المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. اختبارٌ لنضج الدبلوماسية ومصالح الأطراف
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
يمانيون/ تقارير في لحظةٍ تتأرجَّحُ فيها المنطقةُ فوق خطوط النار، وتحت ضغط التوترات المتراكمة، عادت “طهران وواشنطن” إلى طاولة المفاوضات –ولو بطريقةٍ غير مباشرة– عبر مسقط، حاملةً معها رمزيةَ الموقع وحيادَ الوسيط.
في تفاصيل المشهد، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية مساء اليوم السبت، رسميًّا انتهاء الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، والتي جرت في العاصمة العُمانية مسقط.
خلف أبواب مغلقة: مفاوضات غير مباشرة وأجواءٌ إيجابية
اللقاء الذي استمرَّ ساعتَينِ ونصفَ ساعة بين الوفدَينِ –عبرَ وساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي– وُصِفَ بأنه تَــمَّ في “أجواء إيجابية” وعلى أَسَاس “الاحترام المتبادل”.
وفي السياق، أكّـد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “إسماعيل بقائي”، أن الهدفَ الإيراني واضح، وهو “تأمينُ المصالح الوطنية، وتوفير فُرصة واقعية للدبلوماسية في سبيل رفع العقوبات وتسوية الملف النووي” مُضيفًا أنهُ “لا نتوقَّعُ مفاوضاتٍ طويلةً. اليوم بداية، وفيه يعلن الطرفان مواقفهما المبدئية”.
وفيما تصريحاتُ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” التي نُقلت عن طريق وسائل إعلام أمريكية: “أريد لإيران أن تكون دولة عظيمة. لكن دون سلاح نووي”، ألمح مصدرٌ أمريكي لموقع “أكسيوس” إلى أن “ترامب” “مستعدٌّ لتقديمِ تنازُلاتٍ للوصول إلى اتّفاق”.
هذا التباين يعكس إشكاليةً مزمنة في الخطاب الأمريكي، ويثير الشكوكَ حول ما يُقال في العلن وما يُطبَخ في الخفاء؛ كون تناقض التصريحات الرسمية مع واقع الميدان، هو ديدنُ “ترامب”.
الدور العُماني: أكثرُ من وساطة
سلطنة عُمان، التي تستضيفُ هذه الجولة، لا تلعبُ دورَ ناقل الرسائل فقط، بل باتت تقدِّمُ أفكارًا ومقترحاتٍ، كما تفيد مصادر دبلوماسية، في كلا الوفدين.
اللقاء -الذي جمع وزيرَ خارجيتها بـ”البوسعيدي” مع وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”- شهد تسليمَ رسالة مفصلة من طهران إلى واشنطن، وقد نوّه “عراقجي” خلال اللقاء بـ”دور مسقط المسؤول”، معتبرًا أن “الاتّفاقَ العادل والمشرِّف”، ممكنٌ فقط إذَا توفَّرت النوايا الصادقة من الطرف المقابل.
في موازاة الإعلان عن المحادثات، برز في الآونة الأخيرة تصعيدٌ متبادلٌ في الخطاب بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من جهة أُخرى.
غير أن لهجةَ “ترامب” انخفضت، ما فتح باب التكهنات حول احتمال وجود اتّفاق غير مُعلَن أَو صفقة تُطبَخُ بعيدًا عن الأضواء، خُصُوصًا مع التغطية الاستثنائية للقاءات المبعوثِ الأمريكي “ستيف ويتكوف” مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في موسكو قبل التوجُّـه إلى مسقط.
المراقبون يربطون بين هذه التطورات وبين تراجُع تأثير اللوبي الصهيوني داخل دوائر القرار الأمريكي، أَو ربما توافُق خفي يجري ترتيبُه دون علم الحلفاء التقليديين لأمريكا في المنطقة.
اللافت أن هذه التحَرّكات خلقت حالةً من الريبة لدى الكيان الإسرائيلي وبعضِ دول الخليج، التي بدأت بالفعل تضخيمَ خطر التقارُبِ “الإيراني الأمريكي” عبر وسائل الإعلام المختلفة ومِنصات الاتصال والتواصل، في محاولةٍ للضغط على واشنطن وإفشال ما يبدو أنه مسارٌ تفاوضي حقيقي.
