هل تحركت أنقرة وتل أبيب فعلا استجابة لدعوة ترامب؟
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
أنقرة- تزايد التوتر بين تركيا وإسرائيل بما يخص الساحة السورية في الأيام الأخيرة، مدفوعا بمتغيرات سياسية وميدانية أعادت رسم موازين القوى داخل البلاد.
فمع سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، وصعود حكومة جديدة في دمشق مدعومة من فصائل معارضة ذات توجه إسلامي، برزت مخاوف إسرائيلية من التقارب المتنامي بين أنقرة والقيادة السورية الجديدة.
في المقابل، كثفت تركيا دعمها للمعارضة، ووسعت من وجودها العسكري شمال سوريا، ففتح ذلك فصلا جديدا من الخلافات بينها وبين تل أبيب التي تخشى من تغيرات ميدانية قد تؤثر على توازن الردع في الجبهة الشمالية. كذلك تزايد التوتر بين الطرفين منذ اندلاع حرب غزة عام 2023، والتي شكلت نقطة تحول في العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.
وانتقل التوتر التركي الإسرائيلي في سوريا من التصريحات إلى الميدان، مع تصاعد لافت في وتيرة التحركات العسكرية والاتهامات المتبادلة في أواخر مارس/آذار وبداية أبريل/نيسان الجاري، إذ شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية استهدفت مواقع داخل الأراضي السورية، بينها قواعد يُعتقد أن أنقرة استطلعتها ضمن ترتيبات لنشر قواتها بالتنسيق مع الحكومة السورية الجديدة.
إعلانواعتبرت تل أبيب تلك الضربات رسالة تحذير لدمشق، متهمة أنقرة بالسعي لفرض نفوذها وتحويل سوريا إلى منطقة وصاية تركية. في المقابل، ردّت أنقرة باتهام إسرائيل بتهديد استقرار سوريا وتعميق الفوضى، في وقت تمسّكت فيه بموقفها الرافض لأي صدام مباشر مع إسرائيل، رغم اتساع هوة الخلافات بين الجانبين حول مستقبل سوريا وترتيبات النفوذ فيها.
وساطة ترامبفي خضم التصعيد العسكري بين أنقرة وتل أبيب داخل الأراضي السورية، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كوسيط بين الطرفين، في محاولة لتفادي مواجهة مفتوحة بين حليفين لواشنطن.
وخلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الاثنين الماضي، قال ترامب أمام الصحفيين "أعتقد أنني أستطيع حل أي مشكلة لديكم مع تركيا"، مشيرا إلى متانة علاقته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفه بأنه "قوي وذكي للغاية"، ومشيدا بدور أنقرة في "إسقاط نظام الأسد" و"أخذ سوريا"، على حد تعبيره.
وفي تعليقه على هذه التصريحات، قال المحلل السياسي مراد تورال إن لترامب تأثيرا مباشرا على أطراف الأزمة الثلاثة (تركيا، إسرائيل، وسوريا) إما من خلال علاقاته الشخصية أو عبر نفوذ يمكنه فرضه عند الضرورة.
وأضاف تورال، في حديث للجزيرة نت، أن دعوة ترامب للوساطة لا يمكن تجاهلها، حتى إن لم يصدر رد رسمي من أنقرة، مشيرا إلى أن هذه الدعوة شكلت في واقع الأمر دافعا سياسيا مهمّا، حفّز تحركات ميدانية ودبلوماسية جدية لاحتواء الأزمة.
وبحسب تورال، فإن ترامب يعرف كيف يخاطب حساسيات الأطراف، ويستثمر رصيده السابق لدى كل من أردوغان ونتنياهو لطرح نفسه "كضامن سياسي" لأي تهدئة، مشيرا إلى أن مجرد ذكره للملف علنا شكل ضغطا غير مباشر على الطرفين، لتفادي الانزلاق نحو مواجهة غير محسوبة، خاصة في ظل التداخل المعقد بين ساحات النفوذ والمصالح داخل سوريا.
