الشرق الأوسط: شدد الاجتماع الوزاري الثاني لـ«عملية الخرطوم» المعنية بمكافحة «الهجرة غير المشروعة»، في القاهرة، على ضرورة مجابهة تهريب المهاجرين، والاتجار في البشر، وأقر الاجتماع، الأربعاء، «خطة عمل» للمرة الأولى لتكون وثيقة استراتيجية تنظم مسارات عمل «عملية الخرطوم» منذ انطلاقها.

وافتتح وزير الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، الاجتماع الوزاري، الأربعاء، في ضوء رئاسة بلاده لـ«عملية الخرطوم» منذ أبريل (نيسان) 2024، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»: «شارك في الاجتماع ممثلون لما يقرب من 50 دولة من أوروبا ومنطقة القرن الأفريقي، والمنظمات الإقليمية والدولية الشريكة».



وهذه المرة الثانية التي تترأس فيها مصر «عملية الخرطوم» بعد أن تولت رئاستها عند إطلاقها عام 2014.

وجرى تدشين «عملية الخرطوم»، في مؤتمر وزاري بروما، نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، بهدف التعاون في موضوعات مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين بين الدول الأعضاء، وتوسعت اختصاصات «العملية» لتشمل الموضوعات المرتبطة بالهجرة من خلال مقاربة أشمل تتضمن التعاون الإقليمي بين دول المنشأ والمعبر والمقصد، ودعم مسارات الهجرة الشرعية، والتنمية والسلام والأبعاد الإنسانية، حسب «الخارجية المصرية».

وتضم «عملية الخرطوم» دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى سويسرا والنرويج، ودول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الدولية الشريكة، مثل المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة.

واعتمد الاجتماع الوزاري، الأربعاء، «خطة عمل القاهرة» لتكون بمثابة وثيقة استراتيجية، تتضمن الإطار العام، لتحرك الرئاسات التالية لعملية الخرطوم. وشدد البيان الختامي للاجتماع على «ضرورة معالجة قضايا الهجرة والنزوح القسري والحماية الدولية وفقاً للقانون الدولي»، وأكد ضرورة «الوضع في الاعتبار تأثير تغير المناخ والأوبئة والطوارئ الصحية العالمية على حركة البشر، وخاصة المهاجرين».

وحسب «إعلان القاهرة» أكد الاجتماع الوزاري «أهمية معالجة الأسباب الجذرية المتعددة للهجرة غير النظامية والنزوح القسري بطريقة مستدامة، لا سيما ما يتعلق بالحروب والنزاعات وعدم الاستقرار الاقتصادي والدوافع الهيكلية للهجرة وانعدام الأمن الغذائي والكوارث الطبيعية وتدهور البيئة وتغير المناخ»، وشدد على «ضرورة مواصلة الدعم لتعزيز قدرات دول المنشأ والعبور والمقصد».

وعدّ وزير الخارجية المصري، الاجتماع أنه «يمثل منصة فريدة للتعاون السياسي، بهدف تحقيق نتائج ملموسة، من خلال الحوار وتبادل المعرفة وتقديم الدعم في مجالات الهجرة الأساسية»، وأشار إلى أن «بلاده سعت من خلال رئاستها لـ(العملية) إلى الدفع بجهود مكافحة (الهجرة غير المشروعة)، وفق رؤية ومقاربة شاملة، ترتكز على التعاون المتكافئ والتضامن العملي، واحترام الكرامة الإنسانية».

وأضاف: «تضمنت أولويات الرئاسة المصرية لـ(عملية الخرطوم)، دعم مسارات الهجرة النظامية، وتعزيز انتقال العمالة وتنمية المهارات، وربط ذلك بمسارات التنمية المستدامة».

وتوقف وزير الخارجية المصري، مع جهود بلاده لاستضافة المهاجرين والأجانب على أراضيها، وأشار إلى أن «بلاده تُعد موطناً لأكثر من 10 ملايين أجنبي، من مهاجرين ولاجئين وطالبي لجوء، من 133 دولة»، وقال إن «بلاده تتيح لهم حرية الحركة والحصول على جميع الخدمات أسوة بالمواطنين المصريين».

