتغيرات والتحولات التي ساهمت فيها، لكنها لا تبدو قادرة على مواكبتها والانسجام معها. ولذلك لا يجب أن يركن هذا التيار لفكرة المظلومية، فيفوّت على نفسه فرصة تثوير جهازه المفاهيمي، ورؤيته الإصلاحية، كضرورة وجودية لا غنى عنها للاستئناف.

خلاصة: تجدد الجدل بشأن تجريم بعض المنظمات الإخوانية أو إدراجهم ضمن قائمة الإرهاب، لا يمكن مطلقا إخراجه من سياقاته الإقليمي والدولي. فقد نزلت إسرائيل بثقلها، تحريضا ضد الإخوان الذين ترى فيهم التيار الذي يقود اليوم المعركة ضدها تحت عناوين مختلفة وعلى جبهات ومستويات متعددة، وهو تحريض تقاطع مع توجهات بعض السياسات العربية وموقفها المناهض للإخوان.

أما على المستوى الدولي فإن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، والتراجع الكامل عن فكرة دعم الديمقراطية أو حماية الحريات وحقوق الإنسان في دول المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والغرب، وتعزيزا لعلاقة المصالح ذات البعد التجاري المحض، لإدارة ترامب مع أنظمة المنطقة. أنظمة ترى في تيار الإسلام السياسي خطرا على حكمها، وعنوانا لعدم الاستقرار.

مقالات مشابهة

  • سيناريوهات ما بعد مادورو.. إدارة ترامب تضع خطة سرية عقب رحيل الرئيس الفنزويلي
  • مسئول بحماس: لا مرحلة ثانية من التهدئة في ظل استمرار انتهاكات إسرائيل
  • ترامب والإخوان.. بين هندسة الإرهاب وصناعة عدوّ بديل لإسرائيل
  • موقع عبري: سلسلة قرارات أميركية مهمة بشأن غزة قريبا
  • نتنياهو: المرحلة الأولى من خطة ترامب على وشك الانتهاء وسنركز الآن على نزع سلاح غزة وتجريد حماس منه
  • "الحدود الجديدة" بين غزة وإسرائيل.. كيف تضرب خطة ترامب؟
  • "الحدود الجديدة" بين غزة وإسرائيل.. كيف تضرب خطة ترامب؟
  • إسرائيل الكبرى: المجازفة الأكبر!
  • إسرائيل: قريبون من الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة
  • ترامب يُحيي مشروع أميركا القديم