قوات درع السودان، كل المؤشرات تقول بأنها ستكون تحت سيطرة الجيش
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
صديق وزميل دراسة أخبرني كيف أبدت قيادات أهلية من ولاية القضارف تخوفها من انتشار السلاح بشكل منفلت خارج سيطرة الجيش لقيادة الجيش ولكيكل شخصيا وتلقوا تأكيدات من قيادة الجيش ومن كيكل بأن تسليح المستنفرين في قوات درع السودان سيكون تحت السيطرة الكاملة للجيش وأن الدرع يعمل بشكل كامل تحت إمرة الجيش.
مخاوف هذه القيادات تتلخص في أن وصول السلاح إلى أيدي المجرمين واللصوص سيكون أكبر مهدد للأمن في المنطقة.
الإجتماعات بين القيادات الأهلية وكيكل كانت في إطار الاستنفار للدفاع عن القضارف وتحرير الجزيرة. وتلاحظ هنا أن خطر المليشيا الداهم حينها لم يمنع هؤلاء الرجال من النظر بعيدا للأمام وإثارة المخاوف من انتشار السلاح في الوقت الذي كان إيقاف الجنجويد هو الأولوية. بمعنى أن الفريق الكباشي لم يكن وحده.
فهؤلاء القادة وضحوا لقيادة الجيش خطورة انتشار السلاح في وقت مبكر قبل تحرير الجزيرة، واجتمعوا مع كيكل وأبلغوه بمخاوفهم وواجهوه بكلام صريح: “يا اخوي إنت معاك حاليا ناس إنت بتعرفهم حرامية وبكرة الناس ديل ممكن يستخدموا السلاح للنهب والسرقة”، وفي المقابل تلقوا تطمينات من كيكل بأن كل شيء سيكون تحت السيطرة.
أنا أدهشني هذا الكلام في وقت يتم الترويج فيه في الميديا لامتلاك السلاح كوسيلة لاقتلاع المكاسب سياسية أي كوسيلة لتهديد الدولة لضمان تحقيق التمثيل السياسي للمنطقة المعينة. على أرض الواقع هذه ليست هي الرؤية الوحيدة ولا حتى السائدة؛ حيث ينظر إلى انتشار السلاح خارج يد الدولة كتهديد أمني لا كمكسب سياسي بأي شكل من الأشكال. فالمزارع والتاجر وصاحب السعية يهمهم الأمن والاستقرار وأن لا ينتشر السلاح خارج سيطرة الدولة.
وجود قيادات أهلية بهذا الوعي أمر يبعث على الاطمئنان، فأنت هنا أمام قيادات مجتمعية قبلية ولكنها تملك أفق رجال دولة.
من الواضح أن ما يوصف بالمجتمع التقليدي في السودان ليس بتلك التقليدية؛ هو مجتمع راسخ متمدن واعي بواقعه وبتحدياته الحقيقية، والثقافة في هي أحد أبعادها هي الوعي بالواقع المحلي بشكل حقيقي، بينما هناك الكثير من السفاهة في المجتمع الحديث، مجتمع الساسة والنشطاء وأشباه المثقفين.
أما بالنسبة لقوات درع السودان، فكل المؤشرات تقول بأنها ستكون تحت سيطرة الجيش بشكل كامل وأن تجربة الدعم السريع لن تتكرر مرة أخرى. وهنا لابد من الإعتراف بالدور الكبير الذي قامت وتقوم به هذه وبالتضحيات التي قدمتها جنبا إلى جنب مع مختلف القوات المساندة للجيش في معركة الكرامة.
فكرة القياس بالتشابه السطحي بين الدعم السريع ودرع السودان وأن الدعم السريع تمرد إذن الدرع سيتمرد يوما ما هي فكرة سطحية. الدعم السريع حدث مرة واحدة وانتهى ولن يتكرر مرة أخرى؛ لا الظروف ستتكرر ولا السياقات ولا الأشخاص ولا الوعي في الدولة وفي المجتمع هو نفسه كالسابق.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: انتشار السلاح الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
زوبعة الحكومة الموازية في السودان
يمكن لأي جماعةٍ أن تعلن تشكيل حكومة على الورق أو في الفضاء الرقمي، لكن هذا لا يعطيها شرعيةً أو وجوداً حقيقياً. فأي حكومة لا تملك السيطرة على أرضٍ ذات سيادة، ولا تمثل إرادة شعبية واسعة، ولا تحظى باعتراف دولي، تعد حكومة وهمية، أو في حالات أخرى محاولة لكسب نقاط تفاوضية، أو لمنازعة السلطة القائمة والمعترف بها في المحافل الدولية.
الحكومة «الموازية» التي أعلنتها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في منصة «تأسيس» هي مزيج من كل ذلك، وهي محاولة لفرض واقع جديد بعدما فشل مشروع السيطرة على الدولة السودانية بالكامل بعد اندلاع حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، والهزائم التي أخرجت «الدعم السريع» من الأراضي التي تمددت فيها، وحصرت سيطرتها في أجزاء من إقليم كردفان ومساحات من دارفور. لكن هذه المحاولة ليست مرشحةً للفشل فحسب، بل قد تنقلب وبالاً على «الدعم السريع» وحلفائها.
