يمانيون../
لم تكن فلسطين يومًا سوى قلب جريح في خارطة الصراع الكبرى، إلا أن ما يشهده قطاع غزة اليوم من حرب إبادة جماعيةٍ يخرج عن حدود المألوف، في ظل تداخل معقد بين الهروب السياسي الداخلي لقادة الكيان، والترتيبات الأمريكية، مع تقاطع أجندات إقليمية ودولية لا مكان فيها للدم الفلسطيني؛ سوى أنه وقود لمعادلات النفوذ.

حرب الإبادة الجماعية هذه ليست مُجَـرّد عدوان عسكري، بل هي مشهد معقد تتحكم به خيوط السياسة العمياء التي نسجتها “تل أبيب وواشنطن” وعواصم إقليمية أُخرى، والتي تتجاهل التدبير والعدل الإلهي الذي يتفوق على كُـلّ مخطّط وظلم، فغزة ورغم احتضارها تحت وطأة القصف والحصار؛ تذكر العالم أجمع بأن العدالة لن تسقط أبدًا.

نتنياهو بين الملاحقة والدم: الهروب الكبير عبر غزة

في الداخل الإسرائيلي، يقف مجرم الحرب “نتنياهو” في زاوية حرجة، يطارده شبح المحاكمات بتهم الفساد والاختلاس وخيانة الثقة، فيما تتفاقم حدة الانقسام السياسي بين أقطاب اليمين الصهيوني المتطرف والعلمانيين.

حيث يرى كثير من المراقبين أن الحرب على غزة باتت أدَاة ناجعة بيد “نتنياهو” وبدعمٍ من “ترامب” للهروب من ورطته الداخلية، وتوحيد الرأي العام الإسرائيلي خلفه، مستغلًا مشاعر الخوف والتطرف، ويفتح عبر الدم الفلسطيني نافذة نجاة من أسوار السجن المحتملة.

لقد دأب “نتنياهو” تاريخيًّا على تصدير أزماته إلى الخارج، مستثمرًا في الحروب على غزة كرافعةٍ سياسية، لكنها هذه المرة تأتي في ظل صراع داخلي أكثر شراسة بين أحزاب اليمين ذاته، بين من يدفع نحو تصعيد مستدام ومن يرى في المفاوضات والتهدئة ورقة لتحقيق مكاسب انتخابية.

الظل الأمريكي: واشنطن تعيد رسم الخرائط بالنار

الولايات المتحدة الأمريكية ليست بعيدة عن هذا المشهد الدموي؛ فإدارة “ترامب” تجد نفسها أمام مفترق طرق بين الحفاظ على تفوق “إسرائيل” الإقليمي، وبين استرضاء حلفاءها في العالم العربي والإسلامي ضمن سياق إعادة ترتيب التحالفات بعد تراجع الدور الأمريكي في بعض مناطق العالم.

الحرب على غزة تمنح “واشنطن” فرصة لإعادة توجيه دفة المنطقة، من خلال تصعيد يبرّر المزيد من التدخل العسكري، ويُعيد تثبيت “إسرائيل” كعنصر حاسم في معادلات الشرق الأوسط، ويرجح كفة الدور الأمريكي وضرورته في خفض هذا التصعيد وتوجّـهات السياسة الأمريكية في إعادة ترتيب الأوليات في المنطقة.

كما أن مِلف التطبيع الإسرائيلي مع بعض الأنظمة العربية، والذي تعثر في الشهور الماضية، يجد في هذه الحرب أرضية جديدة لإعادة إحياء مشروعات “السلام” الأمريكي المزعوم، ولو على حساب تدمير غزة بالكامل، ولو على حساب الدم الفلسطيني المسفوك في شوارعها.

ولأن هذا الدم ليس مُجَـرّد ضحية لصراعٍ محلي، بل هو جزء من لعبةٍ جيوسياسية أكبر، فهناك دول وقوى تراقب عن كثب مسار الحرب، وتحاول دفع المشهد بكل الطرق والوسائل لتحقيق مكاسب ميدانية لصالح فصائل الجهاد والمقاومة والشعب الفلسطيني ككل، بالمقابل، تجد دول أُخرى في هذه الحرب مناسبة لتعزيز أوراق التفاوض والتحالف مع “واشنطن وتل أبيب”، بينما تبقى بعض العواصم العربية في موقع المتفرج أَو بالأصح المتواطئ من تحت الطاولة.

الرواية الصهيونية.. صناعة العدوّ واستثمار الدم:

في جوهر هذه الحرب، يتكرس مفهوم صناعة العدوّ، حَيثُ تُختزل غزة في خطاب المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية ككيان مهدّد للوجود الصهيوني، رغم فارق القوة الهائل، وتسويق هذا العدوّ يخدم مصالح منظومة الحكم في الكيان الصهيوني داخليًّا وخارجيًّا، مع تحول سكان القطاع إلى ورقة مساومةٍ دمويةٍ في يد اللاعبين الدوليين والإقليميين.

اللافت أن حجم التدمير والقتل الممنهج يعكس استراتيجية واضحة لإخراج غزة من المشهد السياسي والجغرافي، وتحويلها إلى نموذجٍ مدمّـر لكل من يفكر في تحدي التفوق العسكري الإسرائيلي، أَو يخرج عن بيت الطاعة الأمريكية.

ما يحدث في غزة، هو انعكاس لمعادلاتٍ معقدة يتحكم بها ساسة يبحثون عن المصالح والمطامح على حساب الأبرياء، فغزة اليوم تُحرق تحت أقدام حسابات “تل أبيب وواشنطن” والعواصم الإقليمية والمنظمات الأممية المتواطئة، في معادلةٍ لم تعد ترى في الفلسطيني سوى ضحيةٍ دائمة.

