فولكر تورك: حرب السودان هجوم شامل على حقوق الإنسان وسط صمت دولي مقلق
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
تحدث تورك عن انتشار واسع للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف والاستغلال، منذ اندلاع الحرب، إضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة، والاعتقالات التعسفية، وحالات الإخفاء القسري في مناطق النزاع المختلفة.
الخرطوم: التغيير
حذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن الحرب الدائرة في السودان منذ عامين تمثل “هجوماً شاملاً على حقوق الإنسان” في ظل “تقاعس دولي مقلق”، مؤكداً أن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر مع اقتراب الصراع من عامه الثالث.
وقال تورك، في بيان صدر السبت، إن “العام الماضي شهد تصاعداً في حدة الأعمال العدائية واتساع نطاقها، مما أدى إلى تمزيق حياة وآمال ملايين السودانيين، الذين وجدوا أنفسهم عالقين في مستنقع من العنف والمعاناة والحرمان”.
وأضاف أن “سنتين من هذا النزاع الوحشي والعبثي يجب أن تكونا جرس إنذار للأطراف المتحاربة لوقف القتال، وللمجتمع الدولي للتحرك بشكل عاجل”، محذراً من أن استمرار الحرب يضع السودان على “مسار مدمر لا يمكن تحمله”.
وأوضح تورك أن النزاع القائم لا يقتصر فقط على الصراع على السلطة، بل تغذيه مصالح اقتصادية وتجارية لجهات محلية ودولية، خاصة في قطاعات الذهب والسلع الزراعية، حيث باتت عائدات الذهب، والصمغ العربي، والمواشي بمثابة عماد لاقتصاد الحرب.
ولفت إلى أن استمرار تدفق الأسلحة، بما في ذلك إلى مناطق خاضعة لحظر السلاح الأممي مثل غرب دارفور، يؤجج القتال ويزيد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. ودعا إلى توسيع نطاق حظر السلاح ليشمل كامل الأراضي السودانية، مطالباً الدول التي تسهّل نقل السلاح إلى السودان بالتوقف فوراً عن ذلك.
وأشار المفوض السامي إلى أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتورطان منذ بداية الحرب في انتهاكات واسعة النطاق، من بينها استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، إلى جانب عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية.
وشدد على أن الهجمات الانتقامية والقتل بإجراءات موجزة، لا سيما ذات الدوافع الإثنية، لا تزال منتشرة في مناطق عدة، وتغذّيها حملات الكراهية والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأوضح أن العشرات قُتلوا في الخرطوم أواخر الشهر الماضي بعد سيطرة الجيش السوداني على المدينة، بسبب الاشتباه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع.
وفي شمال وغرب دارفور، وثّقت المفوضية الأممية هجمات شنتها قوات الدعم السريع استهدفت قرى استناداً إلى الخلفيات الإثنية لسكانها.
وتحدث تورك عن انتشار واسع للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف والاستغلال، منذ اندلاع الحرب، إضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة، والاعتقالات التعسفية، وحالات الإخفاء القسري في مناطق النزاع المختلفة.
كما نبه إلى تصاعد التهديدات والمضايقات ضد النشطاء والصحافيين والعاملين في المجال الإنساني، مما يحدّ من الحريات المدنية ويعوق تدفق المعلومات، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث نزح أكثر من 12.6 مليون شخص، ويواجه نحو 24.6 مليون آخرين انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، فيما يُحرم 17 مليون طفل من التعليم.
وقال تورك: “إن الحرب لا تدمّر حاضر السودان فحسب، بل تقوّض مستقبله أيضاً”، محذراً من أن إطالة أمد الصراع ستجعل من التعافي مهمة أكثر تعقيداً.
وتحل الذكرى الثانية للحرب في وقت تتزايد فيه المخاوف على سلامة المدنيين في مدينة الفاشر ومحيطها، حيث تفرض قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً منذ فترة طويلة، وسط مؤشرات على احتمال شنّ هجوم واسع. كما تتصاعد التوترات في مناطق أخرى مثل كردفان، والنيل الأزرق، والولاية الشمالية.
واختتم تورك بدعوة المجتمع الدولي إلى عدم تجاهل آمال السودانيين وتطلعاتهم نحو السلام والعدالة، مؤكداً على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وإطلاق عملية شاملة تعالج الأسباب الجذرية للنزاع، وفي مقدمتها الإفلات من العقاب.
الوسومآثار الحرب في السودان المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر توركالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الدعم السریع فی مناطق
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline