علي عبد الله صالح.. القائد الذي صنع تاريخ اليمن الحديث
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
في 21 مارس 1947م، وُلد علي عبد الله صالح في بلاد سنحان ضواحي صنعاء لعائلة يمنية بسيطة، وسط بيئة متواضعة لكنها مشبعة بالقيم الوطنية، نشأ في مجتمع محافظ، حيث تعلّم مبادئ الولاء للأرض والارتباط بالتقاليد القبلية.
كانت طفولته شاهدة على التحولات الكبرى في اليمن، وخاصة ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أطاحت بالحكم الإمامي وأعلنت الجمهورية، ورغم شبابه آنذاك، انخرط صالح في الدفاع عن النظام الجمهوري، وهو ما شكّل أولى خطواته في مسيرة نضاله الوطني.
في عام 1978م، وفي واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ اليمن، تولى علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية العربية اليمنية بعد سلسلة من الاغتيالات والانقلابات السياسية التي كادت تعصف بالبلاد
ورغم هشاشة الدولة في ذلك الوقت، استطاع صالح بحنكة سياسية ودهاء إداري أن يرسّخ الاستقرار، متجنبًا مصير أسلافه الذين لم تطل فترات حكمهم، لم يكن الطريق سهلاً، إذ واجه تحديات داخلية وخارجية، لكنه تمكن من تحقيق توازن فريد بين القبيلة والدولة، وبين السلطة المركزية والتعددية السياسية الناشئة.
كان هاجس الوحدة أحد أهم القضايا التي حملها صالح منذ توليه الحكم، بعد سنوات من المفاوضات والتحديات، تحقق الحلم في 22 مايو 1990م بإعلان الوحدة بين الشمال والجنوب، وهو الحدث الذي عُدّ نقطة تحول في تاريخ اليمن الحديث. ورغم أن الوحدة واجهت تحديات، أبرزها حرب صيف 1994، إلا أن صالح استطاع الحفاظ عليها، وترسيخها كأساس للدولة اليمنية الموحدة.
تميّز عهد علي عبد الله صالح بترسيخ نظام ديمقراطي فريد في المنطقة، حيث أُجريت انتخابات نيابية ورئاسية حرة، وتأسست الأحزاب السياسية، وازدهرت الصحافة وحرية التعبير. كما اهتم ببناء مؤسسات الدولة، وتعزيز النظام الجمهوري، وإنشاء بنية تحتية قانونية تدعم مبدأ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، رغم التحديات التي واجهها من قوى تقليدية كانت تعارض هذا التوجه.
على الصعيد الاقتصادي، شهدت البلاد خلال فترة حكمه نهضة شاملة في مختلف القطاعات، تم استخراج النفط والغاز، وتوسعت شبكة الطرق لتربط المدن والقرى، كما أُنشئت المئات من السدود لدعم القطاع الزراعي، إلى جانب ذلك، شهد قطاع التعليم تطورًا ملحوظًا، حيث توسعت الجامعات والمدارس، وتم إرسال الآلاف من الطلاب في بعثات دراسية خارجية، كما شهد قطاع الاتصالات قفزة نوعية، ما جعل اليمن أكثر انفتاحًا على العالم.
واجه علي عبد الله صالح محاولات عديدة لإضعاف دولته، سواء عبر الصراعات القبلية، أو التمردات المسلحة، أو التدخلات الخارجية، كان أبرز هذه التحديات تمرد مليشيا الحوثي المدعومة من النظام الإيراني، التي بدأت تمارس الإرهاب منذ عام 2004م، وحاولت الانقلاب على النظام الجمهوري، رغم محاولاته المتكررة لإيجاد حلول سياسية، إلا أن الجماعة تمادت في تنفيذ مخططاتها التدميرية وفق أجندة عابرة للحدود، مستغلة الأوضاع الداخلية والإقليمية.
مع انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014، وجد صالح نفسه أمام معركة جديدة للدفاع عن الجمهورية، تحالف مع الحوثيين في البداية لدرء المخاطر الخارجية، لكنه سرعان ما أدرك خطورة مشروعهم الطائفي، فأعلن انتفاضته ضدهم في ديسمبر 2017م، ورغم التفوق العسكري للحوثيين، قاد صالح المواجهة بكل شجاعة، حتى استُشهد في 4 ديسمبر 2017م، في منزله بصنعاء، وهو يدافع عن الجمهورية والوحدة حتى اللحظة الأخيرة.