إعلانمن جانبه، يرى الباحث في مركز سيتا للأبحاث كوتلوهان قورجو أن ما حرّك إسرائيل نحو الحوار لم يكن دعوة ترامب، بل طلب مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سعى -على ما يبدو- إلى استغلال موقف ترامب لمصلحته.
وأوضح قورجو، في حديث للجزيرة نت، أن ترامب، خلال ظهوره الإعلامي مع نتنياهو، لم يقدم عرض الوساطة كمبادرة فعلية بقدر ما كان يرد على مطلب إسرائيلي غير واقعي، قائلا له بشكل غير مباشر "قد أتوسط، لكن عليك أن تكون أكثر عقلانية".
واعتبر الباحث أن هذه المقاربة لا تنسجم مع الواقع الميداني في سوريا، حيث تعد تركيا اليوم فاعلا رئيسيا، وتربطها شراكة إستراتيجية واضحة مع الحكومة الجديدة في دمشق، التي تنظر إلى أنقرة كحليف إقليمي مهم في مرحلة ما بعد الأسد.
لم تمضِ أيام على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الوساطة، حتى بدأت ملامح تحرك فعلي لتفادي التصعيد الميداني بين أنقرة وتل أبيب داخل سوريا، فقد عُقد الأربعاء الماضي في العاصمة الأذربيجانية باكو أول اجتماع فني غير معلن بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين، خصص لبحث سبل إنشاء آلية تنسيق عسكري تمنع وقوع احتكاك مباشر أو "حوادث غير مرغوبة" بين قوات الطرفين على الأرض السورية.
وبحسب مصادر وزارة الدفاع التركية، فإن الاجتماع جاء تتويجا لتفاهم أولي بين الجانبين على ضرورة ضبط التحركات العسكرية، خصوصًا بعد غارة جوية إسرائيلية نُفذت في الثاني من الشهر نفسه، واستهدفت منشآت كانت تركيا تدرس استخدامها كقواعد ميدانية بالتفاهم مع دمشق.
ومثّل اجتماع باكو -بحسب التصريحات الرسمية- بداية عملية تقنية مستمرة تهدف إلى تأسيس قناة دائمة لتبادل المعلومات الميدانية وتفادي سوء الفهم خلال العمليات.
إعلانوهذا التحرك لم يكن مفاجئا في ظل إشارات دبلوماسية سابقة، إذ أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة تلفزيونية مساء الأربعاء، عن محادثات فنية جارية مع إسرائيل "بهدف تفادي التصادم في سوريا"، مشيرا إلى أن الآلية المقترحة ستكون مشابهة لتلك التي تعتمدها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا، وتشمل تبادل الإحداثيات وإنشاء خطوط تواصل مباشر بين الوحدات العسكرية.
أما تل أبيب فلم تُعلق رسميا على مضمون المحادثات، لكن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد مشاركة وفد رسمي برئاسة مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي في لقاء باكو، دون الخوض في التفاصيل.
وأوضحت مصادر إسرائيلية لاحقًا أن تل أبيب أبلغت أنقرة رفضها "أي تغيير في خارطة الوجود العسكري بسوريا"، بما في ذلك إقامة قواعد تركية في منطقة تدمر التي تعدّها إسرائيل نقطة إستراتيجية حساسة.
ولكن هيئة البث الإسرائيلية قالت إن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاقات بشأن أنشطتهما في سوريا وستستمر المحادثات بعد عيد الفصح بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين.
وفي السياق، تواصلت الجزيرة نت مع مكتب الاتصال في وزارة الخارجية التركية للاستفسار عن تفاصيل الاجتماع والآلية المزمع إقرارها، لكنها لم تتلقّ ردا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
تنسيق ميداني
وفي ما يخص المحادثات الفنية الجارية بين أنقرة وتل أبيب، اعتبر الباحث قورجو أن اللقاء الأول لم يحقق نتائج مباشرة، لكنه أشار إلى أن مجرد انعقاده رغم القطيعة السياسية يعكس مدى أهمية التنسيق الميداني للطرفين.
