لم تحمل عودة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أية مفاجأة، إذ إن هذا الخيار كان مقروءاً، في الأيام الأخيرة، أو حتى شبه معلن كبديل عن مسار التفاوض، بعدما فشل في تحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وإن بقي السؤال معلقاً حول إمكانية نجاحه من عدمه.
كان الاستعداد والحديث العلني في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطط التصعيد التدريجي لعودة الحرب واضحاً وضوح الشمس، خلال الأيام الأخيرة، وقد بدأت ترجمته بالفعل على الأرض، بالتزامن مع تهديدات المبعوث الأمريكي ويتكوف، بعد فشل مقترحه في الجولة الأخيرة من مفاوضات هدنة غزة.وها هي «أبواب الجحيم» قد فتحت بالفعل بضوء أخضر أمريكي، من دون الحاجة إلى تأكيد البيت الأبيض على وجود مشاورات أو تنسيق مسبق مع تل أبيب. لكن أبواب الجحيم هذه التي استهدفت خيام النازحين المقامة فوق ركام منازلهم، وقتلت المئات من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، كانت مفتوحة على مدار 15 شهراً ولم تحقق أهداف الحرب، بينما أثبت مسار التفاوض أنه وحده القادر على إطلاق سراح رهائن.
خيار القوة كان حاضراً منذ اللحظة الأولى لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن في كل مرة كان نتانياهو يحاول إفشال الاتفاق، كان يصطدم بالجانب الأمريكي الساعي للإفراج عن المزيد من الرهائن. وفي أول فرصة متاحة انقلب نتانياهو على الاتفاق، عندما رفض الانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية، أو حتى استكمال تنفيذ استحقاقات المرحلة الأولى، والالتزام بتنفيذ البروتوكول الإنساني بإدخال الخيام والبيوت المتنقلة «الكرفانات» والمعدات الثقيلة، والإمدادات الطبية وغيرها. وها هو اليوم ينقلب مجدداً على الاتفاق، ليس من أجل إعادة الرهائن، كما يدعي هو وأركان حربه، إذ إن بعضهم بدأ يتساقط تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، وإنما للهروب من أزماته الداخلية المتفاقمة، حتى ولو على حساب التضحية بالرهائن الذين لم يكترث يوماً بحياتهم، مقابل تثبيت ائتلافه الحاكم وبقائه في السلطة.
هذه الأزمات الداخلية الناجمة أساساً عن قضايا الفساد التي يحاكم بشأنها، لطالما كانت تغذي دوافعه لعدم إنهاء الحرب، ومواجهة مصيره المحتوم. والآن تأتي قضية إقالة رئيس جهاز «الشاباك» على خلفية تحقيقات يجريها مع مقربين من نتانياهو في هجوم 7 أكتوبر، لتضيف عبئاً ثقيلاً على كاهله، لجهة التداعيات القانونية والقضائية والمجتمعية، والتي من شأنها تعميق الانقسام الداخلي وأخذ الإسرائيليين إلى حافة الحرب الأهلية، وفقاً للمحللين. وبالتالي فإن الحرب هي المخرج لكل هذه الأزمات، خصوصاً أنها تتزامن مع منطق القوة الذي تستخدمه إدارة ترامب في كثير من مناطق العالم، في تناقض صريح مع ما وعدت به هذه الإدارة بشأن إخماد الحروب والصراعات.
لكن يبقى السؤال هل يستطيع نتانياهو تحقيق ما لم يستطع تحقيقه طوال الأشهر السابقة، أم أنه سيواجه الفشل مجدداً ويخسر كل أوراقه، هذه المرة، على الرغم من ويلات الحرب؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: مؤتمر "حل الدولتين" يأتى فى مرحلة مفصلية من الحرب الإسرائيلية على غزة
قال وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي إن تنظيم مؤتمر "حل الدولتين" يأتي في مرحلة مفصلية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي الحرب التي تجاوزت حدود العقل والمنطق والضمير الإنساني.
وأضاف وزير الخارجية - في كلمة ألقاها خلال مؤتمر "حل الدولتين" بالأمم المتحدة - أن إسرائيل تستهدف الفلسطينيين في قطاع غزة بالحصار والقتل والتشريد والتجويع، في كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاص
وأوضح عبد العاطي أن هذه الكارثة تُرتكب يوميًا بحق أشقائنا الفلسطينيين وهم بالصفوف بانتظار كسرة خبز أو مساعدات إنسانية لا تكفي ولو لجزء بسيط من احتياجاتهم.
وأشار عبد العاطي إلى أن الأطفال الذين يُقتلون كل يوم قد شكّلوا علامة فارقة ودليلًا على عبثية ما كانت تُعرف بقواعد العدالة والإنصاف، في عالم لم يعد يعرف إلا لغة القوة، ويكيل لا بمكيالين فقط بل بمائة مكيال، ويصمت عن الحق صمت الأموات تحت وطأة الخوف أو بدافع المصلحة.
وتابع عبد العاطي أن آلية توزيع المساعدات التي اعتمدتها سلطة الاحتلال الإسرائيلي لإسكات أنين الجوعى في قطاع غزة أصبحت تجسيدًا لعجز العمل الدولي في هذه المرحلة الحالكة من التاريخ البشري.
وأردف عبد العاطي قائلًا إن أهمية اجتماعنا هذا لا تنبع فحسب من ضرورة توثيق المواقف الدولية للتعامل مع الكارثة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وإنما تتجاوزها لأمرين رئيسيين: أولهما العمل الجماعي على حتمية معالجة جذور تلك الأزمة وجوهرها الحقيقي من خلال إحياء حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وترسيخ الأمن الإقليمي، وثانيًا تأكيد أن تكريس هذا الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي يسلب الأرض من أصحابها ويفرض واقعًا ديمغرافيًا جديدًا لن يفضي لشيء سوى المزيد من القتل والتدمير ونشر الكراهية في المنطقة والعالم.