وفي وقت سابق، قدّرت الحكومة المصرية، التكلفة المباشرة لاستضافة الأجانب، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً. (الدولار الأميركي يساوي 51.6 جنيه في البنوك المصرية).

وأشار بدر عبد العاطي إلى أن «بلاده مستمرة في جهودها لمكافحة (الهجرة غير المشروعة)، طوال السنوات الماضية، وفق نهج شامل، يعالج الأسباب الجذرية وتعزيز المسارات القانونية ودعم التنمية المستدامة والشاملة».

تأتي استضافة القاهرة للاجتماع الوزاري الثاني لـ«عملية الخرطوم» من منطلق نجاحاتها في مكافحة «الهجرة غير المشروعة» خلال السنوات الأخيرة، وفق مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق، السفير محمد حجازي، وأشار إلى أن «الحكومة المصرية تحرص على تقديم رؤية ومقاربة شاملة لمواجهة الاتجار بالبشر والمهاجرين غير الشرعيين».

وأطلقت مصر، أول استراتيجية وطنية لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» في 2016، وأكد مسؤولون مصريون في مناسبات عدة «نجاح القاهرة، في عدم خروج مركب هجرة غير نظامية من حدودها منذ 2016 وحتى الآن».

وفي عام 2019 أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مبادرة «مراكب النجاة»، التي تستهدف رفع الوعي لدى الشباب والأسر في 14 محافظة هي الأكثر تصديراً للهجرة غير النظامية، مع توفير بدائل آمنة، من تدريب وفرص عمل في الداخل والخارج، في مجالات العمل المختلفة، بعد دراسة احتياجات السوق.

ويرى حجازي أن «المقاربة الشاملة التي قدمتها مصر في اجتماع (عملية الخرطوم) تتعامل مع مجتمع المهاجرين في إطار التمكين والتضامن والتعاون، واحترام الكرامة الإنسانية، مع إعلاء الجوانب التنموية وتوطين الاستثمارات، وتقاسم الأعباء بين دول المنشأ والمقصد والعبور»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة قدمت إسهامات عديدة للحد من ظاهرة الهجرة بين ضفتي البحر المتوسط ومنطقة القرن الأفريقي».

وأكد البيان الختامي لاجتماع القاهرة ضرورة «ضمان الحماية الكافية لحقوق الإنسان، لجميع المهاجرين، وتوفير سبل الحماية الدولية للاجئين والنازحين قسراً».

وتوقف حجازي، مع المشاركة الدولية في اجتماع القاهرة، وقال إن «حضور ممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية، والدول الأعضاء بعملية الخرطوم، يعطي ثقلاً لمخرجات الاجتماع ويدفع نحو جهود تنفيذها».  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: وزیر الخارجیة المصری الهجرة غیر المشروعة الاجتماع الوزاری لـ عملیة الخرطوم القرن الأفریقی إلى أن

إقرأ أيضاً:

تسريبات تفضح أكبر عملية تهريب أسلحة إيرانية إلى موانئ الحديدة بغطاء أممي

منذ أن سيطرت ميليشيا الحوثي على ميناء الحديدة في أواخر 2014، ظل هذا المرفق البحري الحيوي أداة استراتيجية بيد الجماعة، ليس فقط لتمويل أنشطتها عبر فرض رسوم وجبايات على الواردات، بل أيضًا كبوابة رئيسية لتهريب الأسلحة والمعدات العسكرية الإيرانية، في انتهاك صارخ للقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن.

ومع تصاعد التوتر في البحر الأحمر وازدياد الهجمات الحوثية على السفن التجارية وناقلات النفط، يكتسب ملف تهريب السلاح عبر الحديدة بعدًا أكثر خطورة، خاصة مع بروز أدلة جديدة على تورط الميليشيا في عمليات تهريب منظمة ومعقّدة، تستغل ثغرات الرقابة الأممية وضعف البنية الأمنية في الميناء.