ظل علي عبد الله صالح رمزًا وطنيًا في ذاكرة اليمنيين، فقد كان قائداً صاحب رؤية، صنع وحدة اليمن، ووضع أسس الدولة الحديثة، وواجه الإرهاب دون خوف. رغم كل التحديات التي مرت بها البلاد، يظل إرثه حاضرًا في شواهد التنمية، وفي وعي الأجيال التي عاشت عصره الذهبي، واليوم، بعد سنوات من استشهاده، لا يزال اسمه محفورًا في قلوب اليمنيين الذين أطلقوا على يوم ميلاده "ميلاد وطن"، تقديرًا لما قدمه لوطنه وشعبه.
للمزيد..
الزعيم علي عبد الله صالح.. قائد الإنجازات وصانع التحولات التاريخية في اليمن
21 مارس.. ذكرى ميلاد زعيم يمني إرثه في ميزان التاريخ
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: علی عبد الله صالح
إقرأ أيضاً:
بيان المسيرات اليمنية “لا أمن للكيان”.. قراءة في الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاستراتيجية
يمانيون / تحليل خاص
في مشهد شعبي غير اعتيادي، خرج اليمنيون بمسيرات مليونية عارمة، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والانتهاكات المتواصلة بحق المسجد الأقصى، تحت شعار صريح: “لا أمن للكيان.. وغزة والأقصى تحت العدوان”. وقد حمل البيان الصادر عن هذه المسيرات مضامين استراتيجية عميقة تتجاوز التنديد اللفظي، إلى خطاب تعبوي وتحريضي ذي أبعاد إقليمية واضحة ، هذا التحليل يسلط الضوء على أبرز الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاجتماعية والعسكرية التي تضمّنها البيان، ويستقرئ رسائله في ظل احتدام المواجهة في غزة، وتنامي الوعي الشعبي المقاوم في عدد من الساحات العربية.
البعد الديني – المقدسات محرك شعبي جامع :
البيان يبدأ بصيغة إيمانية صريحة: “نجدد عهدنا ووفاءنا وولاءنا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله…”
هذه العبارة ليست مجرد افتتاحية تقليدية، بل تعكس مركزية البعد الديني كرافعة سياسية وتعبوية. إذ يتم الربط مباشرة بين الإساءة للنبي محمد صلوات الله عليه وآله ، والانتهاكات التي تطال المسجد الأقصى، في محاولة لإعادة تمركز القضية الفلسطينية في وجدان المسلمين بوصفها قضية عقائدية غير قابلة للمساومة.
من خلال هذه الصياغة، يُراد كسر طوق التجاهل الذي فرضته بعض الأنظمة عبر التطبيع، والتأكيد على أن الأمة الإسلامية تملك قاسمًا دينيًا مشتركًا يتفجر عند المساس بمقدساتها.
البعد السياسي – المواجهة مع المشروع الصهيوني والتحالف الغربي
البيان لا يكتفي بوصف العدوان الإسرائيلي على غزة باعتباره عملاً عدائيًا، بل يوسع المشهد ليضعه في سياق صراع دولي، من خلال وصف الدعم الغربي للعدو الإسرائيلي بأنه يأتي من “أمريكا والغرب الكافر وصهاينة العالم”.
هذا الخطاب يُعيد تفعيل مفردات “المواجهة الحضارية”، ويصور الصراع القائم بأنه ليس مجرد نزاع سياسي، بل صراع على القيم والهوية والوجود. كما أنه يبعث برسالة ضمنية إلى الأنظمة العربية التي تقيم علاقات مع العدو الإسرائيلي، بأن الموقف الشعبي المقاوم هو في وادٍ آخر، وهو ماضٍ في التصعيد.
إضافة إلى ذلك، فإن التأكيد على أن “فكرة تراجعنا عن موقفنا المساند لغزة هي من أفشل الأفكار” يُعدّ رسالة سياسية قوية بأن التحركات الشعبية في اليمن ليست ظرفية، بل تنطلق من موقف استراتيجي ثابت في مناهضة الاحتلال والوقوف مع المقاومة الفلسطينية.