غير أن التاريخ لطالما أثبت أن الدم لا يكتب إلا رواية الثبات والصمود، وغزة وأهلها ومقاومتها، رغم الكارثة، تبقى شوكةً في حلق هذه التحالفات، وجرحًا مفتوحًا يعري صفقات السلاح والدم في سوق السياسة العالمية، ويفضح صفقات التطبيع والعار في سوق النخاسة والخيانة العربية والإقليمية.

المسيرة | عبد القوي السباعي

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي

#سواليف

أثار #الرئيس_الأمريكي الجدل بمنشور عبر منصة “تروث سوشيال” بدا وكأنه كلمات تحفيزية للقوات الأمريكية وقرع #طبول_الحرب لفي وقت ازدادت فيه #التوترات بين الولايات المتحدة و #إيران.

وقال ترامب: “أنا أكثر ثقة من أي وقت مضى بأن #جيش_الولايات_المتحدة سيضيف مجدا تلو الآخر في الأيام القادمة، وفي كل جيل قادم. ستستجمعون شجاعة لا تنضب. ستحمون كل شبر من تراب الولايات المتحدة، وستدافعون عن #أمريكا حتى أقاصي الأرض!”.

كما أرفق مقطع فيديو يظهر تدريبات يجريها الجيش الأمريكي وعليها تعليق صوتي للرئيس الأمريكي قال فيه: “حياة الجنود ليست وظيفة فقط مرتبطة بالاستدعاء أو تقليد مقدس ينتقل من الأب إلى الابن والأخ والأخت ومن جيل إلى آخر، في كل ساعة من الخطر، مواطنونا النبلاء استجابوا لهذا النداء، لقد تعلم أعداؤنا مرار أنه إذا تجرأوا على تهديد الشعب الأمريكي، فسوف يطاردك الجندي الأمريكي ويسحقك ويجعلك من الذاكرة”.

مقالات ذات صلة مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تحذر: العالم أقرب من أي وقت مضى إلى حافة الإبادة النووية 2025/06/12

وأضاف: “آخر شيء ستسمعه في حياتك سيكون أزيز طائرات البلاك هوك المرعب، وانفجارات القنابل ودوي المدافع، وزئير لواء مشاة الجيش الأمريكي الهادر. بالنسبة لأعدائنا، لا يوجد خوف أعظم من جيش الولايات المتحدة”.

وتابع الفيديو: “الآن حان دوركم لحماية شعلة الحرية التي أضيئت لأول مرة قبل 250 عام بواسطة لواء كونكورد وبانكر هيل، أقف أمامكم اليوم وأنا أكثر ثقة من أي وقت مضى بأن جيش الولايات المتحدة سيضيف مجدا تلو الآخر في الأيام القادمة، وفي كل جيل قادم. ستستجمعون شجاعة لا تنضب. ستحمون كل شبر من تراب الولايات المتحدة، وستدافعون عن أمريكا حتى أقاصي الأرض”.

تأتي تغريدة الرئيس الأمريكي عقب توجيه واشنطن أوامر لجميع سفاراتها الواقعة ضمن مدى الهجوم الإيراني المحتمل، في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وشمال إفريقيا، بتفعيل لجان الطوارئ وتقديم خطط حماية مفصلة، فيما تستعد سفارتها في بغداد للإخلاء، وتُسجل مغادرة جزئية لعائلات الدبلوماسيين والعسكريين من البحرين والكويت.

وأوردت “واشنطن بوست” و”رويترز” و”أسوشيتد برس”، أنباء عن تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران وتحذيرات إيرانية من استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، في حال فشل المحادثات النووية ولجوء واشنطن إلى التصعيد.

ووفقًا للمصادر ذاتها، يزداد القلق داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية من إمكانية إقدام إسرائيل على تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران دون تنسيق مع واشنطن، ما قد يؤدي إلى إفشال المفاوضات الجارية، ويدفع طهران إلى ردّ انتقامي شبه مؤكد.

وفي المقابل، نشرت منصة إيرانية رسمية ناطقة باللغة العربية على موقع “إكس”، صورة تُظهر هجوما صاروخيا مفترضا، وأرفقتها بعبارة: “سنفاوض به عند الضرورة”، وذلك في ظل التقارير عن تعثر المفاوضات مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني.

وحذر وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصر زاده يوم الأربعاء، من أن بلاده سترد باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة إذا انهارت المحادثات النووية مع واشنطن أو اندلع صراع مباشر. وقال ردا على التهديدات الأمريكية بالتحرك عسكريا إذا فشلت المفاوضات “نحن نأمل أن تصل المفاوضات الى نتيجة”.

مقالات مشابهة

  • الساعات الحاسمة | سيناريوهات الرد الإيراني والموقف الأمريكي ومستقبل الشرق الأوسط .. خبير يعلق
  • خبير عسكري بارز يتحدث عن حرب قادمة ستشعل الشرق الأوسط كله
  • معركة الرسوم الجمركية تهدأ مؤقتاً.. ماذا يعني الاتفاق الأمريكي الصيني للأسواق؟
  • القضاء الأمريكي يوقف ترحيل الفلسطيني محمود خليل.. هذا موعد الإفراج عنه
  • وزير الخارجية يبحث تطورات غزة ونووي إيران مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط
  • ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي
  • ترامب عن الانسحاب الكبير من الشرق الأوسط: مكان خطر
  • اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ومبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط
  • القضاء الأمريكي: ليس من حق إدارة ترامب احتجاز الطالب الفلسطيني محمود خليل
  • إعلام إسرائيلي: ترامب طلب من نتنياهو إنهاء الحرب