وأضاف عبد العاطي: "لا يسعني في هذه الأجواء القاتمة من القتل والتدمير الذين تموج بهما الأراضي الفلسطينية المحتلة سوى التأكيد على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق دائم للنار، بما يمهد الحديث عن ترتيبات بعد الحرب والتي يأتي في مقدمتها قيام المجتمع الدولي بدوره الأخلاقي والإنساني في إعادة إعمار القطاع، كما جاء في صلب الخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، والتي تعتزم مصر تفعيلها من خلال الدعوة قريبًا إلى مؤتمر القاهرة الدولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، فور وقف إطلاق النار في غزة، فضلًا عن أهمية تمكين قدرات السلطة الفلسطينية لكي تتمكن من أداء دورها في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء، باعتبار ذلك نواة تهدئة في بيئتنا الإقليمية المضطربة وتمهيدًا لإطلاق مسار مفاوضات سياسية".
وقال وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي إن العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة أثبت حقيقتين، أولاهما أن عمليات تسكين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال المقترب الأمني واستخدام الحصار أو الاستيطان أو آلة القهر العسكرية قد أثبتت فشلها وعدم قدرتها على توفير الأمن لشعوب المنطقة بما في ذلك الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، والثانية أن انفجار الأوضاع في فلسطين من شأنه أن يؤثر على حالة الاستقرار الإقليمي ككل، وبالتالي تظل القضية الفلسطينية -كما أكدت القاهرة دائمًا والعرب جميعًا وعلى الرغم من إنكار البعض في المجتمع الدولي- هي القضية المركزية في منطقة الشرق الأوسط ولا مجال للهروب من استحقاقاتها الحتمية.
وأكد عبد العاطي أن مصر تُقدّر -وتشاركها هذا التقدير الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية- أنه لا بديل عن تلبية طموحات الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة، وأبرزها حقه في التحرر من الاحتلال وتجسيد دولته المستقلة والمتصلة جغرافيًا والقابلة للحياة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك اتساقًا مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية واستنادًا إلى مبدأ "حل الدولتين" في ظل إطار تسوية عادلة وشاملة.
وأشار إلى أن الاعتراف بفلسطين لا يمثل تحركًا رمزيا بل هو خطوة فعَّالة ومهمة لمواجهة الدعوات الإسرائيلية بتصفية القضية الفلسطينية من خلال الضم والتهجير، كما أنه حق من حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف يرتبط مباشرة بحق تقرير المصير.
وتوجه عبد العاطي بالثناء للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، قائلًا: "أتوجه بالثناء للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية والتي تقف على الجانب الصحيح من التاريخ، وأنا أثني بصفة خاصة على القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين، وأدعو الدول التي لم تعلن بعد اعترافها بدولة فلسطين إلى إعلان اعترافها واتخاذ خطوات حقيقية تجاه حل الدولتين وإنفاذ الشرعية الدولية ودعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة".
وأضاف عبد العاطي أنه "في ظل التحديات الجسام التي تمر بها القضية الفلسطينية، أطالبكم بدعم الإجراءات التالية، أولًا: دعم جهود إنهاء العدوان على غزة وإتمام صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية، ثانيًا: تمكين الأمم المتحدة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للعمل الفعَّال بقطاع غزة، ثالثًا: دعم جهود السلطة الوطنية الفلسطينية وتمكينها من العودة للقطاع لضمان وحدة الأراضي الفلسطينية، رابعًا: دعم جهود تنفيذ الخطة العربية الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار القطاع وتقديم ما يلزم من إمكانيات لجعل القطاع قابلًا للحياة من جديد والعمل على وقف الانتهاكات الممنهجة للجانب الإسرائيلي في الضفة الغربية بما في ذلك سياسة الضم والتهويد وإنشاء المستوطنات، وخلق أفق سياسي وتدشين مسار تفاوضي من أجل التوصل للسلام العادل والشامل والعمل على تنفيذ حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة".
وأكد وزير الخارجية أن مصر تشدد على ضرورة التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الرابع من يونيو 1967 ووقف جميع إجراءاتها الأحادية وعلى رأسها الاستيطان، والتزامها كقوة قائمة بالاحتلال بما ينص عليه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، مع الأخذ في الاعتبار أن الممارسات الإسرائيلية لخلق حقائق جديدة على الأرض تعتبر بكل ما تحويه الكلمة من معنى تقويضًا لفرص إقامة الدولة الفلسطينية ولحل الدولتين الذي ارتضاه المجتمع الدولي كأساس لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.
واختتم الوزير كلمته قائلًا: "أود التأكيد على أن التعايش بين شعوب المنطقة والتعاون الإقليمي هو حلم نسعى له جميعًا، وقد أسست له مصر بإبرام معاهدة السلام عام 1979 إلا أن هذا الحلم لم يتحقق طالما استمرت محاولات تكريس منطق وغطرسة القوة وفرض الإرادة في العلاقات بين دول هذه المنطقة من جانب إسرائيل، وكذلك إنهاء حالة الفوضى القانونية والإفلات من العقاب في الشرق الأوسط والتي تبرر لإسرائيل بلا سند أفعالها وجرائمها، وأن ذلك لن يتأتى سوى بالعودة إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي ومعايير الشرعية والعدالة والإنصاف".