البعد التعبوي والاجتماعي – المسيرات كأداة ضغط ونفير شامل
يستعمل البيان مفردات قوية للدعوة إلى التعبئة الجماهيرية: “لن نكتفي أمام إساءة اليهود المتكررة ببيانات الإدانة، بل نرد بالنفير والخروج المليوني…”
في هذا الإطار، المسيرات ليست فقط استجابة عاطفية، بل تحولت إلى فعل سياسي منظم، يُستعمل كوسيلة ضغط داخلي وخارجي، ورسالة مفادها أن الشارع لا يزال حاضرًا وفاعلًا في معادلة الصراع، رغم كل الضغوط الاقتصادية والحصار.
كما يدعو البيان شعوب الأمة الأخرى للتحرك، في محاولة لتوسيع دائرة المقاومة الشعبية، والتأكيد على أن نضال غزة ليس نضالًا محصورًا بفصيل أو شعب، بل هو نضال أممي إسلامي جامع.
البعد العسكري – رسائل نارية ومواقف غير تقليدية
البيان لم يخلُ من رسائل مباشرة موجهة إلى الميدان العسكري: “نقول لمجاهدينا في القوات المسلحة: لا تسمحوا للعدو الصهيوني أن يشعر بشيء من الأمان طالما وغزة تحت الإبادة…”
هذه العبارة تُعبّر عن تحول لافت، حيث يتم الربط بين التحركات الشعبية والخطاب العسكري المباشر، في إعلان ضمني أن اليمن، كجزء من محور المقاومة، يحتفظ بحقه في الرد العسكري إذا استدعت الحاجة، وأن “الأمن” الإسرائيلي أصبح مرهونًا بوقف العدوان على غزة.
البيان يضع “العدو الصهيوني” في حالة استنفار، ليس فقط داخل حدود فلسطين، بل على مستوى الجغرافيا الإقليمية، ويعيد التأكيد أن أي استهداف للبنية المدنية في غزة سيُقابل بمواقف عملية، وليس بمواقف إدانة تقليدية.
البعد الإنساني والتضامني – دعم معنوي صلب للمقاومة
يُختتم البيان برسالة إلى غزة وفلسطين: “اصبروا وصابروا فأنتم تجاهدون في سبيل الله ولن يضيع الله صبركم… ونحن معكم.”
في هذه الصيغة المزدوجة، يندمج الخطاب الإيماني بالسياسي. فهو من جهة يُطمئن أهل غزة بأن صبرهم في سبيل الله لن يذهب هدرًا، ومن جهة أخرى يؤكد لهم أنهم ليسوا وحدهم، وأن الظهير الشعبي في اليمن وكل ساحات المقاومة موجود وحاضر.
بهذه العبارات، يتجاوز البيان منطق التضامن الرمزي، إلى تعهد ميداني ومعنوي بالدعم والصمود، وهو ما يمنح فصائل المقاومة دفعة معنوية كبرى وسط حصار خانق وعدوان مستمر.
ختاماً : اليمن يُعيد التموضع في قلب معادلة الصراع
البيان الصادر عن المسيرات اليمنية لا يمكن قراءته بوصفه فقط موقفًا تضامنيًا تقليديًا، بل هو إعلان عن تموضع استراتيجي جديد، يحمل عدة رسائل إلى الكيان الإسرائيلي ’’لا أمان ما دام العدوان قائمًا’’ وإلى الأنظمة العربية ’’ لا تطبيع يغطي على جرائم الاحتلال’’ ، وإلى شعوب الأمة ’’ التحرك الشعبي ممكن وفاعل، والنفير الجماهيري واجب’’ وإلى غزة والمقاومة ’’ لستم وحدكم، والأمة لا تزال حية’’.
من هنا، فإن المسيرات المليونية، التي خرجت من بلد يعاني ويلات الحرب والحصار، تُعيد التأكيد أن القضية الفلسطينية لا تموت ما دام هناك من يعتبرها بوصلته الأخلاقية والعقائدية والسياسية.