بين السطور: ملامحُ صفقة مصغَّــرَة
وَفْقَ مصدر عُماني نقلته وكالة “رويترز”، فَــإنَّ المباحثاتِ تهدفُ إلى “تهدئة التوترات الإقليمية وتبادل السجناء، والتوصُّل إلى اتّفاقاتٍ محدودة لرفعٍ جُزئيٍّ للعقوبات مقابل كبح البرنامج النووي العسكري”، إذَن نحن أمام تفاهُمٍ جزئي أَو صفقة مصغّرة، وليس اتّفاقًا شاملًا على غرار “اتّفاق 2015م”.
وكما قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، “فاطمة مهاجراني”: “نريد حوارًا دقيقًا بلا ضجيج. لا مفاوضات بلا وضوح أَو روايات مختلقة”، وهو تصريحٌ يكشف حرصَ إيران على إغلاق الثغرات التي تسمحُ للخصوم الداخليين والخارجيين بتشويه مجريات التفاوُض.
في السياق، يرى مراقبون أن نجاحَ المحادثات وتحوُّلَها إلى مفاوضاتٍ مباشرةٍ ممكنةٌ جِـدًّا، وربما نشهَدُ في الأسبوع المقبل انتقالًا إلى مفاوضات مباشرة بين “عراقجي وويتكوف”، وهذا يعني دخولَ الطرفَينِ في نقاشٍ تفصيلي حولَ العقوبات والبنود النووية.
وفي حال فشلت الجولةُ المقبلة أَو طرأت مستجداتٌ إقليمية، بحسب مراقبين؛ فقد تعودُ لُغةُ التصعيد، خُصُوصًا في ظل تقاطع أجندات أطراف متضرِّرة من التهدئة، أبرزُها حكومة مجرم الحرب “نتنياهو”.
غير أن نجاحَ المفاوضات القادمة هو السيناريو الذي يلقى ترجيحًا كَبيرًا من كثير من الخبراء؛ إذ يمكن لواشنطن أن تُخفِّفَ بعضَ العقوبات مقابلَ التزام تقني من إيران بعدم رفع مستوى تخصيب “اليورانيوم”، بينما تُقدِّمُ إيران هذا الإنجاز على أنه “انتصارٌ للسيادة والتفاوض الندّي”.
واعتبر المراقبون أن هذه المفاوضاتِ مُجَـرّدُ جولة أولية ومرحلة تقنية حول المِلف النووي، إلا أن القادم هو الاختبار الحقيقي لــ ما إذَا كانت “طهران وواشنطن” مستعدتَينِ لفَكِّ عُقدة الشكوك المتبادلة، وفتح نافذة اتّفاق قابل للبقاء.
بالمحصِّلة؛ ما جرى اليوم في مسقط، هو رسمٌ أولي لمعادلةٍ جديدة في المنطقة، تكونُ فيها سلطنةُ عُمان حجرَ الزاوية، تراقَبُ من الأطراف كافة “روسيا، (إسرائيل)، تركيا، ودول خليجية”، ولكُلٍّ منهم حسابات متناقضة، ويبقى السؤال مطروحًا، هل تتجاوزُ هذه المفاوضاتُ “المرحلةَ التجريبية” لتصلَ إلى اتّفاق فعلي، أم أنها مُجَـرّدُ هُدنة مؤقَّتة في حرب الدفاع المتقدِّم عن الكيان؟
نقلا عن المسيرة نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: ات فاق
إقرأ أيضاً:
حزب الله أمام اختبار تجنيبه لبنانَ المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية
كتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": الهم السياسي لحلفاء وخصوم «حزب الله» على السواء، يكمن في مراقبة سلوكه ورد فعله في حال تصاعدت وتيرة الحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل بغياب الوساطات الدولية لوقفها، وما إذا كانت قيادته ستلتزم بالبيان الذي أصدره بإدانته للعدوان الإسرائيلي وخلوه من أي تهديد بالرد، آخذة بالنصيحة بعدم التورط في المواجهة التي أُسديت لها من قبل قيادة الجيش بتكليف من رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون، والحكومة نواف سلام، وبمباركة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري.ومع أن بري يبدي أمام زواره ارتياحه لموقفي عون وسلام، فإن أوساطه تؤكد انضباط الحزب في الحفاظ على الاستقرار في لبنان ووقوفه وراء المواقف الرئاسية، وتستبعد استدراجه للدخول في مواجهة غير محسوبة تغلب عليها الحماسة، ولن يكون لها من تأثير في مجريات المواجهة التي تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المتطورة.
