قصة الوادي الصغير (34)

 

الكاتب حمد الناصري
  
شعر الأحمق المجنون بأنّ الرجال استحسنوا كلامه، وبأنه خير رجل بينهم، فقال مُعقباً، وانتشى بحماقته الراشدة، ماذا تُريدون من حواركم هذا.. فهل هو أسّ العلاقة بينكم، أم هو ما يُفرقكم ويُمزق شملكم.. إني أراني وكأني أمام مناظرة أو مُباهاة، فهل أنتم منتهون، وتكونون أصدقاء بالقول الثابت، وما ينفع الناس.

.
 
ـ اسمعوا.. وعووا، وانتبهوا، إنّ أشرف الكلام قول السماء، وأصل الكلام من نور النّقاء، وكلّ نقيّ في داخله سَلام.. فمن بُغيَ عليه دخل السلام بإطمئنان، ومن قُدر له رزقهُ وكسب منه وأكل وشرب ووجَد وتمتّع فليُعطي مِمّا وجَد وليدفع بمثل ما تمتع.؛ ومن تجبّر وعصى وتمرّد وجاوز الحدّ وقع في الخطر ومن ارتكس سقط وهانتْ عليه المَفسدة.؛ ومن آمن ورضي واستحسن، جُمع له في السماء سلاماً وبَعُد عن الشّيطنة، ومن رضيَت عنه السماء، عَرف نفسه ومنزلته.؛
 
صفّق الجميع وقالوا بصوت واحد:
 
ـ أمة الاعراب في خطر يا ابن الرمال والكثبان.؟ فبماذا ترشدنا وتنصحنا؟
 
ـ لا أنصح أحداً بتاتاً، طالما تسمعون ولا تفعلون.؛ نحن الأعراب أمة لو اجتمعت لأكلتْ خير أكُل، وشربت ونعمت بخيراتها، أمة الرجال، أمة القيام والقوام أمة الوسط والاعتدال، أمّة الفزعة والرجولة لا يهابُون أحداً ويَسعون إلى الخير، لا يخشون عواقب الزمان رجال ذو جَلَد، أشدّاء، أقوياء على تحمّل المصائب، يتحمّلون الشدائد رغبة في الفوز والنجاح في الحياة، يَصبرون على المكاره من أجل سكينة أبدية، كلمتهم " الصّبر جميل ".؛ لا يُشبههم أحد من الذين هادوا ولا من الذين جاؤوا من نسل الصبي المُعجزة ، فالصبي أمهُ ، من الرمال الذهبية الغربية المُحاذية لكثبان البدو ،  ويُقال من رملة نجود ، رملة اختلطت فيها كثير من الانساب ، جذورها واقعة بين أعراب أقحاح وعُرباً آخرين كانوا من وادي العجوز ، وتستطيع القول نصفها عُرباً أقحاح ونصفها الآخر من رملة نُجود ، وكانت لغتهم  تُعرف بـ لغة سَنام .. ولغة سَنام مأخوذة أحرفها اشتقاقاً منها، فالسّين "س" تعني السيّد وهي إشارة إلى سرّ الصبي وإحاطته بعلم السماء والنون "ن" مأخوذة من النّصر، من ذلك المكان والذي اعتبروه قداسة ونصراً، والألف "أ" مأخوذة من أبدية المهد أو أبدية الصبي والميم "م " مأخوذة من مُعجزة نُطق الصبي في المهد دفاعاً عن أمه وشرفها.. والسّنام لفظة اشتقت من العُلو والرّفْعة ومن الشّوكة والعزم، والبدوَ يعرفونها بـ سنام الإبل عالية الشحم والدُهن وتختص بالبعير في الرمال الذهبية أما عموم الأعراب فيطلقون السّنام على جُموع النُوق " الإبل ذكراً وأنثى" ويُعرف بالحَدبة في سائر رمال الأعراب، والحَدبة تتوسّط ظهر النوق في بقاع الأرض، من يستخدم السّنام يعيش سعيدًا.؛
 وأعود بكم إلى رملة نُجود ، هي رملة أحبّها الربّ ، وهي رملة منها ظهر ذلك الصبي المُعجزة وهي رملة أمه القُديسة الشريفة ورملة أهله ، رملة خير باركها الربّ الأعلى ، رملة اختلطت بأجناس تباينت أفكارهم وطُرقهم وتباعدت مسافاتهم ولكنها التقت عند حروف لغة ترجمة معاني سُمو المجد الأعلى في قدرة الصبي المُعجزة ولكن جمال قلوب الأعراب الأصليين وصدقهم ووفائهم وصفاء نفوسهم قبلوا بكل الاجناس ومشاركتهم العيش في رملة نجود وكان من اسمائها  "رملة الصبي المعجزة" ، فرملة نجود جمعت ثقافات مُختلفة أعراب رملة نجود  وأعراب الرمال الذهبية وأعراب وادي العجوز وأجناس أخرى ، وكوّنوا لهم لغة مُشتركة، إلا أنّ هذه اللغة انقرضتْ، وكانت أمه تتحدث بأكثر من لغة ، كلغة "سنام" اللغة المُشتركة ولغة أعراب الرمال الذهبية ولغة أعراب رملة نجود ولغة أعراب وادي العجوز أو ما تُعرف بلغة أعراب الجنوب.؛
 ويُقال بأنّ هذه اللغة انقرضت ولم يُعرف عنها شيء غير اسمها لغة "سَنام " وتحدّث عنها أحد كبار مؤرخي رملة نجود " بدعان بن صابي" قال بأنها لغة "سَنام" مأخوذة من حدبة الإبل بلغة أعراب الرمال الذهبية، وهي ليست ببعيدة عن لغة أعراب الجنوب وأعراب صحراء رَجْبة وأعراب وادي العجوز.؛
ولكن كما يُؤكد المؤرخ " بدعان بن صابي " أنّ هذه اللغة انقرضت تماماً ولم يَعد لها أثر باقٍ ، وأنّ قوم" هادِن" كأنما هم استنسخوها وكونوا منها لغة تُعرف بهم "لغة بني هادِن" واعترض قوم "هادْ" الذين انشقوا عن الأكثرية من رجال رملة نجود ومنهم "هادِن الحطّاب " وكوّنوا لغة استنسخت من لغة "سَنام" ويرونَ بأن أؤلئك الثّلة ، من كبار رجالهم ، قاموا بإعادة ترتيب وتركيب كلمات وألفاظاً من لغة "سنام" لأنها تعني لهم الكثير فهي أساساً لغة قوم أم الصبي المُعجزة وهي اللغة التي نطق بها ولدها المعجزة وهو في المهد صَبياً .؛ أما لغة هادِن فلن يعترفوا بها ، فـ هادِن كان حطّاباً وليس خبيراً وليس ذي معرفة بالأنساب ولا باللغات ، ولكنّ السماء أوسعت له ليكون على رأس قومه ، وعُرف أؤلئك الأعراب به أو بإسمهم "قوم بني هادِن" اما الجد الأكبر الذي يجمعنا ، فهو "هادْ " وليس "هادِن الحطاب" وأنّ هادِن عاش وبقي ومات في مجدولة وليس من أعراب الجنوب ، ولا له عِرق في بادية الرمال ولا في صحراء رَجْبة.

 وأشار إلى ديفيد بسبابته وهو يتحدث عن معرفة..
وهذا المؤسس "هود بن صاني" هو جدّك من أبيك غير الشرعي، وجدّ أبيك يوسيف الطويل ارتكب حماقة أو خطيئة اغتصاب في المكان المقدّس، ثم هربت الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ سنّ الرشد يومذاك الواحد والعشرين، وبعد أشهر سبعة، وضعتْ طفلها الذي هو جدّك "هود بن صاني ".؛
 
حاول ديفيد مُقاطعة الأحمق المجنون فلم يستطع فالأحمق المجنون استرسل وأخذ يُحدث الناس وهم مُتلهفون لسماع المزيد.. وأردف: دعوني أقص عليكم القصص الكاملة والجذور والنسب.!