الخطوة قُوبلت بإدانة واسعة من كثير من الدول، ومن المنظمات الإقليمية، ومن الأمم المتحدة، وكلها اتفقت على عدم مشروعية هذه «الحكومة»، محذرةً من أنها قد تمس بوحدة البلاد ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني. بل إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وجّها دعوة للدول لعدم الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم وحدة السودان وسيادته وأمنه، والتشديد على التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها.
داخلياً فجّرت الخطوة نقمة وخلافات في أوساط «قوات الدعم السريع» التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة تصدعاً خرج إلى العلن بسبب صراعات النفوذ، والتوترات القبلية، والشكاوى من وجود تمييز وعنصرية من مكونات على حساب أخرى، مع انفلات أمني في مناطق سيطرتها أدى إلى مواجهات مسلحة مرات عدة.
ومع إعلان الحكومة أعلن عدد من مستشاري «الدعم السريع» انشقاقهم احتجاجاً، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لمقاتليها الساخطين على تشكيلة الحكومة والمجلس الرئاسي لـ«تأسيس». في هذه المقاطع هاجم المجندون قياداتهم وأعلنوا رفضهم لما وصفوه بالتهميش لهم ولقبائلهم، وطالبوا بحصتهم في قسمة السلطة على أساس أنهم من حمل السلاح وقاتل وفقد أعداداً كبيرةً من الشباب، ولكن لم يتم تمثيلهم في حين ذهبت المناصب لأصحاب «البدلات» من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال.
وبينما شن المحتجون في «الدعم السريع» هجوماً شديداً على عبد العزيز الحلو، رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، الذي حصل على منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي وحصة 30 في المائة من المناصب الأخرى، فإن الرجل قُوبل أيضاً بموجة من السخرية من ناشطين في مناطق سيطرته في جبال النوبة لقبوله أن يكون نائباً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، متسائلين ما إذا كانت «الحركة الشعبية» قاتلت من أجل المناصب على حساب شعارات التهميش ورفع المظالم.
الواقع أن تحرك «قوات الدعم السريع» ومجموعة «تأسيس» لإعلان حكومة لا يعكس قوة، بقدر ما يظهر يأسها من قلب الموازين العسكرية مجدداً، ويزيد من تصدعاتها. فهذه الحكومة سيصعب عليها الوجود على الأرض في ظل الهجمات التي يشنها الجيش السوداني في دارفور وكردفان، بعدما انتقلت المعارك غرباً، وسط مؤشرات على أن الجيش يستعد لشن هجمات كبرى منسقة على غرار ما حدث في الجزيرة والخرطوم. وعلى الرغم من الصخب الإعلامي عن أن إعلان الحكومة كان من نيالا، فالحقيقة أن اجتماعات ترتيب خطواتها وتشكيل المجلس الرئاسي كانت في كينيا، وفقاً لبيان الخارجية السودانية.
لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع
«قوات الدعم السريع» قد تكون مسيطرة حالياً على أجزاء كبيرة من دارفور وبعض المواقع في كردفان، لكنها لا تمثل بأي حال أغلبية السكان هناك، ولا تحظى بتأييد مكونات ومجموعات مقدرة، لا سيما بعد الانتهاكات الواسعة وجرائم الإبادة التي ارتكبتها. وحتى داخل مكونها القبلي فإنها تواجه عداء شخصيات نافذة مثل الشيخ موسى هلال رئيس «مجلس الصحوة الثوري» الذي انتقد تشكيل الحكومة الموازية، وشن هجوماً عنيفاً على حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وسخر من فكرة أن يحكما السودان.
المفارقة أنه مع إعلان هذه الحكومة أعلنوا أيضاً تعيين ولاة لأقاليم السودان في الوسط والشمال والشرق والنيل الأزرق والخرطوم، وهي المناطق التي كان أهلها يحتفلون بانتصارات الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وإخراجه «قوات الدعم السريع» منها. هذه التعيينات تضيف بلا شك إلى عبثية المشهد، لسببين؛ الأول أنه لا أمل لهؤلاء «الولاة» في تسلم سلطة فعلية على هذه المناطق، ولا معطيات حقيقية بإمكانية عودة «الدعم السريع» للسيطرة عليها، والثاني أنه حتى عندما كانت قواتها تسيطر عليها سابقاً فإن الإدارات المدنية التي شكلتها فيها لم تكن سوى مسميات وهمية لا وجود حقيقياً لها، ولا إنجازات.
الحقيقة أنه على الرغم من الفورة الإعلامية التي رافقت إعلانها، فإنه لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع ناهيك عن أن تصبح حكومة بديلة تحكم السودان كله.
الشرق الأوسط