وقال إن "الاتفاق على بدء هذه المحادثات -رغم غياب التمثيل الدبلوماسي- يثبت وجود حاجة حقيقية وملحّة لتفادي الاصطدامات الميدانية التي قد تكلف الجميع أثمانا باهظة وغير متوقعة".
وأضاف قورجو أن نجاح هذا التنسيق مرهون بتخلي إسرائيل عن مقاربتها "المتطرفة والتوسعية"، والعودة إلى "الواقع الميداني"، حيث يمكن عندئذ بناء آلية عمل مشترك من دون صعوبة كبيرة.
إعلانورغم فشل الاجتماع الأول، عبّر قورجو عن قناعته بأن الحاجة المتبادلة لتنسيق ميداني في سوريا ستنتج نتائج ملموسة على المدى المتوسط، حتى إن تعثرت الخطوات الأولى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أنقرة وتل أبیب بین أنقرة مشیرا إلى فی سوریا تل أبیب إلى أن
إقرأ أيضاً:
ترامب يستعد لإلغاء "مجموعة كبيرة" من العقوبات على سوريا
يستعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإصدار أمر تنفيذي يلغي بموجبه مجموعة كبيرة من العقوبات المفروضة على سوريا.
ونقل موقع "المونيتور" عن مسؤولين أميركيين، أن قرار ترامب المرتقب يأتي تماشيا مع تعهده برفع جميع العقوبات في الوقت الذي تسعى فيه البلاد للتعافي من حرب أهلية دامت أكثر من عقد من الزمان.
ومن المتوقع أن يوقع ترامب على هذا الإجراء في الأيام المقبلة، والذي وصفه أحد المسؤولين بأنه "الإلغاء الكامل لهيكل العقوبات المفروضة على سوريا".
ويأتي هذا بعد أن أعلنت إدارة ترامب عن الموجة الأولى من تخفيف العقوبات في 23 مايو، والتي تضمنت إصدار ترخيص عام يسمح للأميركيين بالدخول في معاملات مالية مع كيانات حكومية سورية، مثل البنك المركزي، وشركة النفط المملوكة للدولة، وشركة الطيران الوطنية السورية.
كما كشفت وزارة الخارجية عن تعليق "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" لمدة ستة أشهر، وهو قانون أقره الحزبان الجمهوري والديمقراطي بهدف عزل نظام بشار الأسد السابق وداعميه.
وكانت الولايات المتحدة شددت العقوبات على سوريا ابتداء من عام 2011، بسبب موقف نظام الأسد من الاحتجاجات ضد حكمه وتم توسيع العقوبات في عام 2020 بموجب "قانون قيصر".
ومن المتوقع أن يلغي إجراء ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية المتعلقة بسوريا والتي يعود تاريخها إلى عقود مضت، بما في ذلك الإجراءات التي فُرضت بعد اندلاع الحرب الأهلية والتي منعت الأميركيين من تصدير الخدمات إلى البلاد.
وقد ناقش ترامب تخفيف العقوبات الشهر الماضي في الرياض مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وشكل هذا اللقاء أول اجتماع بين زعيمي البلدين منذ 25 عاما.
ويمهد رفع العقوبات الطريق لإعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب.
ووصف وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو انخراط الولايات المتحدة وتخفيفها للعقوبات بأنه أمر ضروري لتجنب انهيار الحكومة السورية والعودة إلى الحرب الأهلية.
وفي خطوة رئيسية نحو الانتعاش الاقتصادي لسوريا، من المقرر إعادة ربط البلاد بنظام "سويفت" للمدفوعات المالية الدولية "في غضون أسابيع قليلة"، وذلك بعد أكثر من عقد من العقوبات التي منعت البلاد من الوصول إلى المنصة، وفقا لمحافظ البنك المركزي.