في أحد أيام بعد الظهر بوسط غزة، كانت الطوابير الطويلة أمام مخبز "زادنا" تهدد بالتحول إلى فوضى في أي لحظة.

صرخ حارس أمني في وجه الحشود التي تدافعت نحو باب المخبز، مطالباً إياهم بالانتظار، لكن لم يستمع إليه أحد.
على بعد خطوات، كان بعض السماسرة يبيعون أرغفة حصلوا عليها في وقت سابق من اليوم بثلاثة أضعاف سعرها الأصلي.


مع اقتراب موعد الإفطار خلال شهر رمضان، أصبح العثور على الخبز، والمياه، وغاز الطهي، وغير ذلك من الأساسيات أمراً صعباً مرة أخرى. لم تكن الأسواق بهذا الفراغ، ولم تكن الطوابير بهذا اليأس، منذ ما قبل بدء الهدنة بين إسرائيل وحماس في 19 يناير (كانون الثاني)، والتي سمحت لأول مرة بدخول المساعدات بعد 15 شهراً من الصراع الذي لم تصل فيه سوى كميات ضئيلة من الإمدادات.
لكن منذ 2 مارس (أذار)، لم تدخل أي مساعدات إلى القطاع، بعد أن أوقفت إسرائيل دخول جميع السلع للضغط على حماس لقبول تمديد المرحلة الحالية من الهدنة وإطلاق مزيد من الرهائن سريعاً، بدلاً من الانتقال إلى المرحلة التالية التي تتطلب مفاوضات أكثر تعقيداً لإنهاء الحرب نهائياً، بحسب تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز".
ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء تسبب انقطاع المساعدات، إلى جانب هلع السكان من الشراء والاستغلال التجاري، في ارتفاع الأسعار إلى مستويات لا يستطيع الكثيرون تحملها، وأدى نقص الفواكه والخضروات الطازجة إلى اعتماد السكان مجدداً على الأغذية المعلبة، مثل الفاصولياء.
ورغم أن هذه الأطعمة توفر السعرات الحرارية، يؤكد الخبراء أن الأطفال، على وجه الخصوص، يحتاجون إلى نظام غذائي متنوع يشمل الأطعمة الطازجة للوقاية من سوء التغذية.
خلال الأسابيع الستة الأولى من الهدنة، تدفقت المساعدات الغذائية، والإمدادات الطبية، والوقود، ومواد إصلاح أنابيب المياه إلى غزة.

”The situation here in the Gaza Strip is as worse as it's ever been. We are seeing people fighting over pieces of bread," @UNWateridge tells @BBCWorld.

With a bag of flour costing over US$ 200 and relentless bombing continuing, the people have no shelter, food, or clean water. pic.twitter.com/7vTj6hcj7o

— UNRWA (@UNRWA) November 24, 2024 وأفادت بيانات الأمم المتحدة أن الأمهات الحوامل والأطفال بدأوا في تناول غذاء أفضل، كما زاد عدد مراكز معالجة سوء التغذية. لكن هذه كانت مجرد خطوات صغيرة في مواجهة الدمار الذي لحق بالقطاع، حيث تم تدمير أكثر من نصف المباني، مما وضع مليوني شخص في خطر المجاعة.
ورغم الزيادة الحادة في المساعدات بعد الهدنة، أفادت وزارة الصحة في غزة بوفاة ستة أطفال حديثي الولادة في فبراير (شباط) بسبب انخفاض حرارة أجسادهم لعدم توفر الملابس الدافئة، والبطانيات، والملاجئ، والرعاية الطبية الكافية، وهو رقم أوردته الأمم المتحدة دون أن تتمكن من التحقق منه بشكل مستقل.
حصار المياه والكهرباء إلى جانب منع دخول المساعدات، قطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء عن غزة يوم الأحد الماضي، مما أدى إلى توقف معظم عمليات محطة تحلية المياه، وترك نحو 600 ألف شخص في وسط القطاع بلا مياه نظيفة. ولوّح وزير الطاقة الإسرائيلي بأن قطع إمدادات المياه قد يكون الخطوة التالية.
لا تزال بعض الآبار تعمل في وسط غزة، لكنها توفر مياهاً مالحة غير صالحة للشرب على المدى الطويل. وكانت إسرائيل قد أغلقت سابقاً جميع مصادر الكهرباء التي كانت توفرها للقطاع منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أجبر الخدمات الأساسية على الاعتماد على الألواح الشمسية والمولدات، في حال توفر الوقود.
لكن الآن، لا يوجد وقود لتشغيل أي شيء، بما في ذلك المولدات، وسيارات الإسعاف، أو حتى المركبات العادي، بحسب الصحيفة.