وتلفت مصادر نيابية إلى أن الحزب ليس مضطراً للدخول في مواجهة مفتوحة، حتى إشعار آخر، إلى جانب إيران، لن تبدّل من موازين القوى. وتسأل: ما الجدوى من أن يبدد ما تبقى لديه من مخزون صاروخي ولن يكون له من تأثير مقارنة مع استخدام إسرائيل أحدث ما لديها من طائرات حربية، في مقابل استخدام إيران صواريخ باليستية دقيقة ومسيّرات متطورة؟
وتؤكد المصادر النيابية لـ«الشرق الأوسط» أن أقصى ما يقدمه «حزب الله» لن يتعدى إدانته للعدوان الإسرائيلي وتضامنه مع إيران؛ لأنه لا قدرة له على الانخراط في الحرب التي هي كناية عن مواجهة نووية بالنار، وأن إسرائيل تخوضها بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية لخفض سقف الشروط الإيرانية. وتضيف بأن لا خيار أمام الحزب سوى التمسك باستراتيجية الصبر والصمود بوقوفه خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي للضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب تمهيداً لتطبيق القرار 1701، وكان أول من أيد اتفاق وقف النار الذي توصل إليه بري مع الوسيط الأميركي آنذاك آموس هوكستين وترك للحكومة مهمة تطبيقه.
وترى المصادر أن الحزب بامتناعه عن الرد على الخروق والاعتداءات الإسرائيلية والتزامه بوقف النار الذي عطلت تل أبيب تنفيذه، يوفر الدعم للدور الذي يوليه لبري لتطبيق الاتفاق وهو يلتزم بضبط النفس، وإن كان موقفه هذا يسبب له إحراجاً بداخل حاضنته الشعبية بذريعة امتناعه عن الرد. وتسأل: هل يمكن للحزب أن يخرق امتناعه عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بانخراطه إلى جانب إيران في مواجهتها لإسرائيل؟ وماذا سيقول لحاضنته في تبريره لتمايزه في موقفه لمصلحة طهران؟ وكيف سيواجه رد فعل خصومه؟
وتؤكد أن المزاج العام لعموم الشيعة في لبنان ينشد الاستقرار، وهو في حاجة لأن يلتقط أنفاسه ريثما يطمئن إلى وجود قرار لإعادة إعمار البلدات المدمرة، ولا يؤيد انضمام الحزب إلى جانب طهران في مواجهة سترتد سلباً على الداخل اللبناني، وترفع من منسوب موجات النزوح، وتزيد من حجم الدمار. وتقول إن الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان لا تسمح بتحميل الطائفة المنكوبة هذا الكم من الأكلاف البشرية والمادية، ويكفيها ما ارتد عليها من أثقال من جراء تفرد الحزب بقرار إسناده لغزة من دون العودة للدولة.
الحزب ربما أراد بعدم انخراطه في الحرب الدخول في مهادنة مع خصومه، وصولاً لتأسيس مرحلة سياسية جديدة على قاعدة تحييد لبنان عن المواجهة وتمايزه عن حليفه الاستراتيجي إيران بعدم التورط فيها لطمأنة بيئته بانفتاحه على الجهود لعودة الاستقرار إلى الجنوب، وتعبيد الطريق أمام بري لحوار شامل بخلاف الحوارات السابقة، يرعاه عون، وجدول أعماله حصرية السلاح بيد الدولة، وإطاره العام موقع الشيعة في الخريطة السياسية للبنان. مواضيع ذات صلة قبل نزع سلاح "حزب الله".. تقرير بريطاني: هذا أوّل إختبار أمام لبنان Lebanon 24 قبل نزع سلاح "حزب الله".. تقرير بريطاني: هذا أوّل إختبار أمام لبنان