سودانايل:
2025-12-13@03:25:01 GMT

السودان القديم وطنٌ كان قبل أن يُرسم

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

السودان القديم وطنٌ كان قبل أن يُرسم

دعوة جريئة لمحو سودان الإنجليز من الذاكرة، واستعادة خيال الوطن، أو الرقعة الجغرافية الأصل التي كانت تسع الجميع.

شهاب طه

مقدمة للنقاش العام:
جماهير شعبي الطيب المنكوب الصابر،
أضع بين أيديكم هذه المقالة كمساهمة في النقاش الوطني الصريح الذي نحتاجه جميعاً اليوم. ما أطرحه هنا ليس استهدافاً لأحد، ولا دفاعاً عن الماضي بقدر ما هو دعوة لتحرير وعينا من النموذج المفروض علينا منذ الاستعمار.

لن تُحل مشكلات السودان ما لم نتحرر من “الحرج” ونتحدث عن جذور المأزق، بصراحة وشجاعة، ونتخيل حلولاً من داخلنا لا من خارطتهم. أرجو أن أجد منكم آراءً تضيف وتنتقد وتطور، فهذه الكتابة ليست إلا دعوة لحوار أوسع يشارك فيه الجميع.

1. الدولة المستعارة: كيف بدأ التشوّه؟

في كل مرة نتصدى فيها لمشكلات السودان المستعصية، نجد أنفسنا نعود إلى لحظة الاستقلال عام ١٩٥٦، ودلة ٥٦ الوهمية، ثم نغرق في تحليل الصراع بين المركز والهامش، بين الجلابة والغرابة، بين النخبة والجماهير، بين العسكر والمدنيين، بين الديمقراطية والهوس الديني. لكن نادراً ما نتجرأ على الذهاب أعمق، إلى ما قبل تلك اللحظة بكثير: إلى الجذر الذي نبتت منه الأزمة كلها.

لقد رسم الاستعمار البريطاني حدود السودان، لا بناءً على أنساقه التاريخية ولا على وحدته الثقافية، بل وفق منطق الخرائط والمصالح. ثم زرع فيه مركزية إدارية غريبة، ونخبة صنعتها مدارس البعثة، وقاموساً جديداً للعلاقة بين الناس والدولة: المواطن بدلاً من الفرد الحر، القانون بدلاً من العرف، ضابط المركز بدلاً من شيخ القبيلة، والخارطة بدلاً من المجال الحيوي الذي عرفه الناس.

تحول السودان من مجتمع عضوي إلى دولة مُستعارة، تحمل اسماً لم يكن هو إسمها وهويّةً لا علاقة لها بنشأته الأصلية. ومنذ ذلك الحين، لم يشعر غالبية السودانيين بأنهم جزءٌ من هذا الكيان الغريب.

2. المجتمعات القديمة: خرائط بلا حبر

في السودان القديم، قبل أن تطأه أقدام الاستعمار، لم تكن هناك دولة مركزية تُهيمن على الجميع، بل كانت هناك كيانات محلية ذات سيادة واضحة: الممالك الكوشية، مملكة الفونج، سلطنة الفور، سلطنة دار مساليت، مشيخات البجا، وغيرها. كل منها كانت تمارس الحكم وفق نظمها الخاصة: سلطة شرعية، وجيش، وقضاء، وعرفٌ ينظم الحياة.

لم يكن الناس رعايا في دولة لا يعرفونها، بل كانوا أبناءاً لمجتمعات ينتمون إليها وجداناً وفعلاً. لم يكن المركز بعيداً عن الريف، لأن السلطة كانت نابعة من الأرض لا مفروضة عليها. لم يكن هناك “مواطن” بلا جذور، بل فرد له مقام اجتماعي في نظام قبلي أو ديني متماسك. لم تكن هناك وزارات ولا جيوش وطنية، ولكن كان هناك أمن وعدل وانضباط اجتماعي حقيقي.

3. الهجرة غير المنظمة: جذر الخلل وسبيل الخلاص

تشكّل الهجرة العشوائية وغير المنظمة اليوم واحدة من أخطر المهددات التي تقوّض الأمن القومي وتنهك التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في السودان الحديث. ليست مجرد انتقال أفراد، بل تعبير عن اهتزاز بنية الدولة وفقدان المجتمعات لتماسكها الداخلي.

ومع تعقّد المشهد الراهن، يبدو من العسير حسم هذه المعضلة داخل الإطار الذي فُرض علينا منذ الاستعمار، حين تم تفكيك المجتمعات المحلية القديمة، وفقد الأفراد صلتهم بأرضهم الأصلية. لذا فإنّ العودة إلى أنساق ما قبل الاستعمار ليست رجوعاً إلى الوراء، بل استعادة لأدوات الفرز والتنظيم التي كانت تضمن التوازن الأهلي.