A red-covered table stretching several hundred metres carved a path through mounds of rubble in southern Gaza, as families gathered to break their fast during the first day of the Muslim holy month of Ramadan https://t.co/SECyDilBkJ pic.twitter.com/jybqaDcDl6

— AFP News Agency (@AFP) March 1, 2025 إسرائيل تدافع عن قرارها وحماس تندد

تدّعي إسرائيل أن 25000 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت غزة مؤخراً، مما يوفر كميات كافية من الغذاء.

وصرّحت وزارة الخارجية الإسرائيلية بأن "لا يوجد نقص في المنتجات الأساسية داخل القطاع"، مكررةً ادعاءاتها بأن حماس تستولي على المساعدات، وأن نصف ميزانية الحركة في غزة تأتي من استغلال المساعدات الإنسانية.
في المقابل، وصفت حماس قطع المساعدات والكهرباء بأنه "ابتزاز رخيص وغير مقبول".
تأثير الأزمة على الأسواق والسكان رغم كل ذلك، يؤكد سكان غزة أنهم يجدون الطعام، لكن بكميات غير كافية. وقد بدأت المساعدات التي تم تخزينها خلال الأسابيع الأولى من الهدنة بالنفاد، مما أجبر ستة مخابز على الإغلاق، كما قلصت المنظمات الإنسانية والمطابخ المجتمعية من حصص الطعام التي توزعها.
كما تأثرت السلع التجارية المستوردة عبر التجار، ما أدى إلى ندرة الخضروات والفواكه وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق. في سوق دير البلح وسط غزة، شهدت أسعار البصل والجزر تضاعفاً، فيما ارتفعت أسعار الكوسا أربعة أضعاف، وقفزت أسعار الليمون عشرة أضعاف. اليأس يخيّم على العائلات بين الأكشاك في سوق دير البلح، كانت ياسمين العطار (38 عاماً) وزوجها، وهو سائق، يتنقلان بحثاً عن أرخص الأسعار. عليهما إعالة سبعة أطفال، وأخت معاقة، ووالدين مسنين.
تقول ياسمين: "قبل ثلاثة أيام فقط، شعرت ببعض الراحة لأن الأسعار بدت معقولة، أما الآن، فإن المبلغ ذاته لا يكفي سوى لكمية أقل بكثير من الخضار".

Without supplies getting into #Gaza, food insecurity goes up.????

This community kitchen, serving thousands daily, is at risk of leaving many people hungry.

For almost two weeks now, the entry of aid has been suspended.

Aid must be allowed to enter. pic.twitter.com/x9r8jBEfwK

— UN Humanitarian (@UNOCHA) March 14, 2025 تضيف للصحيفة: "كيف يمكن أن يكون هذا كافياً لعائلتي الكبيرة؟"، مشيرة إلى أنهم سيكتفون بحساء العدس دون أي خضار على الإفطار، وربما سيعتمدون أكثر على الأغذية المعلبة في الأيام المقبلة.
في ظل هذه الظروف، يتهم السكان والتجار على حد سواء التجار الكبار باحتكار السلع لرفع الأسعار وتحقيق أرباح طائلة. تحديات إعادة الإعمار إلى جانب تحديات توفير الغذاء والمياه، تواجه منظمات الإغاثة صعوبات في تنفيذ برامج طويلة الأمد لإعادة إعمار القطاع. فبينما كانت بعض المنظمات توزع بذور الخضروات وعلف الحيوانات لدعم الزراعة المحلية، وتعكف أخرى على إعادة بناء البنية التحتية للمياه وإزالة الأنقاض، تواجه جميعها عراقيل بسبب القيود الإسرائيلية.
تمنع إسرائيل دخول المعدات الثقيلة اللازمة لإصلاح البنية التحتية، والمولدات، ومواد أخرى بحجة إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية.
وفي ظل كل هذه التحديات، باتت الأولوية لدى الغزيين البقاء على قيد الحياة