 ثم التفتَ إلى ديفيد يوسيف بن يهو بن صاني وقال له:
 
ـ تحدثتَ كثيراً ولم أقطع حديثاً لك ومنحتك فرصة الحديث حتى أكملت مساحة كبيرة، وهؤلاء يشهدون، وأشار على الحضور، وبدوت من الهوس ما أبديت، وإنْ أردت أنْ تُكمل ما بقيَ من حماقة فلتُكمل من بعد ما آذن لك.. إني أريد أنْ أُعَرّفك من هو ديفيد يوسيف الذي يُحرّف كل شيء، كأنما هو نسخة من آبائه في كذبهم وزورهم وبُهتانهم..
 ونظر إلى الجمع المُتحمس لسماع المزيد، وقال:
 هو طبعاً ـ أيّ أنّ آبائك ليسوا من أم سوداء، كما كنت تُرددها وتُؤذيني بسواد بشرتها وتنعتني وأخي من الرضاعة "عِويق " كأنما تنتقص من سوادها وتنظر إلى سواد بِشْرتنا وكأنك تُقطع صِلتنا بها، فأمّنا السوداء يا ديفيد هي أم شرعية في مُعتقدنا، وليستْ أمّ زانية غانية كما تظنون حتى وإن كانت سوداء..
  ولكن خُذ قليلاً من نسب أولاد هود بن صاني الأكيد وبالدليل وأنا واثق مِما أقول، وسأعرض على المُجتمعين ما قد يصدمهم ويصدمكَ بالتأكيد.

أيها الاخوة أحدثكم عن هذا الرجل، وأشار إليه، إنّ ديفيد هو من أب غير شرعي في عقيدة الأعراب وشجرته تُعرف بتفرقها وانقطاعها، عُرفت جَدته بجمالها وجدهُ كان صياداً في شاطي مجدولة، وشجرة الانساب موثقة من نسابين أعراب أقحاح معروفين بأمانتهم ولا نشكّ فيها ولا نظنّ بهم إلا صدقاً، وقد عرفهم الناس ووثقوا بهم، وهم زهران من رمال الاعراب، وفرحان من وادي العجوز وخيطان وكحلان من صحراء رَجْبة.؛
وجميعهم ـ الأربعة ـ قالوا أو أجمعوا على أنّ نسب بني مجدولة وهود بن صاني مُتفرعة شجرتهم أي مُنقطعة وغير متصلة.. وديفيد الذي أحدثكم عنه، هذا-اشار إليه - هو " إبن يوسيف بن هود بن صَاني من أولاد يعرفين "تفرعت الشجرة هنا" من أولاد مجدولة ابن يعرفين "الأول" من أولاد هادِن "الأول" وتفرعت الشجرة هنا، من يوسيف الطويل أولاد يعرفين من أولاد هادْ الأكبر بن براح بن فارح بن ياكوف الفشخذ، وهنا تفرّعت الشجرة وأورقت وأثمرت وظهر "يعرفين" مُجددًا، وعرّفه المُؤرخين بـ يعرفين الآخر أي المُتأخر أو الأخير وانفصلت الفروع، وبقتْ شجرة مجدولة، بمعنى آخر، أي أنّ، او قُل أصبحت" عشيرة هادِن من بني يعرفين " على شجرتين، شجرة مجدولة وشجرة يعرفين.. وشجرة مجدولة انحدرت منها السيدة العفيفة أم الصبي المُعجزة، وتلك السيدة العفيفة من رملة نجود على أغلب اليقين وأصدق الأقوال، ورملة نجود واقعة في حوزة وادي العجوز.
 وذلك الوادي "وادي العجوز " صحراء كبيرة واسعة، تربتها بيضاء تميل إلى رمال البحر.

يتبع 35

المصدر: جريدة الرؤية العمانية