في السودان القديم، كان لكل فرد موطن، ولكل جماعة أرض، والانتماء كان واضحاً ومحكوماً بروابط الدم والعرف. وبهذا النسق، يمكن لكل دويلة أو مجتمع محلي أن يعيد التمحيص والفرز، فيُميز بين الأصيل والدخيل، ويُعيد ترتيب بيئته الداخلية على أسس من العدل والاستقرار، ما يُمكِّن من إعادة توطين النازحين بصورة عادلة لا فوضوية.

4. كيف نعود؟ لا إلى الوراء، بل إلى الجذور

ما ندعو إليه ليس حنيناً للماضي ولا تبجيلاً للقبيلة، بل تحريراً للخيال الوطني من أسر النموذج الأوروبي الغريب الذي أدخلنا في دوامة الحروب والنفور. نريد أن نُعيد تخيل السودان كما عرفه أهله قبل أن يُفصَّل كجلابية ضيقة على مقاس مستعمر لا يعرف أهله.

نريد دولة تشبه الناس، لا النظام الغربي الذي لا يلائم تركيبتنا. نريد عقداً إجتماعياً ينبت من تراب السودان، لا من مخيلة الأوروبيين. عقداً يؤمن بالتوافق الأهلي، ويمنح السيادة للواقع لا للنصوص المستوردة. أن نرسم خريطتنا من داخلنا، لا أن نُفرض على خارطة لا تعترف بنا.

خاتمة: فلنتخيل وطناً مرسومًا بإرادتنا لا مصنوعاً كخريطة

فلنُطلق دعوتنا اليوم، لا بوصفها مجرد فكرة سياسية، بل تمريناً جماعياً في الخيال الوطني: أن نتخيل أنفسنا نعيش في السودان القديم، حين كان الانتماء صادقاً، والأرض معروفة بأهلها، والسلطة محلية نابعة من الناس. أن يعود كل فرد إلى منشئه، ويرتب حال بيته الداخلي قبل أن يطالب بوطن لم يساهم في بنائه.

لنعد إلى ذلك الوطن الذي سبق أن وُجد، وطنٌ لم يُرسم على مقاس الغرب، بل كان منسوجاً من تفاصيلنا، من عاداتنا، من طرق عيشنا. نُحيي فيه الروح التي سكنت الأرض قبل أن تُسلب، ونبنيه كما نريده، لا كما رُسم لنا، حتى ننجو من كوارثنا التي نصنعها بأيدينا دون وعيّ.

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان القدیم فی السودان قبل أن ی لم یکن

إقرأ أيضاً:

شريف الجعار: عدد كبير من سكان الإيجار القديم عجزوا عن التقديم للسكن البديل

أكد شريف الجعار، ورئيس اتحاد مستأجري الإيجار القديم، أن الحكومة غير مجهزة للتعامل مع ملف الإيجار القديم دون بيانات دقيقة، مشيرًا إلى أن العدد الرسمي للمستأجرين المسجلين في السكن البديل لا يتجاوز 43 ألفا فقط، وهو رقم بعيد جدًا عن الواقع.

البحيري: الغالبية العظمى من المستأجرين ملتزمون بقانون الإيجار القديمقانون الإيجار القديم على طاولة برلمان 2026.. نواب فائزون يستعدون لتقديم تعديلات

وحذر شريف الجعار ، خلال برنامج “كلمة أخيرة” تقديم الإعلامي أحمد سالم، من أن أزمة الإيجار القديم في مصر تتصاعد بسبب عدم جاهزية الحكومة واعتمادها على بيانات وإحصائيات غير دقيقة.

الفجوة بين الأرقام الحقيقية والمسجلة

وقال رئيس اتحاد مستأجري الإيجار القديم إن عدد المستأجرين الحقيقي لا يقل عن 30 مليون مواطن، مشيرًا إلى أن بعض الشقق مغلقة أو غير مسجلة، ما يزيد من حجم الأزمة ويصعب حلها.

عجز في التسجيل للسكن البديل

وأكد الجعار أن هناك عددا كبيرا من السكان عجزوا عن التقديم للسكن البديل، نتيجة عدم تحديد القرار الحكومي لمساكن بديلة كافية تلبي احتياجاتهم، وهو ما يتطلب مراجعة عاجلة للآليات المتبعة.

طباعة شارك شريف الجعار المحامي اتحاد مستأجري الإيجار القديم أزمة الإيجار القديم

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: هناك رموز ستختفي والحكومة ستتغير بعد الانتخابات.. فيديو
  • فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟
  • قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
  • من قلب الجدار القديم .. نافذة مفتوحة على إنسانية بلا حدود
  • برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة
  • هل هناك موت ثقافي في القدس؟
  • هل هناك فرق بين العراف والكاهن
  • إطلاق الأعمال اللوجستية الأولية لإنارة طريق المطار القديم
  • بالأرقام.. تعرف على زيادة الإيجار القديم وتصنيف المناطق
  • شريف الجعار: عدد كبير من سكان الإيجار القديم عجزوا عن التقديم للسكن البديل