دمار السودان .. هل تجدي الاسطوانة المشروخة؟
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
(1)
وترعرعت على الجرح وما قلت لأمي ما الذي يجعلها في الليلة خيمة انا ما ضيعت ينبوعي وعنواني واسمي ولذا أبصرت في أسمالها مليون نجمة محمود درويش بقلم: حسن أبو زينب عمر انطلقت الحرب في بدايتها واعدة ومبشرة تدغدغ مشاعر الغبش والمهمشين بالعدالة والديموقراطية والمساواة ولكن بعد مسيرة لم تتجاوز الثلاثة كيلومترات بال مبشرو الدعم السريع على رؤوس اهل السودان في البوادي والحضر بعد أن نفضوا يدهم ولأسباب مجهولة لم يفصحوا فيها عن الأهداف النبيلة والأماني العذبة والآمال العريضة التي حلقت بأحلام الناس الى السماوات العليا قبل أن تتحول في غمضة عين وانتباهتها الى حجارة من سجيل تنهار على الرؤوس وتنقلب الى حرب عبثية لعينة مدمرة جعلت عاليها سافلها وحولت السودان وأهله بمركزه وهامشه الى عصف مأكول .
(2)
نفهم أن تتحالف قوات الدعم السريع المرفوعة على رافعة اثنية يعرفها الجميع مع عرب الشتات والمرتزقة وبدعم مباشر من دولة الأمارات بهدف خلق (كرزاي) جديد في السودان لمواجهة الجيش وكل المكونات العسكرية الأخرى التي ربما تعتبر رأس الرمح والعقبة الكؤود التي تحول دون تحقيق مصالحها وترجمة مشاريعها الاستراتيجية الى واقع ملموس ولكن علامة الاستفهام الحائرة هنا دون إجابة ما ذنب المؤسسات الخدمية والتعليمية والصحية والهيئات والمصانع العامة والخاصة التي انتهت معظمها رمادا تذروه الرياح؟ .. ما ذنب الضحايا العزل من النساء والشيوخ والأطفال أضعف شرائح المجتمع الذين تم اذلالهم واهانتهم وسلب ونهب ممتلكاتهم واغتصاب نسائهم وقتل رجالهم أمام أعينهم وأعين أبنائهم بدم بارد ؟.
(3)
احصائيات حزينة قميئة تعكس المآلات ومشاهد العمار والخراب الذي خلفته والحبل لازال على الجرار. تتمثل في اعتداءات متكررة وممنهجة لم تترك محطة توليد كهربائي الا وطالتها ونموذجا لها محطة بحري الحرارية التي تساهم بنحو 17% من انتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميجاواط ومنها أيضا محطات مروي ودنقلا وعد بابكر و تتراوح كلفتها الأولي بين 120-150 مليار دولار.
(4)
الخلاصة انه منذ بدأ الحرب تعرضت محطات الإنتاج وشبكات الامداد الى تدمير كبير انسحب الى قطاعات الصحة حيث أشارت التقارير الى ارتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات بعد خروج 80 % من المستشفيات عن الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتقدر إعادة تأهيلها الى 11 مليار دولار. وكان مستشفى يونيفيرسال في ضاحية كافوري أكثرها ايلاما ووجعا اذ ان القتلة والسفلة لم يكتفوا بتدمير المعدات والأجهزة الطبية والمعامل بل حفروا عميقا في الجدران بحثا عن أسلاك النحاس وهو ما فعلوه أيضا في بيوت الناس. النتيجة أن السودان فقد 70% من طاقة انتاج الكهرباء والتي كانت تغطي نحو 60% من احتياجات المقدرة ب 3500 ميغاواط .
(5)
الدمار الهائل طال أيضا البنية التحتية وكان أكبر ضحاياها الجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والكهرباء والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق إضافة الى دمار منازل وممتلكات المواطنين مما تسبب في تدهور وتلوث بيئي غير مسبوق.
(6)
وبدوره أحدث القصف المدفعي دمارا جزئيا وكليا بنحو 15% من المباني السكنية و40 % من الأسواق و60% من المباني والمنشآت الحيوية ولم يرحم أيضا المباني التاريخية والمتاحف التي تعرضت محتوياتها وتحفها النادرة للسرقة ونقلها للبيع خارج السودان ضمن جريمة نكراء وعمل خسيس لن يفهم منه الا طمس الهوية كما استهدف الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة ..الخراب مر أيضا بقطاع التعليم فقد تعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا الحكومية والأهلية لتخريب كلى أو جزئي .
(7)
يعتبر الخبراء ان القطاع الصناعي أخذ نصيبه كاملا من الدمار وربما يعتبر الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات الى فقدان 80% من وحداته الإنتاجية بعد الأضرار التي لحقت بأكثر من 600 مصنع في الخرطوم وحدها ..كما خرج أكثر من 70 % من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا من الخدمة ..هذا يرفع اجمالي الخسائر حتى الآن الى أكثر من 500 مليار دولار رغم ان المادة 57 من البروتكول الدولي تنص على منع استهداف المدنيين والأعيان المدنية بما في ذلك البنية التحتية والمنشآت العامة .
