الإيمان في الدراسات الحديثة
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
من الكتب التي نُشرت هذا العام كتاب بعنوان "Why We Believe: Finding Meaning in Uncertain Times" (لماذا نؤمن: إيجاد المعنى في أزمنة لا يقينية" للكاتب أليستر ماك-جراث (Alister McGrath)؛ وهو عالِم مُتخصِّص في البحوث المُتعلِّقة بالعلوم والأديان في جامعة أوكسفورد.
يتناول هذا الكتاب بعض ما توصلت إليه الدراسات العلمية حول مسألة الإيمان، وفي هذه العُجالة نُسلِّط الضوء على بعض ما ورد في هذا الكتاب المُمتِع، ولا بُد من التأكيد في البداية أن الإيمان أو الاعتقاد لا يقتصر على الأفكار الدينية؛ بل يشمل مختلف الأفكار سواء الدينية أو غيرها.
ومن هنا نُلاحِظ أن الفكر الإلحادي أدرك استحالة قبول الإنسان لحالة العبثية في حياته، فلا يُمكن أن يقال للإنسان إن حياتك عبث لا هدف من ورائها؛ لأن ذلك سيجعله يعيش حالة من الإحباط يصعب تجاوزها. ولذا تبنّى الفكر الإلحادي ما يُعرف بـ"القيم الإنسانية"، وهو السعي نحو الرفاه للبشرية وتطبيق العدالة الاجتماعية كأهداف عامة يسعى اليها المُلحِد؛ لأن السعي نحو هذه الأهداف تجعله يشعر بقيمة وهدف لحياته، وهذا له أهمية بالغة للشعور بالرضا؛ بل قد يصل الأمر بهذا المُلحِد أن يُضحِّي من أجل تلك الأهداف إذا بلغ إيمانه واعتقاده بأهمية هذه الأهداف مبلغًا كبيرًا.
وتوصَّلت الدراسات العلمية إلى أن لهذه الأفكار والمعتقدات أهمية كبيرة، وتأثيرًا بالغًا على سلوكيات الفرد؛ فهي المُوَجِّه للإنسان ولسلوكياته، ولهذا فلا يجب الاستهانة بها أو التقليل من شأنها؛ فجميع السلوكيات التي يتحلى بها الإنسان هو نتاج مباشر للأفكار التي يؤمن بها، فمن يؤمن بأن هناك فوارق طبقية بين البشر، فإن ذلك سينعكس على سلوكه، وإذا اعتقد أحدهم أن الرجل الأبيض مُتفَوِّق على أصحاب البشرة السوداء، فإن ذلك سينعكس على طريقة تعامله مع أصحاب البشرة البيضاء والسوداء؛ لأن سلوكه نتاج فِكرِه ومعتقداته، ولا يمكن الفصل بينهما.
وإذا كان الإيمان والاعتقاد بأفكار معينة لإضفاء معنى للحياة البشرية، أمرًا لا يُمكن تجاوزه أو إهماله، فإن لهذا الإيمان والاعتقاد وجهًا سلبيًا له أثر سيء على المجتمعات الأفراد، ويتمثل ذلك في حالة الاختلاف بين المجتمعات والأفراد في الأفكار التي يؤمنون بها؛ إذ يُوَلِّد هذا الاختلاف تعصبًا قد يصل الى الصدام، نتيجة لإيمانهم بأفكار مختلفة، فمثلًا عندما يؤمن بعض الأفراد بأن للحيوانات حق الحياة، بينما يؤمن آخرون بأن الحيوانات انما وجدت لتكون مصدرًا للغذاء، فإن هذا الاختلاف بين الأفكار يُوَلِّد اضطرابًا في المجتمع وأحيانًا يصل الى مستوى التصادم؛ فكلا الطرفان يشعر أن عقيدته وأفكاره هي الصحيحة، وأن على الطرف الآخر أن يخضع ويتنازل له، وقد يصل الخلاف الى الاستخفاف بأفكار الآخرين والنيل منهم بغية تهميشهم وإبعاد أفكارهم عن المجتمع.
لذا حاول البحث العلمي أن يطرح حلولًا للحد من الآثار السيئة الناتجة من الاختلاف في وجهات النظر هذه، وأحد الأفكار التي يتبناها بعض الباحثين في هذا الصدد هو محاولة غرس فكرة في أذهان أفراد المجتمع مفادها أن الأفكار التي يؤمن بها أحدنا هي أفضل ما أمكنه التوصل له، وليس أصح الأفكار؛ فالإيمان بأن الأفكار التي توصلتُ اليها هي أفضل ما يمكنُني الوصول اليه بناءً على ما لديّ من معطيات، يعني أنني لم أصل الى نهاية رحلة البحث عن الحقائق؛ مما يجعلني مهيأً للاستماع الى الأفكار الأخرى، فلربما تكون أفضل من تلك التي أؤمن بها، وربما تُحسِّن من أفكاري التي أؤمنُ بها فتزيدها قدرة على تفسير الحقائق، وتضفي عليها بُعدًا كان خافيًا عني، وكل ذلك سيُخفِّف من حالة التشنج والتعصب والقلق الذي يعيشه البعض عندما يستمع لأفكار تخالف ما تسالم وتربَّى عليه وآمن به.