البيانات التي كشفها الحقوقي مجاهد الحقب على صفحته في منصة "إكس" تمثل نافذة نادرة على ما يجري خلف الأبواب المغلقة في ميناء الحديدة، وتكشف كيف تحوّل الميناء إلى "محطة ترانزيت" لأسلحة إيرانية الصنع، تصل إلى الحوثيين عبر مسارات بحرية معقّدة وبواجهات تجارية مموّهة.

عملية تفريغ سرية بتخطيط أمني محكم

في منتصف ليلة الأحد، 27 يوليو 2025، وفي ساعة يندر فيها النشاط البشري بالميناء، أُعطي الأمر بإخلاء جميع العمال والموظفين من داخل ميناء الحديدة، في إجراء غير معتاد يثير الكثير من الشبهات. لم يكن هذا القرار وليد اللحظة، بل كان جزءًا من خطة محكمة أشرف عليها ضباط جهاز الأمن والاستخبارات الحوثي، يتقدمهم القيادي البارز رياض بلدي، الذي تابع سير العملية من داخل سيارة ذات زجاج معتم، تجنبًا لكشف هويته أو إثارة الانتباه.

خلال هذه العملية، أُخرجت السفينة KHALED A (رقم IMO: 9010046، ترفع علم توغو) من الرصيف رقم 8 بشكل عاجل، لتفسح المجال لوصول السفينة JI ZHE 2  رقم IMO: 8594679، علم بنما، تديرها شركة Guangxi Hongxiang Shipping الصينية).

 فور رسوّها، بدأت رافعات السفينة بإنزال ما بين 160 إلى 180 حاوية، جرى تحميلها على شاحنات مدنية الشكل لكنها مملوكة لوزارة دفاع الحوثيين، وتحمل أرقامًا وهمية، ويتولى قيادتها عناصر من الأمن والاستخبارات بلباس مدني، في مشهد يعكس حرص الجماعة على إخفاء أي أثر لهذه الشحنة.

الحاويات التي تم إنزالها لم تتوجه إلى مناطق خاضعة للرقابة الجمركية أو الأمنية، بل سلكت مسارات محددة نحو صنعاء وحجة وذمار، وهي محافظات تشكل العمق الاستراتيجي للحوثيين ومراكز تخزين وتوزيع السلاح. عملية النقل استمرت يومين و8 ساعات من العمل المتواصل، وهو زمن طويل نسبيًا يشير إلى ضخامة الشحنة وأهمية محتواها.

بعد إتمام التفريغ، غادرت السفينة JI ZHE 2 فجر السبت 2 أغسطس متجهة إلى ميناء جدة، حيث مكثت 21 ساعة، قبل أن تتابع رحلتها إلى ميناء بورتسودان، في مسار ملاحي يعكس محاولات التمويه على طبيعة الشحنات الحقيقية وإضفاء صبغة تجارية عادية على رحلات السفينة.

المعلومات الاستخبارية.. ما وراء الشحنة

في الثاني من أغسطس، تلقّى النائب العام القاضي قاهر مصطفى بلاغًا رسميًا من جهاز مكافحة الإرهاب، يتضمن معلومات استخبارية "بالغة الدقة" حصلت عليها الأجهزة الأمنية من مصادر متعددة، بعضها من داخل ميناء الحديدة نفسه، وأخرى عبر قنوات تعاون أمني مع جهات إقليمية. ووفقًا لهذه المعلومات، لم تكن الشحنة التي أفرغتها السفينة JI ZHE 2 مجرد بضائع مدنية كما زُعم في الوثائق، بل كانت تحتوي على مكونات عسكرية متطورة ذات طابع استراتيجي، تشمل أجهزة طائرات مسيّرة بعيدة المدى، ووحدات تحكم رقمية عالية التقنية، وأجهزة بث واستقبال لاسلكي تعمل على ترددات يصعب اعتراضها، بالإضافة إلى حزم بطاريات متخصصة، وأنظمة ملاحة بالأقمار الصناعية (GPS) معدّلة للاستخدام العسكري، وقطع غيار لأسلحة متوسطة وثقيلة.