(8)
لن تستكمل هذه الصور الموجعة حد تغول السكين في اللحم الحي الا بالولوج الى المشهد الإنساني .. يستوقف هنا حوار مؤلم بين صحفي الجزيرة أحمد طه مع الإعلامي سوار الذهب من خلال اعداد برنامج عمران في السودان ضمن حلقات ..يحكي الإعلامي الذي سحب النور من وزارة الاعلام السودانية عن فظاعات رآها وعايشها منها مشرحة قدرتها الاستيعابية لا تتجاوز 80 جثة ولكنها مكدسة ب1400 جثة متحللة لعدم وجود معينات لدفنهم.. يسلط الضوء على نازحة فقدت زوجها فتعرضت لاغتصاب من عصابات الدعم السريع وحينما عاد تم قتله أمامها وجاء ابنها فتم ذبحه وحينما حاولت أن تتحسس ابنتها التي كانت تحملها على ظهرها وجدتها وقد ماتت من ضربة الشمس ففقدت عقلها .. يتحدث عن طفلة لفظت روحها من العطش بعد مسيرة استمرت عشرين يوما بدون ماء. يروي عن امرأة مسنة لم تأكل لمدة أسبوع تنتظر يومها ولكن طلبها الوحيد دفن ابنتها التي تحللت على سرير الموت لأن الاسرة لا تملك سيارة. يكشف عن بيوت الله التي تحولت الى (بناشر) وسيرفرات المعلومات المحروقة ومقبرة السيارات المتناثرة في الجريف شرق وتحف الآثار التي تم تهريبها من المتحف القومي وملايين النازحين والمشردين وكلها جرائم تصنف الآن كأكبر مأساة إنسانية في العالمworld record.
(9)
لكن الأكثر وجعا وألما هنا هو غياب الاعلام السوداني. فلو كان موجودا بالمهنية العالية لاستحال خنجرا من لهب ونار في خاصرة الضمير الإنساني باستثمار هذه المآسي بدعوة أجهزة الاعلام الحي في العالم ليرى بأم عينه المأساة غير المسبوقة على حقيقتها ولو استدعى الحال دفع مقابل التغطية فهناك اعلام جاهز لهذه المهمة ..وفي هذا الصدد لم نجد غير تغطيات نادرة لنعمة الباقر ابنة الصحفي الدكتور الباقر احمد عبد الله وهي إعلامية بريطانية من اصل سوداني تعمل بقناة CNN وتعمل الآن ككبيرة المراسلات senior reporter وكانت قبلها صحفية free lancer .
(10)
مناحي القصور كلها أعلقها في رقبة وزارة الاعلام فهي تستحقه بكل جدارة واقتدار وتميز فباستثناء تغطيات قنوات الجزيرة والحدث فهي وعبر الأخبار والصور المبثوثة عبر قنواتنا البائسة ليست سوى أسطوانة مشروخة تتحدث الى نفسها.
[email protected]
بقلم: حسن أبو زينب عمر
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟
لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟
لأنها صناعة الإنجليز الذين لم يدخلوا السودان كمستعمرين ولكن تلبية لمطالبة الآلف من السودانيين الذين كانوا يعيشون تحت وطأة الظلم والفقر والحكم القسري للخليفة عبد الله الذي أنقلب على وصايا الامام المهدي. دولة 56 هي التي بدأت بإنهاء حكم الخليفة عبد الله التعايشي الذي نقض عهد المهدي وانقلب على الخلفاء وكان ينتوي توريث ابنه بإيعاز من أخيه يعقوب. لم تكن دارفور نفسها خاضعة التعايشي آنذاك بل كانت أركان المهدية تقوم على جيش يتكون من مجموعة جيوش بولاءات مختلفة فحسب الوثائق البريطانية للعام 1891 في ارشيف السودان بجامعة درم البريطانية كان جيش الخليفة يتكون من 46 الف مقاتل منهم
8000 تعايشة
12000 رزيقات
3000 حمر وهولاء يعتبرونه الخليفة عبد الله قائدهم المباشر
10,000 جعليين
8000 من قبائل متفرقة من مديرية بربر
7000 من دنقلا وهولاء يعتبرونه الخليفة محمد شريف قائدهم المباشر
3000 من عرب كنانة وهؤلاء يعتبرون الخليفة علي ود الحلو قائدهم المباشر.
وطبعا الجميع يعلم أن تمردا قد قام في امدرمان ضد الخليفة في العام 1892 بقيادة الخليفة شريف ومجموعة من عمد بربر احتجاجا على الضرائب ومصادرة الأراضي وغيرها من الإجراءات التعسفية التي فرضت عليهم و المواطنين في مناطقهم. مجموعة من العمد كانت قد سافرت إلى مصر ونقلت احتجاجاتها وتذمر المواطنين وقد أخمد الخليفة عبد الله التمرد و حبس الخليفة شريف. هذة الوثائق طويلة ويمكن الرجوع لها في الرابط ادناه. ولكن الشاهد فيها إن الجلابة الذين يتم اتهامهم بإحتكار الامتيازات التاريخية هم في الواقع من كانت ترتكز عليهم الدولة المهدية ولكن والصراعات الداخلية التي حدثت نتيجة لسوء اداراة الخليفة عبد الله ورغبته في توريث الحكم هي ما عجلت بسقوط حكمه على يد الإنجليز لتتأسس دولة 56 على انقاض المهدية.
سبنا امام