علينا أن ندرك أن الواقع الذي نعيشه ليس بالواقع السهل؛ بل هو في غاية التعقيد وهذا التعقيد سيزداد يومًا بعد يوم، فكلما تطورت المعرفة البشرية صاحبها توسع واختلاف في الفهم، ولذا لا بُد أن نخرج برؤى وأفكار مختلفة، فغاياتنا وتجاربنا وخبراتنا مختلفة، ولا بُد من البحث عن الأسباب التي تجعل الآخرين يؤمنون بالأفكار التي يعتنقونها، وما الذي يدفعهم لذلك، وما الفرق الذي يحدثه في حياتهم؛ فمعرفة هذا الأمر يخفف كثيرًا من سوء الظن الذي يتبادر الى الذهن البشري، ويسهل علينا فهم مشاعر الآخرين وأسباب ايمانهم بتلك الأفكار.
وختامًا.. علينا أن نُدرِك أن الحكمة والتواضع يفرضان علينا أن ندرك أن وجهة نظرنا ليست الوحيدة، وأن علينا التعاطي مع وجهات النظر المتعارضة لنتوصل الى أفكار أكثر نضجًا تجعلنا نفهم هذا العالم بصورة أفضل.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة: نهتم بتطوير الأداء الطبي من خلال استخدام التقنيات الجراحية الحديثة
أكد الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير الأداء الطبي من خلال التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجراحية الحديثة، مع التركيز على بناء القدرات البشرية وتدريب الكوادر الطبية بما يتماشى مع المعايير العالمية.
جاء هذا خلال اجتماع الدكتور خالد عبد الغفار، مع ممثلي شركة سترايكر Stryker إحدى الشركات العالمية المتخصصة في الأجهزة الطبية وجراحة العظام، اليوم الخميس، لبحث تعزيز سبل التعاون الثنائي والتوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، في إطار حرص الدولة المصرية على مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي في قطاع الرعاية الصحية.
وقال الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن الاجتماع تناول استعراض عرض مفصل عن أنشطة الشركة، والتي تشمل تصنيع وتطوير المعدات الطبية والجراحية، وتقنيات جراحات العظام، والأعصاب، والعمود الفقري، بالإضافة إلى عرض تفصيلي حول نتائج العمليات الناجحة التي تم تنفيذها باستخدام روبوت الجراحة “Mako”، والذى يعد أحد أبرز الابتكارات الحديثة في هذا المجال.
وأوضح أن الاجتماع بحث سبل التعاون لتوفير روبوت الجراحة الذكي Mako داخل مستشفيات وزارة الصحة، بهدف تطوير خدمات جراحة المفاصل باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، مع التركيز على أهمية تخصيص مراكز تدريب متخصصة لتأهيل وتدريب القوى البشرية على استخدام هذه التقنية بدقة وكفاءة عالية، في إطار حرص الدولة على الاستثمار في رأس المال البشري والسعي نحو صقل مهارات القوي البشرية.
وقال، إن الاجتماع تناول أيضاً تعزيز الشراكة في مجال توفير المفاصل الصناعية بمستشفيات الوزارة، إلى جانب بحث آليات دعم استخدام الحلول التكنولوجية المتقدمة وإدخال أحدث التقنيات المبتكرة ضمن استراتيجية الوزارة بما يسهم في النهوض بالمنظومة الصحية ورفع جودة الخدمات وتحسين نتائج العلاج للمرضى.
ومن جانبهم، أعرب ممثلو شركة سترايكر عن تطلعهم لتعزيز التعاون مع وزارة الصحة والمساهمة في نقل الخبرات والمعرفة، وتقديم أحدث الحلول التكنولوجية لدعم قطاع الرعاية الصحية في مصر، بما يسهم في تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
وحضر الاجتماع الدكتور هشام ستيت رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية، والدكتور بيتر وجيه مساعد وزير الصحة لشؤون الطب العلاجي، والدكتور محمد فوزي مستشار الوزير للاشعة، والدكتور أحمد مصطفى رئيس هيئة التأمين الصحي، والدكتور محمد العقاد رئيس المجالس الطبية المتخصصة، والدكتور محمد عبد الحكيم رئيس الإدارة المركزية الطب العلاجي.
كما حضر من جانب شركة سترايكر، فيوليتا فان المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والدكتور خالد النقيب المدير العام لشركة سترايكر، وسيد عارفي مسئول الشؤون الحكومية بالشركة، والدكتور محسن ميرغني رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للرعاية الصحية وأمجد فرح مدير وحدة الأعمال بشركة الأهلية للرعاية الصحية، والدكتور يوسف الميرغني المدير التجاري للشركة وباسل أمير مدير التقنيات التمكينية.