تؤكد التقارير أن هذه المعدات ليست مجرد تجهيزات منفصلة، بل أجزاء من منظومة تسليح متكاملة، يمكن عند تركيبها أن تنتج أسرابًا من الطائرات المسيّرة الهجومية والاستطلاعية، القادرة على تنفيذ عمليات دقيقة في عمق أراضي الخصوم أو على خطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وبحسب المصادر الأمنية، فإن هذه النوعية من الطائرات تستخدم حاليًا في استهداف السفن التجارية وناقلات النفط في الممرات البحرية الدولية، وفي شن هجمات على مواقع حساسة داخل الأراضي السعودية، وهو ما يشير إلى أن الشحنة قد تغيّر ميزان القوى الميداني إذا ما تم دمجها في الترسانة الحوثية.

خطورة هذه الشحنة تكمن في توقيتها أيضًا؛ إذ تأتي في ظل تصاعد العمليات الحوثية ضد السفن الدولية منذ نهاية 2024، وتزايد استخدام تقنيات الطائرات بدون طيار في حرب الاستنزاف التي يخوضها الحوثيون، الأمر الذي يعقّد مهام الدفاعات الجوية للتحالف العربي، ويزيد من تكلفة العمليات البحرية الدولية لحماية الملاحة. ويرى خبراء أمنيون أن مثل هذه الشحنات لا تصل إلى الحوثيين إلا عبر شبكات تهريب معقّدة تموّلها وتديرها إيران، باستخدام واجهات تجارية وشركات شحن وهمية، وبالاستفادة من الثغرات الموجودة في آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM).

غطاء قانوني لشحنات مشبوهة

تكشف الوثائق الرسمية المرتبطة بالشحنة أن عملية إدخالها جرت تحت غطاء قانوني مُحكم، حيث تم تسجيلها في أوراق الشحن والتخليص الجمركي على أنها "قطع غيار سيارات ومحركات زراعية"، وهي تصنيفات شائعة الاستخدام في التجارة الشرعية، مما سهّل مرورها عبر المراحل الرقابية دون إثارة الشبهات. ووفق البيانات، فقد جرى تفريغ ما يقارب 79 حاوية في ثلاث محافظات رئيسية تخضع لسيطرة الحوثيين، هي صعدة وذمار وصنعاء، دون تنفيذ أي عمليات تفتيش أمني فعلية أو اتخاذ تدابير احترازية، كما هو معتاد في التعامل مع الشحنات ذات الحجم الكبير أو الوجهة العسكرية المحتملة.

الأخطر في هذه العملية كان النقل البري؛ إذ أُسندت مهمة نقل الحاويات إلى أسطول "القواطر" التابع مباشرة لوزارة الدفاع في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا، حيث استُخدمت أرقام لوحات مدنية وهمية لإخفاء الهوية العسكرية للمركبات. رافق هذه القواطر عناصر من جهاز الأمن والاستخبارات الحوثي بملابس مدنية، في محاولة لتمويه طبيعة العملية والتقليل من فرص اكتشافها من قبل أي جهة رقابية محلية أو دولية.

مصادر عاملة في قطاع النقل الثقيل أكدت بشكل قاطع أنها لم تتلقَّ أي طلبات رسمية للمشاركة في نقل هذه الحاويات، وهو أمر غير معتاد في شحنات بهذا الحجم، ويشير بوضوح إلى أن العملية كانت مغلقة أمنيًا منذ لحظة خروج الحاويات من الميناء وحتى وصولها إلى مستودعات ومراكز تخزين سرية. هذا الأسلوب — بحسب خبراء لوجستيين — يعكس تطورًا في أساليب التهريب الحوثية، حيث يتم استغلال الغطاء القانوني للتجارة المدنية لتغطية عمليات نقل معدات عسكرية، في نمط مشابه لما تم رصده في عمليات تهريب سابقة مرتبطة بشحنات أسلحة إيرانية عبر موانئ الصومال وإريتريا قبل إعادة توجيهها إلى اليمن.