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: اتحاد سات وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني يوم الطفل الإماراتي غزة وإسرائيل الإمارات غزة وإسرائيل

إقرأ أيضاً:

قبل ساعات من الهدنة.. إسرائيل تشن غارات عنيفة على أهداف في طهران

في الساعات الأخيرة التي سبقت دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية التي وُصفت بأنها الأعنف منذ اندلاع المواجهة المباشرة مع إيران، وقد استهدفت الضربات مواقع حساسة في قلب العاصمة الإيرانية طهران، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. اعلان

وأظهرت لقطات مصورة، التُقطت فجراً يوم الثلاثاء، أعمدة من الدخان تتصاعد خلف مبانٍ في طهران عقب انفجارات عنيفة. هذه الهجمات جاءت في اللحظات التي تسبق تنفيذ الهدنة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وسبقت هذه الانفجارات موجة غارات وُصفت بأنها الأعنف منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين الدولة العبرية وإيران في 13 يونيو الجاري.

Relatedمشاورات على رماد المنشآت: هل لا تزال هناك إمكانية للتفاوض على البرنامج النووي الإيراني؟هدنة هشة تحت النار.. تل أبيب تحذر وطهران تنفي إطلاق الصواريخإيران بين المكاسب والخسائر: قراءة في حصيلة المواجهة مع إسرائيل بعد وقف إطلاق النار

وفي بيان صدر صباح الإثنين، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن جيشه "ينفذ حالياً ضربة غير مسبوقة ضد أهداف تابعة للنظام وأجهزة القمع الحكومية في قلب طهران". وأكد كاتس أن من بين الأهداف التي تم قصفها سجن إيفين سيء الصيت، ومقرات تابعة للحرس الثوري، وجهاز الأمن الداخلي، إلى جانب مقر "الباسيج" (قوات التعبئة الشعبية).

وفي بيان منفصل، أوضح الجيش الإسرائيلي أنه استهدف أيضاً "مقر ثأر الله"، وهو أحد المقار المركزية التابعة للحرس الثوري والمسؤول عن حماية العاصمة من التهديدات الأمنية، بما في ذلك التهديدات الداخلية.

وبعد ساعات من الضربة، قال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، أصغر جهانجير، للتلفزيون الرسمي إن القصف ألحق أضراراً جسيمة بالمبنى الإداري لسجن إيفين، ما أسفر عن سقوط قتلى ومصابين في صفوف الموظفين الإداريين، إضافة إلى بعض النزلاء وأفراد من عائلاتهم. وأضاف: "لدينا شهداء، لكن عددهم لم يُحدد بعد".

وكانت إسرائيل وإيران قد وافقتا على خطة وقف إطلاق النار التي أنهت حرباً استمرت 12 يوماً، لكن الاتفاق بدا متعثرًا منذ لحظاته الأولى. وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهدنة فجر الثلاثاء، بعد أن شنت طهران هجوماً صاروخياً محدوداً على قاعدة عسكرية أميركية في قطر، رداً على الغارات الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية مطلع الأسبوع.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • غزة تشيع نضال وكندة.. رضيعان قتلهما الحصار الإسرائيلي
  • تراكم النفايات والإهمال يعيد عجلة التنمية بالحسيمة منارة المتوسط إلى الوراء
  • مجازر الطحين في غزة.. لماذا تقتل إسرائيل المدنيين في طوابير المساعدات؟
  • غزة.. شهادات ناجين من طوابير الموت أمام مراكز المساعدات في غزة
  • الحرس الثوري يحذر من خرق الهدنة: سنهاجم إسرائيل وقواعد أمريكا
  • قبل ساعات من الهدنة.. إسرائيل تشن غارات عنيفة على أهداف في طهران
  • سلاح الجو الإسرائيلي يهاجم رادار قرب طهران رغم سريان الهدنة
  • أسعار النفط تتراجع بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
  • صواريخ على حيفا رغم إعلان الهدنة بين إسرائيل وإيران
  • وزير الدفاع الإسرائيلي يتهم إيران بانتهاك الهدنة ويتوعد بالرد على القصف الأخير