التحايل على آلية الأممية

من المعروف أن السفن المتجهة إلى موانئ الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون تخضع، نظريًا، لآلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة UNVIM ومقرها جيبوتي، والمُنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015، بهدف ضمان عدم إدخال أسلحة أو مواد عسكرية إلى اليمن تحت غطاء الشحن التجاري. غير أن هذه الآلية، التي تعتمد إلى حد كبير على فحص الوثائق المرسلة من الشركات المشغلة والموانئ المصدّرة، تفتقر إلى القدرة الميدانية على تفتيش كل شحنة بشكل فعلي أو التحقق المادي من محتويات الحاويات.

في حالة السفينة "JI ZHE 2"، تم تقديم أوراق شحن مطابقة تمامًا للمواصفات التجارية القانونية، مما سمح لها بالحصول على تصريح دخول دون اعتراض. مصادر بحرية تشير إلى أن الحوثيين، بدعم من شبكات تهريب إقليمية، طوروا أسلوبًا متقنًا للتحايل على هذه الآلية عبر إخفاء المواد العسكرية داخل شحنات مدنية أو تقسيم المعدات الحربية إلى أجزاء ومكونات يصعب التعرف عليها عند الفحص المكتبي للوثائق.

الأكثر خطورة أن آلية UNVIM تعتمد بدرجة كبيرة على التصاريح والتقارير الذاتية المقدمة من السفن والشركات، دون إلزام دائم بإجراء عمليات مسح ميداني أو تصوير بالأشعة السينية (X-ray) للحاويات، وهو ما يتيح مجالًا واسعًا للتلاعب. وبحسب خبراء أمنيين، فإن ضعف هذه الرقابة جعل من الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، وفي مقدمتها ميناء الحديدة، منصات مفتوحة لاستقبال معدات عسكرية متطورة يتم تهريبها بغطاء تجاري، في خرق صريح للقرارات الأممية.

شبكة تهريب بحرية مكررة

تكشف البيانات الملاحية وتتبع حركة السفن أن الناقلة "JI ZHE 2" لم تكن حادثة منفردة، بل جزءًا من نمط تهريب متكرر ومنهجي. فمنذ أواخر ديسمبر 2024، سجلت السفينة زيارات متعددة إلى موانئ عدن والحديدة، ما يشير إلى مسارات بحرية شبه ثابتة تستخدمها شبكات تهريب مرتبطة بالحوثيين. هذه المسارات تدار تحت غطاء شركات استيراد وتصدير تعمل بواجهات قانونية، بينما تثير تحركاتها ومجال عملها الكثير من الشكوك، خاصة مع افتقارها للنشاط التجاري المعلن أو السمعة المعروفة في الأسواق الإقليمية.

>> طارق صالح يكشف تفاصيل المخطط الإيراني لنشر الإرهاب عبر السواحل اليمنية من المهرة إلى حجة

والمثير للانتباه أن هذه الشبكة لا تعتمد على سفينة واحدة، إذ تستعد السفينة الشقيقة "JI ZHE 6"، التي ترفع علم بنما وتحمل الرقم الدولي IMO: 1080265، لدخول ميناء عدن في منتصف مساء الجمعة. ووفق خبراء الشحن البحري، فإن تكرار المسارات والآليات التشغيلية بين السفينتين يكشف عن أسلوب تهريب منظم، يقوم على تبادل الأدوار بين السفن لتجنب لفت الانتباه، مع استخدام نفس الموانئ ونفس الوسطاء التجاريين.

وتؤكد مصادر مطلعة أن هذا النمط المكرر يتيح للميليشيات الحوثية إنشاء خط إمداد بحري مستمر، يسمح بتدفق الشحنات العسكرية بشكل دوري دون إثارة شبهات فورية، خصوصًا في ظل ضعف إجراءات الرقابة والتفتيش الفعلي في الموانئ التي تقع تحت سيطرتها أو التي تتعامل معها عبر وسطاء محليين ودوليين. هذا الأمر يعزز المخاوف من أن موانئ البحر الأحمر، وفي مقدمتها ميناء الحديدة، قد تحولت إلى ممرات آمنة لعمليات التهريب البحري التي تموّل وتغذي القدرات العسكرية للحوثيين.

ضعف آلية التفتيش الدولية

على الرغم من أن آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، تستند إلى تفويض القرار الأممي 2216، إلا أن ما تكشفه الوقائع الميدانية والمعلومات المسرّبة يفضح ثغرات خطيرة في قدرتها على مواجهة أساليب التهريب الحديثة التي يعتمدها الحوثيون وحلفاؤهم. فالتقارير تشير إلى أن الآلية اكتفت بالتعامل مع الوثائق المرسلة إليها من الشركات الناقلة، والتي غالبًا ما يتم إعدادها بمهارة لتبدو قانونية، دون أن تقوم بعمليات تحقق ميداني أو فحص فيزيائي شامل للشحنات، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام تمرير مواد محظورة تحت مسميات مدنية.

المعلومات التي نشرها الناشط مجاهد الحقب تضيف بعدًا أكثر خطورة، إذ تُظهر أن الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وعلى رأسها ميناء الحديدة، تحولت عمليًا إلى مراكز عبور لوجستية لشحنات عسكرية، بينما تتعامل معها الرقابة الدولية وكأنها موانئ مدنية اعتيادية. هذا الواقع يسمح بمرور شحنات مموّهة — كقطع غيار سيارات أو محركات زراعية — وهي في الحقيقة تحتوي على أنظمة تسليح متطورة، بما في ذلك معدات الطائرات المسيّرة، ومنظومات الاتصالات العسكرية، وقطع غيار الصواريخ.

ويشير تقرير منتدى الخليج الدولي الأخير إلى أن استمرار هذه الثغرات، بالتزامن مع التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن، لا يشكل تهديدًا على الأمن اليمني فقط، بل يضرب مباشرة سلامة الملاحة الدولية، ويعطي طهران قناة إمداد ثابتة لتعزيز قدرات الحوثيين، مع ما لذلك من تبعات على أمن الطاقة والتجارة العالمية.

وفي ظل هذا المشهد، فإن إبقاء ميناء الحديدة خارج نطاق رقابة بحرية مشددة وموسّعة الصلاحيات يعني عمليًا استمرار تدفق السلاح وتفاقم النزاع، ما يقوض أي جهود سياسية أو تفاوضية نحو السلام. ولذا، فإن إعادة هيكلة آلية التفتيش الأممية، وتزويدها بإمكانيات تقنية وبشرية متقدمة، ومنحها سلطة الإشراف المباشر على عمليات التفريغ والنقل، باتت ضرورة أمنية ملحّة لا تحتمل التأجيل، إذا ما أراد المجتمع الدولي وقف تدفق الأسلحة ومنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار.

>> إيران شكّلت خلايا تهريب اخترقت دولاً شقيقة وصديقة

مقالات مشابهة

  • أمن السواحل يبحث مع وزارة الداخلية الإيطالية تعزيز التعاون في مكافحة «الهجرة غير الشرعية»
  • كامل الوزير يشدد على مواجهة الممارسات التجارية الضارة وحماية الصناعة
  • بريطانيا تشن حملة ترحيل واسعة.. 23 دولة تحت المجهر!
  • بمشاركة 44 دولة.. أول أسطول شعبي منسق لكسر الحصار عن غزة
  • هل تحولت فنادق المهاجرين في بريطانيا إلى ساحة تحريض اليمين على الأقليات؟
  • “مكافحة المخدرات” يضبط شبكة تهريب مخدرات في سبها
  • تراجع كبير لعبور المهاجرين عبر أوروبا.. ومسار «ليبيا كريت» البحري يتصدر المشهد
  • انطلاق اجتماع عربي طارئ لبحث التصدي لقرار احتلال غزة
  • تسريبات تفضح أكبر عملية تهريب أسلحة إيرانية إلى موانئ الحديدة بغطاء أممي
  • حضرموت.. إحباط عملية تهريب كميات من المواد المخدرة